قطرات من بحر علي (ع)

مروة حسن الجبوري

2016-04-23 05:26

بعد أن حملت السيدة.. وبدأ الحمل يظهر عليها، خرجت من دارها، تتوارى من الوجع، حاصرها الطلق، وبدأت علامات الوضع عليها، رمقت السماء بطرفها وراحت تتضرّع إلى المولى تبارك وتعالى قائلة: «ياربِّ إني مؤمنة بك، وبكل كتاب أنزلته، وبكل رسول أرسلته... ومصدقة بكلامك وكلام جدّي إبراهيم الخليل (عليه السلام)؛ وقد بنى بيتك العتيق. وأسألك بحق أنبيائك المرسلين وملائكتك المقربين، وبحق هذا الجنين الذي في أحشائي... إلاّ يسّرت عليّ ولادتي» أخذت تحوم حول الكعبة المشرّفة وتشكو ما بها إلى ربِّها، فانشقّ الجدار! إذ كانت الباب مغلقة! في جانب الكعبة المسمّى بـ (المستجار). فدخلت السيدة، ثم التأم ولم يبقَ سوى أثر ذلك ليدلّ على تلك المعجزة، وحينما حضر المخاض السيدة لم تكن بمفردها بل حضرتها السيدة حواء ومريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم واُمّ موسى عليه السلام كرامة لها، ولمولودها المبارك، ففي الحديث الشريف عن يزيد بن قعنب قال: فرأينا البيت قد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة وغابت من أبصارنا فيه، والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب، فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من الله عز وجل، ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين علي (ع)، فقالت: إني فضلت على من تقدمني من النساء، لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله عزوجل سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، أن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا، وأني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة! سميه عليا، فهو علي، والله العلي الأعلى يقول: إنى شققت إسمه من إسمي، وأدبته بأدبي، وأوقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي، ويقدسني ويمجدني، فطوبى لمن أحبه وأطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه.

الشهود على تلك المعجزة؟

العباس بن عبد المطب ويزيد بن قعنب كانا جالسين في تلك اللحظات، بإزاء البيت الحرام، وقد شاهدا فاطمة بنت أسد وهي تدعو وتتضرّع إلى الباري تعالى، حتى انشق الجدار ودخلت إلى جوف الكعبة! ولما وصل الخبر إلى زوجها أبي طالب أقبل مع جماعة وحاولوا فتح باب الكعبة فلم يستطيعوا...!فعلموا أن وراء ذلك الأمر إرادة ربّانية، فانصرفوا وصبروا إلى اليوم الثالث، وحينئذٍ ضج الخبر في ارجاء مكة، حتى ازدحم الناس ليشهدوا خروج فاطمة، وإذا بها تخرج من الموضع الذي كان قد انشقّ لها، وهي قد وضعت جنينها، فهرع الناس إليها ليستعلموا الخبر وماذا حصل؟، فلمّا رأت قومها مدهوشين قالت: معاشر الناس، إن الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي... لأني ولدت في بيته العتيق، وبقيت ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأرزاقها.

كانت، معجزة عصرها، فهي الوحيدة التي خصها الله بهذه المنزلة، ولم يخص غيرها من الزوجات الأنبياء وأمهات الأوصياء، حتى مريم العذراء لم تحصل على هذا الشرف العظيم، أراد الله أن يبين أن هذا المولود الجديد يوحي بمنزلة لايقاس بها أحد، وأن حياته مليئة بالمعاجز من أول لحظة ولادته.

نسب المولود المبارك

هو علي بن ابي طالب (ع) الى (آل هاشم) وهي أسرة كريمة من اشراف العرب ذات حسب ونسب ميزها التاريخ العربي بالنبل والشجاعة والمروءة والقيادة فهو (علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف). وامه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف وهي أول هاشمية تزوجت من هاشمي.

استقبال المولود المبارك

تقدّم النبي (ص) فضمّه الى صدره، وحمله الى بيت أبي طالباـ ثم أمر أبي طالب أن يسمي وليده «عليّاً» وهكذا سمّاه، وأقام أبو طالب وليمةً على شرف الوليد المبارك وقد اختارت له اسم حيدرة على اسم ابيها الا ابوه غير اسمه فسماه علياً وبهذا الاسم عرف واشتهر..

أسماء المولود (عليه السلام) وألقابه

الصدِّيق الأكبر والفاروق الأوّل

قال الإمام: أنا الصدِّيق الأكبر وأنا الفاروق الأوّل أسلمت فبل الناس وصلّيت قبل صلاتهم لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب .

سمّاه النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) علياً وهو أوّل من سمّي بذلك في هذه الدنيا.

وسمَّته أُمّه حيدرة وهو من أسماء الأسد لذا قال الإمام علي (عليه السلام) في معركة خيبر عندما برز إلى ملك اليهود مرحب اليهودي:

أنا الذي سمَّتني أُمّي حيدرة *** كليث غابات شديد قسورة.

ومن الأحاديث النبويّة في علي (ع). روى أبو ذرّ وسلمان الفارسي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد عليّ (عليه السلام) وقال: إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من صافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأُمّة يفرّق بين الحقّ والباطل .

روى الصحابي الجليل أبو ذرّ قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: عليّ أنت الصّدّيق الأكبر، وأنت الفاروق الّذي تفرّق بين الحقّ والباطل.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب فإنّه أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأُمّة .

يعسوب المؤمنين

قال النبي (صلى الله عليه وآله): « هذا ـ وأشار إلى الإمام ـ يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين »

وروى أبو سعد قال: دخلت على عليّ (ع) وبين يديه ذهب فقال: « أنا يعسوب المؤمنين، وهذا ـ أي الذهب ـ يعسوب المنافقين »، ثمّ قال: « بي يلوذ المؤمنون، وبهذا يلوذ المنافقون .

علي هو الولي

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)

نزلت الآية الكريمة في حقّ الإمام علي (ع) حينما تصدّق بخاتمه على مسكين في المسجد، وعبّرت عنه بصيغة الجمع، وهي: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ) دون المفرد; تعظيماً لشأنه وتعظيماً في احترامه .

روى ابن عبّاس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعليّ: أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي .

روى الخطيب البغدادي بسنده عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): « سألت الله فيك خمساً فأعطاني أربعاً ومنعني واحدةً ; سألته فأعطاني فيك أوّل من تنشقّ الأرض عنه يوم القيامة، وأنت معي، معك لواء الحمد وأنت تحمله، وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي ... » الحديث

روى النسائي بسنده أنّ قوماً شكوا عليّاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتألّم، والغضب يبصر في وجهه، وقال: ما تريدون من عليّ ؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال يوم خيبر:

كليث غابات شديد قسورة

أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا ولد سمّته اُمّه (السيّدة فاطمة بنت أسد) أسداً باسم أبيها، فلمّا رجز الإمام علي (عليه السلام) يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمّته به اُمّه.

وحيدرة اسم من أسامي الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد

تربيته ونشأته

نشأ وتربى المولود في حجر النبي (ص) وذلك بعد أن أخذه رسول الله من عمه أبي طالب ليخفف عن عمه، ثقل المعيشة، كما ذكر المؤرخّون العرب في كتب السيرة من أصابت مكّة بأزمة مهلكة وسنة عجاف منهك، وكان أبو طالب رضي الله عنه ذا مال قليل وعيال كثير فأصابه ما أصاب قريشاً من الفقر وضيق الحال، فعند ذلك دعا رسول الل ه( ص) عمّه العباس الى أن يتكفّل كل واحد منهما واحداً من أبناء أبي طالب وكان العباس ذا مال وثروة، فوافق العباس على ذلك،فاخذ العباس جعفراً وتكفّل فيه، وأخذ النبي عليّاً عليه السلام وتولّى شؤونه، وتعليمة، يضمه إلى صدره، ويكنفنه إلى فراشه، ويمسنه جسده ويشمنه عرفه. وكان يمضغ الشيء ثم يلقمه.، كان يتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع له في كل يوم من أخلاقه علما ويأمره بالاقتداء به،ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وهو ثالثهما. يرى نور الوحي ويسمع صوت الرسالة، ويطيب بأ أريج النبوة ..» وفي بيت الوحي والنبوة ترعرع الامام علي (ع) وربى نفسه في مدرسة الاسلام الخالدة اذ لم يكن يفتح عينيه على الحياة حتى كانت الرسالة الاسلامية مطروحة بين يديه فذهب يستوعب معانيها واهدافها فقد كان الامام (ع) من اوائل المسلمين الذين امنوا بالدعوة الاسلامية وصدقوها وهي لا تزال في مهدها.

مَنْ يقرأ التاريخ، يعلم كيفية كفالة أبي طالب للنبي( ص) قبل البعثة والدفاع عنه بعدها، وأنه قد شاركه في كل صغيرة وكبيرة حتى توفي بعد المحاصرة في الشعب الذي سمّي باسمه (شعب أبي طالب) وفي العام الذي أطق عليه (عام الحزن) بسبب وفاة أبي طالب وخديجة فيه، أبي طالب كان مؤمناً موحداً منذ قبل البعثة ، ثم أسلم بعد البعثه وكان النبي ص يحب أيضاً أبا طالب حباً شديداً لا يأوي إلا إليه ولايطمئن قلبه إلا باتصاله به.

نطلق عبد مناف بن عبد المطّلب، المشهور بأبى طالب، أحد العشرة من أولاد عبد المطّلب الشهادة بلسان اهل الحبشة في تفسير الوكيع من طريق أبي ذر الغفاري أنه قال: والله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب رضي الله عنه حتى أسلم بلسان الحبشة قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: أتفقه الحبشة ؟ قال: يا عم! إن الله علمني جميع الكلام. قال: يا محمدا! اسدن لمصاقا قاطا لاها، يعني أشهد مخلصا لا إله إلا الله، فبكي رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن الله أقر عيني بأبي طالب.

- لو تفحصنا جيداً بدعاء فاطمة بنت أسد أم الإمام علي عليه السلام لدى الكعبة، وكيف خاطبت الله، لنحصل على نتيجة واضحة أنها كانت مؤمنة موحّدة على ملّة إبراهيم الخليل عليه السلام، ويستفاد من الدعاء أن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة لـه تعالى على دين إبراهيم (عليه السلام) ولم تكن تعبد الأصنام أبداً كسائر الجاهليين، فلما بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت من السابقات إلى الإسلام والمؤمنات بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم).بل الأكثر من هذا، أنها كانت على علم ومعرفة بمنزلة الجنين الذي كان في بطنها وماله من منزلة عند الله! فهذا أن دل فهو يدل على جوهر إيمان هذه السيدة الجليلة.

عظمة المولود

تذكر لنا الروايات الشريفة في حوارية رائعة يسأل فيها صعصعة بن صوحان الامام علي عليه السلام ويقول له: أنت أفضل أم عيسى؟ قال عليه السلام أنا أفضل، لأن مريم بنت عمران لما أرادت أن تضع عيسى كانت في بيت المقدس، جاءها النداء يا مريم أخرجي من البيت! ها هنا محل عبادة لا محل ولادة فخرجت (فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ) ولكن أمي فاطمة بنت أسد لما قرب مولدي جاءت إلى بيت الله الحرام والتجأت إلى الكعبة، وسألت ربها أن يسهل عليها الولادة، فانشق لها جدار البيت الحرام وسمعت النداء: يا فاطمة ادخلي! فدخلت ورد الجدار على حاله فولدتني في حرم الله وبيته.

نعم لم يُذكر في التاريخ ولا في الروايات الشريفة ميزة او كرامة كرم الله بها احد مثلما كرم علي بن ابي طالب عليه السلام هذه الميزة التي لم يحض بها الانبياء ولا الأوصياء ولن يحضى بها غيره فعن علي بن ابي طالب عليه السلام(...وأنا أمي فاطمة بنت أسد لما قرب وضع حملها كانت في الحرم فانشق حائط الكعبة وسمعت قائلاً يقول: أدخلي فدخلت في وسط البيت، وأنا ولدت فيه، وليس لأحد هذه الفضيلة، لا قبلي ولا بعدي).

لا يخفى أنّ الإمام علي (عليه السلام) هو أعظم شخصية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ما نصّت عليه الأدلّة المتواترة عند العامّة والخاصّة، ولذا فإنّه (عليه السلام) كان أعظم ولد أبي طالب وأشرفهم منزلة، ومن هنا فقد أشرنا إلى كيفية ولادته (عليه السلام) دون سائر اُخوته، خاصّة أنّ الروايات الشريفة ومصنّفات التاريخ قد أشارت إلى ولادته بالتفصيل، ومن ذلك:

ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري حيث قال: سألت رسول الله (ص) عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وعلياً من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة ألف عام، فكنّا نسبّح الله ونقدّسه، فلمّا خلق الله تعالى آدم (ع) قذف بنا في صلبه واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزل كذلك حتّى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطّلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثمّ أطلع الله تبارك وتعالى علياً من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، ثم قال: يا جابر ومن قبل أن وقع علي (ع) في بطن اُمّه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال لـه المثرم بن دعيب بن الشيقتام وكان مذكوراً في العبادة قد عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجة، فسأله ربّه أن يريه وليّاً لـه، فبعث الله تبارك وتعالى بأبي طالب إليه، فلمّا أن بصر به المثرم قام إليه فقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال: من أنت يرحمك الله؟

قال: رجل من تهامة.

فقال: من أي تهامة؟

قال: من مكّة.

قال: ممّن؟

قال: من عبد مناف.

قال: من أي عبد مناف؟

قال: من بني هاشم.

فوثب إليه الراهب وقبّل رأسه ثانياً، وقال: الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتّى أراني وليّه.

ثم قال: أبشر يا هذا فإنّ العلي الأعلى قد ألهمني إلهاماً فيه بشارتك.

قال أبو طالب: وما هو؟

قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك اسمه وتعالى ذكره وهو إمام المتّقين ووصي رسول ربّ العالمين، فإن أدركت ذلك الولد فأقرئه منّي السلام وقل له: إنّ المثرم يقرأ عليك السلام.

فبكي أبو طالب وقال له: ما اسم هذا المولود؟

قال: اسمه علي.

فقال أبو طالب: إنّي لا أعلم حقيقة ما تقوله إلاّ ببرهان بيّن ودلالة واضحة.

قال المثرم: فما تريد أن أسأل الله لك أن يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك؟

قال أبو طالب: اُريد طعاماً من الجنّة في وقتي هذا.

فدعا الراهب بذلك، فما استتمّ دعاؤه حتّى أتى بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطبة وعنبة ورمّان، فتناول أبو طالب منه رمّانة ونهض فرحاً من ساعته حتّى رجع إلى منزله فأكلها، فتحوّلت ماء في صلبه فجامع فاطمة بنت أسد فحملت بعلي (عليه السلام) وارتجّت الأرض وزلزلت بهم أياماً حتّى لقيت قريش من ذلك شدّة وفزعوا وقالوا: قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبي قبيس حتّى نسألهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحلّ بساحتكم. فلمّا اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس فجعل يرتجّ ارتجاجاً حتّى تدكدكت بهم صمّ الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجهها، فلمّا بصروا بذلك قالوا: لا طاقة لنا بما حلّ بنا.

فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه، فقال: أيّها الناس إنّ الله تبارك وتعالى قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقاً إن لم تطيعوه ولم تقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ولا يكون لكم بتهامة مسكن.

فقالوا: يا أبا طالب! إنّا نقول بمقالتك.

فبكى أبو طالب ورفع يده إلى الله عزّوجلّ وقال: إلهي وسيّدي أسألك بالمحمّدية المحمودة وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلاّ تفضّلت على تهامة(21) بالرأفة والرحمة، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعو بها عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها(22).

فلمّا قربت ولادته أتت السيّدة فاطمة إلى بيت الله وقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم (عليه السلام) فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي، فانفتح البيت ودخلت فيه، فإذا هي بحواء ومريم وآسية واُمّ موسى وغيرهن، فصنعن مثل ما صنعن برسول الله وقت ولادته، فلمّا ولد سجد على الأرض يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ علياً وصي محمّد رسول الله، بمحمّد يختم الله النبوّة وبي تتم الوصية وأنا أمير المؤمنين، ثمّ سلّم على النساء وسأل عن أحوالهن وأشرقت السماء بضيائه، فخرج أبو طالب يقول: أبشروا فقد ظهر ولي الله يختم به الوصيين وهو وصي نبي ربّ العالمين.

بعدما ولدت السيدة فاطمة بنت أسد علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت به من الكعبة الشريفة جاء جبرئيل الأمين إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وهنّأه بهذا المولود المبارك وأشار عليه أن يذهب لاستقباله..

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ـ في خبر طويل ـ قال: لقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة علي (عليه السلام) فقال: يا حبيب الله العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويهنّئك بولادة أخيك علي ويقول: هذا أوان ظهور نبوّتك وإعلان وحيك وكشف رسالتك إذ أيّدتك بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك وأعلنت به ذكرك، فقم إليه واستقبله بيدك اليمنى فإنّه من أصحاب اليمين وشيعته الغرّ المحجّلون.

فقمت مبادراً، فوجدت فاطمة بنت أسد اُمّ علي وقد جاء لها المخاض وهي بين النساء والقوابل حولها.

فقال حبيبي جبرئيل: يا محمد نسجف بينها وبينك سجفاً(25) فإذا وضعت بعلي تتلقّاه، ففعلت ما أمرت به. ثم قال لي: اُمدد يدك يا محمّد، فمددت يدي اليمنى نحو اُمّه فإذا أنا بعلي على يدي واضعاً يده اليمنى في اُذنه اليمنى وهو يؤذّن ويقيم بالحنيفية ويشهد بوحدانية الله عزّوجلّ وبرسالاتي، ثم انثنى إليّ وقال: السلام عليك يا رسول الله.

ثم قال لي: يا رسول الله اقرأ؟

قلت: اقرأ فو الذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عزّوجلّ على آدم، فقام بها ابنه شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر شيث لأقرّ لـه أنه أحفظ لـه منه، ثم تلا صحف نوح، ثم صحف إبراهيم، ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقرّ لـه بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ زبور داود حتى لو حضر داود لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله عليّ من أوّله إلى آخره، فوجدته يحفظ كحفظي لـه الساعة من غير أن أسمع منه آية.

ثمّ خاطبني وخاطبته بما يخاطب الأنبياء الأوصياء (ع) ثم عاد إلى حال طفولته وهكذا أحد عشر إماماً من نسله، فلِمَ تحزنون وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك؟

بالله هل تعلمون أنّي أفضل النبيين وأنّ وصيي أفضل الوصيين وأنّ أبي آدم لمّا رأى اسمي واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأسماء أولادهم(عليهم السلام) مكتوبة على ساق العرش بالنور، قال: إلهي وسيدي هل خلقت خلقاً هو أكرم عليك منّي؟

فقال: يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحيّة ولا ملكاً مقرّباً ولا نبياً مرسلاً ولا خلقتك يا آدم.

فلمّا عصى آدم ربّه وسأله بحقّنا أن يتقبّل توبته ويغفر خطيئته فأجابه، وكنّا الكلمات تلقّاها آدم من ربّه عزّوجلّ فتاب عليه وغفر لـه، فقال لـه: يا آدم أبشر فإنّ هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد آدم ربّه عزّوجلّ وافتخر على الملائكة بنا، وإنّ هذا من فضلنا وفضل الله علينا.

فقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنتم الفائزون ولكم خلقت الجنة ولأعدائنا وأعدائكم النار

تبادل الأدوار

ورد في التاريخ أن أبا طالب تكفّل النبي محمد ص وهو ابن ثماني سنوات بعد وفاة جدّه عبد المطلب، وعاش معه في داره إلى حين بلوغة الخامسة والعشرين من عمره..فقام عبد مناف أبا طالب بتزوجه من السيدة خديجة بنت خويلد، قضى النبي من عمره سبعة عشر عاماً، في بيت أبا طالب ، لم يقصر عليه شيء، وكان ذا سعة من الأخلاق والكرم، وقد علم بأن الفتى الذي يكفّله سيكون نبي على هذه الامه.

انتهى دور أبو طالب في الكفالة وجاء دور النبي ص ليكفل وليهتم بعلي؛ لعلمه بأن هذا الوليد المبارك لأبي طاب سوف يكون له عوناً وعضداً ووزيراً، فأحاطه بكثير من العناية الخاصّة، وراح يتابع فصول حياته بدقّة متناهية، حيث تكفّل عليًّا وهو ابن ست سنين، أمام الناس كما يذكر لنا التاريخ،

محمد وعلي

بدأت زهرة النبوة تجمع بين (محمد وعلي)، فلا يعلم أحد ما كان يدور بينهما من حديث، إلاّ ما اطّلع على بعضه بعضُ الناس. ويكفينا أن ننقل بعض ما جاء في خطبة الإمام علي عليه السلام المعروفة بـ (القاصعة) لنطّلع على مدى قربه من رسول الله، ص، يقول عليه السلام: «وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة؛ وضعني في حجره، وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمني عَرْفه؛ وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل.

ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله وسلم ـ من لدن أن كان فطيماً ـ أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره. ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علَماً، ويأمرني بالاقتداء به.

ولقد كان يجاور في كل سنة (بحراء) فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة». وعاش الإمام علي (عليه السلام) في كنف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صباه مثلما عاش النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) في كنف عمّه أبي طالب .

فكان علي (عليه السلام) يهتدي بهدى رسول الله و يتربّى بتربيته المعصومة عن الخطأ ويتخلّق بأخلاقه فكان علي (عليه السلام) كما أراد محمد (صلى الله عليه وآله) في كل شيء .

إضافة إلى أنّهما كانا من نور واحد كما قال النبي (صلى الله عليه وآله): كنت أنا وعلي نوراً واحداً قبل أن يخلق الله تعالى آدم فلمّا خلق الله تعالى آدم انقسم ذلك النور إلى قسمين فقسم أنا وقسم علي.

معاجز الإمام علي
حديث الطائر

في حديث متواتر عن أنس بن مالك كنت أخدم رسول الله (ص) فقُدِّم لرسول الله (ص) فرخ مشوي فقال: « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير » فجاء الإمام علي بن أبي طالب (ع) ثلاث مرّات وأنس يردّه فسمع صوته رسول الله (ص) فدعاه واعتذر أنس بأنّه أراده أن يكون من قومه وأكل مع رسول الله (ص).

وقال الإمام علي (عليه السلام) يوم الشورى: أنا صاحب الطائر المشوي .

تسبيح الحصى في يد الإمام (ع) النبي (ص) [ أخذ كفّاً من الحصى فسبّحنّ في يده، ثمّ صبّهنّ في يد علي (ع) فسبّحنّ في يده، حتّى سمعنا التسبيح في أيديهما ! ثمّ صبّهنّ في أيدينا فما سبّحت.

الإمام وإحياء الشجرة اليابسة

عن الحارث الأعور الهمداني: خرجنا مع أمير المؤمنين حتّى انتهينا إلى العاقُول بالكوفة على شاطئ الفرات، فإذا نحن بأصل شجرة، وقد وقع أوراقها وبقي عودها يابساً، فضربها بيده المباركة وقال لها: ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمر ! فإذا هي تخضرّ بأغصانها مثمرة مورقة وحمْلها الكمّثرى الذي لا يرى مثله في فواكه الدنيا ! وطعمنا منه وتزوّدنا وحملنا .

