استشهاد الإمام العسكري (ع) مسموما في سامراء

المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي

2023-09-23 05:25

توفي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مسموماً شهيداً في سامراء فجر يوم الجمعة، الثامن من ربيع الأول عام 260 من الهجرة النبوية الشريفة.

وقد دسّ إليه السُمّ المعتمدُ العباسي وهو ابن المتوكل.

ودُفن الإمام (عليه السلام) ـ بعد تشييع عظيم ـ في داره بسامراء إلى جنب قبر أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) حيث مزاره الشريف الآن.

قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد: مرض أبو محمد (عليه السلام) في أول شهر ربيع الأول، وتوفي في الثامن منه(1).

وكان مرضه (عليه السلام) بسبب السمّ الذي سقاه المعتمد، كما رواه الشيخ الصدوق ابن بابويه (رحمه الله).

وكان الإمام (عليه السلام) شاباً حينما توفي مسموماً، فعمره المبارك تسع وعشرون سنة، وقيل ثمان وعشرون فقط. وكانت فترة إمامة الإمام (عليه السلام) ست سنوات حيث عاشها بعد أبيه الهادي (عليه السلام).

وهذا يدل على مدى خوف العباسيين من الإمام (عليه السلام) ومن ولادة المهدي المنتظر (عليه السلام)، حيث قضوا على الإمام العسكري (عليه السلام) في شبابه، بعد ما ملؤوا بيته بالعيون على أهله وعياله لمراقبة حمل أو مولود.

قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (إكمال الدين): وجدت في بعض كتب التواريخ أنه لما توفي أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) كان في ليلة وفاته قد كتب بيده كتباً كثيرة إلى المدينة ولم يحضره في ذلك الوقت إلاّ صقيل الجارية وعقيد الخادم ومن علم الله غيرهما. قال عقيد: فدعا (عليه السلام) بماء قد أغلي بالمصطكي، فجئنا به إليه. فقال (عليه السلام): (أبدأ بالصلاة)، وبسطنا في حجره المنديل وأخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه وذراعيه مرة مرة، ومسح على رأسه وقدميه مسحاً، وصلى صلاة الصبح على فراشه، وأخذ القدح ليشرب، فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد. فأخذت صقيل القدح من يده، ومضى من ساعته (عليه السلام) وصار إلى كرامة الله جل جلاله(2).

وقال أحمد بن عبيد الله بن خاقان ـ وكان من أشدّ النواصب عداوة لأهل البيت (عليه السلام) وكان من ولاة بني العباس:

لما اعتلّ الحسن (عليه السلام) بعث ـ الحاكم العباسي ـ إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته إلى دار الخلافة، ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم الأمير كلهم من ثقاته وخاصته فيهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف حاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعهده صباحاً ومساءً، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف، فركب حتى بكر إليه وأمر المتطببين بلزوم داره، وبعث إلى قاضي القضاة وأمره أن يختار عشرة ممن يوثق به في دينه وورعه وأمانته فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى توفي.

فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجة واحدة: مات ابن الرضا، ثم أخذوا في تجهيزه وعطلت الأسواق وركب بنو هاشم والقواد والكتّاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة.

فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى وهو مبعوث المتوكل منه، فكشف عن وجهه (عليه السلام) فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتّاب والقضاة والمعدلين وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد الرضا مات حتف أنفه على فراشه! وحضره من خدم الأمير فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان ثم غطّى وجهه.

وهكذا أرادوا أن يبرؤوا أنفسهم من قتل الإمام (عليه السلام).

ثم حضرت الجنازة المطهرة للصلاة، وقام جعفر لكي يصلي على أخيه، وإذا بصبي عليه سيماء الأنبياء خرج وقال: (تنحّ يا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي منك)، فتأخر جعفر وتقدم الصبي (عليه السلام) فصلى عليه، ثم دفن الإمام (عليه السلام) في داره إلى جنب والده (عليه السلام).

اعتقالات في بيت الإمام (عليه السلام)

بعد ما استشهد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وصلّى عليه ولده المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ودفنه، علمت الحكومة بولادة الإمام المنتظر (عليه السلام) وأن لـه من العمر ست سنوات، فأرسلت جيشاً لاعتقاله وقتله.

روي عن أبي الحسن بن وجنا، عن أبيه، عن جده: أنه كان في دار الحسن ابن علي (عليه السلام) فكبستنا الخيل واشتغلوا بالنهب والغارة، وكانت همتي في مولاي القائم (عليه السلام) قال: فإذا أنا به (عليه السلام) قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو (عليه السلام) ابن ست سنين فلم يره أحد حتى غاب(3).

ولما لم يعثروا على الإمام (عليه السلام) اعتقلوا والدته السيدة نرجس (عليها السلام) ـ واسمها الآخر صقيل ـ وأودعوها السجن، كما اعتقلوا جعفراً أخ الإمام (عليه السلام) لعدم إخبارهم بولادة المهدي (عليه السلام) من قبل، فأنكر علمه بذلك.

واعتقلوا أيضاً جمعاً من الشيعة والموالين.

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (إكمال الدين):

قال أبو الأديان: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها (صلوات الله عليه)، فكتب معي كتباً وقال: (تمضي بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل)!.

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي، فإذا كان ذلك فمن؟.

قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي).

فقلت: زدني.

فقال: (من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي).

فقلت: زدني.

فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.

ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حولـه يعزونه ويهنئونه. فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شيء.

ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي، قد كُفن أخوك فقم للصلاة عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حولـه يقدمهم: السمان، والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة. فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي (عليه السلام) على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما همَّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ رداء جعفر بن علي وقال: (تأخر يا عمّ، فأنا أحق بالصلاة على أبي). فتأخر جعفر وقد اربد وجهه، فتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه.

ثم قال الصبي: (يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك)، فدفعتها إليه وقلت في نفسي: هذه اثنتان، بقي الهميان.

فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته. فقالوا: فمن؟. فأشار الناس إلى جعفر بن علي، فسلموا عليه وعزوه وهنئوه. وقالوا: معنا كتب ومال، فتقول ممن الكتب وكم المال؟.

فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منا أن نعلم الغيب!.

قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار عشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا الكتب والمال وقالوا الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام.

ووجه المعتمد العباسي خدمه فقبضوا على صقيل الجارية ـ وهي أم الإمام المهدي (عليه السلام) ـ وطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت حملاً بها لتغطي على حال الصبي، فسُلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي ليسجنها إلى أن يولد الطفل فيقتله..

فسجنت السيدة صقيل وجعلن نساء المعتمد وخدمه ونساء الموفق وخدمه ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كل وقت، إلى أن دهمهم أمر الصفار، وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة، وخروجهم عن سر من رأى، وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلك، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم ورجعت إلى بيت الإمام (عليه السلام) (4).

المشهد الشريف في سامراء

دفن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في بيته بسامراء التي تشرفت به، وبجوار والده الإمام الهادي (عليه السلام).

وفي نفس الضريح المقدس قبر حكيمة بنت الإمام الجواد عمة الإمام العسكري (عليه السلام)، وقبر السيدة نرجس والدة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).

روى الجعفري، قال: قال لي أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام): (قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين)(5).

وقال أبو يحيى المغربي(6):

يا راكب الشهباء تعمل علبة

سلم على قبر بسامراء

قبر الإمام العسكري وابنه

وسمي أحمد خاتم الخلفاء

وقد سعى علماؤنا الأبرار لتأسيس الحوزة العلمية في سامراء وتقويتها ودعمها، ليكثر الموالون بجوار الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وتقل مظلومية المشهد الشريف.

حيث كان يستولي على المشهد المبارك في برهة من الأزمان جمع من الطغاة والظلمة وربما بعض النواصب، فيهملون رعاية المشهد ويتعمدون في الإضرار به، ففي عام 1106 هـ احترق المشهد الشريف بسامراء، وربما أحرقوها متعمدين.

فمن اللازم السعي الجاد لتقوية الحوزات العلمية في سامراء كما فعل الميرزا المجدد الشيرازي (قدس سره) حيث نقل الحوزة العلمية من النجف إلى سامراء(7). وقد اهتدى ببركة الميرزا كثير من الناس إلى مذهب أهل البيت (عليه السلام).

كما يلزم بناء الكثير من المؤسسات الدينية هناك من الحسينيات ودور النشر والمراكز الثقافية التي تنشر تعاليم أهل البيت (عليه السلام)، قال (عليه السلام): (إن الناس إذا علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(8).

فإن عموم الناس يرغبون ويشتاقون في إتباع أهل البيت (عليه السلام) إذا عرفوا الحق، وإن كان بعض النواصب وعلماء السوء يمنعونهم من ذلك.

قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في (البحار): قد وقعت داهية عظمى وفتنة كبرى في سنة ست ومائة بعد الألف من الهجرة في الروضة المنورة بسر من رأى، وذلك أنه لغلبة الأروام وأجلاف العرب ـ من غير أتباع أهل البيت (عليه السلام) ـ على سر من رأى وقلة اعتنائهم بإكرام الروضة المقدسة وجلاء السادات والأشراف لظلم الأروام عليهم منها، وضعوا ليلة من الليالي سراجاً داخل الروضة المطهرة في غير المحل المناسب لـه، فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفروش أو الأخشاب ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها. فاحترقت الفروش والصناديق المقدسة والأخشاب والأبواب، وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنصاب من المخالفين جهلاً منهم بأن أمثال ذلك لا يضر بحال هؤلاء الأجلة الكرام، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلام، وإنما ذلك غضب على الناس ولا يلزم ظهور المعجز في كل وقت، وإنما هو تابع للمصالح الكلية والأسرار في ذلك خفية وفيه شدة تكليف وافتتان وامتحان للمكلفين.

وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدسة النبوية بالمدينة أيضا صلوات الله على مشرفها وآله. قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد (قدس الله روحه) في كتاب (جامع الشرائع في باب اللعان): إنه إذا وقع بالمدينة يستحب أن يكون بمسجدها عند منبره (صلى الله عليه وآله) ـ ثم قال ـ وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وستمائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ثم عمل بدل المنبر.

وقال صاحب كتاب (عيون التواريخ) ـ من أفاضل المخالفين في وقائع السنة الرابع والخمسين والستمائة: وفي ليلة الجمعة أول ليلة من شهر رمضان احترق مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة، وكان ابتداء حريقه من زاوية الغربية من الشمال، وكان أحد القومة قد دخل إلى خزانة ومعه نار فعلقت في بعض الآلات ثم اتصلت بالسقف بسرعة، ثم دبت في السقوف آخذة مقبلة فأعجلت الناس عن قطعها. فما كان إلاّ ساعة حتى احترق سقوف المسجد أجمع، ووقع بعض أساطينه وذاب رصاصها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقف الحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ووقع ما وقع منه بالحجرة وبقي على حاله، وأصبح الناس يوم الجمعة فعزلوا موضع الصلاة، انتهى.

والقرامطة هدموا الكعبة ونقلوا الحجر الأسود ونصبوها في مسجد الكوفة.

وفي كل ذلك لم تظهر معجزة في تلك الحال، ولم يمنعوا من ذلك على الاستعجال، بل ترتب على كل منها آثار غضب الله تعالى في البلاد والعباد بعدها بزمان، كما أن في هذا الاحتراق ظهرت آثار سخط الله على المخالفين في تلك البلاد، فاستولى الأعراب على الروم وأخذوا منهم أكثر البلاد، وقتلوا منهم جماً غفيراً وجمعاً كثيراً، وتزداد في كل يوم نائرة الفتنة والنهب والغارة في تلك الناحية اشتعالاً. وقد استولى الأفرنج على سلطانهم مراراً وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وكل هذه الأمور من آثار مساهلتهم في أمور الدين، وقلة اعتنائهم بشأن أئمة الدين (سلام الله عليهم أجمعين).

وقال العلامة المجلسي (رحمه الله): ثم إن هذا الخبر الموحش ـ يعني خبر احتراق المشهد في سامراء ـ لما وصل إلى السلطان حسين الصفوي الموسوي، أمر بترميم تلك الروضة البهية وتشييدها، وأمر بعمل أربعة صناديق وضريح مشبك في غاية الإتقان وأرسلها إلى المشهد المشرف بسامراء(9).

ومما جرى على المرقد الشريف أن النواصب سرقوا مشهد العسكريين (عليهما السلام) في أواخر سنة 1355 هـ حيث سطا جماعة منهم ليلاً على المشهد المقدس فاقتلعوا عدة ألواح من الذهب المذهبة به القبة الشريفة.

وفي شهر صفر سنة 1356 هـ سطا جماعة من النواصب ليلاً على المشهد، فكسروا القفل الموضوع على باب المشهد وأخذوا شمعدانين من الفضة الخالصة وزنهما ثمانون كيلو غنيمة باردة(10).

إلى غيرها وغيرها (11).

فضل زيارة الإمام العسكري (عليه السلام)

عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار أحداً منكم؟. قال: (كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله))(12).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (من زار إماماً مفترض الطاعة بعد وفاته وصلّى عنده أربع ركعات، كتبت لـه حجة وعمرة)(13).

وروى الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: (إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة)(14).

وعن الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، قال: قلت للإمام علي بن محمد (عليه السلام): علّمني يا سيدي دعاءً أتقرب إلى الله عزوجل به؟. فقال لي: (هذا دعاء كثيراً ما أدعو به، وقد سألت الله عزوجل أن لا يخيب من دعا به في مشهدي، وهو: "يا عُدّتي عند العُدَد، ويا رجائي والمعتمَد، ويا كهفي والسَنَد، ويا واحدُ يا أحد، ويا قُل هو الله أحَد، أسألك بحق من خلقتَه من خلقك ولم تجعل في خلقك مثلَهم أحداً صلّ على جماعتهم وافعل بي كذا وكذا")(15).

وعن أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام، قال: حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن بويطة وكان لا يدخل المشهد، ويزور من وراء الشباك. فقال لي: جئت يوم عاشوراء نصف النهار ظهراً والشمس تغلي والطريق خال من واحد، وأنا فزع من الذعار ومن أهل البلد، أتخفى إلى أن بلغت الحائط الذي أمضي منه إلى الشباك، فمددت عيني فإذا أنا برجل جالس على الباب ظهره إليَّ كأنه ينظر في دفتر. فقال لي: (إلى أين يا أبا الطيب؟). بصوت يشبه صوت حسين بن علي بن محمد بن الرضا، فقلت: هذا حسين قد جاء يزور أخاه.

فقلت: يا سيدي، أمضي أزور من الشباك وأجيئك فأقضي حقك.

فقال: (ولِمَ لا تدخل يا أبا الطيب، تكون مولى لنا ورقاً وتوالينا حقاً ونمنعك تدخل الدار، ادخل يا أبا الطيب).

فقلت: أمضي أسلم عليه ولا أقبل منه، فجئت إلى الباب وليس عليه أحد فيشعر بي، وبادرت إلى عند البصري خادم الموضع ففتح لي الباب فدخلت، فكنا نقول لـه: أ ليس كنت لا تدخل! فقال: أما أنا فقد أذنوا لي، بقيتم أنتم(16).

* مقتطف من كتاب (من حياة الإمام العسكري عليه السلام) لمؤلفه المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله درجاته

..........................................
(1) الإرشاد: ج2 ص336 باب ذكر وفاة أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وموضع قبره وذكر ولده.
(2) كمال الدين: ج2 ص474 ب43 ح24.
(3) بحار الأنوار: ج52 ص47 ب18 ح33.
(4) راجع كمال الدين: ج2 ص475-476 ب43 ح24.
(5) الدعاء والزيارة للإمام الشيرازي (قدس سره): ص933 زيارة الإمامين العسكريين 3، ط1 عام 1414هـ/1994م.
(6) المناقب: ج4 ص426 فصل في المقدمات.
(7) آية الله العظمى السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي، المشهور بالمجدد، ولد في 15 جمادى الأولى 1230هـ. هاجـر إلـى النجف الأشرف سنة 1259هـ ثم نقل الحوزة العلمية إلى سامراء عام 1291هـ. درس على يد جملة من العلماء أمثال: السيد حسن المدرس، والمحقق الكلباسي، وصاحب الجواهر، والشيخ الأنصاري. آلت إليه المرجعية سنة 1281هـ بعد وفاة الشيخ الأنصاري. قارع الاستعمار البريطاني في إيران، وقاد ثورة التنباك (التبغ) ضده حيث أصدر فتوى بتحريم استعمال التنباك مما تسبب في خروج البريطانيين من إيران، كما وقف بوجه الفتنة الطائفية التي أحدثها ملك أفغانستان عبد الرحمن خان حيث أخذ بقتل الشيعة هناك وعمل المنائر من رؤوس القتلى في كل مكان. لـه عدة مؤلفات ما بين مطبوع ومخطوط. لم يكن (رحمه الله) يرغب بنشر كتبه ومؤلفاته استحقاراً منه لـها، كما ذكره العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه الله) في كتاب (هدية الرازي إلى الإمام المجدد الشيرازي). توفي (رحمه الله) عام 1312هـ.
(8) وسائل الشيعة: ج27 ص92 ب8 ح33297.
(9) يقع مرقد الإمامين الهادي والعسكري 3 في مدينة سامراء، وهو نفس الدار التي اشتراها الإمام الهادي (عليه السلام) وظل بها حتى يوم استشهاده. يقول الخطيب البغدادي: (وفي هذه السنة يعني سنة أربع وخمسين ومائتين توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني)(9).
فلما توفي (عليه السلام) دفن وسط داره، ثم لما توفي الإمام العسكري (عليه السلام) دفن إلى جنبه أبيه (عليه السلام)، كما دفنت أيضاً السيدة نرجس أم الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وكذلك دفنت بهذه الدار الطاهرة السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام)، ثم الجدة أم الحسن العسكري (عليه السلام)، ثم الحسين بن علي الهادي (عليه السلام)، ومعهم السيدين أبو هاشم الجعفري وجعفر ابنه، وكانت هذه القبور الطاهرة مشهداً لأهل الدار ولمن ورد عليهم.
وفي عام 333هـ قام ناصر الدولة الحمداني بتشييد الدار والضريح.
وفي عام 337هـ أكمل معز الدولة البويهي بناء الحمداني، وعمّر القبة والسرداب، ورتبت القوام والحجاب، وملأ البئر التي كان الإمام العسكري (عليه السلام) يتوضأ منها إذ كان الناس يأخذون الماء منه للبركة.
وفي عام 368هـ قام عضد الدولة البويهي ببناء سياج الروضة والضريح الشريفين.
وفي عام 445هـ ترك الأمير أرسلان بغداد إلى تكريت وعمّر القبة والضريح، وعمل الصندوق من الساج، وجعل الرمان فيه من الذهب.
وفي عام 495هـ قام بركياروق السلجوقي بتجديد الأبواب وسيج الروضة، ورمم القبة والرواق والصحن والدار.
وفي عام 606هـ قام الناصر العباسي بتعمير القبة والمئذنة والسرداب، وكتب أسماء الأئمة الاثني عشر على نطاق العقد على يد الشريف معد بن محمد.
وفي عام 640هـ وقع حريق في المشهد الشريف، فأتى على ضريحي الإمامين العسكريين (عليهما السلام)، فتقدم الحاكم العباسي المستنصر بالله بعمارة المشهد الشريف والضريحين المقدسين وإعادتهما إلى حالتهما السابقة، وكان الضريحان المقدسان مما أمر بصنعهما أرسلان البساسيري الذي خرج على الحاكم العباسي القائم بأمر الله. فأبدل المستنصر الصندوق ـ بعد الحريق ـ وجعله من الساج، وعمّر الروضة على يد جمال الدين أحمد بن طاووس.
وفي عام 750هـ قام أبو أويس حسن الجلائري بتزيين الضريح، وشيد القبة، وعمل البهو، وشيد الدار، ونقل المقابر التي في الصحن إلى الصحراء.
وفي عام 1160هـ قام الشاه حسين الصفوي بتسييج الروضة المطهرة، وعمل الشباك من الفولاذ.
وفي عام 1349هـ جلبت مولدة كهربائية لإضاءة الروضة العسكرية المقدسة.
وفي عام 1367هـ قام محمد صنيع خاتم بترميم الصندوق.
وفي عام 1381هـ تبرعت جماعة من الوجهاء منهم: الحاج علي الكهربائي، والشيخ محمد حسين المؤيد بالضريح الذي كان موجوداً إلى يوم الفاجعة الكبرى ـ تفجير المرقد الشريف ـ حيث كانت أبعاده: 6×5×3ر2 متر، وقد استغرق خمس سنوات لصنعه.
(10) يقال: غنيمة باردة أي لم تؤخذ بحرب ولا عسف.
(11) يقول الناشر لـهذا الكتاب: وفي زماننا هذا قام النواصب بتفجير قبة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والإمام الهادي (عليه السلام) في يوم الأربعاء 23 محرم 1427هـ المصادف 22 شباط 2006م. كما قاموا بتفجير المنارتين الذهبيتين في يوم الأربعاء 27 جمادى الأولى 1428هـ في الساعة التاسعة صباحاً الموافق لـ 13/ 7 / 2007م. حيث انهارت المنارة الأولى بشكل كامل وبعد سبع دقائق انفجرت المنارة الثانية لتقع على الأرض بشكل عمودي. وقد استنكرت المرجعيات الدينية والجهات السياسية وعموم الشعب العراقي والشعوب المسلمة بل وشعوب العالم هذا العمل الإجرامي، وحملوا المسؤولية على عاتق الحكومة التي تخاذلت في بناء المرقدين وتغاضت عن المجرمين، ولم تسمح للمؤمنين بإعادة البناء، ولم تطهر تلك الأماكن المقدسة والطرق المؤدية إليها من الإرهابيين والنواصب.
كما دان مجلس الأمن الدولي بشدة عملية التفجير التي استهدفت مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) في مدينة سامراء المقدسة. وحث رئيس مجلس الأمن الدولي جون بولتون في بيان لـه جميع أطياف الشعب العراقي إلى ضبط النفس، والوحدة، وعدم الانزلاق في منازعات طائفية. وأعرب بولتون عن تفهم أعضاء مجلس الأمن الدولي عن الحزن والقلق الناجمان من العملية التخريبية.
وأيضا: دان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين في اجتماعه هذه الجريمة الإرهابية التي استهدفت تفجير مرقدي الإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) في سامراء المقدسة وما ألحقته بهما من أضرار بالغة.
وجاء في بيان رئيس الجمهورية العراقية السيد جلال الطالباني:
ارتكب الإرهابيون جريمة نكراء أخرى، إذ طالت أياديهم الأثيمة واحدة من العتبات المقدسة لدى المسلمين عامة والشيعة خاصة ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام).
ويزيد من بشاعة هذه الجريمة إنها ارتكبت في شهر محرم الحرام، مما يؤكد أن الجناة لا يراعون المقدسات ولا يقيمون وزناً للأعراف، وهم بذلك يؤكدون مرة أخرى كونهم تكفيريين زنادقة. كما أن هذه الجريمة تفصح عن الغايات الدنيئة لمرتكبيها الذين يرومون إثارة الفتنة الطائفية، والدفع نحو اقتتال الأخوة، وزج بلادنا في أتون إحترابات تعيق مسيرتنا نحو الديمقراطية...
إننا إذ نستنكر بشدة هذه الجريمة الفاحشة ندعو رجال الدين والسياسة إلى إدانتها إدانة صريحة وواضحة، وفضح المقاصد الحقيقة للجناة. كما نهيب بالجميع ضبط النفس؛ لإحباط المخططات الأثيمة للتكفيريين، والرد عليها بمزيد من التلاحم، والوحدة الوطنية بين أبناء الشعب العراقي.
وندعو الأجهزة المعنية إلى التحرك السريع لإلقاء القبض على الجناة، وسوقهم إلى القضاء، وكشف الأطراف المحفزة لـهم والمتواطئة معهم...
(12) الكافي: ج4 ص579 باب فضل الزيارات وثوابها ح1.
(13) مستدرك الوسائل: ج10 ص184 ب2 ح11803.
(14) من لا يحضره الفقيه: ج2 ص577 باب ثواب زيارة النبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) ح3160.
(15) مستدرك الوسائل: ج10 ص363-364 ب70 ح12188.
(16) بشارة المصطفى: ص142-143.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي