أول امرأة حقوقية ومعارضة في الإسلام

2019-02-28 06:08

يوم عشرين جمادى الآخر، يحمل في طياته حياة أمة بل آمال وتطلعات البشرية، انه ذكرى مولد الكوثر السيدة فاطمة الزهراء -عليها السلام- انها حتما لحظات عظيمة تفوح خلالها رائحة الجنان، وتتزين لاستقبالها ملائكة الرحمن والحور الحسان، وتزدهر بمولدها الأكوان، وتشع روح الفرح والسرور في القلوب بفضل مولدها وببركة نورها عليها السلام.

كل أمة ومجتمع وعائلة وفرد بحاجة إلى قدوة، وما أحوج البشرية في هذا الزمن لنموذج وقدوة حسنة للمحافظة على كيان الأسرة، وفن العلاقات الزوجية، والتربية الصحيحة للأبناء، والاهتمام بأمور المجتمع والأمة وتحمل مسؤولية الإصلاح والمطالبة بالحقوق ورفض الظلم والفساد والقمع والانتهاكات. السيدة فاطمة الزهراء (ع) لها دور كبير في التاريخ الإنساني وبالخصوص في مجال التربية والعمل الحقوقي والإصلاحي ومعارضة الظلم والاستبداد والفساد.

إنها امرأة حقوقية بامتياز... وبسبب مواقفها وأنشطتها تعرضت للاعتداء، وإذا يوجد في هذا الزمن من يثني ويدعم ويمجد ويتضامن مع الحقوقيات والناشطات ويدافع عنهن، ويقوم بحملات إعلامية ومؤتمرات دولية للحديث عنهن وحول انشطتهن ومظلوميتهن فمن باب الوفاء والاحترام والتقدير إعطاء السيدة فاطمة الزهراء (ع) جزء من حقها بالحديث عن دورها في مجال التربية وحراكها المطلبي الإصلاحي والحقوقي وعن مظلوميتها. فالسيدة الزهراء تمثل أفضل قدوة لمن يحمل راية الإصلاح وبالخصوص للمرأة لتحمل المسؤولية اتجاه دينها وعائلتها ومجتمعها والمطالبة بالحق والعدل والحقوق.

ومن الطبيعي أن يشعر الأحرار والشرفاء وعشاق العدالة والحرية في العالم بالفرح والبهجة بولادة من أفرحت وابهجت قلب سيد البشرية، خاتم الأنبياء والمرسلين ورحمة العالمين -صلى الله عليه وآله وسلم- ومن أزهرت الأكوان لأجلها انها السيدة فاطمة الزهراء -عليها السلام-. تلك المرأة العظيمة بنت الرسول الأعظم، وزوجة الإمام علي حيدر الكرار -ع-، وأمّ سبطي الرسول الحسن والحسين وأُمّ جميع أحفاد النبي الأكرم (ص).

إن سيدة الشرف والعظمة فاطمة الزهراء قد كرمها الله بمقامات وكرامات عظيمة بأن جعلها الكوثر أُمّا لكافة أحفاد الرسول (ص) إمتداد أهل بيته عليهم السلام، وجعل اسمها فاطمة الزهراء نورا يضيء العفة والطهارة والروحانية والعظمة، ونبراسا للعطاء والبناء والإعمار ومقاومة الظلم والطغيان والفساد، وجعل قضيتها المطالبة بالحقوق ومظلوميتها خالدة عبر العصور تنتقل من جيل إلى جيل رغم المخاطر.. لتهز عروش الحكام الظالمين.

السيدة فاطمة الزهراء عاشت فترة زمنية قصيرة حسب السنوات أقل من 20 سنة، لتبقى سيرة طيبة حية خالدة طوال التاريخ، وشخصية مؤثرة ومصدر إلهام لعشاق الحق والعدالة والحرية والكرامة والصلاح والنجاح، فقامت دول عظمى تحمل اسمها كالدولة الفاطمية، نتيجة تأثيرها الكبير في التاريخ الإسلامي والإنساني.

وما العجب وهي أم أبيها وبضعته ومصدر فرحه وسعادته ومستودع علمه، فالرسول الأكرم (ص) يفرح برؤيتها ولفرحها. وهي القدوة والأسوة الحسنة وبالخصوص للمرأة (البنت والأم والزوجة) التي تتحمل المسؤولية، والمدرسة التي تُعدّ وتخرج الأفراد لصناعة المجتمع وبناء التاريخ في كل زمان.

السيدة فاطمة الزهراء امرأة عظيمة قوية الإيمان عالية الهمّة عالمة غير معلمة علمها وثقافتها واخلاقها من أبيها الذي مدحه الله تعالى في كتابه قال تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم". لم تستسلم ولم تتنازل عن حقوقها وعن نصرة الحق والعدل والدفاع عن المظلومين، فقد طالبت بحقوقها بصوت مسموع وحاججت وقدمت الأدلة على حقّها بأن ترث والدها والحصول على أرض فدك التي اخذت منها غصبا، وحق زوجها أمير المؤمنين علي بالخلافة بعد الرسول (ص) حسب تصريح النبي أكثر من مرة ومنها في يوم الغدير عيد الولاية،... وأظهرت معارضتها القوية، ورفعت أول راية للمعارضة في التاريخ الإسلامي، وبقت متمسكة ومحافظة على مبادئ الرسالة المحمدية الحقيقية لتعطي الأجيال القادمة من بعدها ولغاية اليوم وبالخصوص للمرأة المسؤولة عن تربية ونشأة الفرد والمجتمع بشكل صحيح درسا في المطالبة بالحقوق والتمسك بالحرية والكرامة وعدم التنازل عنها مهما حدث، وحق الخروج في وجه الظالم المستبد المفسد ومعارضة سياسته، والاستعداد لتقديم التضحيات في سبيل الحق.

الحراك والإصلاح والمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية يحتاج إلى إيمان وإرادة وعمل وهمة وتضحيات، والسيدة فاطمة الزهراء امرأة ضحت وتحملت الكثير من الأذى والمعاناة والآلام بسبب مواقفها الرافضة للظلم والترهيب والعنف، وتجاوز قيم الرسالة المحمدية واستغلال الشريعة والاجتهاد الشخصي. فالحياة كانت لديها -عليها السلام- موقف وتضحية لتؤسس بذلك مدرسة مقاومة الظلم والقهر والفساد، وتنشئ مدرسة تربية الأبناء والمجتمع على روح الحق والعدل والتضحية والمقاومة.

السيدة فاطمة الزهراء (ع) لها دور كبير في التاريخ وبالخصوص في المجال الحقوقي والإصلاحي ومعارضة الظلم والاستبداد والفساد، إنها شخصية حقوقية تعرضت للظلم والتغييب، وقد حان الوقت لرد الاعتبار لتلك المرأة العظيمة عبر إبراز تاريخ سيرتها ونشاطها لتكون انموذجا لكل من يسعى للإصلاح والمطالبة بالحقوق ورفض الظلم وبالخصوص للنساء الناشطات والحقوقيات ومن تحمل مسؤولية الاعمار، وذلك من باب الوفاء والاحترام والتقدير للسيدة فاطمة الزهراء (ع) ودورها.

ما أعظم أدوار السيدة فاطمة الزهراء في كافة المجالات وبالخصوص الروحاني والعرفاني والذوبان مع الخالق -عز وجل- حيث هناك الكثير من الأدعية الخاصة المنقولة عنها، ودورها التربوي والاجتماعي وفن التعامل مع الوالدين كوالدها النبي الأكرم وافراد اسرتها زوجها الإمام علي وأبنائها الحسن والحسين وزينب، والتكافل والتعاون مع المجتمع، وتقديم التضحيات. لقد رحلت السيدة فاطمة الزهراء (ع) من عالمنا وهي شابة صغيرة في السن؛ وذلك حسب عقيدتنا، بعد تعرضها لاعتداء آثم وبطريقة وحشية وبشعة... مما تسبب بوفاتها السريعة انها جريمة بشعة.

كيف تتحمل هذه الشابة حبيبة المصطفى والمدللة والغالية على قلبه وروحه كل هذه الوحشية والآلام؟.

إنها حكاية مؤلمة لسيدة نساء العالمين والبنت الوحيدة لسيد الأنبياء والمرسلين، الرسول الأعظم محمد (ص) الذي صرح بأحاديث كثيرة عن مكانة السيدة فاطمة حيث قال: "فاطمة أم أبيها". وقال "فاطمة بضعة مني". وقال: "يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها".

كيف يحدث لها ما حدث من ظلم وقهر وإعتداء بعد وفاة أبيها؛.. ولا يقف معها ويدافع عنها الناس ممن عاشوا وسمعوا كلام أبيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوصي بها؟.

هل هكذا رد الجميل لرسول الله (ص)؟

هل هكذا يعامل أبناء العظماء وبالخصوص خاتم الانبياء ورحمة العالمين؟!.

ان جريمة الاعتداء تسببت برحيلها وهي غاضبة على من اعتدى عليها، وتطلب أن تدفن بالسر كي لا يحضر تشييعها المعتدون والمجرمون ومن سكتوا على تلك الجريمة، او ان يعرفوا مكان قبرها.

وهذا الموقف يدل على أهمية الغضب ضد الظالمين والطغاة، والغضب ورفض كل من يسكت أو يجامل أو يمجد الحكام المعتدين ولو من باب المدارات.. فالسكوت جريمة. وضرورة نصرة الحق والعدل والمظلومين.

ولهذا ومن باب الوفاء للسيدة فاطمة الزهراء -عليها السلام- والاحترام لأبيها النبي الأكرم (ص) ذكر ما حدث بالضبط بأمانة تاريخية ومن باب قول كلمة حق ونصرة مظلوم، وعدم الانجرار وراء أبواق كل من يسعى لإخفاء وابعاد عظمة ومظلومية الزهراء عن المشهد، بمبررات لا تنتهي ولا تسمن ولا تغني من جوع، فالحقيقة ينبغي أن تنقل كما هي لكي يتعرف الجميع على حقيقة شخصية من أسعدت قلب الرسول الأعظم (ص) ومن أزهرت الأكوان لها، ومن خلقت لكي تكون زوجة لولي الله وصي المصطفى الامام علي المرتضى وام لأبناء رسول الله الحسن والحسين والسيدة زينب وأحفاده، ومن تحملت مسؤولية الإصلاح والمطالبة بالحقوق ورفض الظلم وقدمت التضحيات في سبيل الحق.

سيرة السيدة فاطمة الزهراء -عليها السلام- مليئة بالعظمة والعطاء والوفاء والدروس والعبر والأسرار، ومن الصعب على أي باحث أو كاتب أو مهتم أن يتناول ولو شيئا من أبعاد وليس من حقيقة تلك الشخصية العظيمة.

سلام على السيدة فاطمة الزهراء البتول المنصورة والبضعة الطاهرة. سلام عليك أيتها السيدة العظيمة يا بنت الرسول الأعظم (ص) وزوجة أمير المؤمنين النبأ العظيم (ع).

متباركين بمولد السيدة فاطمة الزهراء -عليها السلام - الكوثر العظيم المبارك.

ذات صلة

مصائر الظالمينترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخفوز ترامب.. فرح إسرائيلي وحذر إيراني وآمال فلسطينيةالنظامُ التربوي وإشكاليَّةُ الإصلاح والتجديدالتأثير البريطاني على شخصية الفرد العراقي