فلمّا كان بعد أيّام عدنا إليها فإذا هي خضراء فيها الكمّثرى..

الامام علي ولقاء الخضر

وقال الإمام (ع): رأيت الخضر (ع) في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علّمني شيئاً أُنتصَر به على الأعداء، فقال: « قل: ياهو يامن لا هو إلاّ هو » . فلمّا أصبحت قصصتها على رسول الله (ص)، فقال لي: « ياعلي، عُلّمت الأسم الأعظم » . فكان على لساني يوم بدر.

قال الإمام علي (عليه السلام): دخلت الطواف في بعض الليل فإذا أنا برجل متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: يامن لا يمنعه سمع عن سمع، ويامن لا تغلطه المسائل، ويامن لا يبرحه إلحاح الملحّين، ولا مسألة السائلين ; ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك !

قال: فقلت له: ياهذا، أعِد عليَّ ما قلت. قال: قال لي: أوَسمعته ؟! قلت: نعم. قال لي: والذي نفس الخضر بيده ـ قال: وكان هو الخضرـ لا يقولها عبد خلف صلاة مكتوبة إلاّ غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، ورمل عالج، وورق الشجر، وعدد النجوم، لغفرها الله له.

أقبل أمير المؤمنين صلوات الله عليه ذات يوم ومعه الحسن بن علي وسلمان الفارسي، وأمير المؤمنين متّكئ على يد سلمان (رضي الله عنه)، فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلّم على أمير المؤمنين وجلس بين يديه وقال: ياأمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل... ثمّ قام فمضى، فقال أمير المؤمنين للحسن (ع): ياأبا محمّد، اتّبعه فانظر أين يقصد . قال : فخرجت في أثره، فما كان إلاّ أن وضع رجله خارج المسجد حتّى ما دريت أين أخذ من الأرض ! فرجعت إلى أمير المؤمنين (ع) فأعلمته، فقال: يا أبا محمّد، تعرفه ؟ قلت: لا، والله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، فقال: هو الخضر (عليه السلام).

ولمّا قبض رسول الله (ص) جاء الخضر (ع) فوقف على باب البيت وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين (ع)، ورسول الله (ص) قد سُجّي بثوبه، فقال: السلام عليكم ياأهل بيت محمّد، كلّ نفس ذائقة الموت، وإنّما توفّون أُجوركم يوم القيامة، إنّ في الله خلفاً من كلّ هالك، وعزاءً من كلّ مصيبة، ودركاً من كل فائت، فتوكّلوا عليه، وثقوا به، وأستغفر الله لي ولكم .

فقال أمير المؤمنين (ع): هذا أخي الخضر (ع)، جاء يعزّيكم بنبيّكم (ص).

لمّا جلس علي (ع) في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد.. فصعد المنبر.. ثمّ قال: يا معشر الناس! سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكّئاً على عصاه، فلم يزل يتخطّى الناس حتّى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين، دلّني على عمل إذا عملته نجّاني الله من النار. قال له: اسمع ياهذا ثمّ افهم ثمّ استيقن! قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغنيّ لا يبخل ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أنّ الدار قد رجعت إلى بدئها; أي الكفر بعد الإيمان

أيّها السائل! فلا تغترّنّ بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتّى .

أيّها السائل! إنّما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر .

فأمّا الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه، ولا يحزن على شيء منها فاته; وأمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه، فإن أدرك منها شيئاً صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ; وأمّا الراغب فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام .

قال له: يا أمير المؤمنين، فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حقّ فيتولاّه، وينظر إلى ما خالقه فيتبرّأ منه وإن كان حميماً قريباً. قال: صدقت والله ياأمير المؤمنين !

ثمّ غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسّم علي (ع) على المنبر ثمّ قال: ما لكم! هذا أخي الخضر (ع) وبينما النبي موسى (ع) كان يسأل الخضر كما ذكر القرآن الكريم كان الخضر يسأل الإمام علياً (ع)، فلاحظ المنزلة العظيمة لوصي المصطفى محمّد (ص).

الأحاديث النبويّة في علي (ع)
الإمام علي العصا السحريّة للنبي (ص)

قال رسول الله (ص): كان الإمام علي لي كالعصا السحرية لموسى (ع). وهذا الحديث النبوي يبيّن أهمية أمير المؤمنين الإمام علي للإسلام والمسلمين ..وقال خاتم الانبياء: قام الإسلام بسيف علي ومال خديجة.

يسألونك عن ولاية علي

قال الله تعالى: (وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَّسئُولون). أي إنّهم مسؤولون عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لذا قال شمس الدين بن العربي:

رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربا
فما طلب المبعوث أجراً على الهدى *** بتبليغه إلاّ المودَّة في القربى

وقال ابن الصبّاغ المالكي..

هم العروة الوثقى لمعتصم بها *** مناقبهم جاءت بوحي وإنزال
وهم آل بيت المصطفى فودادهم *** على الناس مفروضٌ بحكم وإسجال

علي صراط الله

وفي كتاب المناقب عن ابن عبّاد قال: كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ جاء أعرابي فقال: يا رسول الله سمعتك تقول: (وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ) فما حبل الله الذي نعتصم به؟ فضرب النبي يده في يد الإمام علي (ع) وقال (ص): تمسّكوا بهذا هو حبل الله المتين .

والحبل هنا يعني الشيء الذي يرتبط به الناس مع الله سبحانه لذلك قال تعالى : (وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ).

علي هو النبأ العظيم

قال تعالى: (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى).

يعني ولاية الإمام علي بن أبي طالب. فقد قال الإمام الرضا (ع): من أحب أن يتمسّك بالعروة الوثقى فليتمسّك بحبّ الإمام علي بن أبي طالب (ع).

وقال عزّوجل: (عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النَّبَاءِ العَظِيمِ الَّذِي هُم فِيهِ مُختَلِفُونَ).

روى علقمة أنّه خرج يوم صفّين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح ومصحف فوقه وهو يقول: عمَّ يتساءلون، فأردت البراز فقال (ع): مكانك، وخرج بنفسه وقال: أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟ قال: لا. قال والله إنّي أنا النبأ العظيم الذي فيه اختلفتم وعلى ولايتي تنازعتم وعن ولايتي رجعتم بعدما قبلتم وببغيكم هلكتم بعدما بسيفي نجوتم، ويوم غدير قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما عملتم ثم علاه بسيفه فرمى رأسه بيده.

قال النبي (ص) لعلي (عليه السلام): أنت النبأ العظيم والصراط المستقيم وأنت المثل الأعلى.

إن الكلام عن الإمام أمير المؤمنين (ع) ليس بالأمر السهل على الاطلاق، لأننا لسنا عباقرة، تقف الكلمات الابجدية أمام شخصية فريدة احتلت مكانة مرموقة في الكرة الأرضية، ماذا نكتب عن شخصية قدمها اللَّه تعالى كنموذج كامل، لذلك كانت حياة الإمام عليه السلام معاجز وعبر منذ لحظة الولادة، فعندما نريد أن نكتب عنه علينا بدراسة سيرة الإمام بكل جوانبها، وما كتبته هنا كان قطرات من بحر حياة الإمام علي عليه السلام، وإذا أردت التفصيل فلا تكفي المجلدات، شخصية مؤهلة لأن تكون القدوة ، وكذلك لنعلم أن وجوده كنز فإن كان ذكره عبادة فكيف بوجوده!، بناء على هذا علينا أن نتعلم منه والاستفادة من محطات حياته النورانية.

اروع ما قيل في مدح عليا
قبل أن تبدى سنيني بعت عمري لعلي
وبسوح الدر لمـا بايـــع الدر علي
طفت بين الخلق أدعو أنا مولى لعلي
وسمعت الكون يشدو خذ عهودي يا علي
كل ذرات وجودي سـوف تبلى يا علي
ثم شاء الله خلــقي من سـنا نور علي.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي