الحوار والتعايش وما بينهما

علي الطالقاني

2015-02-26 12:54

يقول العلماء المعنيون أن السنن الكونية نشأت على مفهوم الاختلاف، فهناك تباين كبير من ناحية الجنس أو العرق أو الدين أو القومية، حيث كل واحد من هذه التصنيفات يحمل ثقافة وقيماً ومعتقدات معينة.

لذا أصبح مفهوما الحوار والتعايش بين مختلف الديانات والطوائف والجماعات، مفتاحا للتخلص من الأزمات والخلافات والنزاعات المختلفة، وبالتالي يمكن التغلب على التعصب والكراهية والتمييز من خلا استثمار هذين المفهومين على نحو معقول وقائم على تعميق الفهم الفردي والجمعي لهما.

فالآثار الايجابية للتعايش والحوار واضحة بصورة جلية في المجتمعات المتنورة والمتطورة مدنياً، حيث تصدرت بذلك قائمة المشتركات الانسانية التي تدخل ضمن هذين المفهومين، مثل الاحترام المتبادل، والثبات والاستقرار، ودرء مخاطر التعصب، وما الى ذلك من قيم وسطية، فتغلبت المجتمعات الواعية على المواقف المتعصبة، كذلك استطاعت هذه المجتمعات إيجاد توافق اجتماعي، وتحقيق المكاسب التي يشترك فيها الجميع عبر الانفتاح، واحترام حريات الإنسان وحقوقه، مما انعكس ذلك على العلاقات الانسانية التي حظيت فيما بعد بالاحترام والقبول نتيجة للتنوع الثقافي.

وتأتي الاحداث الارهابية اليوم التي تشنها جماعات مدعومة بمختلف أنواع الدعم المادي والعسكري، لتكشف لنا وخصوصا منذ لحظة انطلاقها الدراماتيكي في الحادي عشر من سبتمبر، واستهداف مبنى التجارة العالمي، تكشف لنا حجم التحدي الذي يعصف بجميع دول العالم إذ تجسد ذلك باشتعال موجة الاعمال الارهابية واجتياحها للعالم.

وفي محاولة لتشويه صورة مفهوم التعايش والحوار في الاسلام، سيما أن هذه الأحداث أثرت بشكل سلبي على مفهوم التعايش وعلى الجانب الإنساني بين مختلف الأديان، تعمد جماعات خبيثة الى إحداث خلل في بنية المجتمعات غير المحصّنة من التطرف والتعصب والاحتراب، مستغلة بذلك اسم الدين أو المذهب أو أية حالة او فكر او سبب تكون قادرة لاستغلاله كي تشعل الفتن بين مكومات المجتمعات الضعيفة وعيا وثقافة وما الى ذلك.

هذه الأحداث وما تبعها من حروب تعني أن العمليات الارهابية هي عملية مدروسة ولها اغراض دعائية ربما حسمت أرقامها من قبل. من هنا جاء التأكيد على دور المؤتمرات والتجمعات التي تحث على أهمية الحوار والتعايش في مسعى لترسيخ الجوهر الفعلي لهاتين المفردتين، بين مختلف الجماعات والديانات والشعوب التي ينبغي أن تنطلق من دائرة التنظير الى دائرة الفعل وتطبيقها عمليا، بحيث ينبغي أن تراعي هذه المؤتمرات في نظر الاعتبار عدة مهام نذكر منها:

أولا- ترسيخ لغة الحوار الشفاف والاستفادة من هذه النقطة المهمة لأن جميع الأديان تقر بضرورة التعايش في رسالاتها الإلهية والفلسفية.

ثانيا- التأكيد على تأثير الحوار في التعايش السلمي، وفي العلاقات الدولية من أجل في مواجهة دعوات الصراع.

ثالثا- توضيح المشتركات الانسانية والبحث فيها، ومنها الجانب الأخلاقي وقضايا الفساد، والاهتمام بالأسرة.

رابعا- إدامة الحوار واستمراره وتحديثه، والثناء على جهود الدول والمنظمات العالمية التي تعزز مفهوم الحوار وتدعو لدعمه، ومواجهة معوقاته التي تنعكس فيما بعد على الايمان بالتعايش على مستوى الأفراد والجماعات والدول.

خامسا- توسيع فعاليات ترسيخ كلا المفهومين، من خلال الانفتاح السياسي والثقافي والديني، وصولا الى افراد المجتمع كافة والتركيز على طبقة الشباب.

كذلك ينبغي أن يركز المهتمون في شؤون التعايش والحوار بإشاعة ونشر وترسيخ عدة مفاهيم، تُسهم في التعايش السلمي، ومن بين هذه المفاهيم، أن الاختلاف هو سنة كونية تحقق التكامل وينبغي العمل والتعاون والاتفاق على احترام ذلك، لأن الناس لا يفكرون بطريقة واحدة، وبالتالي فإن ذلك يعد ميزة إيجابية للأفراد والمجتمعات على حد سواء. كذلك يجب ترسيخ مفهوم الحوار البناء والهادئ والتركيز على ايجاد مناطق مشتركة مع الطرف الآخر. ومن بين المفاهيم الأخرى المهمة هو تشجيع حالة الاندماج في المجتمعات وعدم العزلة. وأن يكون الصدق هو الركيزة الأساسية في التعامل مع الآخر بالاضافة الى مد جسور الثقة بين الجميع، والتأكيد على تطوير المناهج التعليمية.

لذلك نحن اليوم في أمسّ الحاجة الى معرفة معنى الحوار، ومن أين يبدأ في ظل إيجاد منطلقات لمشروع حقيقي، يستطيع النهوض بمجتمعاتنا، خصوصا أن هناك تحديات خطيرة تعصف بنا، وها أننا نعيش أحداثها، في وقت يدعي فيه الجميع امتلاك مقومات النجاح!!.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي