الشيرازي حسن.. وقلب يخفق بالحرارة
حيدر الجراح
2015-03-22 01:31
هو قلب اخيه، مترع بالإيمان ويمنحه قوة الاستمرار..
في يوم من ايام العام 1970، والذي شهد فيه العراقيون جملة من الاعدامات في الساحات العامة، وحملات اعتقالات واسعة طالت نخبه الدينية وعددا من ابرز الرموز الشيعية، ايذانا ببدء عهد جديد من الدكتاتورية والاستبداد، في ذلك اليوم وبعد ان شعر السيد حسن الشيرازي أن الحكومة ورجال الأمن يراقبونه، بعد ان اطلقت سراحه من سجن ديالى، هاجر إلى لبنان.
في مذكراته التي حرص على تدوينها، والتي عثر عليها بعد استشهاده، كتب يصف ماجرى له طيلة الكثير من التواريخ في العراق او لبنان، وأرّخ فيها للكثير من الاحداث والمواقف.
في المذكرات اشارة الى اشباح الدنيا المخيفة والمتجمعة في بغداد، حيث افترشت ارضه واصبحت تخنق انفاس ناسه، وهي الان تطارده حتى وهو في الطائرة، لكن نبضات قلبه الخافتة، (كانت تنفض الكارثة بحذر) وهذا الحذر مصدره ان النجاة لم تكتمل، (فما دامت الطائرة في الجو، فأنا في الكارثة، فكم أعيدت الطائرات المقلعة من بغداد لان العفالقة يعيدون فحص أسماء المسافرين بعد اقلاع الطائرات فإذا أبدى أحدهم ملاحظة حول أحد المسافرين أعيدت الطائرة وأوقف المسافرون ريثما يتخذ العفالقة قراراً بشأن المسافر الذي أبديت حوله الملاحظة، فكيف بي وأنا الذي أثيرت حوله ضجة كبيرة وكتبت صحف بيروت: انه سيصل لإجراء عملية جراحية، ولا يتوقع أن يعود الى العراق في وقت قريب؟).
في المذكرات تلك، تجد الكثير من الاشارات والدلالات على عمق المأزق الذي ادخل فيه الحكام الجدد العراق والعراقيين فيه.
من تلك الاشارات المعبرة، حديثه مع مفتش الكمرك الذي فتح حقيبته اليدوية، ووجد سكينة صغيرة للفواكه، (فأراد أن يبدأ فتح حقيبتي بنكتة فقال : هل المشايخ يحملون سكاكين في حقائبهم؟". فقلت: طبعاً، أو ليس تعلم إنني قادم من بغداد).
فبغداد وغيرها من مدن العراق، اصبحت مسرحا لحفلات القتل والتنكيل بالمعارضين والرافضين لهذا الحكم، والذي وصلوا اليه عن طريق انقلاب عسكري، اسموه ثورة.
الوصول الى بيروت، كما يسجل السيد حسن الشيرازي في مذكراته، ملاذ، ومرفأ على شاطئ السلام، لكن نبضات قلبه مازالت داكنة، فهو بعد في الطائرة، (تزغرد بدويها، قبل أن تنفتح على مسافريها أبواب الحياة).
رغم نجاته ووصوله سالما، الى حيث استقر في تلك المدينة، فان صدره الضيق يجيش بالمتناقضات، وقلبه (ينبض نفس النبضات الكئيبة التي كان ينبضها في بغداد)، التي اعتبر خروجه منها صراع من اجل الحياة، وهو في هذه المدينة في صراع من اجل الرسالة.
وهو يريد القيام بعمل شيء معين، لكنه يطرح تساؤله: كيف يمكنني ذلك ؟!
بيروت في تلك السنوات، كانت مركزا للمعارضين وملتقى المنفيين والهاربين من بلدانهم، وكانت تتميز بكثير من الحراك والحيوية الثقافية، وهي ايضا حسب تعبير الشيرازي حسن،
(ملتقى التيارات الموجهة بإمكانات دول)، وهو ليس الا فردا واحدا، يواجه أكثر من حكومة معادية، وأكثر من حزبٍ معادٍ.
لكنه يستمد قوته بعد كل الخراب الذي حاول طغاة بلده وضعه فيه، ويرى نفسه مدفوعا الى عمل شيء من اجل الرسالة، بسبب (قلب واحد يخفق بالحرارة، ولعله القلب الوحيد الذي وجدته يخفق بهذه الدرجة من حرارة الإيمان).
انه يتحدث عن اخيه، الامام الراحل (قدس سره) الذي يظن به خيرا، ويأمل منه كثيراً، لكن اخوه وهذا القلب الذي يفور بحرارة الإيمان، (باقٍ في العراق يعاني صراعاً مريراً من اجل الحياة والرسالة معاً، فلا استطيع أن أمد إليه يداً لأنقذه أو تخفيف الضغط عنه، ولا استطيع أن أقوم بعمل رسالي يروي بعض ضمأه للاعمال الرسالية ).
رغم نجاته من هوة الموت السحيقة في العراق، لا زال يفكر بالآخرين، وما يمكن ان يلحق بهم من مضاعفات لأجل عمله ورسالته.
وهو مهموم بصاحب هذا القلب الخافق بحرارة الايمان، قلب اخيه، وهو يعبر في مذكراته تعبيرا بليغا ورائعا وموجزا، (ولعل كل قدم أرفعها هنا أضعها عليه هناك)، اي وطأة وعذاب نفسي تعرض له الشيرازي حسن، وهو يعلم ان (العفالقة يقتصون منه على كل عمل اقوم به أنا، فإنهم يعاقبون القريب بالبعيد ويشددون الضغط على ما في قبضتهم بذنب الذي لاتطاله أيديهم، اذن فماذا افعل أنا).
في تلك المذكرات، والتي سجلت الكثير من الهم الانساني لكاتبها، ترسم ايضا طريق الخلاص من هذا الهم.
يبدأ بالتوجه الى الله سبحانه وتعالى، ويتخذه معينا ومؤيدا لعمله واداء رسالته، ورافضا الخضوع او التسليم لأي قوة اخرى على وجه الارض (يا الله أنت وجّهني وأيدني... فليست هناك حكومة توجهني وتؤيدني، ولن أرضى أن أسير في ركاب قوة من الأرض، فانا وهبت كلي للسماء).