في ظل منهج الاتهامات المتبادَلة.. العراق الى أين!
علي حسين عبيد
2015-06-13 05:24
من المعروف علميا ونفسيا، أن الفرد عندما يتعرض الى ضائقة أو أزمة أو مشكلة تهدد كيانه ووجوده، فإنه سرعان ما يلجأ الى المقربين والآخرين عموما كي يحتمي بهم ويخطط معهم للتخلص من الخطر الذي يحيق به، وهكذا تفعل الجماعة ايضا، تلتحم مع الأقرب لها وتتحد كي تقلل الأخطار التي تحيط بها، أما عندما يتعلق التهديد بالدولة او الامة او الشعب برمته، فإن التعاون هنا يأخذ مسارين، الأول يتم بين قادة المجتمع (السياسيين بالدرجة الاولى، كونهم اصحاب قرار)، وقادة النخب الاخرى ايضا، أما المسار الآخر من التعاون فهو يعود الى الشعب نفسه، حيث تتعاضد جهود الشرائح والمكونات كافة وتتحد الطاقات والافكار الجماعية، كي ترسم الخطوات والسبل التي تواجه الاخطار المحيطة بالدولة والشعب.
السؤال هنا، هل يواجه العراق اليوم خطرا حقيقيا يتعلق بوجوده وكيانه؟، وهل هذا الخطر وليد الساعة أم أنه تبلور منذ سنوات طويلة، بعد تخطيط مبرمج لمسخ هذا البلد وتدمير قدراته وشعبه، كي يسهل على الاعداء الطامعين نهب خيراته وثرواته وجعله صفرا على الشمال بلا اية قيمة تُذكَر؟؟، والسؤال الاهم من بين سلسلة الاسئلة المطروحة، هل يعي قادة العراق السياسيون هذه المخاطر الجدية، وهل يخطر في بالهم أنهم في سياساتهم الراهنة القائمة على التسقيط، وتبادل الاتهامات فيما بينهم، يمكن أن يكونوا سببا في ضياع بلد عريق كالعراق؟.
ان الاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها تتعلق بالأحزاب والكتل والشخصيات السياسية والعلاقات المتبادلة بينها، وطبيعة هذه العلاقات، وهل أنها قائمة على الثقة المتبادلة أم على الصراع والتناحر من اجل المناصب والمنافع الفردية والحزبية، وليس هناك ادنى شك في أن المتابع والمهتم بهذا الامر الحيوي والمصيري ايضا، يستطيع أن يرصد غياب الثقة بين السياسيين، وهو أمر بالغ الوضوح، إذ أن هذا الغياب الخطير لجسور الثقة بين قادة الاحزاب والكتل السياسية، ينعكس بدوره سلبا على الشعب ومكونات المجتمع كافة.
فثمة صراعات كبيرة ومستعصية تدور بين القادة السياسيين وتمتد الى معاونيهم ومؤيديهم، فيأخذ هذا التناحر طابعا جماعيا فيمتد الى النسيج المجتمعي، كونه يجري في مؤسسات الدولة، وهناك ما هو معلن من هذه الصراعات والمشاكل، وهناك ما يجري منها في الخفاء، والامثلة عن ذلك كثيرة، لاسيما ما يتعلق بمنهج تبادل الاتهامات بين السياسيين، وهو منهج دأبت عليه الاحزاب والكتل، حيث يقود هذا المنهج المعلن والمبطَّن أحيانا بعض الرؤساء والقادة والناطقين بأسمائها فقد تحول البرلمان العراقي مثلا، وهو مؤسسة تشريعية مهمة، الى ساحة لتصفية الحسابات بين السياسيين، وقد أصابت هذه الصراعات مصالح الشعب العراقي في الصميم، ويحدث مثل هذا التضارب في مؤسسات أخرى، بسبب غياب الثقة بين أصحاب القرار، واللهاث المحموم خلف المناصب والسلطة والمال والجاه وما الى ذلك، وكل الغرابة والعجب تكمن في التغاضي عن التهديد الجدي لمصير البلاد، حيث تسيطر قوى التطرف ممثلة بـ (داعش) على مساحات واسعة من العراق وتهدد سيادته وأمنه ووجوده، ومع ذلك لا يزال منهج الاتهامات المتبادلة حاضرا وفاعلا في الساحة السياسية بدلا من التكاتف والوقوف صفا واحدا بوجه هذا التهديد المصيري.
كذلك لابد أن يؤثر هذا المنهج في تأجيج الخلافات بين بعض السياسيين على الشعب العراقي، ومواصلة قضم حقوقه وزرع الفوضى في حياته، فمن المؤسف حقا أن تُهدَر حقوق الشعب وتضمحل أحلامه بدولة مدنية، بسبب فشل بعض السياسيين في بناء جسور الثقة المتبادلة بينهم، في حين أن الامر المطلوب الآن أن تكون جميع مكونات الشعب وممثليها وقادتها أكثر قدرة على التقارب وبناء الثقة المتبادلة فيما بينهم، ولابد للقوى السياسية والثقافية وسواها، أن تجتمع معا وتجلس تحت خيمة واحدة وتعطي رسالة واضحة للعدو المتربص بالبلد، بأن الشعب العراقي بأعراقه ومكوناته الكثيرة عبارة عن كتلة واحدة، تجمعها روابط كثيرة لا يستطيع بعض السياسيين أن يدمروها بخلافاتهم ومصالحهم ذات النزعة الذاتية الانانية.
لهذا ينبغي التخلص من منهج الاتهامات المتبادلة، والكف عن التسقيط، ووضع قواعد واضحة وثابتة للعمل السياسي يتدارسها المختصون من جميع الجهات والمكونات ويتفقون عليها، على ان يتم العمل في ضوئها، لذلك مطلوب من القادة السياسيين وكتلهم واحزابهم، أن يتحركوا بسرعة لرأب الصدع الخطير بينهم، والذي بدا واضحا للجميع في الداخل والخارج، ولابد أن يفهموا ويعرفوا أن الشعب العراقي ليس مستعدا لمنحهم المزيد من الوقت لإدامة خلافاتهم واتهاماتهم المتبادلة لبعضهم البعض، بل لم يتبق أمامهم سوى القليل من الوقت، لكي يتقاربوا ويتفاهموا أكثر فأكثر، وأن يفهموا فعلا بأن الثقة والنوايا الصادقة حتى باختلاف الآراء، هي وحدها القادرة على إعادتهم للمسار الصحيح في قيادة البلد، والمضي به نحو الاستقرار والبناء الصحيح.
الخلاصة، أننا كعراقيين نمر اليوم في منعطف خطير، يرقى الى التهديد الحقيقي لوجودنا، شعبا وارضا وتاريخا، واذا بقي الحال كما هو عليه الآن، في استمرار منهج الاتهامات وتأجيج الصراعات وتفتيت البلاد، مع الاعتماد على الاخرين في معالجة نواقصنا واخطائنا، واللهاث المحموم نحو المكاسب والمناصب والمصالح والامتيازات التي لا يشبع منها بعضهم، فإن النتائج واضحة ومعروفة للجميع، وان من يتحمل مسؤوليتها معروفين ايضا، وذاكرة التاريخ لا تنسى او تهمل أحدا، لذلك ليس امام الساسة والقادة سوى القفز على مصالحهم الضيقة، والارتقاء الى مستوى المخاطر الجسيمة التي تهدد مصير بلد وشعب بأكمله.