يتيمة في جنة رقية
مروة حسن الجبوري
2016-11-06 06:58
داعبت بعض النسمات الخفيفة شعرها البني الناعم الممزوج ببعض الخصلات الذهبية، ملامحها الهادئة تشير الى نومها العميق، دخلت اشعة الشمس على غرفتها، استيقظت رقية من نومها متأخرة لأنها لم تنم في وقتها المعتاد، جمعت الألعاب ووضعتها في مكان ما، على غير عادتها ايقظت كل من في الدار بصوتها العذب وهي تنشد ما حفظته من قناة الاطفال.
الهدوء يسري في المكان العائلة نائمة في نهار شهر رمضان، وكبقية الايام لا يصحون لا بعد صلاة الظهر، تصرخ بأسمائهم هادي .. فاطمة .. ابي أمي .. افاقت العائلة وبين احضانهم رقية تنهمر عليها القبلات من كل جانب، حملت حقيبتها بيدها وتلوح لهم بأنها مسافرة مع ابيها واخيها، ضحكت العائلة بكلام الطفلة، حملت حقيبتها وذهبت عند جدتها التي في الدور الاولى من البيت سلمت عليها وقبلتها لاعبت الطفلة جدتها وجدها تودعهم بكلمات اول مرة تنطقها.
بينما الجدة والام منشغلات في اعداد الطعام لفت انتباههم صوت رقية وهي تقرأ هذه الآية " والاخرة خير لك من الاولى " ترددها بصوت مرتفع، ماذا تقرا هذه الطفلة ؟ ولماذا هذه الآية ؟ لا احد يعلمها لصغر سنها فهي لم تكمل الاربع سنوات بعد، بين الساعة والاخرى تسأل امها عن الوقت, تنتظر الليل لتشتري ثياب العيد، تمازح اخوانها بأن ثوبها سيكون الاجمل فهي المدللة.
جاء الظلام كما طلبت تلك المدللة الصغيرة، خرجت العائلة كما وعدوها تعطرت وارتدت احلى ثيابها مسكت بيد أبيها, وسط زحام السوق وعلى واجهة أحد المحلات التجارية، في المجمع وقفت رقية لفت نظرها فستان شدها جعلها تغير خطاها قربت من الواجهة حتى التصق انفها باللوح الزجاجي بفساتين المعروضة الملونة، وقفت تطلب من ابيها ان يشتري لها الفستان وان لا ينسى الحذاء والحقيبة، وعلى الجانب الاخر وقف هادي يشتري ما يحتاجه من ملابس، انتهوا من التسوق وشراء ما يحتاجونه للعيد .
مازال هنالك وقت سحور جلست الام منهمكة تعبه ومن حولها ثياب اطفالها الاربعة، اجواء العيد تعيشها المدينة بكل ما فيها، اخذ الاب رقية وابنه هادي لشراء بعض المأكولات .. صوت قادم من المكان ينبأ بحدوث انفجار ..حافية القدمين، لاهثة تحاول الركض بسرعة فيبطئ من سرعتها خوفها، لا تدري كيف تمالكت نفسها، وأمسكت دموعها ولم تنهار أمامه مهرولة رقية هادي حسن بعد.
خطوات قليلـة تحت السماء الساخنة بنيران مشتعلة، استقرت قدمها في قاعها، وقفت، دموعها سوداء، فالكل يبحث عن الجثث، والاشلاء، تمشي ببطء غير عابئة بمن حولها، ظنها المارة أنها تبحث شيئا ما، اخطوا في حقهم انها تبحث عن ثلاث .. امرأة ثكلى مجروحة القلب، ينتابها الخوف، إنها أم تبحث عن جثة اطفالها وزوجها، أنهكتها الاوجاع، فتوقفت والتفتت الى الوراء لعله يكون مصاباً، هادي أرى دموعها تصرخ، رقية النيران احرقت خصلات شعرها، قطعة لحم كبيرة، خائفة أن تعثر على جسد طفلها سيد هادي.
ما زالت واقفة بين عشرات الوجوه، صراخ المعولات جثث تحترق واحلام تبعثر أخذت منها أغلى ما تمتلك الايام، خرجت بالبنين والزوج رجعت خاوية لا بنين ولا زوج، والاكثر مؤلم انها لم تعثر على اشلاء اطفالها في نفس الوقت رقية هي اول جثة حصلت عليها متفحمة بثيابها لم ترتدي ثياب العيد بعد، والزوج الذي عرفت جثته بعد ايام اما الابن الاكبر هادي فأخر جثة استلمتها الام لينتهي العيد شهيد.
وكما رددت الطفلة الشهيدة رقية (الآخرة خير لك من الاولى) كأنها تعلم بأن رحيلهم قريب، احتضنت ابيها واخيها في جنة الخلد مع الحسين وابنته رقية (عليهما السلام) لتواسي الطفلة رقية وتصبرها عن فقد أمها وتلعبها مع باقي الاطفال من التفجيرات السابقة حتى لا تشعر بالخوف او الحزن فهنا جنة الاطفال، تحتضنهم السيدة الصغيرة وتمسح على رؤوسهم وتصبرهم فهي ايضا يتيمة وحرقت ثيابها من اثر حرق الخيام، وجرحت عندما سلب الاوغاد منها القُرْطُ، يجلسون من حولها تقص عليهم حادثة يوم الطف وماذا فعل القوم بأبيها، تنهد بحسرات وعبرات، كلكم ايتام اعلم يا اطفال لكن من منكم رأى والده وحيدا ينادي فلا يجيبوه، عطشانا، بين عجاج الخيل تتسارع ليه السهام يرمق طرفه الى خيامنا، من منكم رأى راسه ابيه يرفع على القنا، من منكم يا اطفال جرحت الاشواك جسده، ضجت الجنة بصراخ الاطفال والعويل، فقلوبهم الصغيرة لم تعد تقوى على الاستماع، تقربت الطفلة رقية تعزي السيدة الصغيرة وتقول ( السلام على يتيمة الحسين).