التطرف الثقافي وصراع الهويات
علي حسين عبيد
2022-04-20 07:24
مفردة التطرف تعني ببساطة اتخاذ موقف حدّي تجاه طرف آخر، وبلوغ درجة التناقض الكلي معه، وهو في رأي أصحاب الشأن تعبير نسبي يستعمل لوصف أفكار أو أعمال يُنظر إليها من قبل مطلقي هذا التعبير بأنها غير مبرّرة. أما من ناحية الأفكار، فيستعمل هذا التعبير لوصم الأيديولوجية السياسية التي تعدّ بعيدة عن التوجّه السياسي للمجتمع.
ومن ناحية الأعمال، يستعمل هذا التعبير في أغلب الأحيان لوصف المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغيير سياسية أو اجتماعية. وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف.
هناك من يرى أن التطرف ظاهرة عالمية، وهو رأي توجد دلائل كثيرة لإثباته، أبرزها الصراع العالمي بين الثقافات، فيما يسمى بحملات الغزو الثقافي التي باتت أكثر سعة وقوة في ظل شبكات التواصل، وتطور وسائل الاتصال على مستوى عالمي، شمل جميع الشعوب والثقافات المختلفة، وهذا يعني سهولة الصراع الثقافي بعد أن هيّأ الانترنيت ساحة كبيرة له.
للتطرف أشكال مختلفة، فهناك تطرف سياسي وآخر تطرف ديني (يتفرع منه الصراع العقائدي)، وهناك تطرف اجتماعي، وفكري، وثقافي أيضا، ولكل من هذه المفاهيم حالات ملموسة من التطرف، بعضها يدعو إلى التغيير بالعنف، وآخر ينحو إلى الانغلاق والتحجّر.
عندما نناقش التطرف الثقافي، فسوف نلاحظ أنه الأكثر تأثيرا وسعة على مستوى العالم، لأن الثقافة هي مصدر لأنواع مختلفة من التطرف، ويمكن القول أن التطرف الثقافي ظاهرة ليست عراقية فحسب، وإنما عربية وعالمية، لم تسلم الثقافات على امتداد الأرض منها، أما في العراق فالتطرف الثقافي بات يشكل ظاهرة واضحة.
مثقفون مصابون بالتطرف
لكنها قد تبدو أقل وطأة وتأثيرا مما مضى، فلو عدنا مثلا إلى عشر سنوات مضت وأكثر، كان التطرف الثقافي في أوجه، ولا تزال له بقايا تحمل من الخطر الكثير، لأن المعوَّل على الثقافة هي التي تتصدى للتطرف ولا تقبل بالانحناء تحت ظله، كما أن المثقفين العراقيين بعضهم مصاب بهذا المرض الذي لا يليق بمثقف، ولا يُصيب إلا المثقف المستعد لاستقبال التطرف، والتعامل معه بسبب قصور المثقف نفسه وجهله وقلّة وعيه.
لذا لا يمكن أن يتم تبرير التطرف الثقافي مطلقا، ومن الجدير أن نقرّ بأن كل أنواع وأشكال التطرف لا تشرّف الإنسان فردا كان أو جماعة. ولا تدل على حرص أو شعور بالمسؤولية، رغم أنها غالبا ما تُبرَّر بالدفاع عن مصلحة جماعة أو شعب أو دولة ما.
أما فيما يتعلق بالتطرف الأدبي، والمعني بذلك (تجنيس النص) وإعطائه الصفة الأدبية التي يتجانس معها، فهناك أيضا ساحة مفتوحة للصراع بين بعض الشعراء وبعض كتاب السرد، حول أيهما له الأفضلية والشيوع والاهتمام والتأثير، وهذه ظاهرة عربية عالمية أيضا.
من الجدير بالذكر أن هناك جانبا إيجابيا لهذا النوع من الصراع وليس (التطرف)، إذا حصل وبقي في إطار (المنافسة) والأفضلية القائمة على مقاييس معتدلة، ذات طابع فني إبداعي لا تغبن الشعر ولا السرد ولا الشعراء والساردين، هذه الظاهرة موجودة لذا من الأفضل التنبّه لها، ومهمة الأدباء (شعراء وكتاب سرد) هي وضع القواعد والمعايير التي تضمن المنافسة المشروعة بعيدا عن المصادرة أو الاقصاء والتهميش.
التطرف أسبابه وعلاجه
هناك تداخل بين التطرف الثقافي والأدبي، والسبب أن الأدب ينتسب حتما إلى بيئته الحاضنة، وأن التأثير الثقافي يكون واضحا في الآداب وأجناسها، على الرغم من أن الأدباء والمفكرين، يعلنون غالبا رفضهم للتطرف، لكن السجل التاريخي للأمم حافل بأدباء متطرفين ضد ثقافات أمم أخرى، وإن كان يدافعون عن أنفسهم ضد تهمة الانغلاق والتطرف.
كما أن المواهب والعبقريات تتدخل في هذا النوع من الصراع، فهناك شاعر فذ يكتب قصيدة لا تتفوق عليها نصوص السرد مطلقا ويصح العكس. بمعنى أن المواهب والقدرات يكون لها حضورها الفاعل في قضية أفضلية جنس أدبي على آخر.
أما القول بوجود تطرف خفي وظاهر، فهو واقع حال في الأوساط الثقافية، نتيجة للبيئة أو الحاضنة المتعددة في مكوناتها وهوياتها، ومع زعزعة الهوية الأم (الوطن/ العراق) وتنامي الهويات الفرعية باضطراد، لابد لهذا النوع من التطرف أن يتحرك عبر طريقين، الأول منظَّم ومخطَّط له، والآخر عشوائي تقوده (ثقافة القطيع)، ثقافة (الشِللية) التي يجمع أفرادها قانون (شيّلني وأشيلك)، بمعنى ساندني و أسندك.
وهو سلوك ثقافي له جذوره في جميع الأمم، حتى المتقدمة منها، ويكاد يكون هذا السلوك منتميا إلى طبيعة الإنسان التي تحب المساندة والتأييد والمؤازرة، حتى لو كان الهدف خاطئا، كأن يكون متطرفا على حساب الاعتدال والأحقيّة.
لابد من الاعتراف بوجود تطرف (مكوناتي) في المجتمع العراقي، بعضهم يعزوه للتشبث بالهويات الفرعية، وآخرون لهم أسبابهم الأخرى، لكن في جميع الأحول لا يجب إلغاء الهوية الفرعية، وفي نفس الوقت لا يصح تفضيلها على الهوية الأم، وهذا يعني أن من حق الجميع الاحتفاظ بخصوصياتهم الدينية والثقافية، وبالتالي الحفاظ على الهوية الفرعية، مع مراعاة الانتماء إلى الهوية الأكبر أو الهوية الأم.
وأخيرا لابد من الاعتراف أن هناك أمراض ومثالب في الوسط الثقافي وفي ثقافتنا أيضا، ولا يجب دس الرؤوس في الرمال لكي نتخلص من صداعها المحسوس، بل يجب تأشير الظواهر السلبية وإعلانها بصوت عال، وتدقيقها ومعرفة أسبابها، ومن ثم الشروع بوضع الحلول الناجعة لها، على أن يتم ذلك بنيّات صادقة للحد أو التقليل من غلواء التطرف بكل أشكاله.