هدم البقيع.. جريمة كل العصور

عبد الرزاق عبد الحسين

2016-07-11 06:32

جهل يتربع على أدمغة جامدة، ينتج عنها أفعال رعناء، مثل تهديم قبور الأولياء الصالحين من آل بيت محمد نبي الاسلام (ص) في بقيع الغرقد، كيف يمكن أن يُزال الجهل عن مثل هذه العقول، وتنقشع غشاوة البصيرة والبصر، ليرون الحقيقة بصفاء تام؟، ما من شك أن التطرف الأعمى يقود أصحابه وحامليه الى نتائج عمياء، وجريمة هدم قبور أولياء الله في البقيع تقع ضمن هذا الاطار.

وهي سابقة خطيرة في هذا المجال، ليس على المستوى الإسلامي، بل على المستوى العالمي كله، فليس هناك أمة من أمم العالم أجمع، أقدم أبناؤها على هدم إرثهم، كالقبور والأضرحة التاريخية، فكيف اذا كانت هذه القبور تعود الى أولياء صالحين من أنبياء وأئمة مباركين؟.

ففي البقيع يوجد قبر الرسول الأكرم (ص)، ومعه قبور الأئمة الأبرار من آل البيت عليهم السلام، ومعهم ايضا عدد من الصحابة الذين نهض الاسلام على أكتافهم في شروع الدعوة النبوية، كل هذه القبور المقدسة تم هدمها في البقيع أمام مرأى المسلمين والعالم أجمع، بحجج واهية وشرائع لا أساس لها في المعايير العقلية او الدينية أو العرفية والاخلاقية، فأساس مثل هذه الأفعال أمزجة تقوم على التعصب الوهابي.

وما يثير الحيرة والتساؤلات الكبيرة، أن الجميع يقف في حالة صمت ازاء هذه الجريمة النكراء، فلا احد ولا دولة ولا حكومات المسلمين ولا المسلمين أنفسهم، ولا المنظمات الدولية المعنية بالإرث الإسلامي والإنساني عموما، كل هؤلاء لم يتحرك منهم احد ليعلن موقفا واضحا من جريمة هدم قبور البقيع العائدة الى مقدسات المسلمين ورموزهم، علما أن الأدلة التاريخية تفنّد جميع الفتاوى والأفكار المتطرفة التي استند إليها القائمون بهذه الجريمة النكراء، وتثبت ارتباط من قام بهدم قبور البقيع انه مرتبط بالاستعمار ومطيع له.

نجد في كتاب المجدد الثاني الامام السيد محمد الشيرازي أن (البقيع قد هدّم حديثا بأمر من الاستعمار، والمسلمون كانوا يرقبون بناءها كما كانت منذ أكثر من ألف سنة، لكنها لم تجدد والى يومنا هذا!، مع أنه قد مات وذهب عامل خرابه الذي كان المستعمر الماكر، فهل تبقى القبور هكذا خراباً؟ أو يهدي الله المسلمين لتجديدها؟).

قبل ذلك كانت حياة المسلمين قائمة على البساطة، لا تعقيد بها، ثراء في الخُلق، ورحمة، وتوادّ، وألفة، وفضاء مفتوح في السماء والارض، لا حواجزَ، لا حدود، لا تأشيرات، لا جوازات، هذه بدع صنعها المستعمرون، اكد ذلك المجدد الثاني بقوله: (كان المسلمون يسافرون إلى الحج من مختلف البلاد بدون حد جغرافي أو تذكرة أو تأشيرة أو ما أشبه، ثم وُضعت كلُّ تلك الأشياء، وكلها باطلة عقلاً وشرعاً. وقد توسعت بلاد مثل أمريكا والهند والصين، وتقطعت بلاد كما فعلوا بكوريا وبعض البلاد الأخرى، وهكذا فعلوا ببلاد الإسلام فقطعوها وجزّؤوها..أما رجوع بلاد الإسلام إلى حالتها الإسلامية.. أي إلى الوحدة كما كانت عليها أكثر من ألف سنة، فلم تحصل.. وذلك لجهل الحكام وحرصهم وما أشبه).

ومن بداهة القول ان الدفن في مقبرة البقيع ليس وليد العصر الحالي ولا المنظور، انما يعود الى الزمن البعيد زمن النبي ص فقد (ابتدئ الدفن في جنة البقيع منذ زمان النبي الأعظم ص، وأحياناً كان الرسول ص بنفسه يعلّم على قبر المدفون بعلامة. ثم بنيت قباب وأضرحة على جملة من القبور من قبل المؤمنين وبأمر من العلماء، كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان، فكانت عشرات منها في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحولهما) كما نجد ذلك في كتاب البقيع الغرقد لمؤلفه المجدد الثاني (قده).

ان الجهل اغلق نوافذ عقول الوهابيين، فأنكروا أن النبي (ص) كان يحضر أعمال دفن الصحابة بنفسه، ويضع على بعضها علامات، وأعماهم التعصّب، فأقدموا على هدم قبور الأولياء الأجلاء على الرغم من معرفتهم لمن تعود هذه القبور، ولكن الجهل أغلق سبل التروّي لديهم، ونسوا ان هذه قبور آل بيت محمد (ص) نبي الاسلام.

فالذين (دفنوا في البقيع من الأئمة المعصومين –ع- والأولياء الصالحين والمؤمنين والمؤمنات بكثرة حيث لم يحصهم التاريخ، والمشهور منهم: 1ـ الإمام الحسن المجتبى –ع- الذي قال فيه رسول الله –ص- أنه: سيد شباب أهل الجنة. وهذا الكلام يشمل جميع الأنبياء والأولياء، فالإمام الحسن-ع- سيدهم، نعم يخرج منهم بالدليل رسول الله –ص- وعلي أمير المؤمنين -ع- والصديقة الطاهرة الزهراء -سلام الله عليها-. 2ـ الإمام على بن الحسين زين العابدين –ع-. 3ـ الإمام محمّد الباقر-ع-.4ـ الإمام جعفر الصادق-ع-. وكل واحد من هؤلاء الأربعة إمام على كل مؤمن ومؤمنة، وهم من ضمن الأئمة الاثني عشر، حسب نص الرسول –ص- وقد صرح بعددهم وأسمائهم من أولهم وهو أمير المؤمنين -ع- إلى آخرهم الإمام المهدي عج. الذي يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً ويوحد الأرض تحت لواء الإسلام).

ومع ذلك تغلب الجهل على العقل والتعقل، واشتعلت موجات التعصب في رؤوس الوهابيين، في ظل تشجيع رسمي من الحكومات السعودية المتعاقبة، مع صمت عالمي حتى من المنظمات التي تُعنى بالحفاظ على الارث العالمي التاريخي للأمم والشعوب، الجميع في حالة صمت والجهل الذي يعشش في جماجم الوهابيين يحصد قبور أئمة أهل البيت (ع)، على مرأى من الجميع.

يرد في كتاب قبور الغرقد للمجدد الثاني (قده): (وقد هدم الوهابيون أكثرها في الحجاز منذ مأتي سنة، ثم استرجعها سائر المسلمين، وبعد زهاء ثمانين سنة استولى الوهابيون على البلدين المقدسين مرة ثانية وهدموا القباب وأحرقوا المكتبات! وكانت فيها كتب ثمينة جداً .. ولو كان دأب الوهابيين أو كان إيحاء من الخارج إليهم بهدم المساجد لهدموها أيضاً. كما أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم ص لكن تظاهر المسلمون في الهند ومصر ولعل غيرهما أيضاً، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة).

هناك إصرار على عملية هدم القبور التي تعود الى آل بيت النبوة، يقابله صمت المسلمين، وصمت عالمي للمنظمات الاممية والتراثية المعنية بحفظ التراث العالمي، ما يعني ان الصحيح هو تحريك حملات عالمية اسلامية جادة قوية مؤثرة ذات فعالية واستمرارية تدعو بلا توقف الى اعادة ما تم تهديمه من قبور البقيع، واطلاق سراح هذا الارث الاسلامي الانساني الذي لا يجوز التجاوز عليه، مع ردع قانوني منظم وحازم لمن يقف وراء مثل هذه الافعال بحجج لا اساس لها في الاديان والشرائع والاعراف.

تُرى هل أنتم فاعلون، أيها المسلمون؟؟ هل ستضعون حدا لأفعال الوهابيين النكراء، والمنظمات العالمية الثقافية والأممية، هل ستقوم بدورها لحماية هذا الارث الاسلامي الانساني من عبث المتعصبين، هذه أسئلة تحتاج لمن يتبناها ويقدمها الى الجهات والمنظمات الدولية المعنية بذلك، حفاظا على هيبة هذه القبور، وإعادتها الى ما كانت عليه قبل الإقبال على تهديمها، فهل انتم فاعلون لكبح آفة الجهل والتعصب.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا