بين العلم بالعمل والعلم بلا عمل
علي حسين عبيد
2015-03-08 09:40
العارفون وأهل التخصص في العلوم وادارة الاعمال والاقتصاد بوجه خاص، يشبِّهون العمل من دون علم، كالسير في صحراء مجهولة، أو الدخول في طريق غير معروف سابقا، مبهم أو مغلق لا يؤدي الى النهايات الصحيحة، فيتعرض القائم بالعمل في هذه الحالة، الى دوّامة من التيه والغموض، ويقطف نتيجة لذلك أثمارا عشوائية، في الغالب تكون (فاسدة)، أو ليست هي الأثمار التي تقدّم له فائدة تُذكر، فيصبح العمل وفق هذه الطريقة بلا نتائج، وقد قال الامام علي (عليه السلام): (العمل بلا علم ضلال)، لأنه لم يعد على القائم بالعمل بمردود مفيد، هذا إذا لم تكن النتائج ضارة!، بسبب العشوائية، وغياب العلم الذي يدخل من ضمنه التخطيط والاستعداد وتهيئة المستلزمات التي تضمن النجاح وما شابه.
لذلك لكي يكون العمل مربحا، وذا فوائد مضمونة تساوي ما يتم بذله من جهود، لابد أن يكون هناك علم بالعمل، يوضّح تفاصيله واسراره، وكيفية التعامل معه، وصولا الى تحقيق النتائج المأمولة، وهي لابد أن تكون نتائج ذات ربحية واضحة، تنسجم وتتوافق مع الجهد المبذول للعمل، سواءً كان ذا طابع فكري نظري او عملي تطبيقي، وقد قال الامام علي (عليه السلام): (لن يزكو العمل حتى يقارنه العلم)، لهذا ينبغي دائما أن يقترن العمل بالعلم المسبق له، حتى لا تكون هناك مفاجآت على مستوى الانتاج، قد تكون ذات عواقب وخيمة اقتصادية او فكري وما شابه، وحسب طبيعة العمل.
هناك من لا يتعب نفسه او عقله ولا يكون مستعدا لبذل ما يكفي من جهد وارادة وربما اموال، هذا النوع من التردد والتقاعس في عدم ربط العلم بالعمل غالبا ما يؤدي الى نتائج سلبية، وبعضها قد يكون مدمرا للقائم بالعمل ولمشروعه الذي لم يربطه بالعلم، فقد اكد العلماء المختصون في هذا الجانب، على القواعد التي تضبط ايقاع العمل وتنسق نشاطاته المختلفة وتضع له الخطوات الصحيحة واللازمة لتحقيق افضل النتائج، لذلك عندما يكون صاحب او جهة العمل ملماً بها وعالما بتفاصيله، وفقا للقواعد العلمية التي ينبغي اتباعها، عند ذاك سوف يكون مطمئنا لقطف ثمار عمله المدعوم بالعلم والمعرفة المسبقة. وقد قال الامام علي (عليه السلام): العامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح.
أما في حالة حصول العكس، أي عندما يتم اهمال القواعد العلمية للعمل، لأسباب كثيرة سبق ذكر بعضها، فإن العمل بغض النظر عن نوعه او طبيعته، سوف يكون مرهونا بالعشوائية والارتجال والفوضى، وتعدد مصادر الادارة والتنظيم، وحتى القرار الذي يكون معنيا بالعمل، سوف يكون غامضا ومربكا وغير منضبط، كونه لا يعتمد القواعد العلمية المعمول بها، لذلك لا يمكن أن نتوقع نجاحا لمثل هذه الاعمال المرتجَلة، لاسيما أن التجارب العملية اثبتت بما لا يقبل الشك، أو النقاش، فيما يتعلق بأهمية الانخراط في العمل بعد التمهيد العلمي له، حتى تكون النتائج مكفولة، أو مضمونة التحقيق.
من هنا نلاحظ أن جميع المشاريع، اذا كانت فردية (يخطط لها ويديرها افراد) او اذا كانت ذات طابع مشترك، ستخضع من حيث النتائج المرتقَبة، الى شرط الترابط الفعلي بين شطريّ العلم والعمل، وأن أي تباعد فيما بينهما، لن تكون نتائجه في صالح المشاريع، بل ربط المختصون في المشاريع الانتاجية او سواها، ربحية المشروع بمدى علميته، أي بمدى التخطيط الصحيح لمساراته العملية المتعددة، وأن أي تقاعس او تقصير في مجال العلم، سوف ينعكس من دون ادنى شك، على النتائج العملية لهذا المشروع او ذاك، وهذا ما يجعل ربحية مثل هذه المشاريع مشكوك ها، بغض النظر عن عائديتها، وفرديتها او كونها ذات مصادر وعائدية جماعية، فالمهم هنا مبدأ اقتران العلم بالعمل، وليس العكس، تحصيلا لأفضل النتائج.
وغالبا ما يؤكد العلماء والمخططون المعنيون، على نقطة اساسية تتعلق في هذا الجانب، وهي تتعلق بالفارق الكبير بين صاحب العمل او جهة المشروع التي تربط عملها بالعلم، أو خلاف ذلك، ففي الحالة الأولى، يكون العمل ذا طابع احترافي قائم على التنظيم والمهنية، ومتحاشيا للأخطاء والخطوات التي قد تبطئ من الانتاج وتعرقله، او تقوده الى الرداءة وضعف الجودة والخواص وما شابه، كونه عملا محميا بالعلم، وملتزما بالقواعد التي تضمن النجاح.
على الضد تماما ممن لا يعبأ بالجوانب العلمية، ويبدأ مشروعه اعتمادا على قدراته الذاتية، التي قد تكون ذات علمية قاصرة، أو انها غير متخصصة، وفي هذه الحالة لابد أن يتعرض العمل لعقبات ومشكلات كثيرة، أهمها جهل القائم بالعمل بالخطوات العلمية اللازمة لإدارة مشروعه، وفي هذه الحالة الامر لا يتعلق بالقدرات الذاتية لصاحب او جهة العمل، ولا شأن للرغبة والاندفاع او الحماس في تحقيق النجاح والربحية، إنما الامر يرتبط بصورة دقيقة بالجوانب العلمية التي يتم التمهيد لها، والتخطيط من خلالها، وإقرانها بالعمل قبل الشروع به. وقد قال الامام علي (عليه السلام): كثرة الخطأ تنذر بوفور الجهل.
في هذه الحالة سوف تكون النتائج مضمونة، اي في حالة ربط العمل بالعلم، والمضي في الخطوات والقواعد العلمية التي تضبط مساراته، وهنا سوف تكون ربحية المشاريع مضمونة ايضا، لهذا يربط الاقتصاديون نجاح المشاريع الربحية، على مستوى فردي او جماعي (شركات ودول)، بدرجة التزامها بالعلم، وبذهب هؤلاء بالتأكيد على أن الافراد يخضعون لهذه القواعد مثلما تخضع المشاريع الجماعية لها، فالافراد (العمليون العلميون) هم الاكثر نجاحا من اقرانهم الذين يتورطون بأعمال يظنون أنها ذات ربحية عالية، لكنها تعود عليهم بخسائر كبيرة بسبب ابتعادها عن القواعد العلمية.
واخيرا لابد من الاتفاق التام على أن العلم عندما يخلو من العمل، يبقى مجرد كلمات هائمة في فضاء الكتابة والمؤلَّفات، تبحث عمّن يحولها من صيغتها الكلامية المجردة، الى الجانب العملي المادي الملموس، الذي يمكن أن يعطي فائدة وجدوى حقيقية للعلم، بخلاف ذلك ليست هناك فائدة لأقوى وأهم النظريات العلمية، اذا ما بقيت محتجَزة في عالم التجريد، الذي لا يمكنه تحويل العلم الى عمل.
وقد قال الامام علي (عليه السلام): شر العلم علم لا يعمل به.