العودة الى منهج رسول الله: تطبيقات الاقتصاد الاسلامي
(4)
آية الله السيد مرتضى الشيرازي
2017-12-07 05:50
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)[1]
كان الحديث حول العودة الى منهج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام) في ادارة شؤون الحياة، وهاتان الآيتان تدلان على ان (الرحمة الالهية المكتوبة) و(الفلاح) كمحصلة نهائية لا ينالهما الا من اتبع هذا المنهج الرباني، فان اقتفاء الاثر المحمدي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحليل ما احل من حلال، وتحريم ما حرم من حرام وكذلك فيما اعتبره طيبا او خبيثا هو صفة المؤمنين الذين تكتب لهم الرحمة ويكونون من المفلحين؛ فان هذا الرسول الاكرم قد بعثه الله تعالى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولوضع تلك الاغلال الثقيلة والاصار الشديدة عن اكتاف الناس.
سنخان من الرحمة
ان الآية الكريمة قد ذكرت سنخين من الرحمة: اما النوع الاول فهو تلك الرحمة التي وسعت كل الموجودات فقد قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وهي الرحمة الاعم.
واما النوع الثاني من الرحمة فهي الرحمة الاخص والتي عبر عنها تعالى في الآية (فَسَأَكْتُبُهَا) وهي اشارة الى رحمة ثانية غير الاولى يكتبها تعالى للذين يتبعون المنهج المحمدي الحقيقي الواقعي.
مواصفات المنهج النبوي في الحياة
لقد ذكرت الآية كذلك ان الرحمة المكتوبة هي تلك الرحمة التي تمنح للذين يتبعون الرسول الامي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهجه في الحياة فان هذا النبي العظيم، من أهدافه وغاياته وضع الاصر والاغلال المحملة على ظهور بني الانسان، وعليه فان من لم يحذ حذو الرسول الاعظم في منهجه العملي في رفع تلك الاثقال وفي تحطيم تلك الاغلال، قدر المستطاع، عن الناس الضعفاء فسوف لا تناله الرحمة الخاصة المكتوبة من جهة، ومن جهة اخرى وكنتيجة لذلك فانه سوف لا يدخل واحة الفلاح ولا يكون من المفلحين، وذلك هو ما ذكرته الآية الكريمة من الايمان الكلي والتصديق التام بهذا النبي العظيم (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) فان هذا الايمان هو كلٌ لا تبعيض فيه والواجب الاتباع الفعلي والكامل لكل ما جاء به الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من عند الله تعالى ومن ذلك تلك الغايات التي ذكرتها الايات الشريفة وصرحت بها.
ولا يكفي الإيمان به (صلى الله عليه وآله وسلم) وبما جاء به فحسب، بل إنّ من تنالهم الرحمة الخاصة هم الذين عزروه وعظموه أيضاً ونصروه كذلك، وأيضاً هم الذين اتبعوا النور الذي انزل معه، وهذا النور هو القران ظاهرا، واما باطنه وتأويله فهو نفسُ محمد وصنوه وهو امير المؤمنين (عليه السلام).
وعليه فمن لم يعظم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يتبع منهجه الرسالي القويم ولم يقتف أثره ومنهجه وقوانينه ولم ينصره في ذلك كله ولم يتمسك بالنور القرآني الظاهر، والعلوي الباطن ولم يضع الاغلال والاصر عن الناس قدر استطاعته، فليس من المفلحين.
قواعد فقهية مستنبطة من الآية المباركة
ان المقطع الشريف من الآية المباركة (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) يمكن ان تستنبط منه مجموعة من القواعد الفقهية المهمة ومنها (قاعدة السلطنة) و(قاعدة لا ضرر) و(قاعدة لا حرج) وقواعد اخرى سنشير لها لاحقا ان شاء الله تعالى.
قاعدة السلطنة ومعناها
ونقتصر الان على الإشارة إلى بعض الحديث عن (قاعدة السلطنة) وهي: الناس مسلطون على اموالهم وانفسهم وحقوقهم وهذه القاعدة ظاهرها انها قاعدة واحدة ولكنها من حيث المتعلَّق تشير الى حقائق ثلاثة وهي ان الناس مسلطون على انفسهم اولا وعلى اموالهم ثانيا وعلى حقوقهم ثالثا، وهذه المتعلقات الثلاث هي ذات ادلة مختلفة :
اما ان الناس مسلطون على اموالهم فذلك هو رواية واردة، واما ان الناس مسلطون على انفسهم فهو منتزع من الآية (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإنها تدل على ان الناس لهم الولاية على انفسهم ولكن ولاية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكمة على ولايتهم وهو اولى بهم من انفسهم.
واما ان الناس مسلطون على حقوقهم فان ذلك وبتعبير بعض الفقهاء هو قاعدة متصيدة من خلال تتبع الفقه من اوله الى اخرة؛ فان الفقه بكله ينطق بلسان واضح ان للناس سلطة على حقوقهم ولايصح لاحد ان يزاحمهم في ذلك.
ونضيف ايضا ان هذه القاعدة ـ تسلط الناس على حقوقهم ـ هو نص حديث اخر قد ورد عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: (لايتوى ـ أي لايضيع ـ حق امرئ مسلم)[2]
والاية المباركة تدل على قاعدة السلطنة بشعبها الثلاثة فلا يحق لأي شخص أن يمنعهم عن حقوقهم او عن التصرف في أموالهم كما لا يحق له إعمال سلطنته على أنفسهم بدون رضاهم فان كل ذلك إصر وثقل وغل، موضوع عنهم.
النبي هو الحافظ والمطبق للقواعد وعلينا إتباعه
ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي اضطلع بمهمة الحفاظ على القاعدة ومنهجيتها وتطبيقها وذلك من خلال وضع الاصر والاغلال التي تقيد حركة الانسان وتحد من سلطنته على امواله او ما يمكن ان يتملكه فقد جاء في الرواية المباركة (الارض لله ولمن عمرها) وهذا الحديث لا شك فيه، وهو ناطق بان الأرض هي لله تعالى ـ حقيقة ـ ثم ان الارض هي لمن عمرها ودلالة الاية واضحة في هذا التمليك بدون قيد سوى التعمير والإعمار.
وعلى ذلك فان كل قيد وضع من الحكومات الوضعية في مختلف ارجاء البسيطة لمنع الناس من تملك الارض بالاحياء والاعمار، فان هذا القانون جائر وهذا القيد ظالم غير شرعي وهو مخالف للقرآن الكريم ويقف بالضد منه وفي قبال هدف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحركته لوضع الاغلال والاصار والقيود، فإننا نجد ان الله تعالى يُملِّك الناس ما عمرّوه والرسول يرفع القيود، ولكن الحكومات تخالف منهج السماء وتحارب دستور القران.
وزبدة المقال: ان المستفاد من عموم هذه الآية المباركة ان كل بدعة بتقنين جديد يحدّ من حريات الانسان فهو محرم شرعا كما هو الحال في الجوازات والجنسية والهوية والحدود الجغرافية المصطنعة والكمارك والمكوس الى غير ذلك، فكلها بدع وراي مخترع بتعبير الامام زين العابدين في زبوره المقدس في دعاء مكارم الاخلاق (ومستعملي الرأي المخترع) وعليه فكل من يقنن هكذا تشريعات او يدافع عنها نظريا او يمارسها عمليا فان (الرحمة الالهية المكتوبة) لا تشمله ثم بعد ذلك لايكون من المفلحين بنص الآية القرآنية الكريمة.
بحوث على ضوء الآية الشريفة:
البحث الاول : بحث تأصيلي: الأرض والثروات للناس
وكتأصيل للقاعدة المذكورة وهي ان الارض لله ولمن عمرها فان هناك العديد من الروايات والآيات الدالة على ذلك وهذا الامر واضح ومتيسر جدا في المقام كما في رواية (من احيا ارضا ميتة فهي له) وكذلك قوله تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) فكل الثروات هي ملك للناس لا للحكومات.
والحاصل: ان العديد من الآيات والكثير من الروايات تذكر ذلك بنحو القضية الحقيقية وتصرح بذلك كما ان الكثير من الروايات تدل على ذلك بنحو القضية الخارجية في سيرة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة امير المؤمنين (عليه السلام) وهي اكثر من ان تحصى حيث تبين السياسة التي كان يتبعها المعصوم في توزيع الثروات على الناس، ومن هذه الروايات ما جاء في الوسائل حيث يقول : (عن محمد بن ابي عمر النهدي عن ابيه عن هارون بن مسلم البجلي عن ابيه قال: اعطى علي (عليه السلام) الناس في عام واحد ثلاثة أعطيات).
وقد ذكرنا سابقا ان كل ما في بيت المال وكل الثروات والمعادن وغيرها هي حق متاح للناس كافة وليست للدولة غاية الامر ان للدولة حق الإشراف على إنتاج هذه الثروات وحسن توزيعها لا ان تكون هي المستأثر بالمال لنفسها وتحرم الناس والفقراء من هذه الحقوق وما جعله الله تعالى لهم ولذا نجد ان كل ما كان يجئ من ضرائب اسلامية وهي محدودة بالخمس والزكاة والجزية والخراج فقط فان الامام (عليه السلام) كان يوزعها على عامة الناس ولا يدّخر شيئا في بيت المال – وهو ما يقارب البنك المركزي الان – ثم تقول الرواية : (ثم قدم عليه خراج اصفهان فقال (عليه السلام): يا ايها الناس اغدوا فخذوا فوالله ما انا لكم بخازن).
هذا هو منهج الإمام علي عليه صلوات الله ولكن في قبال ذلك نجد ان الحكومات الان هي عبارة عن حكومات اكتناز وخزن للذهب والفضة والاموال بل هي من اظهر مصاديق (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) في هذا العصر. ثم تقول الرواية: (ثم أمر بيت المال فكنس ونضح وصلى فيه ركعتين)
ولعل هاتين الركعتين كانتا ركعتي الشكر كونه (عليه السلام) أدّى المسؤولية والامانة الملقاة على عاتقه في إيصال الحقوق لأهلها.
ثم قال (عليه السلام): (يا دنيا غري غيري، ثم خرج فاذا بحبال – او بجبال – أي بضاعة معينة على باب المسجد فقال (عليه السلام) ما هذه الحبال؟ فقيل جئ بها من ارض كسرى فقال (عليه السلام): اقسموها بين المسلمين)[3]
هذه هي الطريقة والمنهج الإسلامي في توزيع الثروات والحقوق على الناس والتي تتضمن رفع الفقر والفاقة عن بين البشر. والسيد الوالد (قدس سره) قد تطرق بالتفصيل لهذا الموضوع برواياته وأدلته وبعض بحوثه فراجع فقه الاقتصاد ج 107 من موسوعة الفقه.
وهذا هو المنهج الذي نصبو اليه والذي لو طبق لرأينا ان وجه الأرض الكالح والبائس قد تغير إلى النضارة والحيوية والإشراق الرباني وعندئذٍ سيدخل الناس في دين الله أفواجا، (كتاب الفقه الاقتصاد مج 108)، وكلامنا هو ان نكون قدوة في تطبيق اقتصاد السماء حتى يعرف الناس جميعاً ان الذي يحقق الرفاهية والسعادة للإنسان والبشرية جمعاء هو الإسلام ومنهج الرسول وأهل بيته الأطهار ولا غير.
اذن هذا هو موجز المبحث الاول وهو التأصيل الشرعي لما ذكرناه، وهو ثابت لما دلت عليه الآيات والروايات والسيرة النبوية والعلوية بكلا نحوي القضية الحقيقة والخارجية.
البحث الثاني: شبهات ضد المنهج الاسلامي
ان هناك العديد من الاشكالات والشبهات التي يمكن ان تثار في وجه ما ذكرناه من المنهج الإسلامي حيث ان اهل الدنيا والحداثويين ومن لم يرتبط بمنهج القران والسماء وكذلك من لم يعرف معادلات الدين الاقتصادية، يستثقل ما ذكرناه لوجود شبهات عديدة وهذه إشارة لبعضها.
الاشكال الاول: التشريع الاسلامي قديم لا يتناسب وروح الزمان الحاضر
اما الاشكال الاول فهو ان الزمن قد تغير والاوضاع قد اختلفت، فاننا قد ابتعدنا عن عصر التشريع باكثر من الف عام، وتلك النصوص كانت جيدة لزمنها وقد تطور كل شيء، وانتم تدعون الى الجمود على الحدود الشرعية عبر الدعوة لتطبيق تلك النصوص، وهذا ما لا يمكن تطبيقه في عالم اليوم ولا يقبله علماء اقتصاد هذا العصر.
اجابة الشبهة: وهناك عدة اجوبة لرد هذه الشبهة منها:
1- التشريع حيوي وثابت والآليات متغيرة
ان التشريع الالهي والقانون الاسلامي هو مما لا يمكن ان يقال بنسخه او نسفه، فان الاسلام هو خاتم الادياتن والمهيمن عليها، وعليه فلا تشريع يعلوه وينسخه، فكل تشريعات الله تعالى ومنها ايتنا الشريفة وهي (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) لا ناسخ لها مطلقا، إلا ان الانسان المحدود الوضعي وبعقله الحداثوي القاصر يريد ان ينسخ تك الآيات بدعوى ان الاقتصاد العالمي الحديث والانظمة الجديدة لا تتناسب وهذه الآية.
والخلاصة : ان القانون الشرعي والتشريع الالهي مما لا يبدل او يغير، نعم ان آليات التطبيق لتلك القوانين قد تختلف من زمان الى زمان اخر وهذا مما نسلم به وهو صحيح.
وهل يصح ان يقول احدهم ان الحج الواجب قد شرع في تلك الازمنة وذلك ان الجهل كان مخيماً على الناس ، ولا وسائل عالمية للاتصال والاعلام تشد الناس الى الكعبة بصورة مباشرة وتربطهم بها ولذا فان الناس كانوا يساقون الى الحج كي يعيشوا تلك الاجواء، واما الان فنحن في عصر التقنية الحديثة والفضائيات في كل مكان، مما تجعل الانسان يستطيع ان يعيش في تلك الديار المقدسة لحظة بلحظة، فوجوب الحج وحكمه مرتفع عن أهل هذا الزمان!
ان هكذا الكلام ليس بصحيح ولا يمكن ان يقال فان التشريع الاسلامي صالح في كل زمان ومكان وهو باق لا يتغير ولا يتبدل، نعم ان الآليات والوسائل لذلك تختلف فان النقل مثلاً سابقا كان على البغال والخيل وقد تغير الى الوسائل الحديثة كالسيارات والطائرات وغيرها وهذا مما لا اشكال فيه
والأمر كذلك في باب العقود فان الله قال : (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فهذه قوانين ثابتة لا تتغير ولا تتبدل إلا ان آلية التطبيق قد تتطور لتتناسب مع الزمان كما في اجراء العقود عبر الانترنيت فان ذلك مما لا اشكال فيه ايضا.
والحال نفسه فيما ذكرناه من تشريع الهي في (ان الارض لله ولمن عمرها) و(خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) وكذلك قانون تقسيم ما في بيت المال فهو قانون الهي ثابت ايضا لا يعتوره التغير ولكن آلية التنفيذ قد تتبدل، فانه في ذلك الزمان كانت النفوس معدودة ومحدودة فكان بالامكان ان يجتمع الناس خارج المسجد فيجمع المال ويقسم عليهم، وهذه الآلية غير مناسبة الآن وغير ممكنة ولكن توجد آلية أخرى تتناسب والتطور الحاصل في عصرنا الحاضر فمثلا يكون توزيع ما في بيت المال عبر وضع المال في حساب كل شخص في البنوك.
اذن ان كان هناك شيء قد تطور فهو تطور الآليات والتطبيق والكيفية للقانون الالهي، اما نفس القانون والتشريع فهو ثابت ودائم وباق لا يتبدل، هذا اولا.
2- التطبيق المعاصر، شاهد ودليل
ونجيب ثانيا عن الشبهة المذكورة لمن لا يقبل ما قدمناه من كلام او لا يكتفي به ولا يطمئن فنقول : ان بعض الدول في عالم اليوم وهي من أكثر الدول تطورا قد طبقت ونفذت ما ذكرناه من قانون إسلامي وان كان بشكل ناقص وقد ربحت من ذلك ايما ربح، وهذه الولاية والمدينة هي (ألاسكا) وهي إحدى الولايات التابعة للولايات المتحدة المعروفة، ومساحتها تشكل خُمس أمريكا تقريبا، فانها قد عملت بهذا القانون وطبقته، ففي عام 1976 أسست صندوقاً باسم (صندوق الدعم الدائم) وجعلت الكثير من واردات النفط فيه واضافت الى ذلك الاستثمارات ثم بدأت عام 1982م بدفع العوائد من نمو الصندوق السنوي للمستحقين، وفي عام 1984 كانت حصة الفرد الواحد من هذه القسمة هي 331 دولار لكل إنسان، ثم بلغت عام 2008 (3269 دولاراً) لكل فرد وهذا نموذج مصغر لتطبيق قانون إسلامي هجرناه نحن المسلمين.
وهنا لاحظوا ان وارد النفط في البلاد الإسلامية لو قسم على عامة المسلمين في العالم فان الوضع كان سيختلف بصورة كلية تماما، كما سنشير لاحقاً إلى بعض الإحصاءات في هذا الحقل. ويكفي هنا ان نفترض – وهو دون الواقع بكثير كما سنذكر الأرقام الأسبوع القادم بإذن الله تعالى -. ان كل شخص قد حصل مثلا (3000 دولار) من المعادن والثروات الموجودة، فهذا يعني ان كل عائلة مؤلفة من 10 أشخاص فان واردها الشهري سيكون (2500 دولاراً) ومعه فهل يبقى عندئذ فقير في البلاد الإسلامية، بل على وجه البسيطة؟! ولكن المشكلة كل المشكلة هي الابتعاد عن التشريعات الإلهية والتمسك بقوانين الأرض الناقصة المشوهة فحصل ما حصل من فساد وفقر وجور.. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم كي نكون ممن يحمل راية العمل بقوانين الإسلام الاقتصادية وغيرها وممن يضع عن الناس آصارهم والأغلال التي كانت عليهم.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين.