الإمام الرضا (ع) وحركة الواقفة
الشيخ عبدالله اليوسف
2016-08-15 08:04
كما عانى الإمام الرضا (عليه السلام) -كآبائه- من حركة الغلو، فقد عانى كذلك من الحركة الواقفية ـ التي عصفت بالشيعة الموسوية ـ الذين قالوا بحياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وعدم وفاته، وزعموا أنه (عليه السلام): هو المهدي المنتظر. وقالوا: إن الإمامة توقفت عند الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وإن الرضا (عليه السلام)، ومن قام بعده ليسوا بأئمة، ولكنهم خلفاؤه واحداً بعد واحد، إلى حين خروجه، وذلك لغموض وفاة الإمام الكاظم (عليه السلام) عند هؤلاء.
ومن ـ الذين التبس عليهم الأمر ـ علي بن حمزة الواقفي، وعلي بن الخطاب، وغالب بن عثمان، ومحمد بن إسحاق التغلبي الصيرفي، وإسحاق بن جرير، وموسى بن بكر، ووهيب بن حفص الجريري، ويحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين، ويحيى بن القاسم الحذاء (أبو نصير)، وعبد الرحمن بن الحجاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن دراج، وحماد بن عيسى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وآل مهران، وغيرهم[1].
عن بكر بن صالح، قال: قلت لإبراهيم بن موسى بن جعفر: ما قولك في أبيك؟
فقال: هو حيّ.
قلت فما قولك في أخيك أبي الحسن الرضا؟
قال: ثقة صدوق.
قلت: فإنه يقول: إن أباك قد مضى.
قال: هو أعلم بما يقول. فأعدت عليه فأعاد عليَّ[2].
وعن علي بن أسباط قال: «قلت للإمام الرضا (عليه السلام): إن رجلاً عنى أخاك إبراهيم، فذكر له أن أباك في الحياة، وأنك تعلم من ذلك ما يعلم، فقال: سبحان الله يموت رسول الله، ولا يموت موسى!» وأكد له: «قد والله مضى كما مضى رسول الله ( صلى الله عليه وآاله)».
دوافع القول بالوقف
كان السبب الرئيس الذي دعا قوماً إلى الوقف على الإمام الكاظم (عليه السلام) هو السيطرة على الأموال التي كانت بأيديهم، فقد روى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا، ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري، وكرام الخثعمي وأمثالهم.
فروى محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن جمهور، عن أحمد بن الفضل، عن يونس بن عبد الرحمن قال: مات أبو إبراهيم (عليه السلام) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته، طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.
فلما رأيت ذلك وتبينت الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما علمت، تكلمت ودعوت الناس إليه، فبعثا إليَّ وقالا: ما يدعوك إلى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا [لي]: كف.
فأبيت، وقلت لهما: إن روينا عن الصادقين (عليه السلام) أنهم قالوا: «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان» وما كنت لأدع الجهاد وأمر الله على كل حال، فناصباني وأضمرا لي العداوة.
وروى محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار وسعد بن عبدالله الأشعري جميعاً، عن يعقوب بن يزيد الأنباري، عن بعض أصحابه قال: مضى أبو إبراهيم (عليه السلام) وعند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جوار، ومسكنه مصر.
فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) أن احملوا ما قبلكم من المال وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار، فإني وارثه وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه قبلكم، وكلام يشبه هذا.
فأما ابن أبي حمزة فإنه أنكره ولم يعترف بما عنده وكذلك زياد القندي.
وأما عثمان بن عيسى فإنه كتب إليه إن أباك (صلوات الله عليه) لم يمت وهو حي قائم، ومن ذكر أنه مات فهو مبطل، وأعمل على أنه قد مضى كما تقول: فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وأما الجواري فقد أعتقتهن وتزوجت بهن[3].
وقد غرر هؤلاء بصفوة بريئة من أصحاب الإمام (عليه السلام) وألقوا عليهم الشبه والتشكيكات المريبة، فأذعنوا لهم، ودانوا بباطلهم، أمثال عبدالرحمن بن الحجاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن دراج، وحماد بن عيسى، والحسن?بن علي الوشاء، وغيرهم من كبار صحابة أهل البيت، ولكنهم عادوا إلى الاعتراف بإمامة الرضا (عليه السلام)، والانحراف عن مذهب الوقف.
ولكن البعض ممن غرروا بهم ببذل المال إليهم لكي يدينوا بمذهبهم، لا تنفع معهم حجة، بل ثبتوا على ضلالهم، وماتوا وهم ظالمون، أمثال حمزة بن بزيع الذي عبّر عنه الإمام الرضا (عليه السلام) بالشقي([4).
الإمام الرضا يتصدى للواقفة
تصدى الإمام الرضا (عليه السلام) لانحرافات الواقفة، ووقف بحزم ضدهم، وأمر الشيعة بمقاطعتهم، والابتعاد عنهم، لأنهم انحرفوا عن خط ومنهج مدرسة أهل البيت (عليه السلام).
وقد استمرت حركة الواقفة فترة زمنية ليست بالقصيرة كان فيها الصراع والخلاف والتنازع على أشده بينها وبين أتباع الإمام الرضا (عليه السلام)، لكنها سرعان ما انقرضت وانتهت لأنها غير قائمة على المبادئ والقيم، وإنما هي حركة انطلقت بدوافع مادية بحتة وما كان كذلك ينتهي بانتهاء محفزاته ودوافعه.