اسبوع التعدي على حرمات الله
خضير العواد
2016-12-03 06:52
لم تمر الأمة الإسلامية بمرحلة أو فترة أخطر وأهم من الاسبوع الذي تلى وفاة الرسول الأكرم (صل الله عليه وآله)، هذا الأسبوع الذي جرت به أحداث يعاني من تأثيراتها المسلمون بل البشرية الى يومنا هذا، ففي هذا الأسبوع تغير مبدأ تأسيس الخلافة بعد أن كان تنصيباً الهياً أصبح تنصيباً بشرياً تغيرت طريقته مع تغير تفكير الحكام حتى أصبح وراثياً وليس له قواعد وشروط شرعية بل شعار يجب تولي ولي الأمر إن كان فاسقاً أو فاجرا أصبح شعار الحكام والمحكومين.
وهذا نتاج اجتماع السقيفة المشئوم الذي عقده الأنصار وخطف منه الخلافة ابو بكر، وبذلك ابعد من نصبه الله سبحانه وتعالى ورسوله (صل الله عليه وآله) وبايعه جميع المسلمين للخلافة والإمارة في يوم الغدير، وقد بخ بخ عمر بن الخطاب له عندما قال بخ بخ لك يا ابا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وأفضل وصف وصف به هذا الاجتماع وما نتج عنه عندما قال عمر ابن الخطاب كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن أعاد لمثلها فاقتلوه، فسيطر على قيادة الأمة من هو ليس أهلٌ لهذه القيادة مما جلب الويلات لكافة المسلمين في العالم بل البشرية قاطبةً وهم الآن يحصدون ما زرعه الإنقلابيون.
وبعد هذا الإنقلاب الخطير والجرأة العظيمة على منصب الخلافة أصبح على الانقلابيين حماية انقلابهم بأي ثمن كان، فكان الهجوم المروع على بيت النبوة والخلافة والعصمة بعد أن أحرقت بابه وكسرت، فكانت أول ضحية سيد النساء عليها السلام التي كسر ضلعها وسقط جنينها المحسن عليه السلام نتيجة حصرها ما بين الحائط والباب، وأول شهيد يسقط من أجل الدفاع عن الولاية هو السقط المحسن عليه السلام، وأول معتقل بعد رسول الله (صل الله عليه وآله) كان أمير المؤمنين عليه السلام نتيجة رفضه لبيعة من خطف الخلافة في ضوضاء السقيفة.
وبعد السيطرة على الحكم والهجوم على بيت أصحاب الحق الشرعي والعرفي في الحكم وهم آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، قامت السلطة الحاكمة بمصادرة فدك لأنها أهم المصادر الاقتصادية للمعارضة كما تعتقد السلطة، وقد شرعنت السلطة الاستحواذ على مزارع فدك من خلال خلق حديث لم يسمعه إلا ابي بكر وقد بين القرآن الكريم والسنة النبوية هذه المسألة بعشرات الأدلة، إذا اعتبرت فدك ملك لفاطمة عليها السلام لأنها ملكتها في زمان أبيها (صلى الله عليه وآله) أو ورث باعتبار فاطمة عليها السلام البنت الوحيدة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
وكاد الإسلام أن ينطمس بسبب هذا الأسبوع الأخطر الذي مرت به الأمة الإسلامية لولا صبر أبي الحسن عليه السلام وتصديه للأمور المستعصية على الحكام من أجل المصلحة العليا وتثبيت دين الله القويم، ولكن بالرغم ذلك بقى المسلمون يعانون ويدفعون الثمن نتيجة الابتعاد عن أوامر الله سبحانه وتعالى وتعديهم على مقدسات الولاية الحقة، فخرجت البدع وانتشرت الفتن وكثرت المذاهب والفرق والانقسامات والتشتت نتيجة تعدد من أدعى العلم والتفقه ومعرفته بمصادر التشريع بعد أن حصرها الله سبحانه وتعالى بمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، حتى أصبحت الأمة تسبح بالجهل وتتمرغ بالبدع وتتسلى بالقتل والدمار، وأصبح طريق الرحمن للوصول للجنان هو ما يأمر به الشيطان من عصيان وفساد.
لهذا يجب أن نبين ونوضح للمسلمين بل البشرية قاطبةُ بما جرى في أخطر اسبوع في التاريخ الإسلامي حتى يعرفوا السبب الحقيقي وراء هذا القتل والدمار والجرائم البشعة وهتك الحرمات، لأن القاعدة والنصرة وداعش والحكومات الفاسدة ما هي إلا ثمرة من ثمار ذلك الأسبوع وما جرى فيه من أحداث.
