الصفات القيادية في الخطبة الفدكية

د. جمانة جاسم الاسدي

2025-10-05 06:29

تُعد الخطبة الفدكية للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من أبرز النصوص الإسلامية التي جمعت بين القوة الفكرية والبعد التشريعي والقيادة الرسالية، فهي لم تكن مجرد احتجاج على اغتصاب أملاكها (فدك)، بل كانت مشروعًا متكاملًا يضع أسس الدولة العادلة ويحذر من انحراف السلطة، ومن خلال تحليل مضامين الخطبة، يمكن استكشاف مجموعة من الصفات القيادية التي جسّدتها الزهراء (عليها السلام)، والتي تجعل من خطابها نموذجًا خالدًا للقيادة الواعية المقاومة.

أبرزت الخطبة الفدكية قدرة الزهراء (عليها السلام) على صياغة خطاب عقلي شرعي يستند إلى القرآن والسنة النبوية الشريفة، مما يعكس قيادة فكرية واعية تهدف إلى صناعة الوعي الجماعي عبر ربط الحقوق السياسية بالأصول العقائدية وبناء الحجة المنطقية القائمة على نصوص الوحي وأحكام الشريعة، وتثبيت المرجعية الدينية في مواجهة الانحراف السياسي.

تجلت في الخطبة شخصية الزهراء (عليها السلام) بوصفها قائدة رسالية تتحرك من منطلق القيم لا المصالح، ومن أبرز سمات القيادة الأخلاقية لديها كان الصدق في الطرح بعيدًا عن المراوغة أو التزييف، والإيثار والتضحية حين جعلت من حقها الشخصي قضية أمّة بأكملها، وتجلت في النزاهة والشجاعة في مواجهة سلطة غالبة دون خوف أو تردد.

ومما لا يخفى على المطلع، لم يكن خطاب الزهراء (عليها السلام) محصورًا في قضية فدك، بل تناول هموم الأمة وحذّر من نتائج الانحراف السياسي، ومن أبرز ملامح القيادة الاجتماعية مثل التعبير عن آلام المجتمع والدفاع عن المظلومين، والتحذير من التراجع عن مبادئ الإسلام وما يترتب على ذلك من ظلم وفساد، وتحريك الرأي العام ودعوة الناس إلى تحمل مسؤولياتهم، كما أظهرت الخطبة الفدكية رؤية استراتيجية تتجاوز اللحظة الراهنة، إذ بيّنت الزهراء (عليها السلام) أن الانحراف عن الإمامة سيؤدي إلى انهيار المنظومة القيمية، وأن الشرعية لا تُستمد إلا من الالتزام بالشريعة والعدل، وأن القيادة في الإسلام مشروع إصلاحي رسالي، لا نزاع على سلطة أو مال.

ختامًا- الخطبة الفدكية ليست نصًا تاريخيًا جامدًا، بل هي وثيقة قيادية متكاملة تُبرز شخصية السيدة الزهراء (عليها السلام) كقائدة فكرية وأخلاقية واجتماعية ورسالية، لقد جمعت في خطابها بين الجرأة في مواجهة الانحراف، والالتزام بالقيم، والرؤية المستقبلية، مما يجعلها أنموذجًا خالدًا للقيادة الواعية في الإسلام، ومن هنا فإن دراسة الخطبة الفدكية لا تنحصر في بعدها الديني، بل تمتد إلى إلهام الأجيال في كيفية ممارسة القيادة القائمة على الحق والعدل والوعي البصير.

د. جمانة جاسم الاسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار تدريسية بجامعة كربلاء

ذات صلة

المنظومتان العرفية والإدارية: تهشيم أم تعظيم؟الاثر التنموي للإنفاق العام في العراقعوامل انهيار الدول في منهج الإمام علي(ع)الاحتماء السعودي بالمظلة النووية الباكستانية والناتو الاسلاميإحياء الديمقراطية أو قتلها