في المولد الكريم .. استحضار القيم وتفعيل الاقتداء
موقع الامام الشيرازي
2015-01-13 03:14
محمد الأديب
ذكرى المولد النبوي الشريف تعني فيما تعني، تجــديد العهـد والـولاء لرســول الله (صلى الله عليه وآله)، والدعوة إلى الحياة الكريمة لبني الإنسان الذي كلفه الله تعالى بعمارة الأرض واستخلافها، بحسب قانونه (عزوجل) لخلقه، الذي أنزله على أنبيائه ورسله، ولمحورية هذه الذكرى لعموم المسلمين، لابد من السؤال: هل نستطيع الإستفادة من هذه المناسبة النبوية كما ينبغي، أم أنها ستمر دون أن يلتفت المسلمون إلى معانيها، ويأخذوا من دروسها وعبرها، ويتزودوا من زادها لخير الدنيا والآخرة؟.
عندما ولد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم تكن الأرض تعرف العدل والمساواة، وكان الناس يظلم أحدهم الآخر، ويقتل بعضهم بعضاً، وكان مولده (صلى الله عليه وآله) بشارة الخلاص للبشرية جمعاء. لذلك، فإن ذكرى ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) - كانت وستبقى - دعوة إلى الخير والبر والسلام، والعمل على نشر الحق وسيادة العدل، وهي مناسبة عبقة بمعاني الأخوة والمحبة والتعايش والتسامح والتحاور.
المولد النبوي الكريم، أفضل مناسبة لعموم المسلمين لاستثمارها في توطيد الأخوة كحقيقة إيمانية وأخلاقية وإنسانية، وتجسيدها كواقع معاش يتحسسه المسلم، وهو يؤدي عبادته حراً لله تبارك وتعالى. فإن توحيد الله سبحانه، هو الأصل الجامع الذي يتآلف عليه المسلمون، في إخاء تعبدي لا نظير له، وحينما تتوحد الأمة في إطار عبادة رب كريم عظيم، قد أراد لها أن تكون كالجسد الواحد، إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، حيث قال (صلى الله عليه وآله ص): (المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله). فإن هكذا أمة ستزهر وترتقي. لاسيما أن عوامل تحقيق الوحدة متوفرة وراسخة، فإن المسلمين يعبدون رباً واحداً، ويتبعون نبياً واحداً، ويتلون كتاباً واحداً، وينتظرون يوماً آخراً واحداً، وهذه المشتركات الإيمانية، لابد أن يستثمرها المسلمون في تقوية أواصر وحدتهم ونبذ فرقتهم، وهو الحال الذي لا ينبغي أن يكون المؤمنون على خلافه، يقول الله تعالى: ((إِن هَـَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ)). فيقدم (عزوجل)، في الآية الكريمة، وحدة الأمة على عبادته ووحدانيته، وكأنه سبحانه يريد أن يبين لعباده، أن حقيقة عبادتهم له (عزوجل) تتماهى في وجود هذه الأمة، التي أريد لها أن تكون شاهدة على الأمم.
حفل تراث الإمام الشيرازي الراحل، بالمضامين (الفكرية والعملية) التي ترسم سبيل تحقيق الوحدة بين المسلمين، حاملاً في معظم كتبه ومحاضراته، كلمات هي بمثابة أهداف كـ(الأمة الواحدة)، (إنقاذ المسلمين)، (إنهاض المسلمين)، (الحكومة الإسلامية العالمية الواحدة)، (حكومة المليار مسلم)، ولقد أشار(قده)، في العديد من مؤلفاته، إلى أن من ثمار الوحدة بين المسلمين، تقدم العالم الإسلامي في شتى المجالات، منها: تكوين قوة عالمية عظمى، (فلو جمعنا الموارد في بلادنا الإسلامية، لكانت أكبر من موارد الولايات المتحدة، وأكبر من موارد أية دولة عظمى أخرى، ومعنى ذلك سيكون عالمنا الإسلامي هو القوة العظمى). وإنقاذ العالم من بعض المآسي، فنحن ندعو إلى (حكومة ألف مليون مسلم تنتهي بدورها إلى إلغاء الاستضعاف عن الجامعة البشرية). كذلك ستمكننا هذه الوحدة، من (إنقاذ العالم الغارق في مشاكل المادية). وانتشار الإسلام انتشاراً سريعاً، كما انتشر في عهد المسلمين الأوائل، الذين جسدوا الأخوّة الإسلامية بأسمى معانيها، فكان الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
اليوم وبعد أكثر من ألف وأربعمائة عام، ينبغي على المسلمين، أن يقفوا وقفة مسؤولة أمام التحديات التي تحول دون استقرار بلادهم وتقدمها ورفاهها، ويتجنبوا كل ما يفرقهم ويضعف قواهم، ويترفعوا عن كل ما يشتت جهودهم التي ينبغي أن تستثمر في صناعة الإنسان الصالح وبناء دولة العدل والسلام والرفاه، ولأن الأمة برجالها، فإنه ينبغي أن يكون لرجال الأمة، لاسيما الأقرب إلى مصادر التوجيه والوعظ والإرشاد، دور إستثنائي في توجيه المسلمين إلى مواطن الخير والتعاون على البر والتقوى، ونبذ الظلم والعدوان والكراهية والأحقاد، وكل هذا يصب في ترسيخ الأخوّة بين المسلمين.
إن المولد النبوي الشريف، مناسبة عظيمة وذكرى خالدة، ولابد أن يتضمن الاحتفاء بها، استحضار القيم والعبر والدروس التي يعبق هذا المولد الميمون، والتي نحن بحاجة لها، فإن الأمة اليوم بأمّس الحاجة إلى إعادة تقييم لتديّن المجتمعات المسلمة لغرض تقويمه والإرتقاء به، وإن تعاضد المسلمين جميعاً يعجّل بتحقيق الأمنيات، فإن التمسك بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لا يعني أداء بعض المراسم في ذكرى مولده فقط، بل ينبغي أيضاً نشر فضائلهم وتعاليمهم واتباع سيرتهم، وأن يكون ترسيخ الإقتداء بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من أولويات المحتفين بالمولد النبوي المبارك.