مقترحات واقعية لاحتواء الشباب
علي حسين عبيد
2019-03-19 06:59
تبدي الدول المتقدمة اهتماماً مائزاً بشريحة الشباب كي تضمن علو قامتها ودوام هيبتها، وتصاعد الخط البياني لتطورها ونموها، فيما يعاني شباب العراق من مشكلات متشعبة تنبثق من واقع سياسي اقتصادي اجتماعي تتفشى فيه عللٌ وأمراض لا يلتفت لها المسؤولون لأنهم مشغولون بمآربهم الخاصة، ومن الخطأ أن نقول بأن قادة الدولة لا يعرفون مشاكل الشباب، لأنهم على إطلاع تام بها، وهذا مثبت وموثق بالأدلة القاطعة.
إننا لو بحثنا في واقع الشباب العراقي بحياد ودقة، فسوف نلاحظ بشكل مباشر وقوع الشباب فريسة للفساد والإهمال، وأقوى الأدلة على إهمال الحكومة لهذه الشريحة البطالة التي تذهب بهم صوب الجهل الذي سينمو بدوره وينتعش في دهاليز الظلام، كما تفعل العناكب التي تهرب من الضوء الى الزوايا المظلمة، والفساد والجهل صنوان، لا يفارق أحدهما الآخر، فأينما وُجد الجهل والظلام، يوجد الفساد ويزدهر في الخفاء والظلام، حيث تتحرك فيه كل عناصر الشر التي تخشى العمل والتحرك تحت ضوء الشمس، وقد يكون هذا الخطأ الإستراتيجي هو من أوصل الأوضاع العراقية إلى ما هي عليه من تردٍ واحتقان بخصوص المشكلات التي تحصر الشباب وتلتف حول أعناقهم وتكتم أنفاسهم وتطيح بمواهبهم وتبعثر طاقاتهم هدراً.
ولم يكن الإهمال وحده مشكلة الشباب، وليس البطالة وحدها مأساتهم ولا غلق الأبواب بوجوههم، بل يوجد مرض خطير يختصر كل المعوقات التي تتراكم أمام الشباب، ونعني بذلك تركيز النظام البيروقراطي ونشر الفساد في المفاصل الإدارية، وعزل طاقات الشباب ومحاصرتهم بالفراغ، لهذا السبب لابد من شيوع الشفافية في حركة الإنتاج بجميع أشكالها وأصنافها ونوعياتها وانتماءاتها أيضا، بمعنى يجب أن تكون جميع الأنشطة الرسمية والمدنية الفردية والجمعية التي لا تدخل ضمن الاسرار الشخصية، تحت البصر والبصيرة، لكي نضمن تلاشي طبقات الظلام ونرى جميعا نتائج الحراك المجتمعي الرسمي والأهلي التي تفتح أبواب الإبداع للشباب، لذلك لابد من وضع إستراتيجيات مرحلية وطويلة الأمد تحتوي هذه الشريحة الأساسية في المجتمع وتركز على استثمار مزاياها المتعددة.
لذا صار لزاما عليهم تغيير التعاملات والخطط التي تحتوي الشباب وتوفر لهم فرص واقعية تجعلهم يثقون بالحاضر وينظرون إلى المستقبل بتفاؤل وأمان، وإذا كان الربط بين الجهل والفساد معروفا، فإن العمل على إبطال أسباب الجهل تُصبح ملزمة للجميع، خصوصا المؤسسات الرسمية والمدنية المختصة بهذه الشريحة، وخلاف ذلك، فإن مواصلة إقصاء الشباب سوف يُنظَر إليه على إنه أمر مقصود، ويكون الشباب هم الضحية الأكبر كما يحدث اليوم في الواقع.
من الأساليب الخاطئة في معالجة شؤون الشباب من قبل الحكومة، تكريس سياسة غض الطرف عنهم، وإيجاد الأعذار والحجج لإقصائهم، فاليوم باتت الأمور مختلفة والظروف التي أقصت الشباب ودفعت الحكومات لإهمالهم، لم تعد موجودة، فالموارد التي كانت مخصصة لمقتلة داعش يمكن أن يتم تحويلها اليوم إلى مشاريع شبابية في مختلف المجالات العلمية والصناعية والتدريبية، ويمكن أن تكون حصيلة لك ثروة شبابية منتجة ومبدعة.
ولكن مع شديد الأسف هناك من يروج لهدر المزيد من فرص المعالجة وإعطاء فسحة زمنية كافية للمعالجات، ويغض الطرف عن الأسباب التي جعلت من الأخطاء تكبر وتتجمع وتتضخم، حتى بات من الصعب تفتيتها أو معالجتها، علما هناك تلكّؤ واضح ليس حكوميا فقط، في مجال مكافحة الفساد، فحتى المنظمات الأهلية المعنية بالمكافحة مقصرة، إذ عليها فتح مخيمات شبابية مهمتها احتواء الشباب، وترسيم الخطط التدريبية المناسبة لتكريس طاقاتهم ومواهبهم في مجال الإنتاج المبرمج بعد التدريب النظري والعملي القادر على صقل مواهبهم ومنحهم فرصة النظر بأمل وثقة للحاضر والمستقبل.
وقبل تقديم مقترحات يمكن العمل بها لمعالجة أزمة الشباب المزمنة في العراق، لابد أن نير إلى الجهة أو الحزب أو الحكومة التي تتحمل مسؤولية تعجيز الشباب وتعطيل مواهبهم، فمن يا تُرى يتحمل مسؤولية ما حدث ويحدث للشباب العراقي، وهل هناك ضوء في آخر النفق، وما هي الإجراءات القادرة على محو اليأس المكدّس في نفوسهم وهم يعبرون من فشل إلى آخر، إننا نعتقد أن فرص المعالجة لا تزال متاحة لإدراك المركب الشبابي قبل أن تلتهمه أمواج الفساد وتغرقه، وتغرق معه كل من أسهم من الأحزاب والعاملين في الميدان السياسي، في إيصال الأمور إلى ما هي عليه من خطورة وتوتر واحتقان، وعلى الساسة أن يدركوا بأن الأمر قابل للتعديل والإصلاح، ولكن وفق أنساق عملية جديدة مختلفة لا تشبه حالات الترقيع السابقة التي جاءت لتهدئة الشباب بشكل وقتي وليس دائمي، هذه الإجراءات لا يجب أن تأتي تقليدية كسابقاتها ولا يجوز أن يكون الغرض منها التهدئة والتخدير الوقتي.
وطالما أن الظروف الأمنية وحتى المالية والاقتصادية تحسنت بنسبة كبيرة، فالناس تنتظر أن يطرأ تحسن كبير في حياتها، وخصوصا الشباب، على أننا يجب أن نذكر بأن مهمات انتشال الشباب من براثن البطالة والفراغ تتحملها الحكومة والمنظمات المدنية أيضا، فعلى سبيل المثال إقامة مخيمات ودورات تدريبية وندوات ومنح فرص تشغيلية للشباب يعد من أهم الخطوات للتعجيل باحتوائهم واستقطابهم قبل أن يسقطوا في فخاخ معادية لا تزال منصوبة لهم على الطريق.
يجب أن تكون هناك خطط مدروسة من لجان متخصصة، ويجب رصد التمويل الكافي وعدم تضييع الأموال عبر سياسة إقراض فاشلة تهدر المال وتقتل مواهب الشباب معا، الحل يكمن في تنمية المهارات وليس في منح القروض التي يجهل الشباب كيفية توظيفها واستثمارها بالشكل أو الأداء الاقتصادي السليم، ولكن إذا كان هناك إعداد مدروس لتنمية المهارات الشبابية، فإن قروض الأموال وسواها سوف تذهب في المكان الصحيح، لذا يجب التركيز الحكومي والمدني على احتواء الشباب وتطوير مهاراتهم في كل المهن والحرف الصناعية والزراعية والتقنية، حتى لا يضيع بابنا في دروب اليأس والانحراف، وحتى نستفيد من ثروتنا الشبابية التي تعد رأس المال الأهم والأكبر لدى الشعوب.