الإِمَامُ جَعفَر الصَّادِق (ع) وَتَربِيَة الشِّيعَة حَقَّاً

الشيخ الحسين أحمد كريمو

2024-05-04 05:46

استشهد الإمام الصادق (عليه السلام) في 25 شوال سنة 148 هـ ودفن في بقيع الغرقد

مقدمة تربوية

ما جاء الدِّين، ولا نزلت رسالة من السماء إلا من أجل الإنسان، هذا المخلوق المكرَّم والمفضَّل من خالقه على كثير من الخلق الذي خلقه الله لأجله، وذلك قال الله في الحديث القدسي: (عبدي خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي، وهبتك الدنيا بالإحسان، والآخرة بالإيمان)، وخلق الخلق لخدمته في حياته وذلك لأنه مخلوق يحمل رسالة السماء إلى الأرض، ورسالته ثقيلة وأمانته عظيمة نأت عن حملها السماء والأرض والجبال ولكنه حملها بجهله فيها ولكن الله تعالى برأفته ورحمته ولطفه به أعطاه وساعده بكل ما يلزم ليؤديها كما يجب، وذلك في قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب: 72)

فمشكلة الإنسان تتمثَّل في أمرين اثنين هما: أنه ظلومٌ أي كثير الظلم لنفسه ولمَنْ هم حوله، وجهولٌ بنفسه وعظمته ورسالته التي يحملها عن ربه سبحانه وتعالى، ولذا ترى الناس في العام الأغلب غافلين عن تلك الحقائق الكبرى في هذا الكون، وينشغلون بطعامهم وشرابهم وتناسلهم كالبهائم أو أضل سبيلاً، كما وصفهم القرآن الحكيم في آياته الرَّبانية التي نزلت على أشرف خلق الله محمد وخاتم رسل السماء لأهل الأرض لتكون دستوراً خالداً لإخراج الناس من ظلمات الجهل والجاهلية إلى بحبوحة العلم والأنوار الإلهية وكل ما فيها من التقدم والتطور والحضارة الإنسانية الراقية.

فالقرآن الحكيم منهج لبناء وتربية الإنسان تربية ربانية صالحة، كما أنه في نفس الوقت يمثل منهجاً كونياً راقياً في بناء المجتمع المؤمن، ثم الدولة الصالحة العادلة، ثم الحضارة الإنسانية الراقية، ولكنه كتاب مسطور ودستور مكتوب ويحتاج لمَنْ يفسِّره ويؤوِّله ويطبِّقه على أرض الواقع، ولذا قرنه بالنَّبي الأطهر وعترته الطاهرة وصنعهم على عينه، وعلَّمهم بعلمه، وربَّاهم على منهاجه، وعصمهم من الخطل والزلل وفوَّض إليهم أمر تربية الناس وتعليمهم وتزكيتهم وتحضيرهم ليكونوا لائقين بالعودة إلى ربهم كما نزلوا طاهرين بالفطرة التي خلقهم الله عليها، وليستأهلوا أن يكونوا في مقعد صدق عند مليك مقتدر في الآخرة.

وهذا ملخص ما جاء في الحديث المتواتر وهو حديث الثقلين الذي قاله رسول الله (ص) مراراً وتكراراً لا سيما في حجة الوداع حيث قال (ص) برواية زيد بن أرقم: (أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فإنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُما كِتَابُ اللهِ، فيه الهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا به، فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قالَ: وَأَهْلُ بَيْتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتي). (صحيح مسلم: ح2408 والحديث صحيح)

فتسالم العلماء الأعلام وأجمع أهل الفضل منهم على أنه لا بدَّ من وجود كلا الثقلين في الحياة ولا يمكن الفصل بينهما في أي مرحلة من مراحل هذه الدنيا لأنهما (لن يفترقا) حتى يردا حوض الكوثر على النبي الأعظم (ص) في الآخرة ولكن هذه الأمة غصبت حق العترة الطاهرة، وهجرت كتاب الله الحكيم، وسلَّمت أمرها لرجال قريش الذين أوصلوها إلى أبناء الشجرة الملعونة في القرآن فحوَّلوها إلى ملك عضوض كما أخبر الرسول الأكرم (ص) من قبل.

الإمام الصادق (ع) واسطة عقد العترة 

ومن العترة الطاهرة بل واسطة عقدها الرباني هو ذاك العملاق الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بفضله وعلمه ونوره وشخصيته التي تميَّزت عن كل أهل عصره وزمانه بكل الجوانب المادية والمعنوية، وذلك لأنه واسطة عقد الإمامة الذي اعترفت الأمة كلها بفضله وعلوِّ كعبه على غيره من علماء عصره، رغم أنه عاش مخضرماً بين العصر الأموي الجاهلي، والعصر العباسي الطاغي، إلا أنه لم يتأثر بتلك الحركة التي غيَّرت وجه التاريخ وهي التي قامت باسمه الشريف أو إلى الرِّضا من آل محمد (صلوات الله عليهم) وكان هو الرِّضا من آل رسول الله (ص) وإليه جاءت رسالة أبو سلمة الخلال قبل أن تذهب إلى عبد الله بن الحسن، ثم لتنتقل بالغدر والمكر والحيلة إلى العباسيين بتلك القصة المروية في التاريخ.

لأن الإمام الصادق (ع) الذي عاش في كنف جده زين الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) 12 سنة، حيث رأى بأم عينه البكاء الغزير على مصيبة جده سيد الشهداء في يوم عاشوراء، وتلك الحالة العجيبة من العبادة الخالصة المخلصة لله تعالى منه فانغرس ذلك في نفسه الطاهرة وكان لها أثرها الخاص حتى آخر عمره الشريف، وتبعها مع أبيه الإمام محمد الباقر (عليه السلام) 19 سنة، حيث بدأ حضور درسه الخاص في الثالثة من عمره ثم في حلقة الدرس العامة في العاشرة حيث كان يجلس مع كبار الطلاب من الفقهاء والمحدثين وعظماء تلك الحقبة من حملة حديث الإمام الباقر (ع) حتى تعجَّب من حضوره حاكم زمانه السلطان الأموي الذي زار مدرسة الإمام الباقر (ع) في مسجد جده المصطفى (ص) فتعجَّب من حضور فتى بين أولئك الشيوخ الأعلام فسأل الوليد بن عبد الملك الإمام الباقر (عليه السلام): ما هذا العلم؟ فأجابه، إنه علم حديث يتحدَّث عن الأرض والسماء والشمس والنجوم، فوقع نظر الوليد على الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بين الحاضرين، ولم يكن قد رآه من قبل، فسأل عمّن يكون هذا الصبي بين الرجال؟ 

فقال عمر بن عبد العزيز (وكان والي المدينة من قبل الأمويين): هو جعفر بن محمد الباقر (عليهما السلام) فأعجبه ذلك، وسأل: وهل هو قادر على فهم الدَّرس واستيعابه؟ 

فقال عمر بن عبد العزيز: إنه أذكى مَنْ يحضر درس الإمام، وهو أكثرهم سؤالاً ونقاشاً.

فاستدعاه الوليد وسأله: ما اسمك؟ قال: اسمي جعفر.

فسأله: أ تعلم مَنْ كان صاحب المنطق؟

وأجابه الإمام جعفر الصَّادق (عليه السلام): كان أرسطو ملقبّاً بصاحب المنطق، لقّبه إياه تلامذته وأتباعه.

قال الوليد: ومَنْ صاحب المعز؟

قال الإمام: ليس هذا اسماً لأحد، ولكنه اسم لمجموعة من النجوم، وتسمى أيضاً (ذو الأعنَّة).

فاستولت الحيرة على الوليد، وعاد يسأله: هل تعلم مَنْ صاحب السواك؟

أجاب الإمام: هو لقب عبد الله بن مسعود صاحب جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال الوليد: مرحباً ومرحباً بك، وخاطب الإمام الباقر (عليه السلام) قائلاً: "إن ولدك هذا سيكون علاّمة عصره".

ولذا كان الصاحب بن عباد المتوفي سنة 375 هـ للهجرة كان يقول: "لم يظهر في الإسلام بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) شخصية علمية بعظمة جعفر الصادق (عليه السلام)، غير آبائه الطيبين الطاهرين". (ذلكم الإمام الصادق (ع) للسيد هادي المدرسي: ج1 ص51 بتصرف)

فالإمام الصادق (ع) في تلك الفترة المبكِّرة من عمره الشريف وحيث كان يحضر درس والده الإمام الباقر ويبدع فيه وهو أول مَن أبطل نظرية بطليموس في الحركة والهيئة الفلكية حيث كان يقول بمركزية الأرض وأن الشمس تدور حولها، فجاء الإمام الصادق وقال باستحالة حركتي الشمس وقال: بأنها هي مركز الحركة والدوران.

فالإمام الصادق (ع) كان تربية مدرسة الوحي والرِّسالة الرَّبانية التي كان يديرها والده العظيم شبيه جده رسول الله (ص) ومحيي دينه وسنته لأن الأمة دخلت في ثبات عميق بعد الحوادث الثلاثة التي عاشتها في فترة حكم يزيد الشَّر حيث أنه ارتكبها باسم الأمة ودينها ورسالتها وهي:

1- معركة عاشوراء؛ وقتل سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (ع)، وإبادة أهل بيت النبي وأخذ بنات الوحي والرسالة سبايا إلى الكوفة ثم إلى الشام بحادثة فريدة في التاريخ البشري من حيث المآسي التي ارتكبتها جيوش بني أمية وأشياعهم في كربلاء.

2- معركة الحرَّة؛ ضد أبناء الصحابة في المدينة المنورة حيث قتل أكثر من عشرة آلاف منهم واستباحها لجيشه ثلاثة أيام وفعلوا الأفاعيل فيها حيث ربطوا خيولهم في الرَّوضة النبوية الشريفة، ووصلت الدِّماء إلى قبر النبي، وما خرجوا منها إلا وأخذوا البيعة منهم على أنهم عبيد أرقاء ليزيد الشَّر.

3- معركة الكعبة؛ والبيت الحرام ودكَّه الكعبة المشرَّفة بالمنجنيق وتدميرها وحرقها على رأس عبد الله بن الزبير وزبانيته من شذاذ الآفاق.

فهذه الحروب الثلاثة كانت موجهة ضد الله، ورسوله، وأهل البيت الأطهار، والصحابة جميعاً، وهي تُظهر مدى الحقد الأموي على هذا الدِّين الحنيف، وكادوا أن يحققوا أملهم ونظريتهم التي تبناها كبيرهم الذي علَّمهم الكفر أبو سفيان ثم ولده معاوية من دفن الإسلام (لا والله إلا دفناً دفناً)، ويمنع ذكر رسول الله (ص) ولكن الوجود المبارك للإمام زين العابدين، ومنهجه في العمل الرسالي أعاد للأمة روحها، وألقها، وتوازنها، ثم جاء ولده الإمام الباقر الذي أحيى العلوم الدِّينية وبقرها وفرَّعها إلى كثير من العلوم التي لم يعرفها العرب في ذلك العصر وأنشأ أول جامعة علمية تقوم بتدريس كل تلك العلوم برعاية علماء وأئمة المسلمين، وأعطاها قوية فتية لولده الإمام الصَّادق (ع) الذي جعل منها قبلة العلماء وجامعة كبيرة تضم أكثر من أربعة آلاف طالب بمختلف العلوم والاختصاصات، لا سيما علوم الدِّين والعربية والفقه والتفسير والتأويل وحرصوا على بلورة العلوم الدينية بالخصوص وذلك لحفظ الدِّين الإسلامي بأصوله الخمسة وفروعه الكثيرة، ومازالت آثار تلك الجامعة العلمية حاضرة بكل قوة في الحياة الإسلامية فقهاً وأصولاً وتفسيراً وتأويلاً.

الإمام الصَّادق (ع) وتربية الشيعة حقاً

وما يميِّز فترة الإمام الصادق (ع) الذي تميَّز بأنه أطول أئمة المسلمين عمراً -68 عاماً- أنه كان يحرص على تربية كوادر الشيعة تربية راقية وتأديبهم بآداب الإسلام والدِّين الحق ويخلِّقهم بأخلاق القرآن الكريم والرسول العظيم الذي كان خُلقه القرآن، ليكونوا زيناً لأئمتهم، وتفتخر بهم أمتهم ويكونوا أفضل أقوامهم وعشائرهم أينما كانوا، وهذا سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: (مَعَاشِرَ اَلشِّيعَةِ كُونُوا لَنَا زَيْناً وَلاَ تَكُونُوا عَلَيْنَا شَيْناً، قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً، اِحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَكُفُّوهَا عَنِ اَلْفُضُولِ وَقَبِيحِ اَلْقَوْلِ). (وسائل الشیعة: ج۱۲ ص۱۹۳)

وحقيقة منذ أن قرأت هذه الوصية العظيمة لسيدنا ومولانا وإمامنا ومقتدانا الإمام جعفر الصادق (ع) أقف حائراً بنفسي وأسألها: كم تحتاج منا هذه الوصية من الدرس والبحث والشرح والبيان والتوضيح بالقول والعمل، وليت الشيعة الكرام كتبوها بماء الذهب وعلقوها في بيوتهم، ونواديهم، وحوزاتهم، ومساجدهم، وحسينياتهم لما فيها من أدب عظيم، وأخلاق كريمة، وهي رواية زَيْدٍ اَلشَّحَّامِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): اِقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّهُ يُطِيعُنِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِيَ اَلسَّلاَمَ وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاَلْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، وَاَلاِجْتِهَادِ لِلَّهِ، وَصِدْقِ اَلْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ اَلْأَمَانَةِ، وَطُولِ اَلسُّجُودِ، وَحُسْنِ اَلْجِوَارِ، فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، أَدُّوا اَلْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ اِئْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا بَرّاً أَوْ فَاجِراً فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ اَلْخَيْطِ وَاَلْمِخْيَطِ، صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، وَاِشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ، فَإِنَّ اَلرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ اَلْحَدِيثَ، وَأَدَّى اَلْأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ اَلنَّاسِ قِيلَ: هَذَا جَعْفَرِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ اَلسُّرُورُ، وَقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ، وَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيَّ بَلاَؤُهُ وَعَارُهُ وَقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ فَوَ اَللَّهِ لَحَدَّثَنِي أَبِي (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): أَنَّ اَلرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي اَلْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فَيَكُونُ زَيْنَهَا آدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ، وَأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ، وَأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ، إِلَيْهِ وَصَايَاهُمْ، وَوَدَائِعُهُمْ تُسْأَلُ اَلْعَشِيرَةُ عَنْهُ فَتَقُولُ مَنْ مِثْلُ فُلاَنٍ؟ إِنَّهُ لآَدَانَا لِلْأَمَانَةِ، وَأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ). (الکافي: ج۲ ص636) 

فكم هو عظيم أن نلتزم بأدب سيدنا ومولانا وإمامنا جعفر الصادق (ع) حتى نُدخلَ عليه السرور ونفرحه ولا نؤذيه ونحزنه وندخل عليه من الغم والحزن بسوء أدبنا -لا قدَّر الله- فنكون زيناً في عشائرنا وبيوتنا ومحلاتنا وأينما كنا نعطي الصورة القيمية والفضيلة الأخلاقية الراقية ليقال: هذا من شيعة الإمام جعفر الصادق (ع)، لا سيما أهل العلم والفضل الذين تربوا ونهلوا من معين علمه وحفظوا أحاديثه ودرسوها في مختلف أبواب الفقه، فهم جميعاً جلسوا على مائدته العامرة ويعرفون قيمة تلك المائدة وسيدها الذي ربَّى أولئك الأفذاذ من أصحابه الذي قال النجاشي عنهم: (لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فإني أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد)، وسماحة الإمام الراحل السيد الشيرازي (قدس سره) يقول عن تلك المدرسة كما في المناقب لابن شهر آشوب، قال: (ينقل عن الصادق (ع) من العلوم ما لا ينقل عن أحد، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا أربعة آلاف رجل)، ويعلِّق فيقول: في بعض الروايات: عشرين ألفاً، بل أكثر". (من حياة الإمام الصادق (ع): ص 38)

ثم ينقل بعض الأقوال للعلماء في شأن طلاب وتلاميذ الإمام الصادق (ع)، كقول الشيخ المفيد في الإرشاد: (نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله (ع)، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات، على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل).

والحافظ بن عقدة الزيدي جمع في كتاب رجاله: (أربعة آلاف رجل من الثقات الذين رووا عن جعفر بن محمد، فضلاً عن غيرهم، وذكر مصنفاتهم).. وقال المحقق في المعتبر يقول: (انتشر عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) من العلوم الجمَّة ما بهر به العقول).. وروى عنه راوٍ واحد وهو أبان بن تغلب ثلاثين ألف حديث، روى النجاشي في رجاله بسنده، عن الصادق (ع)، أنه قال: (أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث). (من حياة الإمام الصادق (ع): ص43)

فكل هؤلاء العلماء والفقهاء وحتى سماحة الإمام الراحل شخصياً كان من طلاب وتلاميذ مدرسة الإمام الصادق ولولاه لاندثرت آثار هذا الدِّين وذهبت أحاديث سيد المرسلين، وكل ذلك كان بتربية ربانية وأخلاق رحمانية تميَّز بها الإمام الصادق (عليه السلام) عن جميع علماء عصره وهكذا أمرنا أن نكون في أقوامنا وأسرنا وعشائرنا فهل نحن كذلك يا أمة الخير، ويا شيعة جعفر بن محمد (عليهما السلام)؟ أرجو أن نكون كذلك بحق سيدنا ومولانا وإمامنا الشهيد المظلوم الكبير الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).

ذات صلة

الإنسان مختار في أفعالهالامام علي بن موسى الرضا (ع) وشروط كلمة التوحيداللعن.. هل هو سلاح العاجزين؟!اللعن.. هل هو سلاح العاجزين؟!العراق والانفتاح المغلق