الحرب العرقية في امريكا.. مؤشرات حقيقية تهدد السلم الاهلي

2016-07-28 09:10

موجة من حوادث القتل تجتاح أمريكا جعلت من الحديث عن إمكانية عودة الصراعات العرقية امرا واردا، فيما تسهم التصريحات المثيرة من قبل مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب في توسيع دائرة الانقسام الأمريكي تجاه هذا الشخص ذاته وتجاه بعض شرائح المجتمع الأمريكي، فعند طرحه فكرة طرد المسلمين للخارج كافئه الناخبون بايصاله لمنصة مرشحي الحزب الجمهوري، وليس مستبعدا ان يكون هو الرئيس القادم للولايات المتحدة الامريكية، واذا ما حدث هذا الامر فان إمكانية بناء سياج على الحدود المكسيكية ومنع المسلمين من دخول البلاد او التضييق عليهم تصبح امرا واردا ان لم تطبق هذه الإجراءات فعليا، اما قضية العنصرية ضد السود فانها عادت لتطفو على سطح الازمات الامريكية.

عدة هجمات ضرب الولايات المتحدة الامريكية اشرت وبشكل واضح على وجود خلل في النظام الأمريكي الاجتماعي وهو ما بات ينعكس على ارض الواقع على شكل هجمات قد لا نبالغ اذا قلنا انها أسبوعية، الا ان ما يتعرض له السود قد تكون هي المشكلة الأبرز لما تحمله من مخلفات سابقة لم تعالج بشكل كامل.

وقد اثار مقطع فيديو جديد بالولايات المتحدة موجة استياء وغضب جديدة، يظهر قيام شرطة ميامي منتصف شهر تموز الجاري بإطلاق النار على رجل أسود أعزل رافعا يديه، خلال محاولتهم السيطرة على مسلح يهدد بالانتحار، وفق بيان الشرطة.

وقال الرجل الأسود الذي تعرض لإطلاق النار ويدعى تشارلز كينزي المعالج السلوكي إنه كان وقتها يشعر بالقلق على مريض بالتوحد كان يتولى أمره أكثر من قلقه على نفسه قبل أن يشعر باختراق الرصاصة لساقه. وأشار كينزي أنه كان يحاول تهدئة الرجل المريض الذي ركض للخارج عندما أطلقت الشرطة النار عليه. ويعمل كينزي لدى دار لرعاية الأطفال والمسنين.

وظهر كينزي في الفيديو ملقى على ظهره ويداه مفتوحتان لأعلى امتثالا لأوامر الضباط الذين قال بيان للشرطة إنهم كانوا يلبون نداء استغاثة عن مسلح يهدد بالانتحار. وقال كينزي في مقابلة أجريت معه وهو على سريره بالمستشفى "اعتقدت أني طالما أبقيت يدايا لأعلى فلن يطلقوا النار علي. يا إلهي.. كنت مخطئا." وأضاف كينزي إنه أبلغ الشرطة أنه أعزل وبعدم وجود حاجة للسلاح. وقال للمحطة التلفزيونية إنه أبقى يديه لأعلى طوال الوقت وسأل الضابط "سيدي.. هل ستطلق النار علي." وتابع "أجابني (الضابط) أنه لا يعرف."

وقالت وزيرة العدل الأمريكية لوريتا لينش الخميس إن وزارتها تعكف على جمع معلومات عن الواقعة وهي الأحدث في سلسلة حالات إطلاق نار من قبل الشرطة على رجال سود في الولايات المتحدة.

ماذا يحدث في لويزيانا؟

من اخر قالت الشرطة إن الضابط الأسود السابق بمشاة البحرية الأمريكية الذي قتل بالرصاص ثلاثة من ضباط الشرطة في عاصمة لويزيانا استهدفهم بشكل خاص في الوقت الذي تئن فيه الولايات المتحدة تحت وطأة أحدث عنف دموي يشمل الشرطة ومواطنين سود.

وذكر حاكم الولاية أن ضابطا آخر كان قد أصيب في إطلاق النار في بيتون روج يصارع الموت. وكانت المدينة مسرحا لاحتجاجات متكررة ضد عنف الشرطة في أعقاب إطلاق ضباط شرطة النار في الخامس من يوليو تموز على ألتون ستيرلنج - وهو رجل أسود - خارج متجر فأردوه قتيلا.

وجرى تعريف مسلح بيتون روج بأنه جافين لونج ويبلغ من العمر 29 عاما وهو من مدينة كانساس سيتي بولاية ميزوري وخدم في مشاة البحرية لخمس سنوات بما في ذلك إرساله عام 2008 ضمن القوات المشاركة في حرب العراق. وقتل الرجل الطويل الذي كان يتشح بالسواد ومسلحا ببندقية في معركة بالأسلحة النارية مع الشرطة.

ويزداد التوتر العرقي في الولايات المتحدة بشكل خاص منذ قتل جندي احتياط أسود سابق بالجيش الأمريكي خمسة من شرطة دالاس كانوا يقومون بدورية خلال احتجاج بشأن إطلاق الشرطة النار على ستيرلنج ورجل أسود آخر في مينيسوتا.

وقال حاكم لويزيانا بيل إدواردز لتلفزيون (إم.إس.إن.بي.سي) "الوضع هنا صعب للغاية.. هجوم على نسيج المجتمع." فيما قال المتحدث باسم شرطة لويزيانا اللفتنانت جيه.بي سلاتون لصحيفة نيويورك تايمز يوم الاثنين إن تحقيقا برلمانيا يظهر أن مسلح بيتون روج "نصب بشكل قاطع كمينا لهؤلاء الضباط." وأضاف "لا نزال نحاول استجلاء دوافعه وسيكون ذلك جزءا من تحقيقنا. لكننا نعتقد أنه كان يستهدف هؤلاء الضباط.

وشملت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبطة بشخص يدعى جافين لونج وبعنوان بكانساس سيتي والتي طوقتها الشرطة تسجيلا مصورا نشر على يوتيوب في العاشر من يوليو تموز يقول فيه إنه سئم من سوء معاملة السود وأشار إلى أن العنف والضغط المالي وحدهما سيؤديان إلى التغيير.

وجرى تعريف الضباط المقتولين بأنهم مونتريل جاكسون (32 عاما) و ماثيو جيرالد (41 عاما) وبراد جارافولا. وقال إدواردز إن أحد الضباط المصابين يصارع الموت في حين خضع الثاني لجراحة واحتاج لجراحة أخرى في رقبته. وخرج ضابط ثالث كان قد أصيب بجرح في رقبته من المستشفى يوم الأحد.

وفي تصريحات معدة للإدلاء بها خلال مؤتمر لمسؤولي إنفاذ القانون من السود في واشنطن قالت وزيرة العدل الأمريكية لوريتا لينش إن ضباطا من مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالات اتحادية أخرى موجودون في بيتون روج لمساعدة السلطات المحلية. وأضافت "نحن في وزارة العدل عازمون على فعل كل شيء من شأنه معالجة الانقسامات ورأب الصدع واستعادة الثقة وضمان أن كل أمريكي يشعر بالاحترام والدعم والأمان."

ولعاصمة لويزيانا تاريخ طويل من انعدام الثقة بين المواطنين السود وسلطات إنفاذ القانون. وزاد مقتل سترلينج من توتر الأوضاع فيها. ويعتبر كثيرون في بيتون روج الشرطة مفرطة في استخدامها للقوة وليست ممثلة لمدينة أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم 230 ألفا من السود.

ونقلت لينش - وهي من السود - تصريحات لجاكسون وهو ضابط أسود قتل في بيتون روج بأنه تعرض "لنظرات كريهة وتنطوي على الكراهية" خلال وجوده في الخدمة وشعر بأن بعض الأشخاص اعتبروه تهديدا عندما خرج من الخدمة. ونقلت عنه قوله "رجاء لا تتركوا الكراهية تصيب قلوبكم." وقالت إنه "إذا كان لنا حقا أن نقدر خدمته (في الجيش) ونحزن على فقده - وفقد أصدقائه وزملائه وكثيرين جدا آخرين رحلوا عنا - فإنه يتعين علينا ألا ندع الكراهية تصيب قلوبنا".

معادات الإسلام

اعتقل رجل من ولاية ماساتشوستس الأميركية ووجه له اتهام يوم الثلاثاء 26 يوليو/ تموز 2016 بالتهديد على فيسبوك بإحراق مسجد في بوسطن في أعقاب هجمات نوفمبر/ تشرين الثاني في باريس حيث قتل مسلحون ومفجرون انتحاريون تابعون لتنظيم (داعش) 130 شخصاً.

وقال ممثلو ادعاء اتحاديون إن باتريك كيوجان (44 عاماً) والذي يسكن ضاحية وينشستر في بوسطن اعتقل ووجه له اتهام بتوجيه تهديد إجرامي على الإنترنت وبكونه مجرماً مداناً بحيازة ذخيرة بصورة غير قانونية.

وقال ممثلو الادعاء أن كيوجان نشر في اليوم التالي لهجمات باريس الدامية صورة على صفحة الجمعية الإسلامية التابعة للمركز الإسلامي في بوسطن على فيسبوك يظهر فيها مسجد مشتعل وكتب تحتها "احرقوا مساجدكم المحلية". وذكر ممثلو الادعاء في أوراق المحكمة أن زعماء المركز الإسلامي قرروا الإبلاغ عن التهديد لأنه جاء بعد قليل من هجمات باريس "بيد أنه ليس من غير المألوف أن تتلقى الجمعية الإسلامية بالمركز الإسلامي في بوسطن رسائل كراهية ومناهضة للإسلام."

وجاء في أوراق المحكمة أنه عندما اتصل مسؤولو مكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. آي) هاتفياً بكيوجان قال إنه "يشعر بالأسف وإنه بحاجة لأن يكون أذكى من ذلك لأنه متقدم في السن بدرجة يتعذّر معها التصرّف على هذا النحو." كما أبلغ كيوجان (إف. بي. آي) أنه لم يكن يعتزم إلحاق الضرر بأحد أو تدمير المسجد."

وقال ممثلو الادعاء إن تحقيقاً مع كيوجان لاحقاً كشف أنه كان يشتري ذخيرة والتي كان ممنوعاً بقوة القانون من حيازتها بسبب إدانات سابقة في اتهامات الاعتداء والضرب وتشغيل مركبة تحت تأثير الخمر. وقد يحكم على كيوجان بالسجن لما يصل إلى عشر سنوات في السجن إذا أدين.

تدهور العلاقات بين المجموعات العرقية

وبحسب استطلاع جديد يعتقد معظم الاميركيين ان العلاقات بين المجموعات العرقية المختلفة في المجتمع الاميركي آخذة بالتدهور، بحسب ما اظهر استطلاع للرأي، وذلك اثر اعمال القتل ذات الطابع العنصري التي سجلتها البلاد.

واجرت هذه الدراسة صحيفة "واشنطن بوست"، وشبكة "اي بي سي نيوز"، وهي اظهرت ان 63 % من الاميركيين يرون ان العلاقات بين مكونات المجتمع "سيئة بكشل عام"، علما ان هذه النسبة لم تكن تتخطى 48 % في الربيع الماضي، وفقا لاحصاء اجراه آنذاك معهد "بيو".

ويأتي هذا القلق العام ازاء تصاعد المشاعر العنصرية، بعد حادثة اطلاق النار في تموز/يوليو الماضي التي استهدفت عناصر في الشرطة، بعد ايام على مقتل شخصين اسودين برصاص قوات الامن.

وترى غالبية كبيرة من الاميركيين (83 %) ان اولى اولويات الرئيس المقبل يجب ان تكون تحسين العلاقات بين مكونات المجتمع. وابدى 58 % من الاشخاص المستطلعين البالغ عددهم الفا وثلاثة اشخاص، ثقتهم بان تكون المرشحة الديموقراطية هلاري كلينتون على قادرة الاضطلاع بهذه المهمة، فيما رأى 26 % ان منافسها الجمهوري دونالد ترامب قادر على ذلك، علما انه يتهم باستخدام خطاب عنصري.

وفي سياق متصل اعتبر قائد شرطة فيلادلفيا السابق تشارلز رامسي من جهته أن الولايات المتحدة تحولت إلى "برميل بارود". وقال لقناة "إن بي سي"، "عندما ننظر ببساطة إلى كل ما يحدث، واضح أننا وصلنا إلى مرحلة حاسمة من تاريخ هذا البلد"، معربا عن الأمل في فتح "حوار حقيقي".

اوباما يؤكد وحدة أمريكا

الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال في كلمة ألقاها في دالاس أثناء مراسم تأبين خمسة شرطيين قتلوا برصاص قناص، إن بلاده ليست مقسمة كما قد يبدو على أساس العرق أو السياسة، رغم التوترات العنصرية التي تشهدها البلاد.

وأوضح أوباما "أعلم أن الأمريكيين يجدون صعوبة حاليا في استيعاب ما شهدوه في الأسبوع الأخير وأنا هنا لأقول إن علينا أن نرفض هذا اليأس، ولكي أؤكد أننا لسنا منقسمين كما يمكن أن يبدو". وعلى الرغم من إقراره بأن المطلوب إحراز المزيد من التقدم، أراد أوباما أيضا أن يمرر رؤية أكثر تفاؤلا عن المجتمع الأمريكي

وافتتح مايك رولنغز رئيس بلدية دالاس مراسم التأبين بقوله: إن "روح مدينتنا تتألم". وقال إنه منذ حادث إطلاق النار الذي هز الولايات المتحدة، فإن سكان المدينة "بكوا بحرارة واليوم نفتح أبواب مدينتنا".

وفي أكثر اللفتات المؤثرة لتكريم رجال الشرطة الذين سقطوا وهم: برينت ثومسون، باتريك زاماريبا، مايكل كرول، لورن اهرينز، ومايمل سميث، وضع اسم كل منهم على كرسي في المدرج وزين الكرسي بالعلم الأمريكي وقبعة الشرطي.

من جانبه وجه رئيس بلدية نيويورك الجمهوري السابق رودي جولياني خطابا لاذعا ضد حركة "بلاك لايفز ماتر" (حياة السود مهمة) التي تدين ممارسات الشرطة ضد السود. وقال لقناة "سي بي إس"، "عندما تقولون إن ‘حياة السود مهمة‘ تستخدمون عبارة عنصرية بامتياز"، منتقدا الناشطين الذين يؤدون "أغاني الراب حول اغتيال شرطيين".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي