الأسرة المتوازنة في مواجهة الانعزال الرقمي

باسم حسين الزيدي

2024-04-24 06:04

التحديات الرقمية التي تواجه المجتمعات الانسانية بصورة عامة والاسرة بصورة خاصة، استهدفت بشكل مباشر المنظومة القيمية والأخلاقية والإنسانية الفطرية لدى الفرد، والتي تشكل النسق الطبيعي لمجموع العادات والتقاليد والأعراف والثقافة والمعتقد الخ، التي يؤمن بها الفرد ويعتقد بصحتها، ما تسبب بأزمة أخلاقية وتربوية كبيرة تعاني منها العائلة، وبالتالي انعكاسها على المجتمع ككل.

في حياتنا اليومية أصبحت ظاهرة مكافحة الانعزال الرقمي ومعالجة الاثار النفسية (العقلية) والجسدية لها تدق ناقوس الخطر على مستوى العالم، والتي تراكمت بفعل الاندماج بين الواقع الافتراضي لوسائل التواصل الاجتماعي وتوابعها الرقمية الأخرى وبين الواقع الحقيقي الذي يعيشه الانسان، وعدم وجود فاصل او حاجز يمنع هذا الاندماج ويفرق بين ما هو واقعي وافتراضي، وبالتالي خلق فجوة زمانية (بين الأجيال التي عاشت عصر الرقمنة والتي سبقتها)، ومكانية (عدم التفريق بين الواقع والافتراضي)، انهارت معها الكثير من القيم والثوابت الإنسانية.

امام هذه التحديات برزت الحاجة الى إعادة تقييم الوضع بصورة عامة من خلال عدة مطالبات يمكن اجمالها في الآتي:

1. العودة الى الزمن الذي سبق عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبا ما يطلق عليه بين من عاصره (الزمن الجميل، جيل الطيبين..الخ)، حيث كان التواصل بين افراد الاسرة وخارجها يتم بصورة مباشرة ومن دون واسطة رقمية او تكنولوجية.

2. يعتقد ان المقاومة والرفض الاجتماعي في مواجهة التطور امر طبيعي وله سوابق وشواهد عديدة في التاريخ، لكن في نهاية الامر يذعن الافراد بأهمية التطور وفائدته، بعد ان يلمس آثاره المادية الايجابية المباشرة على حياتهم، حتى وان ألحق الضرر بالجوانب المعنوية القيمية والأخلاقية للفرد والمجتمع.

3. يرى ان التوازن بين الاستخدام الأمثل لفوائد التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل ايجابي، وبين المحافظة على خصوصية الاسرة خارج البيئة الرقمية وممارسة الانشطة الاجتماعية والتواصل والتعاون وبناء العلاقات القوية.

بالتأكيد لا يمكن العودة الى الوراء، فالإنسان بطبيعته ميال نحو التطور والتقدم، والجميع يتفق على ان التطور والتقدم التكنلوجي والرقمي وفر الكثير من الجهد والوقت للإنسان، وساهم في تطور مختلف المجالات الصناعية والاقتصادية والإنتاجية والعلمية التي حسنت الحياة وكافحت الامراض والاوبئة ووفرت الرفاه لكثير من الشعوب.

كما لا يمكن العودة الى الوراء، لا يمكن ايضاً الاعتماد على الواقع الافتراضي الرقمي والتكنلوجي بنسبة 100%، اذ لا يمكن للإنسان، وهو كائن اجتماعي يتفاعل مع محيطة وله القدرة على التواصل والمشاركة في النشاطات الاجتماعية الجماعية، ان ينعزل عن الآخرين ويعيش بيئة رقمية افتراضية وهمية تفرض عليه قيود مادية واخلاقية هجينة لا تمت للواقع بصلة.

وبالتالي يمكن الاستنتاج ان التوازن بين فوائد التكنولوجيا وايجابيات عصر الرقمنة التي يعيشها الانسان راهناً، وبين تكوين الاسرة بسياقاتها الأخلاقية والتربوية الطبيعية بعيداً عن تأثير الواقع الافتراضي والانعزال داخل البيئة الرقمية، هو النهج الذي يمكن ان يبني الاسرة ويحافظ على سعادتها.

ويمكن تقديم جملة من التوصيات في كيفية المحافظة على ديمومة التواصل بين افراد العائلة في ظل الانعزال الرقمي الذي تواجهه اغلب العلاقات العائلية امام وسائل التواصل الاجتماعي وسطوة الأجهزة الذكية:

1. إدارة الوقت بين الأنشطة العائلية التقليدية الجماعية والأنشطة الرقمية الأخرى (التعلم والدراسة، الترفيه، العمل، التواصل مع الاخرين...الخ).

2. ضرورة توعية افراد الاسرة بالحفاظ على الخصوصية والأمان الرقمي في عصر الانترنت امام هذا الكم الهائل من المعلومات والنفايات المعرفية والانحرافات الأخلاقية، إضافة الى العديد من وسائل الخداع والاحتيال التكنلوجي.

3. وضع حد فاصل بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي، وهو ما يتطلب التوازن بين الحياة العائلية والحاجة الى قضاء وقت جيد بين جميع افراد العائلة وبين باقي الالتزامات الأخرى (العمل، الدراسة، التواصل)، والسعي لان يكون هناك اتصال حقيقي مع استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي لتعزيز العلاقات الحقيقية.

4. التوعية بمخاطر الإدمان الرقمي وأثرها السلبي على العلاقات العائلية والصحة النفسية والجسدية لأفرادها، فضلاً عن مكافحة الانعزال الرقمي من خلال تعزيز التواصل والتفاعل الاجتماعي بين افراد الاسرة لتجنب الشعور بالوحدة.

5. تشجيع النقاش والتفاعل العائلي الجماعي حول مختلف المواضيع الخاصة والعامة، خصوصاً المتعلق منها بالجوانب التكنولوجية، لإذابة الفارق المعرفي وديمومة التواصل بين الأجيال المختلفة داخل الاسرة الواحدة، والبحث عن حلول مشتركة تضمن تحقيق التوازن والسعادة.

6. استعراض طريقة التعامل مع التحديات الأخلاقية والتربوية التي تنشأ نتيجة للاستخدام الرقمي في حياتنا اليومية، كتحدي وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على التربية والقيم الاجتماعية.

7. تشجيع القيم الاسرية وإبراز اهميتها في تعزيز ترابط افراد العائلة الواحدة من خلال قيم الاحترام والتعاون والتضامن في مواجهة التحديات الرقمية لتعزيز العلاقات العائلية السعيدة.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2024

http://shrsc.com

ذات صلة

الإمام الصادق معلّم القرآن الكريمالإِمَامُ جَعفَر الصَّادِق (ع) وَتَربِيَة الشِّيعَة حَقَّاًاللّه حكيم في أفعالهزيارة السوداني الى واشنطن.. اجندات الداخل وصراعات الخارجانتخابات عالمية في ظل النيوليبرالية