كيف اصبحت بلجيكا ارضا للإرهابيين؟
دلال العكيلي
2016-09-29 10:10
بلجيكا دولة صغيرة تقع في قارة اوربا يبلغ عدد سكانها نحو 11 مليون نسمة تعتبر هذه الدولة المصدر الرئيسي لعدد المتطرفين والمتطوعين الذين ينظمون الى صفوف داعش الارهابي في سوريا أو العراق مقارنة بعدد سكانها، وتم التعرف حتى الان على أكثر من 500 ارهابي بلجيكي متطرف بينهم 275 موجودين في سوريا، قتل منهم 75 ارهابياً وأكثر من 135 عادوا الى بلجيكا، وهناك مجموعات في طريقها الى العودة.
اعتداءات باريس الاخيرة كشفت ان شبكات التطرف في اوربا مصدرها بلجيكا، وهي الاخطر على الاطلاق في هذه القارة، بعد ان سلطت تفجيرات باريس الضوء على هذه الشبكات الخطيرة، حيث اعلنت النيابة العامة البلجيكية اعتقال 7 أشخاص في مدينة مولنبيك القريبة من العاصمة البلجيكية بروكسل على صلة وثيقة بتلك الهجمات الارهابية، واشارت المعلومات الاستخبارية في فرنسا ان العقل المدبر لهجمات باريس هو الارهابي عبد الحميد ابا عود وهو بلجيكي من اصول عربية وكذلك ورد اسم شخص اخر خطير يدعى عبد السلام صالح وهو بلجيكي ايضا تعتبر بلجيكا ملاذا امنا للمتطرفين والمتشددين بعد ان اعلنت النيابة العامة البلجيكية ان فرنسيين اثنين من منفذي اعتداءات باريس اقاما في بروكسل احدهما في بلدة مولنبيك التي تعتبر اكبر ملاذ للمتطرفين في هذا البلد الاوربي، كما اكدت النيابة العامة البلجيكية ان الشرطة الفرنسية عثرت على سيارتين مسجلتين في بلجيكا، وأثبت التحقيق انه تم استئجارهما قبل اسبوع من تنفيذ تفجيرات باريس الارهابية.
مولنبيك من اشهر المدن البلجيكية التي يكثر فيها الارهابيون والمتشددون، حيث داهمتها قوات الامن البلجيكية عقب هجمات باريس، وتستقطب هذه المدينة العديد من الارهابيين الذين سافروا وانضموا الى تنظيمات داعش في سوريا والعراق وقاتلوا هناك ثم عادوا مرة اخرى الى بلجيكا، وتعتبر هذه المدينة مصدر الارهابيين الذين نفذوا عمليات ارهابية في بلجيكا واوروبا وخارجها، فعملية اغتيال القائد الافغاني احمد شاه مسعود في بلدة خوجة بولاية تخار الافغانية عام 2001 تمت على يد احد سكان هذه المدينة ومنفذ اعتداءات مدريد عام 2004 والتي راح ضحيتها اكثر من 191 قتيل و1800 جريح هو حسن الحسني خرج من هذه المدينة ايضا، وكذلك مهدي عنوش المشتبه به الرئيسي في الاعتداء على المتحف اليهودي في بروكسل في شهر أيار 2014 ، ومن متطرفي هذه المدينة الارهابي ايوب الخزاني منفذ الهجوم على قطار تالبس بين امستردام وباريس في اب 2014.
الجالية الاسلامية في بلجيكا وخاصة مدينة مولنبيك مذعورة من الاجراءات الامنية التي تتخذها السلطات البلجيكية لمداهمة اوكار الاسلاميين المتطرفين، حيث انشأت خلية ادارة الازمة الامنية في بلجيكا تبقى على حالة التأهب الامني القصوى وبأعلى مستوياتها، من جهته أعلن رئيس وزراء بلجيكا عن تعطيل الدوام في المدارس يوم الاثنين 23 تشرين الثاني 2015 خشية وقوع هجمات ارهابية على غرار هجمات باريس وحذر من ان المراكز والمحال التجارية ومحطات المترو في البلاد مستهدفة.
ويدور الحديث في بلجيكا عن أبرز الاسماء الارهابية وهو عبد الحميد ابا عود العقل المدبر لهجمات باريس الذي قتل في ضاحية سان دوني الباريسية والفتاة حسناء اية بالحسن التي كانت ترتدي حزاما ناسفا وفجرت نفسها قبل محاولة اعتقالها من قبل قوات الامن الفرنسية التي اقتحمت اوكار الارهابيين، ورغم هذا التشدد الامني في بلجيكا عموما ومدينة مولنبيك خصوصا فان التعاطف مازال موجودا مع منفذي هذه العملية الاجرامية.
هناك مفهوم خاطئ لدى الحكومات واجهزتها الامنية مفاده ان عمليات التحريض على التطرف تتم على يد خطباء المساجد ووعاظها، مما يتحتم على الاجهزة الامنية تكثيف المراقبة والتجسس وزرع المخبرين فيها، متناسين ان دعوات المتطرفين والمتعاطفين معهم وتجنيدهم في صفوف الارهابيين تتم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة امامهم على مدار الساعة، وهي أكثر وأسرع الوسائل اثارة لاهتمام المتطرفين وجذبا للإرهابيين.
تعتبر بلجيكا في طليعة البلدان الساعية لمكافحة الارهاب منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، حيث قامت بتفكيك العديد من الشبكات الارهابية، وأصدرت ادانات واحكام بحق معتقلين متهمين بالإرهاب، الا انها مازالت أكثر الدول ملاذا امنا للإرهابيين والمتشددين ومصدر تصديرهم الى منطقة الشرق الاوسط.
بلجيكا ارض خصبة للإرهابيين
تشكل بلجيكا أكبر مورد للجهاديين في الدول الغربية، الأمر الذي يقتضي طرح أكثر من سؤال عن الأسباب ففي الغابات البلجيكية توجد معسكرات الجهاديين أعضاء مجموعة Sharia4Belgium ففي غابة آردن البلجيكية، التي تجود على أقل من 50 كيلومترا من الحدود الفرنسية، يتخذ منها الجهاديون موقعا للتدريب، ووفقا للشرطة البلجيكية، فإن حفنة من المتدربين الجهاديين بدأوا في شهر أكتوبر على التدريب العسكري في مكان ما في غابات بجنوب غرب بلجيكا، التي في منتصف الطريق بين نوفشاتو شارلفيل-مزيريس، دون أدنى خوف من تدخل السلطات الأمنية من إنفاذ القانون.
إذ لا يتردد هؤلاء المجندون في القتال والعتاد من الإعلان عن قضاء "يوم جميل بين الأخوة" على الشبكات الاجتماعية، وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه بلجيكا التطرف الإسلامي في أراضيها، فقبل أربعة أشهر، كان الفرنسي مهدي نموش تصدر عناوين الصحف بعد استهداف المتحف اليهودي في بروكسيل بقتل أربعة أشخاص في عملية إطلاق النار باسم الحرب المقدسة.
ونالت هذه القضية اهتماما أكثر باعتبار الحادث كان أول هجوم إرهابي ناجح على الأراضي الأوروبية من الجهاديين العائدين من سوريا، كما استقطبت بلجيكا انتباه العالم، بمحاكمة مجموعة Sharia4Belgium، وهي مجموعة متطرفة يشتبه في كونها أكبر شبكة استقطاب الجهاديين في بلجيكا وإرسالهم إلى سوريا.
ففي دراسة أعدتها، مجلة "الإيكونوميست" بينت أن بلجيكا هي الدولة الغربية التي وفرت أكبر كتيبة من الجهاديين نحو سوريا والعراق قياسا إلى عدد السكان، وقدمت الدراسة إحصائيات تفيد أن هناك ما معدله 22 جهادي البلجيكي لكل مليون نسمة، متبوعة بالدنمرك بمعدل 17 جهادي لكل مليون نسمة، وأخيرا فرنسا بـ 11 جهاديا لكل مليون نسمة.
في المجموع، بلجيكا – الذي يقدر عدد سكانها بنحو 11 مليون، لديها 250 جهادي في سوريا والعراق، فكيف لبلجيكا، وهي دولة صغيرة تقع بين فرنسا وهولندا وألمانيا، أن تصبح مصدرا رئيسيا للإرهابيين؟
في تصريح لفرانس 24، قال رولان جاكار، رئيس المرصد الدولي للإرهاب بأن مشكلة بلجيكا مع الإرهاب "مشكلة ليست جديدة"، ففي تسعينيات القرن 20، ظلت بلجيكا تعتبر الأرض المرساة من قبل الإرهابيين، وأضاف "في ذلك الوقت، وأعضاء من الجماعة الإسلامية المسلحة (هذه الجماعة كانت متورطة في الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينيات) كانوا يستخدمون بلجيكا كأرض للاختباء، لقد كانت بلجيكا أرض عبور الأسلحة والمعدات والأدوية ".
دولة بثقوب قانونية
على مدى العقد الماضي، شهدت البلاد توافد نصف مليون شخص، وفقا لدراسة من معهد Itinera، وهو مركز أبحاث مقره في بروكسل حيث مُنحت لهم المواطنة بسخاء "أكثر بكثير من البلدان الأوروبية الأخرى" حسب رولان جاكارإذ يتم الحصول على الجنسية البلجيكية وفق شروط بسيطة للإقامة يمكن التحايل عليها بفرضية التجنيس الكاذب، مما يسهل الاندماج، وفق ما أكده آلان ديتتيكسه Destexhe، عضو مجلس الشيوخ البلجيكي، لصحيفة "لو فيغارو"، وفي تحليل له قال رولان جاك بأن "بلجيكا تريد دائما أن تكون في طليعة الحريات في أوروبا، وفي مقدمتها حرية التنقل، وحرية الفكر "وأضاف" لكن هذا الوضع يخلق دولة بثقوب قانونية، دولة بمثابة حلقة ضعيفة يستغلها الإرهابيون.
كيف تمت صناعة المتطرفين؟
إن وصول السكان المهاجرين في غالبيتهم مغاربة منذ التوقيع عام 1964 على اتفاقية ثنائية بين بلجيكا والمغرب دون سياسة إدماجهم، هو محط انتقاد من قبل المتخصصين ففي عام 2008، كان ثلث سكان بلجيكا مسلمين، وفقا لدراسة أعدتها "لا ليبر بلجيك" غير أن الغالبية العظمى منهم، كانوا معزولين في بعض الأحياء، التي تعاني من البطالة، والتسرب الدراسي، والجريمة الصغيرة والتطرف الديني.
بل إن هذه الأصولية المتطرفة تمكنت من اختراق حتى المجال العام، الحزب السياسي "الإسلام"، الذي تأسس في 2012، له عضوين اثنين في المجلس المحلي ببروكسل يتباهى علنا في برنامجه تطبيق الشريعة في بلجيكا، وهناك علامة أخرى تبعث على القلق من صعود التطرف، محاكمة جماعة Sharia4Belgium حيث يُتهم 46 من أعضائها بتجنيد المتطوعين للجهاد في سوريا والعراق.
في بلجيكا، إذن المستقطِبون يجدون دائما الآذان الصاغية من الشباب المتروك لنفسه دون توجيه أو تأطير، ففي بلد حيث البطالة تصل 24٪ في صفوف الشباب أقل من 25 سنة، هؤلاء الدعاة تمكنوا من إيجاد موقع لهم وسط هؤلاء الشباب العاطل والتقرب من الذين يعيشون دون مُثل هؤلاء، وفق تحليل رولان جاكار.
وأضاف على عكس فرنسا، حيث يتم استقطاب الجهاديين عبر شبكة الأنترنيت من دون معرفة حقيقة بمفاهيم الإسلام، ففي بلجيكا، يتولى الدعاة استقطاب الشباب وغرس بذور التطرف فيهم، بحيث تصبح الشريعة هي الهدف الأسمى لذا يغادر المتطرفون نحو سوريا وهذا يتفق مع شهادة جهادي بلجيكي ذهب مؤخرا إلى سوريا، حيث ذكر أنه شعر بالقهر في بلجيكا "إن حظر الحجاب وحظر ارتداء النقاب في الشارع، والتمييز في سوق العمل، والعنصرية في الشرطة، وإهانة إيماننا بشكل دائم مما يحمل الشباب على الفرار بعيدا من هذا الوضع".
فالدولة البلجيكية تبذل قصارى جهدها لمحاربة هذا البلاء وقد وضعت بروكسل نظام tas force وهو نظام لمواجهة الجهاديين، وتحت ضغط الرأي العام البلجيكي، ضاعفت الحكومة، في الأشهر الأخيرة، من أعداد المعتقلين في الأوساط الجهادية، لكن الترسانة التشريعية ضعيفة "بلجيكا لها نظام قمعي محدود، فهي تضع في وقت مبكر بما فيه الكفاية نظام لمكافحة الإرهاب"، كما وضح رولان جاكار.
كان هناك تهاون من الحكومة البلجيكية، حسب جيرارد Chaliand المتخصص في الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط، النتيجة هذا البلد هو "المغناطيس الجهادي"، وهو مصطلح استعمله بيير بيرتلو، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة بوردو3 وباحث مشارك في معهد الأمن في أوروبا (IPSE).
الموقع الجغرافي احد الاسباب
أوضح رولاند جاكار، أنه "قبل ثلاث أو أربع سنوات، كنت قد التقيت "دليل عمل"، وهو كتاب موجه لمن سيصبحون جهاديين، وجدته الشرطة، خلال غارة في مانشستر، في مخبأ جهادي في هذا الكتاب، يوجد توضيح دقيق جدا لبلدين اللذين يتوجب على الجهاديين التواجد فيه ويتعلق الأمر بإنجلترا، إن كانوا يتكلمون الإنجليزية، أو بلجيكا إن كانوا يتحدثون الفرنسية.
كل هذه المعطيات مجتمعة مضافة إلى الموقع الجغرافي المواتي لبلجيكا يجعل منها أرضا مثالية للجهاديين، من بروكسل، يمكننا أن الذهاب إلى فرنسا دون مراقبة، ويمكننا أن نذهب إلى هولندا بسهولة.
ومن هناك، يتم فتح مسار إلى بلدان الشمال الأوروبي، حيث توجد أيضا مشكلة الجهاديين على الرغم من أن الحديث عنها قليل جدا كما قول رولاند جاكار، ونفس التحليل قدمه بيير بيتلوه من الناحية الجغرافية، بروكسل هي نقطة تجمع، ومركز الممرات، وبما أن الحكومة المركزية ضعيفة بسبب مشاكل أخرى، مثل الصراع بين الولونيين والفلمنجيون، فإن الجهاديين يتكاثرون دون أن يشعروا بالقلق.
إنهم لم يكونوا محور اهتمام الحكومة
اليوم، ولأن بلجيكا لم ترد أن ترى، أو تسمع شيئا أو تقل شيئا، على حد تعبير آلان Destexhe، فإن، بروكسل تواجه مشكلة مزدوجة مكافحة التطرف واليقظة ضد العودة الممكنة للجهاديين من سوريا لقد أحبطت الأجهزة الأمنية البلجيكية هجومين ضد الناتو وضد المفوضية الأوروبية، مكانين لهما رمزيتهما كما قال بيير بيرتلوه والهجومان مماثلان للهجوم الذي نفذه مهدي نموش، هذه هي مأساة بلجيكا، والتي هي على حد سواء ملاذ آمن للجهاديين وأرض للتخطيط أو لتنفيذ الهجمات الإرهابية كما أضاف بيير بيرتلوه.
بلجيكا تخصص 22 مليون يورو لتعقب الإرهابيين إلكترونياً
الى ذلك أعلنت وسائل إعلام بلجيكية، نية الحكومة شراء محرك بحث عملاق سيسمح لأجهزة الاستخبارات بمسح شبكات التواصل الاجتماعية وتعقب التهديدات الإرهابية أو الحركات الإسلامية المتطرفة، بتكلفة ستصل إلى 22 مليون يورو.