البديل الخاطئ
علي حسين عبيد
2015-07-04 05:44
لماذا كنت الأول.. وأصبحت الأخير؟؟ هذا السؤال يتواجد في حياة الانسان، أو في حياة المجتمع الذي يتراجع عن دور الريادة والقيادة، ليصبح في آخر الركب بعد أن كان يقوده نحو الارتقاء، والسؤال هنا، هل فقدنا مركزنا في الصدارة كمجتمع وأمة أعطت للبشرية من الفكر والنور والتقدم ما يكفي لكي تتسلم في زمن ما دفة القيادة في العالم؟ واذا كنا قد فقدنا مركز الصدارة، فإن السؤال الآخر.. لماذا حدث هذا الفقدان؟، وما هي الحلول التي تعيد للفرد والمجتمع مكانتهما التي تليق بهما؟.
إن البديل الخاطئ غالبا ما يقود الانسان الى درجات أدنى من التفكير والسلوك ايضا، علما لابد أن نقول من حقنا بل ينبغي علينا البحث عن البدائل، ولكن يجب أن تكون بدائل صحيحة، فمثلا عندما نتهرب من التصدي للعمل السياسي، لأسباب كثيرة لا يسعنا طرحها لضيق المجال، فهذا يدل على ضعف في بناء الشخصية، وهبوط في مستوى التفكير، وبالتالي مقت وتهرّب من ادارة العمل السياسي، على الرغم من انه يمثل حجر الزاوية في جعل الفرد والامة في صدارة الامم اذا كان فيها قادة سياسيون محنّكون.
من الاخطاء التي يسقط فيها الفرد، بحثه عن البديل ثم اختياره للبديل الخاطئ، كما لاحظنا ذلك في ادارة العمل السياسي في بلادنا، فالسياسة فن العقل والحكمة والذكاء في إدارة شؤون الفرد او الجماعة، في الميدان والمكان والوقت المناسب، فيما يتردد بين غالبية الناس لاسيما البسطاء منهم، بأنها فن الخداع والحصول على المكاسب بأقصر الطرق وأسرعها، بغض النظر عن القيم الاخلاقية والمعايير الانسانية الصحيحة، التي ينبغي أن تتدخل في تحصيل النتائج، وهذا تفسير لا يصح بطبيعة الحال، كون السياسة هي التي تبني الامم وهي التي أسهمت في صناعة الحضارات، لذلك لا ينبغي التنكّر للسياسة، مع التركيز على اختيار البديل الصحيح للسياسي الفاشل، وهذه مهمة يشترك فيها الجميع.
بطبيعة الحال لا يصح التهرّب من السياسة، ولا ينبغي معاداة السياسيين لمجرد أنهم يعملون في الحقل السياسي، فمثل هذا المنهج خاطئ، وينمّ عن نظرة قاصرة، لا يعرف الفرد والمجتمع مخاطرها عليهم، ونتائجها السلبية التي ستطول حياتهم، لذا يدفع هذا التهرب بمعظم الناس الى ترك العمل بالميدان السياسي حتى لمن يجيد التحرك فيه، ويأتي بالبديل الخاطئ أو بمن يستغل عمله السياسي لتحقيق مصالح فردية او حزبية أو عشائرية وما شابه، لذا من الطبيعي أن يملأ الميدان السياسي أناس لا يجيدون السياسة، اذا تخلى المجتمع عن دوره الرقابي المطلوب في هذا المجال، واذا ترك مسؤوليته ودوره لمن لا يجيد العمل السياسي أصلا، في هذه الحالة نحن نختار بأنفسنا بديلا خاطئا يقودنا نحو الأسوأ دائما.
علما أن ذوي الشأن او التخصص يؤكدون على أن السياسة ميدان لا يختلف عن الاقتصاد أو التعليم أو سواهما، والمجتمع من دون اقتصاد سليم لا يمكن أن يعيش حياة عصرية مرفّهة ومستقرة، ترك الاقتصاد لغير الاقتصاديين سيدمره، وترك التعليم لمن لا يصلح له سيدمره ايضا، هذه البديهيات تنطبق على السياسة، من هنا تأتي أهمية أن تتدخل المكونات الاجتماعية المختلفة في مراقبة العمل السياسي ومتابعته، حتى لا تسمح لمن لا يمتلك المؤهلات الصحيحة، ان يشترك في صياغة القرار او في التشريعات التي تطوّر حياة المجتمع وتبني الدولة بناء سليما.
ولكي نتخلص من البديل الخاطئ لابد أن تأخذ الشخصيات الواعية في المجتمع وقيادات النخب، دورها وحضورها في متابعة عمل السياسيين، ومنها على سبيل المثال منظمات المجتمع المدني، إذ ينبغي أن تبقى كجهات رقابية ضاغطة بقوة، لفضح الاخطاء والتجاوزات التي تُرتكب في الميدان السياسي، كذلك للعلماء والمثقفين والمفكرين دورهم في درء خطر البديل الخاطئ، فالجميع ينبغي أن يكون دوره حاضرا وفاعلا في العمل السياسي، والتدخل في تحريك اتجاهاته لصالح المجتمع، وتصويبها دائما عبر وسائل الاعلام او الندوات، او المؤتمرات التي تشير الى اخطاء السياسيين بالدلائل، وتطرح البدائل السليمة وتستغني عن البدائل الخاطئة.
لذلك من غير المقبول أن يُترك العمل في الميدان السياسي، لمن لا يتسم بالقدرة على هذا العمل، كونه يمس حياة الناس جميعا، وينبغي لمن يعمل في السياسة أن يتحلى بالنزاهة أولا، ناهيك عن توافره على المؤهلات المناسبة التي تسمح له بممارسة العمل السياسي، وطالما أن المجتمع العراقي يخوض عمليات بناء شاملة في عموم مجالات الحياة، وهذا ينطبق على تجارب البناء الاخرى في العالم العربي أو سواه، مطلوب من العراقيين الحرص التام على أن تكون عمليات التأسيس صحيحة، ولا يُخفى أن الكثيرين من غير المناسبين، تسللوا الى الميدان السياسي، والهدف بالغ الوضوح، هو الحصول على المناصب والمكاسب المادية الكبيرة، مقابل جهل كبير واستخفاف بالعمل السياسي الجاد والمحنّك.
كذلك لا يمكن أن ننكر تلكؤ السياسيين في أعمالهم وأفكارهم ايضا، وتسلل الانتهازيين الى هذا الوسط، بل تسلل المخادعين الذين لا يجيدون العمل السياسي أصلا، كونهم لم يتعلموا فن السياسة، ناهيك عن افتقادهم للمؤهلات التي يتطلبها هذا المجال الحيوي، الذي يمس حياة الناس ومصائرهم، هذا الأمر الواضح للعيان، لا يمكن أن يُغطى بغربال التصريحات والبيانات وسواها، لذا لا يصح للمجتمع والافراد عدم التصدي للسياسة، والهروب منها الى مجالات عمل أخرى، بحجة الصراعات والمصالح وما شابه، فالسياسة كما هو معروف تمس حياة الجميع من دون استثناء، وليس صحيحا تركها لمن لا يجيد فنها او الركون الى بدائل ليست مناسبة في مجال الافكار والبرامج السياسية والاشخاص معا، ولاشك أن كل هذه المضاعفات سببها اختيارنا للبديل الخاطئ، إذ ان التصحيح يقتضي المجيء ببدائل صحيحة عن طريق صناديق الاقتراع، واستثمارها بالصورة المثلى، وهذه هي بالضبط مهمة الفرد والمجتمع عموما.