الامام محمد الباقر: روايته عن رسول الله (ص)
الشيخ باقر شريف القرشي
2021-02-13 04:50
بقلم: الشيخ باقر شريف القرشي
تفجرت مواهب الامام أبي جعفر (ع) وعبقرياته بطاقات هائلة من العلم شملت جميع أنواع العلوم والمعارف من الحديث والفلسفة وعلم الكلام والفقه والحكم العالية والآداب السامية مضافا الى الملاحم وهي الاحداث التي اخبر عنها قبل وقوعها، ثم تحققت بعد ذلك على مسرح الحياة... والذي يدلل على مدى سعة علومه أنه مع كثرة ما انتهل العلماء من نمير علومه فانه كان يجد في نفسه ضيقا وحرجا لكثرة ما عنده من العلوم التي لم يجد لبثها ونشرها سبيلا فكان ـ فيما يقول الرواة ـ يصعد آهاته، ويقول بحسرات:
«لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل. لنشرت التوحيد والاسلام والدين والشرائع... وكيف لي بذلك، ولم يجد جدي أمير المؤمنين (ع) حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء، ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فان بين الجوانح علما جما...». (1)
واجمع المؤرخون والرواة على أنه كان من أثرى رجال الفكر والعلم في عصره في مواهبه وقدراته العلمية، وانه ممن رفع منار العلم، وأبرز حقائقه واظهر كنوزه حسبما أدلى به المترجمون له، كما ألمعنا الى ذلك في البحوث السابقة... وقبل البحث عن العلوم التي خاضها نتعرض الى بعض النقاط التي ترتبط بالموضوع:
الحياة العلمية فى عصره:
ومنيت الحركة العلمية ـ في عصر الامام ـ بكثير من الجمود والخمول فلم يعد لها أي ظل على واقع الحياة، فقد جرفت الناس التيارات السياسية، وتهالكت البيوتات الرفيعة على الظفر بالحكم، فزجت بطاقاتها البشرية والمالية في حروب طاحنة مريعة ومذهلة منيت الأمة فيها بأفدح الخسائر وافظع النكبات.
لقد اتجهت الأمة اتجاها عسكريا مدمرا فيما بينها، ولم يكن فيها أي بصيص لنور العلم والفكر، فقد خبأ ذلك النور الذي فجره الاسلام في العالم، وأراد للبشرية أن تسير على ضوئه لتحقق أهدافها من الأمن والرخاء والتطور...
الدور المشرق للإمام:
أطل الامام أبو جعفر (ع) على عالم ملئ بالفتن والاضطراب والاحداث، ورأى الأمة الاسلامية قد فقدت جميع مقوماتها، ولم تعد كما يريدها الله في وحدتها وتكاملها، وتطورها في ميادين العلم والانتاج.. ووجه الامام بحكم قيادته الروحية جهده لإعادة مجد الأمة، وبناء كيانها الحضاري، فرفع منار العلم، واقام صروح الفكر، وقد انصرف عن كل تحرك سياسي، واتجه صوب العلم وحده متفرغا له، يقول المستشرق « روايت م. رونلدس » «وعاش مكرما متفرغا للعلم في عزلته بالمدينة، وكان الناس يأتونه فيسألونه عن الامامة» (2).
وقد خف إليه زمرة من اعيان الأمة لتلقي العلوم منه، وكان ممن وفد عليه العالم الكبير جابر بن يزيد الجعفي فقد قال له الامام في أول التقائه به:
ـ من أين أنت؟
ـ من اهل الكوفة.
ـ ممن؟
ـ من جعف.
ـ ما أقدمك هنا؟
ـ طلب العلم.
ـ ممن؟
ـ منك (3).
وقد أخذت الوفود العلمية تترى إليه لتأخذ عنه العلوم والمعارف، يقول الشيخ ابو زهرة: «وما قصد أحد من العلماء مدينة النبي (ص) إلا عرج عليه ليأخذ عنه معالم الدين» (4) وقد أخذ عنه أهل الفقه ظاهر الحلال والحرام (5).
وعلى أي حال فقد استمد العالم الاسلامي من الامام جميع مقومات نهوضه وارتقائه، ولم يقتصر المد الثقافي الذي يستند إليه على عصره وإنما امتد الى سائر العصور التي تلت بعده، فقد تبلورت الحياة العلمية، وتطورت العلوم تطورا هائلا مما ازدهرت به الحياة العلمية في الاسلام.
إن الحياة الثقافية في الاسلام مدينة لهذا الامام العظيم فهو الباعث والقائد لها على امتداد التأريخ.
وخاض الامام عدة علوم في بحوثه التي القاها على العلماء في الجامع النبوي أو في بهو بيته، وكان من بينها.
الحديث:
وأولى الامام أبو جعفر (ع) المزيد من اهتمامه في الحديث الوارد عن جده رسول الله (ص) وعن آبائه الأئمة الطيبين (ع) فهو المصدر الثاني للتشريع الاسلامي بعد القرآن الكريم وله الاهمية البالغة في الشريعة الاسلامية فهو يتولى تخصيص عمومات الكتاب، وتقييد مطلقاته، وبيان ناسخه من منسوخه، ومجمله من مبينه، كما يعرض لأحكام الفقه من العبادات والمعاملات، واعطاء القواعد الكلية التي يتمسك بها الفقهاء في استنباطهم للحكم الشرعي، وبالاضافة الى ذلك كله فان فيه بنودا مشرقة لآداب السلوك، وقواعد الاجتماع، وتنظيم الأسرة، وصيانتها من التلوث بجرائم الآثام، الى غير ذلك مما يحتاج إليه الناس في حياتهم الفردية والاجتماعية. فلذلك عنى به الامام أبو جعفر (ع)، وتبناه بصورة إيجابية، وقد روى عنه جابر بن يزيد الجعفي سبعين الف حديث، وأبان بن تغلب مجموعة كبيرة، كما روى عنه غيرهما من أعلام أصحابه طائفة كبيرة من الاخبار.
والشيء المهم ان الامام أبا جعفر (ع) قد اهتم بفهم الحديث، والوقوف على معطياته، وقد جعل المقياس في فضل الراوي هو فهمه للحديث ومعرفة مضامينه، فقد روى يزيد الرزاز عن أبيه عن أبي عبد الله عن أبيه انه قال له:
«اعرف منازل الشيعة على قد رواياتهم، ومعرفتهم، فان المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدراية للرواية يعلو المؤمن الى أقصى درجات الايمان.. إني نظرت في كتاب لعلي فوجدت في الكتاب أن قيمة كل امرئ وقدره معرفته ان الله تعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا..» (6)
إن وعي الراوي للحديث ووقوفه على معناه مما يستدل به على سمو منزلته، وعظيم مكانته العلمية.
ولشدة اهتمام الامام وعنايته بالحديث فقد وضع بعض القواعد لتميز الصحيح من غيره عند تعارض الاخبار سنذكرها عند البحث عن علم الاصول الذي خاضه الامام.
روايات الأئمة:
أما روايات الأئمة الطاهرين (ع) التي أثرت عنهم في عالم التشريع والاحكام فهي لا تحكي آرائهم الخاصة وانما هي امتداد لقول الرسول (ص) ورأيه ولذا الحقت بالسنة ـ عند الشيعة ـ وقد ألمع الى ذلك الامام أبو جعفر (ع) في حديثين له مع جابر بن يزيد الجعفي.
1 ـ قال (ع) لجابر: «إنا لو كنا نحدثكم برأينا لكنا من الهالكين، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله (ص) كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم..». (7)
2 ـ قال (ع) لجابر: «والله يا جابر لو كنا نحدث الناس أو حدثناهم برأينا لكنا من الهالكين، ولكنا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله (ص) يتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم..» (8)
اذن فلم تستند احاديث أئمة اهل البيت (ع) لهم، وانما تستند الى جدهم الرسول (ص)، وهم الذين حافظوا على تراثه العلمي فكنزوه كما يكنز الناس الذهب والفضة.
أحاديث الامام الباقر:
أما احاديث الامام أبي جعفر (ع) عن جديه رسول الله (ص) والامام أمير المؤمنين (ع) فهي على قسمين:
الأولى: ـ مرسلة وهي التي لم يذكر فيها رجال السند، وينسب الامام الحديث رأسا الى النبي (ص) أو للإمام أمير المؤمنين (ع) وقد سئل (عليه السلام) عن سنده في ذلك فقال: « إذا حدثت بالحديث فلم اسنده فسندي فيه أبي زين العابدين عن أبيه الحسين الشهيد عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول الله (ص) عن جبرائيل عن الله عز وجل.. » (9)
الثانية: ـ المسندة، وهي التي يذكر فيها سنده عن آبائه الطاهرين عن رسول الله (ص).
وسواء أكانت روايته مرسلة أم مسندة فهي حجة بلا خلاف عند الشيعة إن صح طريق سندها إليه والا فتعامل معاملة بقية الاخبار التي فيها الضعيف والموثق والحسن.
رواياته عن النبي:
أما احاديثه عن النبي (ص) فهي تتعلق تارة بالفقه الاسلامي، وقد عرضت لها موسوعات الفقه والحديث، واخرى بآداب السلوك والاخلاق، كما عرضت بعضها لفضل العترة الطاهرة ولزوم مودتها، وفيما يلي ذلك:
1 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: « فضل العلم أحب الى الله من فضل العبادة، وأفضل دينكم الورع.. » (10)
وفي هذا الحديث دعوة الى طلب العلم والحث عليه فهو أفضل من العبادة التي لا ينتفع بها الا صاحبها، كما فيه الحث على الورع عن محارم الله والاجتناب عن المآثم التي تؤدي الى سقوط الشخص وانحرافه عن الطريق القويم.
2 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: « ما جمع شيء الى شيء أفضل من حلم الى علم.. » (11)
ان الانصاف بالعلم والحلم مما يرفعان مستوى الشخص، ويميزانه عن غيره فليس هناك شيء أفضل من هاتين الخصلتين.
3 ـ روى (ع) بسنده عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: «فوق كل بر بر، فاذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر، وفوق كل عقوق عقوق حتى يقتل الرجل أحد والديه فاذا قتل احدهما فليس فوقه عقوق.. » (12) ان منتهى البر وغايته هي الشهادة في سبيل الله فاذا استشهد الشخص من اجل ذلك فقد انتهى الى غاية البر، كما ان منتهى الاثم والعقوق هي قتل الرجل احد والديه فاذا فعل ذلك فقد سقط في حضيض من الإثم ليس له من قرار.
4 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « من المروءة استصلاح المال. » (13)
وحث الرسول (ص) أصحاب رءوس الاموال على استثمار أموالهم في الوجوه المشروعة لازدهار الاقتصاد العام وزيادة الدخل الفردي، ونفي الحاجة من البلاد، ونهاهم عن التبذير او حبس الاموال وعدم تشغيلها فان ذلك مما يعود بأضرار بالغة على اقتصاد البلاد.
5 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « إن الله تبارك وتعالى اهدى إلي والى أمتي هدية لم يهدها الى أحد من الأمم كرامة من الله لنا، فقال أصحابه: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الافطار في السفر والتقصير في الصلاة.. » (14)
حقا ان تقصير الصلاة والافطار في السفر من ألطاف الله تعالى على هذه الأمة فان المسافر في عناء وجهد فاذا وجب عليه الصوم واتمام الصلاة فقد اضاف الى عنائه عناء والى مشقته مشقة أخرى.
6 ـ قال (ع): أتى رجل الى النبي (ص) فقال له: مالي لا أحب الموت؟ فقال (ص): الك مال؟ قال: نعم، قال: فقدمته؟ قال: لا. قال: فمن ثم لا تحب الموت.. » (15)
ان هذا الانسان لو قدم لآخرته وسعى لها لأحب الدار الآخرة ليستوفي اجر ما عمله، ولكنه لم يفعل شيئا مما يقربه الى الله زلفى فلذاكره الموت، وكره ملاقاة الله تعالى.
7 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « إلا ان شرار أمتي الذين يكرمون مخافة شرهم، إلا وان من اكرمه الناس اتقاء شره فليس مني.. » (16)
إن شرار هذه الأمة الذين يكرمون ويعظمون لا لفضيلة فيهم أو احسان اسدوه الى الناس، وانما لاتقاء شرورهم ومخافة ظلمهم فان هؤلاء ليسوا من الاسلام الذي جاء بالرحمة والاحسان الى الناس.
8 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « رأس العقل بعد الايمان بالله عز وجل التحبب الى الناس.. » (17)
ما أروع هذه الحكمة وما اجلها!! فان التحبب الى الناس اما بقضاء حوائجهم أو جلب الخير لهم، ودفع الظلم عنهم أو مقابلتهم بالاخلاق الرفيعة مما يوجب شيوع المحبة بين الناس وربط الهيئة الاجتماعية بعضها ببعض، وهذا ما يحرص عليه الاسلام، ومما اقام مجتمعه عليه.
9 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): «يا معاشر قراء القرآن اتقوا الله عز وجل فيما حملكم من كتابه، فاني مسئول، وإنكم مسئولون، اني مسئول عن تبليغ الرسالة، وأما أنتم فتسألون عما حملتم من كتاب الله وسنتي.» (18)
وفي هذا الحديث دعوة الى القراء والى سائر رجال الدين للقيام بدورهم في تحمل المسئولية بارشاد الناس وهدايتهم، وتبليغهم بما أمر الله به وعما نهى عنه.
10 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « خلقت أنا وعلي من نور واحد.. » (19)
ان رسول الله (ص) وعليا (ع) خلقا من نور واحد اضاءا آفاق هذا الكون، فهما مصدر الفكر والوعي لهذه الأمة، وهما رائدا الانسانية لكل ما تسمو به.
11 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « اشتد غضب الله وغضبي على من اهراق دمي وآذاني في عترتي.. » (20)
الويل كل الويل للزمرة الخائنة التي لم تحفظ وصية رسول الله (ص) في عترته وأهل بيته فأبادتهم وقطعت أوصالهم، وسبت ذراريهم وانتهكت حرمتهم.
12 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « يحشر أبي ابراهيم وعلي وينادي مناد يا محمد نعم الأب أبوك، ونعم الأخ أخوك.. » (21)
إلا بوركت تلك الابوة الزاكية لإبراهيم خليل الرحمن، وتلك الاخوة الصادقة للإمام أمير المؤمنين الى الرسول الاعظم (ص) وينادي بهما يوم حشر الناس على صعيد الحق والعدل لإظهار فضلهما وسمو مكانتهما عند الله.
13 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص) لعلي: « لولاك ما عرف المؤمنون بعدي.. » (22)
لقد كان الامام أمير المؤمنين (ع) هو المقياس للأيمان، والمقياس للحق والعدل فما آمن به إلا كل من آمن بربه ووطنه وأمته، وما جحده إلا كل من تنكر للعدل، وتنكر لصالح أمته، واعرض عن ذكر الله واتخذ آياته هزوا.
14 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « تحشر ابنتي فاطمة، ومعها ثياب مصبوغة فتعلق بقائمة العرش، وتقول: يا جبار احكم بيني، وبين قاتل ولدي ـ يعني الحسين ـ فيحكم لابنتي ورب الكعبة.. » (23)
لقد أذاع النبي (ص) بين المسلمين في كثير من مواقفه عن مقتل سبطه العظيم الامام الحسين (ع) واعلن ـ في هذا الحديث ـ ان بضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) سترفع يوم القيامة قميص ولدها الملطخ بدمائه الزكية وتطالب الحاكم العدل أن يحكم بينها وبين قاتله، فالويل كل الويل لمن كانت العترة الطاهرة خصما له في ذلك اليوم الذي يخسر فيه المبطلون.
15 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « ان الله جعل ذرية محمد (ص) من صلب علي.. » (24)
إلا بوركت تلك الذرية الطاهرة التي اعز الله بها كلمة الحق، واضاء بها الطريق، وأوضح بها القصد، وجعلها الأدلاء على طاعته والقادة الى سبيله.
16 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « من اسبغ وضوءه، واحسن صلاته، وادى زكاة ماله، وكف غضبه، وسجن لسانه، وبذل معروفه واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لأهل بيتي فقد استكمل حقائق الايمان وأبواب الجنة له مفتحة.. » (25)
ان هذه الاعمال مما تقرب العبد الى خالقه، ويصل بها الانسان الى حقيقة الايمان، ويستوجب بها الجنان.
17 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): «غريبتان فاحتملوهما كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها، وكلمة سفه من حكيم فأغفروها..» (26)
ان صدور الحكمة من السفيه لغريب، ولو صدرت منه للزم الأخذ بها ولا يعنى بقائلها، كما أن صدور السفه من الحكيم لغريب باعتبار كماله وحكمته فاذا نطق بذلك فينبغي أن لا يؤاخذ عليه.
18 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « نعمتان مكفورتان الأمن والعافية.. » (27)
لقد كفر الناس بهاتين النعمتين اللتين لا تطيب الحياة من دونهما، وإنهم لم يؤدوا لله شكرا عليهما.
19 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « صنفان من امتي اذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل يا رسول الله ومن هما؟ قال: الفقهاء والامراء.. » (28)
ان الاصلاح الاجتماعي يتوقف على صلاح هذين الصنفين فاذا صلحا فقد سعدت الأمة، وحققت ما تصبو إليه، واذا شذا عن سنن الحق وانحرفا عن العدل أصيبت الامة بتدهور سريع في جميع مجالاتها.
20 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « إن الجنة ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجدها عاق، ولا ديوث، قيل يا رسول الله وما الديوث؟ قال: الذي تزني امرأته وهو يعلم.. » (29)
ان العاق لأبويه، والديوث الذي لا شرف له لا يستحقان أن ينعما بالفردوس الأعلى الذي هو مقر الأنبياء والصالحين، بل لا يليق بهما إلا أن يكونا مقرنين بالاصفاد في النار.
21 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « لا خير في العيش إلا لرجلين: عالم مطاع أو مستمع واع... » (30)
ان الخير في هذه الحياة انما هو للعالم الذي يطاع فيما يأمر به من القيم الكريمة والمثل الرفيعة، فاذا تم له ذلك فقد نجح في اداء رسالته وحقق ما يصبو إليه، وكذلك الخير في الحياة إنما هو للمستمع الواعي الذي يعي الاهداف النبيلة في رسالة المصلحين ويعمل بها.
22 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « من واسى الفقير، وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقا.. » (31)
إن مواساة الفقراء ماديا ومعنويا دليل على قوة الايمان وتكامله، كما ان انصاف الناس آية على سمو الشخص وتجرده من الانانية وسائر الامراض النفسية، وهذا هو واقع الايمان وجوهر الاسلام.
23 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « يلزم الوالدين من العقوق لولدهما اذا كان الولد صالحا ما يلزم الولد لهما.. » (32)
ان العقوق لا يقتصر على الولد تجاه أبويه، وإنما يشملهما فيما اذا اساءا إليه على غير وجه مشروع فانهما يتحملان اثم ما اقترفاه تجاهه.
24 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « ما انفق مؤمن نفقة هي أحب الى الله عز وجل من قول الحق في الرضا والغضب.. » (33)
ما أروع هذه الحكمة انها دستور الاسلام الذي يؤثر الحق والعدل بين الناس على كل شيء.
25 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الاسلام الغلاة والقدرية.. » (34)
أما الغلاة فهم الذين يزعمون أن الامام أمير المؤمنين (ع) هو الله تعالى أو انه ابن الله فهؤلاء ليسوا من فرق الاسلام ـ عند الشيعة ـ وإنما هم من الكفار ويعاملون معاملتهم، قال السيد الحميري في هجائهم:
قوم غلوا في علي لا أبا لهم
وأجشموا أنفسا في حبه تعبا
قالوا: هو ابن الاله جل خالقنا
من أن يكون له ابن أو يكون أبا (35)
أما القدرية: فهم القائلون: بأن الخير والشر كله من الله وبتقديره ومشيئته (36) وهؤلاء ليس لهم نصيب من الاسلام.
26 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « ثلاث خصال من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله عز وجل (يوم القيامة) يوم لا ظل إلا ظله: رجل اعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لها، ورجل لم يقدم رجلا، ولم يؤخر أخرى حتى يعلم ان ذلك لله فيه رضى أو سخط، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب من نفسه، فانه لا ينفي منها عيبا إلا بدأ له عيب وكفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس.. » (37)
وفي هذا الحديث دعوة الى مكارم الاخلاق، وحسن السلوك مع الناس، والتحذير من ذكر مساوئ الناس.
27 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والاصلاح بين الناس، وثلاث يقبح فيهن الصدق النميمة، واخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه، وتكذيبك الرجل عن الخير، وثلاثة مجالستهم تميت القلب مجالسة الانذال، والحديث مع النساء، ومجالسة الاغنياء.. » (38)
وسوغ النبي (ص) الكذب في تلك المواضع نظرا للمصالح التي تترتب عليها، وقد قال العلماء: ان الكذب ليس علة تامة للقبح، وانما هو مقتض له فاذا وجد ما يرفع قبحه من المصالح جاز للمكلف فعله، وكذلك يقبح الصدق في تلك المواضع نظرا للمفاسد التي تترتب عليه.
28 ـ قال (ع): قال رسول الله: «كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين: عين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين باتت ساهرة في سبيل الله..» (39)
29 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « إن أسرع الخير ثوابا البر وان أسرع الشر عقابا البغي، وكفى بالمرء عيبا أن ينظر من الناس الى ما يعمى عنه من نفسه، ويعير الناس بما لا يستطيع تركه، ويؤذي جليسه بما لا يعنيه.. » (40)
وفي هذا الحديث الحث على فعل الخير، والتحذير من الشر والبغي على الناس، والتنديد بمن ينظر الى عيوب الناس، ولا ينظر الى ما فيه من نقص.
30 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « لا سهر إلا في ثلاث: متهجد بالقرآن أو في طلب العلم، أو عروس تهدى الى زوجها.. » (41)
31 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « ثلاث من لم تكن فيه فليس مني، ولا من الله عز وجل، قيل: يا رسول الله وما هن قال: حلم يرد به جهل الجاهل وحسن خلق يعيش به في الناس، وورع يحجزه عن معاصى الله عز وجل.. » (42). ويدعو هذا الحديث الى تكوين شخصية المسلم، على أسس رفيعة من الحلم وحسن الاخلاق، والورع عن محارم الله.
32 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « ثلاثة يشفعون الى الله عز وجل فيشفعون: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء.. » (43)
33 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « الايمان معرفة بالقلب، واقرار باللسان، وعمل بالاركان » (44).
ليس الايمان لفظا تلوكه الألسن، وانما هو امر مستقر في اعماق القلب، ودخائل النفس، ويدفع الانسان الى العمل عن يقين وإخلاص.
34 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): لابي ذر « يا ابا ذر إياك والسؤال فانه ذل حاضر وفقر تتعجله، وفيه حساب طويل يوم القيامة يا أبا ذر تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتدخل الجنة وحدك يسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك، يا أبا ذر لا تسأل بكفك، وان أتاك شيء فاقبله... ثم قال (ص) لاصحابه « الا اخبركم بشراركم؟ » «بلى يا رسول الله..».
« المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة الباغون للبرآء العيب » (45) لقد اوصى النبيّ (ص) أبا ذر بالعفة والإباء، واستشف (ص) من وراء الغيب عما يعانيه هذا المصلح العظيم من التنكيل والارهاق في سبيل اداء رسالته الاصلاحية الخالدة، فقد اعلن ابو ذر سخطه على الامويين الذين تنكروا لحقوق الامة واستبدوا بثرواتها فاتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا فكان ابو ذر اللسان الناطق بحقوق المظلومين والمضطهدين والمترجم لآلامهم، وقد ضاق الامويون منه ذرعا فنفوه الى الربذة وفرضت عليه الاقامة الجبرية في تلك البقعة الجرداء التي انعدمت فيها جميع وسائل الحياة، وتوفى هذا الثائر العظيم جائعا منفيا عن وطن الله ووطن رسوله، لقد توفى أبو ذر جائعا وفي أيدي الامويين ذهب الارض وثروات الأمة، ينفقونها على شهواتهم وملاذهم.
لقد مات أبو ذر من اجل أن يحقق العدالة الاجتماعية، ويحقق الفرص المتكافئة بين الناس، وينفي عنهم شبح الفقر وكابوس الظلم، ويعيد فيهم حكم القرآن وعدالة الاسلام.
35 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص) لعلي:« يا علي أربعة لا ترد لهم دعوة: إمام عادل، ووالد لولده، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب، والمظلوم يقول له الله عز وجل وعزتي وجلالي لانتصرن لك ولو بعد حين... » (46)
36 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص) لعلي: «يا علي ان الله عز وجل أشرف على الدنيا فاختارني فيها على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين..» (47)
لقد اختار الله تعالى نبيه العظيم وأوصيائه الأئمة الطاهرين من بين خلقه فجعلهم خزنة لعلمه، ومستودعا لحكمته، وأركانا لتوحيده، ومنارا في بلاده وأدلاء، على مرضاته وطاعته، فصلوات الله عليهم.
37 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « اربع من كن فيه كان في نور الله الاعظم من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله واني رسول الله ومن اذا اصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ومن اذا اصاب خيرا قال: الحمد لله رب العالمين، ومن اذا أصاب خطيئة قال: استغفر الله وأتوب إليه.. » (48)
38 ـ روى (ع) بسنده عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: « أربع من كن فيه نشر الله عليه كنفه، وادخله الجنة في رحمته: حسن خلق يعيش به في الناس، ورفق بالمكروب، وشفقة على الوالدين، واحسان الى المملوك.. » (49)
وفي هذا الحديث دعوة الى مكارم الاخلاق، وحسن السلوك بين الناس والرفق والرحمة بالمعذبين والمنكوبين.
39 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: « اربع يمتن القلب: الذنب على الذنب، وكثرة مناقشة النساء ـ يعني محادثتهن ـ ومماراة الاحمق، تقول: ويقول: ولا يرجع الى خير أبدا، ومجالسة الموتى، فقيل له: يا رسول الله وما الموتى؟ قال: كل مترف..» (50)
وحذر النبي (ص) عن هذه الامور لأنها تميت الضمير، ويقسو بها القلب وقد حرص الاسلام كل الحرص على ضمير الانسان فأراده أن يكون واعيا متفتحا متنورا رحيما.
40 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: في وصيته الى الامام أمير المؤمنين (ع): « يا علي بادر باربع: بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.. » (51)
ودعا النبي (ص) الى المبادرة لفعل الخير، واغتنام الفرص للعمل الى ما يقرب العبد الى خالقه، قبل أن يفوت الأوان، فيخسر الانسان ما اعده الله له من النعم في دار الآخرة.
41 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) انه قال: « من علامات الشقاء جمود العين، وقسوة القلب، وشدة الحرص في طلب الرزق، والاصرار على الذنب.. » (52)
وحذر النبي (ص) من هذه الأمور التي تبعد الانسان عن ربه، وتلقيه في شر عظيم.
42 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال على منبره: « ألا ان خير الاسماء عبد الله، وعبد الرحمن، وحارثة، وهمام وشر الاسماء ضرار، ومرة وحرب وظالم.. » (53)
واحب النبي (ص) للمسلمين أن يسموا ابناءهم بتلك الاسماء الكريمة وكره لهم ان يسموهم بتلك الاسماء الكريهة التي تحمل طابع الشر والسوء.
43 ـ روى (ص) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: « لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه، وعن حبنا أهل البيت.. » (54)
ان الله تعالى ليسأل هذا الانسان في يوم حشره عن كل شأن من شئون حياته في الدنيا فيسأله عن عمره هل انفقه في طاعته ورضاه ليجزل له الثواب أو انه صرفه في اقتراف الأثم وظلم العباد ليعاقبه عليه، وكذلك يسأله بصورة خاصة عن شبابه فيما ابلاه كما يحاسبه على امواله هل اكتسبها بصورة مشروعة حتى لا يؤاخذ عليها أو أنه اكتسبها من الحرام ليعاقب عليها، وكذلك يسأله عن الولاء لأهل البيت (ع) الذين هم مصدر النور والخير في الارض فان كان متمسكا بولائهم فقد فاز ونجا وإن كان منحرفا عنهم فقد ظل وغوى.
44 ـ روى (ع) عن آبائه أن رسول الله (ص) خطب الناس في آخر جمعة من شهر شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
« أيها الناس انه قد اظلكم شهر فيه ليلة خير من الف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله صيامه، وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله كان كمن ادى فيه سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزيد الله فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عز وجل عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى.
فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا يقدر أن يفطر صائما؟ فقال: ان الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم لمن لا يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما، أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على اكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف عنه حسابه وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة، وآخره اجابة والعتق من النار، ولا غنى لكم فيه عن اربع خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، اما اللتان ترضون الله بهما فشهادة أن لا إله إلا الله واني رسول الله، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله فيه حوائجكم والجنة، وتسألون الله فيه العافية، وتتعوذن به من النار.. » (55)
ان لشهر رمضان قداسة وحرمة عند الله ففضله على سائر الشهور ودعا فيه الرسول الى الطاعة والبر والاحسان على الفقراء، وخصه بكثير من المميزات على بقية الشهور.
45 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال في وصيته للإمام أمير المؤمنين: « يا علي أربعة يذهبن ضياعا الأكل بعد الشبع، والسراج في القمر، والزرع في السبخة، والصنعة عند غير أهلها.. » (56)
46 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: « خمس لا ادعهن حتى الممات الأكل على الحضيض (57) مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفا (58) وحلب العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدي.. » (59)
وهذه الأمور من معالي اخلاقه (ص) التي ساد بها على سائر النبيين وجلب بها الناس الى حظيرة الايمان والاسلام.
47 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: « من باع واشترى فليجتنب خمس خصال وإلا فلا يبيعن ولا يشتري: الربا، والحلف، وكتمان العيب، والمدح اذا باع، والذم اذا اشترى.. » (60)
وعلى ضوء هذا النص افتى الفقهاء في كتاب البيع بما يلي:
1 ـ ان يتفقه البائع والمشتري في شئون المعاملات ليتجنبا المعاملات الربوية التي هي من اعظم المحرمات في الاسلام.
2 ـ ان يتجنبا اليمين في المعاملة فانهما اذا كانا صادقين فيكره لهما ذلك، واما اذا كانا كاذبين فانهما يقترفان الأثم والحرام.
3 ـ أن لا يكتما العيب سواء أكان ذلك في الثمن أم في المثمن، واذا حصل الكتمان وظهر أمره فللمغرور خيار الفسخ ونقض المعاملة.
4 ـ ان يجتنب البائع مدح سلعته.
5 ـ ان لا يذم المشتري ما اشتراه إذا كان سليما.
48 ـ روى (ص) عن آبائه ان رجلا جاء الى رسول الله (ص) فقال له:
ـ يا رسول الله ما العلم؟
ـ الانصات.
ـ ثم مه؟
ـ الاستماع له.
ـ ثم مه؟
ـ الحفظ له.
ـ ثم مه؟
ـ العمل به.
ـ ثم مه؟
ـ نشره (61)
49 ـ روى (ع) عن آبائه أن رسول الله (ص) قال لأصحابه: « استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: وما نفعل يا رسول الله؟ قال:فان كنتم فاعلين فلا يبيتن أحدكم إلا واجلا بين عينيه، وليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر القبر والبلى، ومن أراد الآخرة فليدع زينة الحياة الدنيا.. » (62)
ان الحياء إنما يتحقق من الانسان فيما إذا خاف ربه وحفظ لسانه من قول الباطل، وبصره من النظر الى ما لا يحل له، وذكر القبر، وما يجري عليه من الأهوال فيه فان صنع ذلك فهو المستحي من الله.
50 ـ قال (ع): سئل رسول الله (ص) عن خيار العباد؟ فقال: « الذين اذا احسنوا استبشروا، واذا اساؤوا استغفروا، واذا اعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا.. » (63)
51 ـ روى (ع) عن آبائه أن النبي (ص) قال في وصيته لعلي: « يا علي في الزنا ست خصال: ثلاث منها في الدنيا، وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء، ويعجل الفناء، ويقطع الرزق، واما التي في الآخرة فسوء الحساب، وسخط الرحمن، والخلود في النار.. » (64)
ان الزنا آفة اجتماعية، وكارثة مدمرة للأخلاق، وقد شدد الاسلام فيه وتوعد من يقترفه بأنواع العذاب في الدار الآخرة.
52 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) انه قال: « الحكرة
في ستة اشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، والسمن، والزيت.. » (65)
الاحتكار هو أحد العوامل المؤدية الى شل الحركة الاقتصادية في البلاد والى شيوع الفقر والحاجة بين الناس، وقد حاربه الاسلام وشدد في أمره كأعظم ما يكون التشدد، والزم ولاة أمر المسلمين بتسعير السلع، وعدم الاجحاف في حق المواطنين فيها.
53 ـ روى (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: «السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر البغي، والرشوة في الحكم، وأجرة الكاهن..» (66)
وحرم الاسلام بذل المال بازاء هذه الأمور، وجعل التعامل بها من اكل المال بالباطل لأنها تؤدي الى تسيب الاخلاق، وشيوع الفساد في الأرض.
54 ـ روى (ع) عن آبائه ان رسول الله (ص) قال: « ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والتارك لسنتي، والمستحل لعترتي ما حرم الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من اعزه الله، ويعز من اذله الله، والمستأثر بفيء المسلمين المستحل له.. » (67)
55 ـ روى (ع) عن آبائه ان رسول الله (ص) قال لعلي: « يا علي حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم والمذاكير، والمثانة، والنخاع والغدد والطحال والمرارة.. » (68)
وفي تحريم الاسلام لهذه الأمور وقاية للصحة العامة، وضمان للمجتمع من أن يصاب بالأمراض، وقد ثبت في الطب الحديث أنها مما تضر بالصحة العامة وإن اجتنابها أمر لازم.
56 ـ روى (ع) عن آبائه ان رسول الله (ص) قال في وصيته لعلي: « يا علي ان الله تبارك وتعالى اعطاني فيك سبع خصال: أنت أول من ينشق عنه القبر معي، وأنت أول من يقف على الصراط معي، وأنت أول من يكسى إذا كسيت، ويحيى إذا حييت، وأنت أول من يسكن معي في عليين، وأنت أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك..» (69)
57 ـ روى (ع) عن آبائه ان رسول الله (ص) قال: « لم يعبد الله عز وجل بشيء افضل من العقل، ولا يكون المؤمن عاقلا حتى تجتمع فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، ولا يسأم من طلب العلم طول عمره، ولا يتبرم بطلاب الحوائج قبله، الذل احب إليه من العز، والفقر احب إليه من الغنى، نصيبه من الدنيا القوت، والعاشرة وما العاشرة؟ لا يرى أحدا الا قال: هو خير مني وأتقى انما الناس رجلان، فرجل هو خير منه واتقى، وآخر هو شر منه وأدنى، فاذا رأى من هو خير منه واتقى تواضع له ليلحق به، وإذا رأى الذي هو شر منه وادنى قال: عسى خير هذا باطن وشره ظاهر عسى أن يختم له بخير فاذا فعل ذلك فقد علا مجده وساد أهل زمانه..» (70)
وفي هذا الحديث وامثاله من الاحاديث النبوية دعوة الى اصلاح النفس، وتهذيبها بمكارم الاخلاق، ومحاسن الاعمال لتكون مصدر هداية للناس.
58 ـ روى (ع) عن آبائه أن رسول الله (ص) لعن في الخمر عشرة: غارسها، وحارسها، وعاصرها، وشاربها وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها. » (71)
وشدد الاسلام في أمر الخمر كأعظم ما يكون التشدد فحرم ايجاده وصنعه، كما حرم تعاطيه، فان الخمر من أعظم الآفات الاجتماعية التي تضر بالصحة العامة، وتسبب انتكاسة القيم وتدهور الاخلاق.
59 ـ روى (ع) عن آبائه ان رسول الله (ص) قال: « البركة عشرة اجزاء تسعة اعشارها في التجارة، والعشر الباقي في الجلود ـ يعني الغنم. » (72)
60 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « بني الاسلام على عشرة أسهم: على شهادة أن لا إله إلا الله، وهي الملة، والصلاة وهي الفريضة، والصوم، وهو الجنة، والزكاة وهي الطهر، والحج وهو الشريعة، والجهاد وهو الغزو، والأمر بالمعروف وهو الوفاء، والنهي عن المنكر وهو الحجة، والجماعة وهي الالفة، والعصمة وهي الطاعة.. » (73)
61 ـ روى (ع) عن النبي (ص) أنه قال: « إذا سألتم الله فسألوه بباطن الكفين، وإذا استعذتموه فلا تستعيذوه بظاهرهما.. » (74)
62 ـ روى (ع) عن آبائه ان رسول الله (ص) قال: « اذا فعلت امتي خمس عشرة خصلة: حل بها البلاء، اذا اكلوا الأموال دولا، واتخذوا الامانة مغنما، والزكاة مغرما، واطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه وجفا أخاه، وارتفعت الاصوات في المساجد، وأكرم الرجل مخافة شره وكان زعيم القوم ارذلهم، واذا لبس الحرير، وشربت الخمور، واتخذت القيان والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة اولها فليترقبوا بعد ذلك ثلاث خصال: ريحا حمراء، ومسخا، وخسفا.. » (75)
وهذه الأمور التي حذر عنها النبي (ص) هي من مدمرات الأمم ومن محطمات الشعوب، واذا اقترفتها الأمة الاسلامية فسوف يحل بها عذاب الله، وتجتاحها نقماته.
63 ـ روى (ع) عن آبائه ان النبي (ص) قال: « من بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له..» (76)
وحث الاسلام على الكسب الحلال، واعتبره جهادا وشرفا لصاحبه، وإن من سعى لعياله، وهو مكدود متعوب بات مغفورا له.
64 ـ قال (ع): سئل رسول الله عن خيار العباد؟ فقال (ص): « الذين اذا أحسنوا استبشروا، وإذا اعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، واذا غضبوا غفروا.. » (77)
ان من يتصف بهذه الاخلاق الرفيعة فانه يكون من خيار الناس واشرافهم، وانه قد ملك زمام نفسه، وسيطر عقله على هواه.
65 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.. » (78)
ما اسمى هذه الحكمة التي تجمع الناس على صعيد المحبة والألفة، وتوحد ما بين مشاعرهم وعواطفهم، ان سلطان المال لا يمكن أن يحقق ذلك، ولكن الاخلاق هي اقوى مؤثر في بناء المجتمع واقامته على اسس سليمة.
66 ـ قال (ع): مر رسول الله (ص) بقوم يربعون حجرا فقال:
ما هذا؟ قالوا: نعرف بذلك أشدنا وأقوانا، فقال (ص): إلا أخبركم بأشدكم وأقواكم، قالوا: بلى، قال (ص): أشدكم وأقواكم الذي اذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، واذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس بحق.. » (79)
ان الاسلام لا يعني إلا بقوة الضمير وصلابته ازاء الحق، واما الاعتزاز بقوة العضلات فهي من الاعراف الجاهلية التي حاربها الاسلام.
67 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « مجالسة اهل الدين شرف الدنيا والآخرة.. » (80)
لقد ثبت في علم الاجتماع ان الحياة الاجتماعية حياة تأثير وتأثر فكل انسان يتأثر ويؤثر فيمن حوله، ومن الطبيعي ان مزاملة الاخيار والمتحرجين في دينهم تؤثر فيمن يتصل بهم تأثيرا مباشرا فتصونهم من رذائل الصفات، وتحبب لهم الخير، وينالون بذلك شرف الدنيا وشرف الآخرة.
68 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « إن هذا الدين متين فاوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله الى عباد الله.. » (81)
69 ـ روى (ع) عن آبائه ان رسول الله (ص) قال: « من أراد التوسل الي، وان يكون له يد اشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم.. » (82)
70 ـ روى (ع) عن آبائه أن رسول الله (ص) قال لعلي: « يا علي أنا مدينة العلم وأنت الباب وكذب من زعم أنه يصل الى المدينة إلا من الباب.. » (83)
71 ـ روى (ع) بسنده عن أم سلمة ان رسول الله (ص) قال: « الحج جهاد كل ضعيف » (84)
72 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « من نقله الله من ذل المعاصي الى عز التقوى اغناه بلا مال، واعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس، ومن خاف الله اخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله اخافه الله من كل شيء، ومن رضي من مال الله باليسير من الرزق فقد رضي منه باليسير من العمل.. » (85)
73 ـ روى (ع) بسند عن آبائه ان رسول الله (ص) قال: « اني واثنى عشر من أهل بيتي أولهم علي أوتاد الأرض التي امسكها الله بها أن تسيخ بأهلها، فاذا ذهبت الاثنا عشر من أهل بيتي ساخت الأرض بأهلها.. » (86)
74 ـ قال (ع): قال رسول الله (ص): « من أهل بيتي اثنا عشر نقيبا محدثون، منهم القائم بالحق يملأها عدلا كما ملئت جورا. » (87)
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رواياته عن جده النبي (ص) والمتتبع يجد اضعاف هذه الاحاديث التي يرويها الامام عن جده.