عاصفة الحزم.. هل ضلَّتْ طريقها؟

علي حسين عبيد

2015-04-11 01:00

عاصفة الحزم هي عملية عسكرية سعودية (جوية) بدأت في 26 مارس 2015، بمشاركة عدد من الدول ضد قوات الحوثيين، والقوات الموالية لها، وضد قوات الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح المتحالفة مع الحوثيين، وذلك عندما قامت القوات الجوية السعودية بقصف جوي كثيف على مواقع داخل الأراضي اليمنية، مستهدفة مواقع عسكرية كما اعلنت ذلك، لكن الاخبار الواردة من ارض العمليات تؤكد ضرب الطائرات لأهداف مدنية لا علاقة لها بالقتال، فعلى سبيل المثال كان احد مخيمات اللاجئين الهاربين من العنف، هدفا لطائرات عاصفة الحزم وقد نقلت الاخبار مقتل العشرات منهم، فيما أعلنت السعودية بأن الأجواء اليمنية منطقة محظورة، وحذرت الجميع بعدم الاقتراب من الموانئ والاجواء اليمنية.

أما الاسباب التي تقف وراء شن هذه العملية، فتأخذ مسارين، الاول معلن ومعروف أمام الملأ وهو لا يقنع كثيرين بضرورة إطلاق عاصفة الحزم على بلد صغير ومنهك ويعاني من الفقر والاضطرابات مثل اليمن، والآخر خفي أو غير واضح المعالم قد ينطوي على صفقات (متناقضة)، ويتضح أن المسار المعلن من عاصفة الحزم، مخصص لضرب قوات الحوثيين والقوات الموالية لها (قوات علي عبد الله صالح ونجله)، لمنعها من السيطرة على مقاليد الامور في اليمن، بحجة الحفاظ على الشرعية، ولا نعرف هل من المسموح للسعودية ان تأخذ دور الامم المتحدة مثلا؟!، أما المخطط له في الخفاء من (عاصفة الحزم)، فهو يمتد الى المنطقة الاقليمية والحسابات الدولية، حيث الصراع الذي يجري منذ أمد بعيد بين السعودية وايران، والذي غالبا ما يتم من خلال التصادم غير المباشر بينهما، أو ما يسمى وفق اللغة الاصطلاحية بالقتال بالنيابة.

كثير من المراقبين يرون أن توقيت هذه العملية لم يكن صحيحا ولا مناسبا للظروف السياسية التي تمر بها المنطقة الاقليمية والشرق الاوسط عموما، ولكن يبدو أن انتقال السلطة الى الملك السعودي الجديد (سليمان) من سلفه الذي وافاه الاجل مؤخرا، أسهم الى حد بعيد بإدخال المنطقة في هذا المأزق غير المحسوب، فالقرار كما تؤكد المصادر الاعلامية المستقلة ينطلق من رغبة ملك السعودية الجديد نفسه، وهو تعبير عن سياسته المعروفة بالحدّة.

ولكن هل هذا النوع من القرارات غير المحسوبة يأتي في صالح هذه (المنطقة المتوترة)، والتي بدأت مؤخرا تميل الى الاستقرار شيئا فشيئا، بعد أن عرف القادة السياسيون في المنطقة، ان بقاء نار الحروب والصراعات في هذه الدول ليس في صالح أحد، كما أن التوتر فيها لا يمكن أن يصب في صالح شعوبها التي ذاقت ويلات الحروب لعقود طويلة، وتعرضت للحرمان والفقر والجوع، على الرغم من انها تمتلك ثروات طبيعية وبشرية هائلة وأموالا طائلة؟.

فقد حدثت مؤخرا، كثير من التوافقات والاحداث والمؤشرات التي جعلت المنطقة تميل للهدوء، وتتغلب على التطرف، وتأكل من جرف الارهاب، ومن هذه المؤشرات، الحدث الابرز والاهم في المنطقة والعالم، ألا وهو الاتفاق المبدئي، أو اتفاق الاطار النووي بين ايران والغرب، الامر الذي انعكس بوضوح على التوتر في المنطقة والعالم، وابعد شبح الحرب عنها، وعزز منهج الميل الى العقلانية في معالجة الصراعات الحساسة بالاحتواء وليس بالمواجهة، لاسيما أن هذا الملف الخطير استغرق سنوات طويلة من التفاوض والمحادثات والرحلات المكوكية وحرب التصريحات وما شابه، لكن بالنتيجة كانت الحكمة هي الاقوى، ومنطق العقل هو الذي تفوق على منطق الصراع، الأمر الذي نشر اجواء التفاهم في هذه المنطقة المتوترة.

ومن المؤشرات التي أخذت تميل بالمنطقة نحو الهدوء والقضاء على التطرف، تلك النتائج العسكرية المتصاعدة التي تحققت في العراق وسوريا، والتي ادت بدورها الى تقليص مساحات التطرف والارهاب، وحصول تفاهمات بين كبار القادة في دول الصراع، بل وحتى بين الفرقاء أنفسهم، على اهمية محاصرة نيران الارهاب في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وما حصل مؤخرا بخصوص تحرير مدينة كوباني الاستراتيجية في سوريا من ايدي التنظيمات الارهابية المتشددة، وتحرير مدينة تكريت التي تعد قاعدة انطلاق لتحرير مدينة الموصل في العراق، والتي ستقود الى طرد داعش كليّا من العراق، سيؤثر بصورة حتمية على مصيره، وتواجد الارهاب في المنطقة وينحو بها صوب الهدوء والسلام، وتسود سياسة التوافقات واحتواء الصراعات وحل المنازعات بعيدا عن الحروب الاصيلة او البديلة، والمثال على ذلك ايضا تغيير سياسة امريكا مع الرئيس السوري بشار الاسد، وجعل الأولوية في سوريا هي القضاء على الارهاب، فاصبح الخيار الدبلوماسي الهادئ بديلا للتشنج والتهديد والتوتر.

يُضاف الى ذلك الضغط الامريكي بقيادة اوباما بصورة شخصية، على اسرائيل (نتنياهو) لقبول خيار الدول الفلسطينية المستقلة، ووجوب التزام الجانب الاسرائيلي بتعهداته حول هذا الموضوع، وهذا الأمر يحدث للمرة الاولى في تاريخ السياسية الامريكية، الامر الذي يدل بصورة واضحة على تفضيل خيار التهدئة ورفض خيار الحروب والصراعات، والحقيقة لا يمكن أن ننكر أن سير القوى العالمية (امريكا) والاقليمية في هذا الاتجاه، إنما ينم عن شيء من الحكمة السياسية التي تحتاجها منطقة الشرق الاوسط في هذا الوقت تحديدا بسبب اهوال الحرب الطاحنة التي تهدد دول المنطقة والعالم، لاسيما ان الاضطرابات في عدة دول لا تزال تزعزع المنطقة، وتقودها نحو الدمار والانشغال عن الاعمار والتطور.

لكن وسط هذا التيار السياسي الدبلوماسي المتعقل في المنطقة، يحدث شرخ مفاجئ وكبير غير مدروس، متمثلا بانطلاق (عاصفة الحزم) لتعيد المنطقة الى ساحة الخطر والى المربع الاول، مرة أخرى وتضاعف من حدة التوتر، وقد يقول قائل إن امريكا نفسها تؤيد هذه العملية، والجواب هنا يمكن أن نحصل عليهن عندما نفتض عن الصفقات السرية في المسار غير المعلَن لعاصفة الحزم، كما ذكرنا في صدر المقال، لكن لا احد يستطيع أن يلغي حضور التيار القيادي السياسي المتعقّل بقوة في المنطقة، باستثناء عاصفة الحزم التي يبدو أنها ضلّت طريقها نحو شعب فقير بالكاد يدبّر قوته اليومي الشحيح أصلا.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا