الانقلاب على الخُلق العظيم.. خسارة للعالمين
علي ال غراش
2024-09-03 04:35
شخصية الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عظيمة في كل جوانبها، ولكن الأعظم في شخصيته (ص) والتي أثنى الخالق -عز وجل- عليها ومدحها، ووصفها بمقاييسه المقدسة بالعظمة، وهو ما يتميز به من مكارم الأخلاق إذ قال تعالى في كتابه الكريم: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) انها شهادة عظيمة من العلي العظيم -سبحانه- وتعالى لنبيه الكريم (ص) صاحب مكارم الأخلاق السامية.
لم يصف الله صفة أو ميزة أو معجزة لأحد من الأنبياء والمرسلين بالعظمة- رغم ما لديهم من معاجز كبيرة وكثيرة وفريدة، وما يتصفون به من صفات نبوية رسالية وخُلق كريم، لقد ذكرت في القرآن الكريم معاجز كثيرة؛ كمعاجز نبي الله نوح، ومعاجز نبي الله ابراهيم الخليل، ومعاجز نبي الله يوسف الصديق، ومعاجز نبي الله أيوب الصابر، ومعاجز نبي الله موسى الكليم، ومعاجز نبي الله سليمان، ومعاجز السيدة مريم العذراء، ومعاجز نبي الله عيسى المسيح، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا الأكرم أتم الصلاة والسلام، رغم ان القرآن الكريم فصل معاجزهم، إلا أنه لم يصفها -سبحانه وتعالى- بالعظمة، وإنما فقط أخلاق نبي الرحمة محمد (ص) التي وصفها بالعظمة. انها شهادة عظيمة لنبي عظيم.
القيمة الأخلاقية
ما قيمة الأخلاق عند الخالق -عزوجل- كي يهتم بها ويركز عليها ويصف أخلاق حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الخُلق العظيم، رغم ان كل ما يتصف به عظيم؟.
حتما لمكارم الاخلاق فوائد جمة على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع والأمة والعالم، وهي من أهم أهداف بعث الأنبياء والرسل، وقد صرح رسول الله (ص) بذلك قائلا: "إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق".
فالأخلاق هدفها تطهير وتهذيب وترويض النفس والأفعال والسلوك والتصرف بشكل حسن وما يؤدي للسعادة، والبعد عن الشقاء، فلا يمكن أن تتحقق العبادة الحقيقية لله -عزوجل- دون الاتصاف بمكارم الأخلاق في التعامل مع الخالق -عزوجل- ومع الخلق، فالأخلاق لها علاقة: بالعبادة والعلم والمعرفة، والعمل والتكسب في كافة المجالات، والتعامل مع أفراد العائلة والناس..، وكل إنسان الصغير والكبير، الرجل والمرأة، والغني والفقير، العالم والتلميذ وغير المتعلم، والحاكم والمحكوم، والبائع والمشتري، وفي استخدام الطريق كالقيادة وغيرها بحاجة إلى الأخلاق.
فالأخلاق هي الحياة وهي الإيمان والعبادة. إنما الإيمان والعبادة تقوم على مكارم الأخلاق، بل ان مقياس الإيمان يكون على مستوى الأخلاق فالأحسن إيمانًا هو الذي يتصف بمكارم الأخلاق، روي أن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قيل له (ص): أي المؤمنين أفضلهم إيمانًا؟. قال (ص): أحسنكم خلقا". وقال أيضا (ص): "ما يوضع في ميزان يوم القيامة أفضل من حسن الخلق".
أين الأمة والبشرية من الخُلق المحمدي العظيم؟
النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة وأسوة حسنة، رحمة للعالمين ونعمة ربانية على الخلق أجمعين، جمع الفضائل والمكرمات وكل ما هو حسن حتى وصفه الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (وإنَّك لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم). ولا غرابة في ذلك إذ إن الرسول الأعظم (ص) نال التربية والأخلاق العالية من الخالق -عزوجل- بحسب قوله (ص) الذي قال: (أدبني ربي بمكارم الأخلاق)، وفي رواية أخرى قال (ص):"أدبني ربي فأحسن تربيتي".
للأسف الأمة لم تستفيد من مكارم الأخلاق النبوية، ولم تتعامل معه بأخلاق ومنها الاحترام والوفاء والتقدير له وحفظ أهل بيته (عليهم السلام)، إذ قال (ص): ".. وإني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين، كتابَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعِتْرَتي، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أَهْلُ بيتي، وإن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما".
كتب التاريخ والإساءة للنبي (ص)!
من المؤلم والمحزن رغم مدح وثناء الخالق -عزوجل- لنبيه على الخُلق المحمدي العظيم، إلا أن كتب التاريخ والسيرة فيها روايات لا تتناسب مع ما يتصف به الرسول (ص) من عظمة اخلاقية، بل في تلك الروايات الكثيرة من الإساءات والتطاول بمقامه الشريف المعصوم، بل من عدم الأخلاق، والجرم الجسيم التعامل معه (ص) وكأنه كبقية الناس الذين أرسل إليهم لتعليمهم وتربيتهم حسب ما تربى هو تربية ربانية!.
روايات تصف النبي الأكرم (ص) وتتحدث عنه بما لا يقبل اي إنسان أن يقال عنه أو عن أهله!.
وهذه قمة الإساءة، وللأسف الأمة ما زالت مصرة على الأخذ بتلك الروايات؛ نتيجة التعصب للراوي وانها توجد في كتب الصحاح فقط، من العجيب أن يكون الثقة في الراوي وكتب الصحاح أكثر من الالتزام والتقيد والانقياد للآيات القرآنية التي تصف الرسول (ص) بالعظمة الأخلاقية والأدب وحسن التربية الربانية وانه لا ينطق عن الهوى انه وحي يوحى قال (سبحانه وتعال): ((وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى))!.
وهذه الروايات هي التي يستخدمها أعداء الدين الإسلامي والنبي الكريم (ص) في الإساءة والتهجم على سيد الخلق ورحمة العالمين النبي محمد (ص).
لا يمكن نسيان تطاول بعض الكتاب والرسامين والمجلات.. بالاساءة للنبي الأكرم (ص) واستشهادهم بروايات موجودة في كتب الصحاح، مثل ما جاء في كتاب آيات شيطانية لـ سلمان رشدي، وغيره، فلا ينفع التبريرات لبقائها حيث انها تشكل إساءة لسيد المخلوقات سيدنا محمد (ص).
متى يتم إلغاء ومسح أي رواية تخالف المنهج القرآني الذي يعظم ويثني على الخُلق النبوي (ص)؛ وذلك احتراما للمقام النبوي الشريف؟.
الإيذاء للنبي الكريم وشهادته المفجعة!
يقول النبي الأعظم الأكرم الرحيم (ص) الذي أرسل رحمة للعالمين، وتأديب أمته والعالمين على مكارم الأخلاق؛ وبسبب ذلك تحمل الكثير من الأذى لدرجة قوله (ص): "ما أوذيَ نبيٌّ مثلَما أوذيت". لقد تحمل كل أنواع الأذى من مجتمعه ومن بعض الذين حوله الذين..، وقد انكشفوا قبل شهادته حيث منعوه من كتابة الكتاب كوصيته..، وقالوا عنه انه غلب عليه الوجع ويهجر، ولم يطيعوا أوامره بالالتحاق بجيش أسامة رغم انه (ص) لعن من تخلف عنه..، وتنازعوا بين يديه وأحدثوا فوضى في مجلسه في مرضه الأخير، وهو ما يمثل قمة مخالفة الأوامر الإلهية التي ذكرت بشكل واضح في القرآن الكريم، ومخالفة مكارم الأخلاق التي بلغها رسول الله (ص) طوال بعثته، انها مواقف مخزية تعبر عن عدم الخُلق.
وبعد استشهاده مسموما حيث قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ... ﴾. قام القوم بانقلاب سريع، على كل التعاليم الدينية والإنسانية والأخلاقية التي بلغها الرسول الاعظم (ص) لأمته وأخذ منهم المواعيد والمواثيق واجبرهم على مبايعة وليه بالإمارة في يوم الغدير، ولكن القوم ضربوا بكل القيم ومنها الأخلاقية..، وظهروا على حقيقتهم أنهم طلاب سلطة وحكم ودنيا بأي طريقة كانت؛ كالاعتداء على احباء رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أوصى بهم خيرا وخاصة ابنته السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وزوجها ولي الله أمير المؤمنين الإمام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) وأهل بيته!.
.. والايذاء للنبي (ص) ما زال مستمرا لغاية اليوم ممن يدعون الانتماء لأمته بينما أفعالهم تؤذي رسول الله (ص) لأنها تخالف تعاليم الخالق -عزوجل- وتخالف سنته الصحيحة وكلامه وأفعاله..، وللاسف البعض يفعل ما يفعل من جرائم.. وينسبها إلى رسالة الإسلام والرسالة المحمدية بريئة منها كبراءة الذئب من دم يوسف!.
استشهد الرسول الأعظم (ص) والملائكة وكل شيء في الكون حزين على رحيل وارتقاء روح خاتم الأنبياء والمرسلين رحمة العالمين، وانقطاع الوحي، وأهل بيت النبي (ص) في مصيبة عظيمة بفقدان الرحمة والهدى والبركة والنور والمعلم والوالد للأمة، حيث كانوا مشغولين بتغسيله وتكفينه ودفنه وتوديعه… واي وداع!.
بينما القوم تركوا الرسول (ص) بعدما علموا باستشهاده لتنفيذ الانقلاب على رسالته وأخلاقه.. فلا احترام ولا وفاء..، ومنذ تلك اللحظة بدأت حملات التكذيب والتزييف بما يخدم مصالح الانقلابيين..، وأثار ذلك الانقلاب والرزية الكبرى مازالت قائمة لغاية اليوم، انه حدث مصيري مأساوي تدفع الأمة والبشرية ثمنه، حيث سقطت كل القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية الحقيقية، وأصبحت مجرد كلمات وشعارات وأسماء تقال على الألسنة فقط.
رحل النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في ٢٨/صفر وهو متألم على ما جرى حوله وخاصة في الساعات الأخيرة من حياته، وكانت آخر لحظات حياته وهو على صدر أمير المؤمنين (ع)، حيث رُوي انه لَمَّا حَضَرَ رسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله المَوْتُ قَالَ (ص): ﴿ضَعْ رَأْسِي يَاعَلِيُّ فِي حِجرِكَ فَقَدْ جَاءَ أَمْرُ اللهِ فَإِذَا فَاضَتْ نَفْسِي فَتَنَاولهَا بِيَدِكَ وَاِمْسَحْ بِهَا وَجْهَكَ، ثُمَّ وَجِّهنِي إِلَى القِبْلَةِ وَتَوَلّ أَمْرِي وَصَلِّ عَلَيَّ أَوَّلُ النَّاسِ، وَلَا تُفَارِقنِي حَتَّى تُوَارِيَنِي فِي رمسي وَاِسْتَعِن بِاللّهِ عَزَّوَجَلَّ، وَأَخَذَ عَلَيٌّ بِرَأْسِهِ فَوَضَعَهُ فِي حِجرِهِ وأُغمي عَلَيْهِ، فَبَكَتْ فَاطِمَةُ ثُمَّ قَضَى، وَمَدَّ أَمِيرُ المُؤمِنينَ يَدَهُ اليُمْنَى تَحْتَ حَنَكِهِ فَفَاضَتْ نَفْسُهُ فِيهَا فَرَفَعَهَا إِلَى وَجْهِهِ فَمَسَحَهُ بِهَا، وَصَاحَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَصَاحَ المُسْلِمُونَ وَوَضَعُوا التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ.﴾ وروي أيضا أن الإمام علي (ع) قال: "فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين سحري وصدري نفسك، إنا لله وإنا إليه راجعون". وحوله بني هاشم منهم عمه العباس.
والمصيبة الأعظم على شهادة الرسول الأعظم (ص) كانت عند بضعته السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهي وزوجها الإمام علي (عليه السلام) أصحاب المصاب الجلل.
وهناك روايات تذكر شدة تأثرها وحزنها لفراق أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي أول من زار قبر النبي الشريف والدها (ص)، اذ روي "جاءته وأخذت قبضة من تراب القبر الشريف، فوضعته على عينيها، وبكت وأنشدت تلك البيتين:
ماذا على من شم تربة أحمد … أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها … صبت على الأيام صرن لياليا.
وربما يفهم من هذا أن فاطمة (عليها السلام) أول من رثى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)" وكانت تحضر يوميا إلى قبر والدها (ص) الشريف وتبكي عنده.
واتخذت السيدة الزهراء (ع) من البكاء أسلوبا للتعبير عن غضبها نتيجة الانقلاب على رسالة السماء وتعاليم والدها رسول الله (ص) وما تعرضت له من اعتداء ومظلومية.
السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا رحمة الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا خاتم الأنبياء والمرسلين، جعلنا الله من المتمسكين برسالتك وطاعة أوامرك واتباع أهل بيتك المعصومين، ورزقنا الله شفاعتك يا رسول صلى الله عليك وأهل بيتك الطيبين الطاهرين.