رسالة المولد النبوي الشريف والعودة الى جذر التأسيس الأول

مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

2015-12-29 02:44

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم

قال رسول الله محمد (صلى الله عليه وآاله) في خطبة الوداع:
(أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلغت اللهم اشهد فلا ترجعن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا هل بلغت اللهم اشهد أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى).تحف العقول.

احتشدت في الاديان الابراهيمية التوحيدية لحظة التأسيس الاولى جميع قيم الخير والمحبة والسلام. وشكلت تلك اللحظة قطعا ووصلا في وقت واحد مع كل ما يحيط بها من ثقافات وقيم وافكار.

فهي قطعت كل ما رسخته تلك الثقافات في ذاكرة المجتمعات وحراكها اليومي من مشاعر النفور من الاخر، ومن ما ينبت في القلب من كراهية وظلم وظلام.

وهي اذ تقطع ذلك، فإنها في الوقت نفسه تصل كل جميل ونبيل مع تلك الثقافات وتديم زخمه، وترسخ وجوده فاعلا ومؤثرا في حياة المجتمعات التي إنوجدت فيها، او عبرت الى مستقبلها.

الاسلام كدين ابراهيمي ختم تلك الاديان واكمل عليها ما استوعب زمنه لحظة التأسيس، مارس تلك القطيعة والوصل في وقت واحد مع جميع ما تعارف عليه مجتمع البعثة والتأسيس، فهو قاطع كل ما من شانه ان يجعل الانسان عبدا لإنسان اخر، بنقل تلك العبودية المصطنعة الى الخالق والمدبر والمالك لكل شيء، وتدابر مع عصبيات مجتمعة، واسس للسلم والسلام بين مجتمعات متحاربة حتى مع نفسها وضد بعضها الاخر، وكانت لحظة الوصل الشهيرة مع مجتمعه، لحظة التأسيس، هي قول خاتم الانبياء "صلى الله عليه وآله وسلم" انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق..

لكن تلك اللحظة، سرعان ما تم الانقلاب عليها من قبل عدد من المتدينين بهذا الدين، لتعود العصبيات التي قاطعها وحاربها، الى اشد ماكانت عليه بعد ان ترافقت مع سلطات حاكمة همها الاوحد ان تعيد استعباد الانسان لأخيه الانسان وتتسلط عليه مصادرة كل حرياته وقدرته على الخروج من اسر واستعباد الاخرين.

إنبنى وشُيّد على لحظة المفارقة تلك الكثير من المآسي والانتكاسات التي لاحقت المسلمين ولا زالت تلاحقهم بسبب ممارسات عدد من متديّنيهم، والذين صادروا لحظة الحقيقة وروعتها، واصبحوا المتحدثين الوحيدين باسمه.

ورغم ان تلك المجموعة صغيرة في عددها بالنسبة الى المحيط الاعظم من اعداد المسلمين، الا انها وجدت من يساند فعل المصادرة للحقيقة واحتكارها، من دول وجماعات رسمية وشعبية، همها الاوحد البقاء في السلطة كحكام ومستبدين وتأبيد لحظة حكمهم، وبالنسبة لتلك الجماعات الحفاظ على مصالحهم الدنيوية وما يدره مصادرة الحقيقة من معايش لحياتهم.

ولم تكتف تلك الجهات بما فعلته بمجتمعاتها ومجتمعات اخوتها في الدين الخاتم، بل عمدت الى نقل احتكارها للحقيقة الى أصحاب اديان أخرى، ان كانوا يجاوروهم في جغرافية الإقامة والسكن ضمن الوطن الواحد، او ابعد من ذلك الى دول أخرى، لديها هي الأخرى حكاما او جماعات تعاني من نفس المرض، مرض احتكار الحقيقة والتسبيح بأناشيد الكراهية للآخر المختلف، مع صورة ذهنية متخيلة منذ عهود الاستشراق الأولى.

يعيش المسلمون لحظة اغتراب حقيقية عن دينهم، وقد تنبأ خاتم الأنبياء والمرسلين محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" بهذه اللحظة، "إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء".

اصبح الإسلام ومنذ بدايات القرن الواحد والعشرين في مرمى النيران، نيران المسلمين الذين يعيشون لحظة اغترابهم عن نبعه الصافي، ونيران الاخرين الذين وجدوا في هذه الصورة المشوهة ضالتهم التي يبرزوها دائما في اعلامهم الذي يخاطب مجتمعاتهم ويخاطب الاخرين.

زادت مشاعر العنصرية والكراهية وعدم التسامح والقدرة على التعايش بين أبناء الدين الواحد، وبينهم وبقية أبناء الأديان والطوائف الأخرى، وأصبح الإرهاب والعنف لا يقترن او لا يقرن الا بالإسلام دين السلم والسلام والمحبة.

ما العمل ونحن نعيش ذكرى ولادة خاتم الأنبياء والرسل "صلى الله عليه وآله وسلم" والذي كان ثمالة تلك الرسالات الابراهيمية التوحيدية الكبرى، والذي احتشدت فيه كل قيم الخير والجمال التي أرادها الله الخالق البارئ المصور ان يتضمنها الانسان، كل انسان، في حياته ليكون خليفته عن استحقاق وجدارة؟

الاستفادة من استذكار ولادة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله وسلم"، عبر تمثل ما رسمه في خطوه على رمال الصحراء واخضر في مدينته المنورة، طيلة حياته ورسالته، وتجسيد ذلك التمثل اعمالا خيرة ونبيلة لا تقصي، ولا تصادر، ولا ترهب، ولا تخيف، ولاترعب الاخر، اخا في الدين او نظيرا في الخلق.

قال رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله): (ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة، تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك).تحف العقول.

..............................................
مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
http://shrsc.com
shirazi.shrsc@gmail.com
annabaa@gmail.com
واتساب: 009647902409092

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة