هل أخطأ قادة العراق في إدارة الأزمة الجديدة؟

علي حسين عبيد

2015-04-18 01:06

الأزمات واقع يعيشه العالم، ليس الآن بل منذ نشوء الدول قبل آلاف السنين، فليس هناك جديد في واقع الأزمة، ولكن الجديد يبقى محصورا في كيفية ادارتها ومعالجتها، فالأزمة إذاً هي واقع طبيعي يعيشه الانسان، الفرد، الجماعة، المكوّن، الأقلية، وصولا الى الدولة والمجتمع، ووفقا لهذا الرأي فإن الجميع معرَّض للأزمات كونها نتاج متوقّع وحتمي للنشاط البشري الخاطئ، حتى الناس الأذكياء (المجتمعات والأفراد) قد يتعرضون لأزمة مفاجئة، بل الدول الكبرى والمتطورة يمكن ان تداهمها أزمة في أية لحظة قادمة.

هذا الامر لا غرابة فيه، لكن سوف تكمن الغرابة في طريقة التعامل مع الازمة، كيف سيعالجها المسؤولون السياسيون ومن يكون بمعيتهم وإمرتهم؟ وما هي والسائل المناسبة للحد من نتائج الأزمات وانعكاساتها الخطيرة على الدولة والمجتمع، في حقيقة الامر هذا السؤال يشمل الجميع، بدءاً من الافراد والجماعات صعودا الى ثمة الهرم، وتبقى درجة التميّز محصورة في قدرة القادة والمسؤولين على تقليل الخسائر التي تعكسها الأزمة، بمعنى أدقّ كلما كانت الاضرار الناتجة عن الأزمة أقل وطأة وأضرارا، كلما كان التعامل معها من لدن القادة والمعنيين صحيحا ومناسبا.

علما أننا سنتفق بأن هنالك أزمات يصنعها الافراد والمجتمعات والدول بأنفسهم، نتيجة لأفكار وأفعال وتطبيقات خاطئة في مجالات الاقتصاد والسياسة وغيرهما، من جانب آخر ثمة أزمات معقدة، تنتج عن الكوارث الطبيعية التي قد نتعرض لها بصورة مفاجئة (ومنها الكوارث الموسمية كالأعاصير)، والزلازل المدمرة وما شابه، وكلنا نتذكر الزلزال المفاجئ والرهيب الذي قارب العشر درجات على مقياس ريختر، عندما ضرب اليابان قبل سنوات قليلة، وكلنا نتذكر ايضا بإعجاب كبير، كيف تعامل القادة اليابانيون والمختصون مع نتائجه الخطيرة التي امتدت الى المضاعفات النووية الخطيرة! التي طالت الهواء والكهرباء والمزروعات والطعام، وكلنا كنا نتحدث مع بعضنا قائلين (لو أن احدى الدول العربية تعرضت لمثل هذا الزلزال الذي ضرب اليابان لأصبحت هي وشعبها وحكومتها في خبر كان!!)، ولكن اليابانيين تعاملوا مع هذه الازمة الطارئة بتوازن وهدوء وإرادة قلّ نظيرها.

السؤال الذي يشغلنا الآن هل يعيش العراق أزمة في الوقت الراهن؟، ما هو نوعها، وهل يقوم القادة السياسيون بما ينبغي للتعامل الصحيح معها؟. بعضهم من عامة الناس، ومعظم المتابعين والمعنيين يقولون، نعم العراق يعاني من أزمات وليس ازمة واحدة، ولكن الوضع المالي الحرج الذي تسبّب به الهبوط السريع لأسعار النفط، هو الازمة المفاجئة التي فرضت نفسها على القادة السياسيين في هذا البلد، نعم هناك ازمات كثيرة متناسلة، تتوزع على ضعف اداء مؤسسات الدولة والدوائر الحكومية وتلكؤ الخدمات وارتفاع الغلاء وتصاعد نسبة الفقر، فضلا عن التردي الامني وتهديد الارهاب للدولة في عدة محافظات، ولكن الأزمة المفاجئة هي قلة الموارد المالية بسبب الهبوط الدراماتيكي لأسعار النفط، خاصة ان العراق ليس لديه سوى هذه السلعة حاليا، كمورد رئيسي او وحيد (اكثر من 90% من مواردنا المالية نحصل عليها من النفط)، فهل تعامل قادة العراق مع هذه الأزمة بالطرق التي تجنّب الشعب والدولة أضرارها.