الانقلاب على الخلافة
في اليوم الأول من وفاة الرسول (ص) قام عمر بن الخطاب في المسجد خطيباً فقال لا أسمعن أحداً يقول أن محمداً (ص) قد مات ولكن أرسل إليه كما أرسل الى موسى بن عمران (ع) فلبث في قومه أربعين ليلة، والله أني لأرجو ان يقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات ولم يكف عمر عن هذا الامر حتى قدم أبو بكر الذي كان في السنح.... (1) ولم يكن في الجرف مع جيش أسامة حيث كان معسكراً كما أمره رسول الله (ص)، لهذا فقد كانت المدينة منقسمة الى ثلاث مجاميع، الأول منها كان يهتم بتغسيل وتكفين رسول الله (ص) وهم بنو هاشم وفي مقدمتهم علي (ع) وخلص الصحابة كسلمان الفارسي وأبا ذر وعمار والمقداد، والمهاجرين كبني زهرة وبني أمية كانوا مجتمعين في المسجد والأنصار كانوا مجتمعين في السقيفة.
السقيفة وما جرى فيها:
توفى رسول الله (ص) وانشغل في تغسيله وتجهيزه أهله يتقدمهم علي بن أبي طالب (ع) وعمه العباس وأبناءه الفضل وقثعم وفي أثناء ذلك انشغل قسم أخر من الصحابة (الأنصار والمهاجرين) بحسم مسألة القيادة من بعد رسول الله (ص)، فقد اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لكي يختاروا خليفة من بينهم وكان مرشحهم لهذا الأمر سعد بن عبادة، فعلى الرغم من مرضه لكنهم جلبوه الى السقيفة لكي يعطوا البيعة له، وفي أثناء ذلك قدم من المهاجرين أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح لكي يروا ماذا سيفعل إخوانهم من الأنصار، وعندما لاحظوا أن كل شيء قد هُيئ له لكي تستقر خلافة رسول الله (ص) ما بين الأنصار، وقد بينت الأنصار على أحقيتها في الخلافة لأنهم كتيبة الإسلام ولم يعبد الله جهراً إلا في ربوعهم، وهم الذين دافعوا عن الإسلام واستقبلوا اخوانهم من المهاجرين، فعندما لاحظ أبو بكر وعمر أن الأنصار قد طلبوا الأمر لهم ودفعوا قريش عنه، عندها أراد عمر بن الخطاب أن يتحدث وإنه قد هيء كلاماً لهذا الأمر، ولكن أبي بكر طلب منه التروي حتى يتكلم هو أولاً وقد أيدهم أبو بكر على فضائلهم ولكنه أحتج عليهم على أن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش وهم أوسط دارا ونسبا وقد رشح أحد الاثنين أما عمر بن الخطاب أو أبي عبيدة بن الجراح..... (2).
وبعد أن لاحظ الأنصار إصرار المهاجرين على تولي الأمر طلبوا منهم أن يجعلوا الخلافة مشتركة ما بينهم أي من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير، ولكن المهاجرين اقترحوا تقاسم السلطة عندما أقترح أبو بكر بأن المهاجرين هم الأمراء ووزرائهم من الأنصار وقد رفض الأنصار ذلك، فقال عمر أن العرب لا ترضى أن تعطيكم الإمارة ونبيها من غيركم ولكن العرب لاينبغي أن تولي الأمر إلا من كانت النبوة فيهم وأولوا الأمر منهم ولنا بذلك على العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين فمن ينازعنا بسلطان محمد (ص) وميراثه ونحن أولياءه وعشيرته، وعندما سمع الأنصار هذا الكلام رفضوه وقد اقترح أحدهم إذا لم يحصلوا على الأمر بإمكانهم أن يطردوا المهاجرين من مدينتهم وبعدها سوف يستتب الأمر لهم.... (3)، وأن الذي يرد هذا الكلام يستعمل ضده السيف ولكن تعالت الأصوات وكثر اللغط، وقال عمر فلما أشفقت قلت لأبي بكر أبسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه بشير بن سعيد حسداً للخزرج، وقال قائلهم لئن وليتموها سعداً عليكم مرة واحدة لزالت لهم بذلك فضيلة ولا جعلوا لكم نصيباً فيها أبدا.......(4).
وقد قال عمر أمراً هو أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا أن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فأما أن نتابعهم على ما نرضى أو نخالفهم فيكون فساد، وأن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها ومن عاد الى مثلها فقتلوه......(5)، وقد ذهب أبو بكر وعمر وأبو عبيدة الى المسجد وتمت البيعة له في نفس اليوم، وقد تخلف عن هذه البيعة مجموعة من الأنصار يتقدمهم سعد بن عبادة ومن المهاجرين بني هاشم يتقدمهم علي بن أبي طالب (ع) والعباس عم النبي محمد (ص) وبني أمية يتقدمهم أبو سفيان وخالد بن سعيد بن العاص.
وهكذا تم الانقلاب على الخلافة الحقيقية التي أسسها وثبتها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم الغدير عندما أخذ البيعة منهم جميعاً، وهكذا أزاحت مجموعة من الأمة في سقيفة بني ساعدة القيادة الحقيقية التي أرادها الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) (6)، فما تعشيه اليوم الأمة من مآسي ما هو إلا نتاج ذلك الانقلاب.