ثروتك اللغوية: كيف تضاعف مواردها؟
علي حسين عبيد
2024-04-03 04:47
الثروة مفردة يسيل لها اللعاب حقا، فما أن يسمع أي شخص بهذه المفردة حتى تتفتح عنده آمال لا حصرَ لها، ويعتقد بأنه في حالة بقاء أبدية في هذه الحياة الدنيا، وتهجم عليه تصاوير الذهب والعملات النقدية والمخشلات والورق الأخضر للدولار، ويبدأ يتخيل ثروات كبيرة يمكن أن يحصل عليها، فتجعل حياته أكثر سعادة وهناء.
ولكن إلى أي مدى يصح هذا القول، وهل فعلا، تقف الأموال والثروات النقدية وراء صناعة السعادات الحقيقية؟، قد لا نأتي بجديد عندما نقول بأن الكثير من أصحاب الثروات الهائلة يفتقدون للسعادة، وهناك أناس بسطاء أكثر سعادة من أغنياء كثيرين.
حتى أنني ذات يوم سمعت أحد كبار الأغنياء في مدينتي وهو يردّد أمام الملأ، أنا مستعد لمبادلة ثروتي كلها في مقابل أكْلي لصحن صغير من الرز (التمن) بدون آلام، لأنه كان مصابا بضغط الدم وممنوعا من تناول هذا النوع من الطعام.
فهل الثروة المالية أنجت هذا الرجل الغني من المرض، وهل هو سعيد بثروته هذه؟، كلا بالطبع لذا هناك أنواع أخرى من الثروات يجب على الإنسان أن يهتمّ بها، مثل ثروة (الصحة)، فلو أن ذلك الرجل الغني كان مهتما بثروته الصحية مثل اهتمامه بثروته المالية، لكان في صحة تامة ولأمكنهُ أن يأكل الرز بلا تمنيات كبيرة ولا آلام كثيرة.
حاجتنا للثروة الأخلاقية
أصل في كلمتي هنا إلى أن الثروات ليست مالية فقط، وكما ذكرت توجد الثروة الصحية والثروة العلمية والثروة الدينية والثروة الأخلاقية التي نحتاجها كثيرا، وغيرها من الثروات التي ترفع من شأن صاحبها مثلما تفعل الثروة المالية تماما، فالمال كما يُقال سلطة، والرجل صاحب الأموال له مكانة في المجتمع، ولكن يجب أن نفهم أن الثروة المالية لا تحقق كل ما يتمناه الإنسان.
النوع الذي خصّصتُ له هذه الكلمة من الثروات، هو الثروة اللغوية، فما هي هذه الثروة، وكيف تتكون وتنمو، وما هي الفوائد التي تقدمها لصاحبها أو للإنسان الذي يمتلكها؟
الثروة اللغوية يمكن تعريفها بأنها مجموع المفردات والكلمات التي يعرفها الإنسان ويفهم معناها ويستطيع من خلالها صياغة الجمل التعبيرية والوصفية المفيدة التي يمكن لها أن تصوغ أفكاره وآراءه وعلومهُ، وتقدمها للناس بوضوح تام.
لذا فإن أي إنسان يمتلك قاصَة لغوية خاصّة به، وكلما كانت هذه القاصَة مكتظّة وممتلئة بالمفردات المتنوعة، كان هذا الإنسان أكثر قدرة من غيره على صياغة الأفكار والآراء وتوصيلها إلى الناس، وهذه ميزة يتميز بها الأشخاص (العلماء، الأذكياء، المفكرين، المتعلمين، والمثقفين)، فغالبا ما يحرص هؤلاء على تنمية ثرواتهم اللغوية حتى يكون بمقدورهم التعبير عن أفكارهم وآرائهم بشكل دقيق.
النقطة الأخرى بعد أن عرفنا أهمية الثروة اللغوية، كيف يمكن للإنسان أن ينمّي ثروته هذا، ماذا يفعل، وما هي الإجراءات التي يقوم بها حتى تنمو وتكبر ثروته اللغوية، الأمر في الحقيقة ليس صعبا ولا معقدا، فكل كلما يقرأها الإنسان في كتاب أو مطبوع ما، أو يسمع من إنسان آخر أو من مذياع أو من أي مصدر آخر، عليه أن يحفظها في قاصته الخاصة بتخزين الثروة اللغوية.
تخزين المفردات اللغوية الجديدة
وفي هذه الحالة سوف تنمو هذه الثروة، على أن يحرص الشخص باهتمام شديد ليحتفظ في قاصته اللغوية بالمفردات الجديدة التي لم يسمع بها سابقا، أي أنه لا يخزن الكلمات المكررة لأنها لن تفيده بشيء، وعليه في هذه الحالة أن يبحث بنفسه عن المفردات الجديدة ولا ينتظر أن يسمعها من مذياع أو من إنسان أو يقرأها في مكان ما.
فكم من الأشخاص قام بمثل هذا الإجراء لزيادته ثروته اللغوية، أتذكّر أنني في سلسلة محاضرات قدمتها لطالبات مبتدئات لتعليم اللغة التعبيرية ولغة الوصف، كنت في نهاية المحاضرات أطلب من كل طالبة أن تأتي لي في الدرس القادم بخمس كلمات جديد لم نسمع بها لا نحن ولا هي، وكان عدد الطالبات 15 طالبة، وتم الالتزام وأخذت الطالبات بجلب الكلمات المطلوبة منهن.
وهكذا بدأنا نستمع في الصف إلى كلمات كثيرة لم نسمع بها سابقا، بما في ذلك المحاضِر أيضا، وبهذه الطريقة تكونت عند الطالبات ثروات لغوية رائعة ومكتنزة بالمفردات المعبّرة الجديدة، واليوم بعد مرور سنوات تبوّأت الطالبات مسؤوليات كتابية مهمة في مؤسسات إعلامية وصحفية، مثل رئيسة أو مديرة تحرير وما شابه.
وأخيرا تكمن أهمية الثروة اللغوية، في منح الإنسان القدرة على الوصف والتعبير عن أفكاره وآرائه، وتقديمها بشكل واضح للآخرين، وكذلك تُسهم الثروة اللغوية في تحسين نطق الإنسان، وسبك الجمل التي ينطقها مع استمرارية التمرّن على ذلك، وغالبا ما يكون صاحب الثروة اللغوية الجيدة متحدثا جيدا وكاتبا جيدا أيضا.