الجواب الواضح والصريح، هو الفشل في مواجهة هذه الازمة، والوضوح السافر في إلقاء عبء فشل السياسيين في ادارة الازمة على كاهل الشعب، من خلال سياسة خاطئة وعشوائية، لتحصيل موارد بديلة للدولة، عبر فرض الضرائب على دخل المواطن الشحيح اصلا، إن هذا التهرّب من تحمّل السياسيين للمسؤولية، يؤكد من جديد طبيعة العقلية السياسية، وقاعدة التفكير الأساسية التي يدير بها الساسة العراقيون بلدهم، هذه القاعدة التي تقوم على (الأنانية) وتفضيل الذات، وإلقاء الأعباء ومضاعفتها على الشعب بدلا من ايجاد السبل الصحيحة لتقليلها!.

وعندما نتفحّص الخطط الاقتصادية والمالية التي تتم من خلالها عملية تخصيص الاموال وصرفها، فإننا سنكتشف فوضى لا نظير لها في العالم أجمع، وربما لأول مرة في تاريخ (الموازنات المالية) تُلغى ميزانية لسنة كاملة كما حدث مع ميزانية عام 2014، وكأننا نعيش في العصور المظلمة!. ولا شك أن هذا التعامل الحكومي العشوائي (للحكومات المتعاقبة) مع الموارد المالية، أدّى بالتراكم الى إهدار مئات المليارات من الدولارات في عمليات فساد لم يسبق لها نظير، لذلك من العيب على السلطات المعنية، أن تحمّل الشعب المنهك أصلا أعباء فشلها في ادارة الموارد والاموال التي كانت كثيرة وضخمة على مدى سنوات، لتشجّ فجأة بسبب هبوط الاسعار، وكان عليها أن تواجه هذه الأزمة المفاجئة، بطرق وأساليب أخرى تجنب الشعب نتائجها الكارثية، بدلا من أن تضعه في منطقة المواجهة الشرسة مع الفقر.

ولا شك أن طرق التفكير بالنسبة للقادة واصحاب القرار في ادارة الازمات، لها دور كبير في تجاوزهم لها بأقل الخسائر، لهذا نظن أن ما يحتاجه القادة العراقيون هو تصحيح تفكيرهم بما يحقق تعاملا سليما مع ادارة الازمات، وكما يلي:

- العمل بجد على وضع خلافات السياسيين في حالة سبات، والتفرغ لمعالجة الازمة الطارئة.

- نبذ حالات الصراع بين السياسيين والتركيز على بناء منظومة فكرية عملية مناسبة لإدارة الوضع المستجد في ما بعد هبوط اسعار النفط.

- اعتماد البدائل لتحصيل الموارد لخزينة الدول بطرق علمية مدروسة مع الابتعاد عن الارتجال والعشوائية في هذا المجال.

- أهمية مراعاة الوضع المعيشي للمواطنين في أي إجراء يتعلق بالضرائب.

- لا تعني إعادة هيبة الدولة، أن يرزح المواطن تحت وطأة الاجراءات المتسرعة، مثال ذلك التسعيرة العشوائية التي وضعتها وزارة الكهرباء، لتثقل كاهل المواطن المثقل أصلا، ولتخفف عن كاهلها في إجراء أناني بالغ الوضوح.

- أهمية العمل على وضع الخطط الاستراتيجية والاستباقية لمواجهة الازمات غير المحسوبة.

- اعتماد سياسية التدرّج في معالجة الازمة، وعدم اللجوء الى الحلول الفورية الخاطئة.

- التفكير الجاد والعمل الفعلي في تحويل الدولة العراقية من ريعية، الى تعدد مصادر التمويل والايرادات.

- رفض السياسة الاقتصادية الراهنة القائمة على اعتماد النفط موردا وحيدا للدولة، وعلى القادة التفكير بحتمية نضوب النفط، بالاضافة الى حق الاجيال القادمة بحصة منه.

- مكافحة الفساد الإداري والسياسي الظاهر والمبطن الذي يستنزف موارد البلد كالثقوب السوداء.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا