الهوية والدولة والصراع الشيعي السني في العراق
حيدر الجراح
2015-02-23 02:54
حمل احد الشوارع في مدينة النجف الاشرف تسمية (شارع الامام الخميني)، وبطبيعة الحال اختلفت وجهات النظر التي طرحها اصحابها حول الموضوع في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي..
قبل ذلك وتحديدا في الاعوام التي سبقت سقوط بغداد، كانت الأحاديث الساخرة للعراقيين تدور حول سؤال محدد: اين ستذهب ملايين الصور للقائد الضرورة صدام حسين لو سقط النظام؟
تلك السطور ليست في وارد المقارنة بين شخصيتين، وليست بصدد اصدار احكام قيمية او اخلاقية تتعلق بهما، ما اود تقديمه هو مساهمة من نوع اخر لها علاقة بعنوان الموضوع، وتمثلاته في واقعنا الحالي..
بحكم موقع العراق الجغرافي، فقد كان مسرحا داميا وميدانا من ميادين الصراع والحروب الرئيسية بين السلاجقة الاتراك والبويهيين الفرس، ثم بين الدولتين العثمانية والصفوية، وهي حروب ونزاعات وصراعات استمرت لقرون طويلة، تركت اثارا شديدة التعقيد على العراقيين.
انقضت تلك الفترة، وتأسست الدولة العراقية في العام 1921 وقامت بريطانيا بالتأسيس على ذلك التاريخ الممتلئ بالصراعات والحروب، وعملت على تكريس التمييز الطائفي، وتحويله الى حقيقة ثابتة ومبررة، وفي الوقت نفسه نزع الهوية العربية عن الشيعة والتشيّع..
منذ العام 1921 طبع سنّة العراق الدولة العراقية بطابعهم، وكانوا حكاما له استمرارا لحكمهم التاريخي رغم بعض الانقطاعات، مما ساهم في بلورة صورة عن أنفسهم انهم على الغالب حاكمين لا محكومين، وشكلت تلك الصورة بعضا من ملامح هويتهم المذهبية.
ما الذي تعنيه الهوية؟
ينظر المؤرخ النفسي اريك اريكسون الى الهوية بوصفها عملية تقع في القلب من الانسان، كما توجد في قلب ثقافته الجمعية، وهذا مايخلق الرابطة بين الفرد والمجتمع.
يرتبط الاتجاه السوسيولوجي الخاص بنظرية الهوية بالتفاعلية الرمزية، كما نبع من النظرية البراغماتية للذات التي تناولها وليام جيمس وجورج هربرت ميد. فالذات تعد قدرة انسانية متميزة تمكن الافراد من التفاعل مع الطبيعة ومع العالم الاجتماعي عن طريق اللغة والاتصال.
وحسب التفاعلية الرمزية، فان الانسان من صناعة الفعل ورد الفعل والوعي والاختيار وتفسير الافعال والرموز.
ما الذي نعنيه بالدولة؟
هي كيان سياسي – قانوني ضمن بقعة جغرافية محددة، يشعر مواطنوه بأنهم جزء منه، وان مؤسساته الحاكمة تعمل على التوحيد بينهم.
ما اريد الوصول اليه بعد هذه السطور، وفي ما يتعلق بالعراق حاليا، هو (ان المحرك الاكثر أهمية في أحداث العنف في العراق هما الصراع على الهوية و الدولة. وفيما يخص العرب فيه، فإن من سمات هذا الصراع هو التصادم المستمر والمتبادل من الطرفين: الدولة ذات الركيزة الشيعية ورفض السنة لها). كما يذهب الباحث العراقي فنر حداد في حواره المنشور في صحيفة Journal of Turkish Weekly.
وهذا الرفض هو ما ساد العلاقة بينهما منذ العام 1921 وحتى العام 2003، عام تغير المعادلة.
اعود الى المثالين السابقين واللذين افتتحت بهما هذا الموضوع (الشارع – الصور)، فقد عمل صدام حسين وهو المحسوب على السنّة، طيلة سنوات حكمه ومن خلال صوره وتماثيله ونصبه، على امتلاك مجال الدولة العام، وحاول غرس ذاكرة او هوية جمعية للعراقيين، من خلال صهر بقية الهويات في هوية الدولة البعثية، والتي انتهى بها المطاف ان تكون دولته، وان يكون العراق عراقه.
وشكل مثل هذا التوجه في حصيلته، ان (ذاكرات بقية الجماعات تم اقصاؤها وتهميشها وحتى تصفيتها ومحوها لصالح هذا التاريخ الرسمي المفروض على الجميع).
هذه الذاكرة والهوية، تكون مقصودة بالاستملاك، كما يذهب الباحث البحراني نادر كاظم في كتابه (استعمالات الذاكرة في مجتمع تعددي مبتلى بالتاريخ) بحيث تعمد جماعة ما الى احتكار هذه الذاكرة ووضعها تحت نفوذ ملكيتها الخاصة.
لكن اصحاب تلك الذاكرات والهويات، يقاومون الاخضاع وفرض الذاكرة الرسمية بالقوة، وهم في مقاومتهم لذلك، ينشأ الصراع المحتدم والتنازع بينها.
النزاع السني – الشيعي، هو في حقيقته تنازع بينهما الى (استملاك الفضاء العام الذي ينظم استعمالات الذاكرة وسياسات التذكر)، والتي تغيرت بعد العام 2003، (فمن يمتلك فضاء التذكر العام يمتلك القدرة على تحديد معايير التذكر الجيد، وتحديد مايسمح بتذكره، وما لايسمح لفعل التذكر ان يمتد اليه).
بعد العام 2003 وتغير المعادلة، معادلة (الهوية – الدولة – التذكر) يقاوم السنّة في العراق ما تأسس من معادلة جديدة، ويرفضون منح الشرعية لمثل هذه الدولة، وبالمقابل يصر الشيعة على تحديد هوية الدولة الجديدة من خلال هويتهم الثقافية وحدها، وهو نزاع سيبقى مستمرا دون العمل على الاعتراف بالهويات الثقافية المتنوعة للعراق، مع اعتراف مقابل بالدولة الجديدة بعد العام 2003.