انتصار قيد الانتظار
بمناسبة ميلاد الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
فهيمة رضا
2017-05-11 04:20
تلك الليلة حين أعلن قوس البدر لحظة إكتمال الجمال بدأت حكيمة تشعر بأن القصة فيها غصة واكتئاب، لم تعرف بأن القصة لا زالت على طور الاكتمال، شعرت بلهيب الشك في ثنايا قلبها واعتراها داء الإضطراب، من ضواحي الغرفة سمعت صوته الملائكي يأمرها بالصبر، ولي الله يعلم ما تخفي الصدور، ارتبكت حينها، من فرط الخجل وبدأت تمسح حبات العرق التي كانت على وشك السقوط من جبينها، تعوذت بالله من شر الشيطان الرجيم لتفيق من ذلك الإضطراب العنيف.
بدأت تكتب تلك القصة الخالدة في ضاحية من ضواحي قلبها المثخن بالانتظار، لم تعرف حينها سيأتي أناس ينتظرونه أعواما ومن ثم قرون متمادية بل آلاف السنين. ولم يجدوا له أثراً والانتظار يقضي على آمالهم وأمنياتهم وحتى مبادئهم.
يكتبون عنه قطعة قطعة وبضع لحظاتِ فقد وهيام ولا يعرفون متى ينتهي الامتحان؟ من ثم يتراجع البعض عن الكتابة ويرفع القلم ليعلن عجزه وضعفه ويغير البعض فحوى كتاباتهم ويغيرون مبادئهم ويتركوه إلى الريح، والبعض الآخر يبدأ يسخر من بني جلدته، لما طال الانتظار وعدم وصول الأخبار منه كما حدث مع نوح ولم يبقَ معه إلا قلة القليل، سيخرج أفواجا كثيرة من قصة الإنتظار لتبقى فئة قليلة وينجوا طائفة فقط. عن محمد بن عثمان العمري عن أبيه قال: (سئل أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام عن الخبر الذي روي عن آبائه عليه السلام أن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه إلى يوم القيامة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فقال عليه السلام أن هذا حق كما أن النهار حق فقيل له يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك قال ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية أما أن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة).*1
مسؤولية المنتظِر في زمن الغيبة
كما ورد في الأحاديث الشريفة أن الإنتظار سوف يطول إلى أن يترك أفواجاً كثيرة دينهم ومبادئهم ويخرجون من تحت ظل التشيع المحمدي السليم إلى دين مجهول، لذلك على المنتظِر أن يحضر نفسه للخوض في الحرب البارد بإتقان ويحفظ نفسه من الشكوك كي يخرج سالما غانماً من سيل الشبهات، مسؤولية المنتظر في زمن الغيبة هي المرابطة مع صاحب العصر والزمان وإدراك مخاطر عصر الغيبة كما ورد في قاعدة التحفيز: "كلما كانت الرؤية تجاه خطر من الأخطار أوضح كان الحافز للتصدي أكبر"*2
فالإنسان بطبعه السليم يحذر ويتجنب كل الأخطار ويبحث عن حافز كي يبقى على قيد الحياة، وبما أن عصر الغيبة عصر المخاطر يجب على المنتظِر أن يدرك مخاطر هذا العصر جيداً كي لا يقع في هاوية الجهل والإنحطاط ويحصن نفسه بسلاح العلم والمعرفة لأن المنتظر والمؤمن الحقيقي يصبح في مواجهة المخاطر بمكان بحيث كأنها (خرط القتاد) والقتاد نبات صلب له شوك كالإبَر تضرب فيه الأمثال كما قال رسول الله (ص) ذات يوم - وعنده جماعة من أصحابه: "اللهم لقّني إخواني" مرتين، فقال مَن حوله من أصحابه: أمَا نحن إخوانك يا رسول الله ؟!.. فقال: لا، إنكم أصحابي، وإخواني قومٌ في آخر الزمان آمنوا ولم يروني، لقد عرّفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدُهم أشدُّ بقيّةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كلّ فتنةٍ غبراء مظلمة".*3
إذاً المحافظ على الدين في آخر الزمان يصبح كالقابض على جمر الغضا وهو نوع من الشجر حطبه يستمر كثيرا في الاشتعال حتى ينطفئ !
يكون مواجهة الابتلاءات الدنيوية التي تنازع المنتظر كل لحظة وتحركه كالريح يميناً وشمالاً كحب الأموال والشهرة والرئاسة من أفضل الأعمال كما قال رسول الله ليبقى ثابتا على قيد الإنتظار، في كل ليلة نخطط لانتصاره، يُستنزف العقل ويجزع القلب، ألم انتظاره يقضي على أحلامنا رويداً، يتبخر قاموسنا وتخطيطنا كل ليلة، عندئذ، يأكلنا الظلام ببطء، نلملم أشلائنا علنا نسترجع الذاكرة، ولكن بعد أعمالنا عن أحلامنا يسرق منا الانتصار ونبقى على قيد الانتظار....
يا أبانا استغفر لنا