مات العدل
اسعد عبد الله عبد علي
2016-05-21 12:35
كعادته نهض الطفل احمد، ذو التسع سنوات، ليحمل أكياس النايلون، كي يبيعها في سوق عريبة، ذلك السوق الشعبي، الواقع في شارع الداخل، كي يوفر احمد المصروف اليومي لعائلته، فهو المعيل الوحيد لأسرته، فأبيه استشهد في تفجير لإرهابي عفن، وأمه مريضة، وعلاجها يحتاج للملايين، مما جعلهم يكتفون بالدعاء، عسى أن تشفى ببركات الدعاء، وإخوته صغار، الذين يحلمون بحياة سعيدة، ينطلق ضيائها فقط من خلال احمد، فهو من حفظ كرامة العائلة.
انه أحد صباحات شهر أيار الحارة، على أهالي مدينة معدومة، تعاني من ظلم لا ينتهي، حيث تنقطع الكهرباء صباحا، فأموال الدولة نهبها اللصوص، حيث أن نتائج صولات النهب تقع فقط على الفقراء، فتخرج الناس للشوارع وألا سواق، هربا من الجو الحار، فبيوت مدينة الثورة صغيرة جدا، مختنقة بكثافة سكانية فريدة.
نهض احمد فزعا من النوم، على صوت كلمات مخيفة تتكرر ((مات العدل))، فصباحات قطاع 48 في شارع الداخل متميزة، لأنها تبدأ على صوت جبار المجنون، وهو يصيح إلى أن يتعب ((مات العدل))، يكررها مئات المرات من دون كلل، وهو جالس في باب أهله، لقد جن جبار تحت تعذيب أجهزة القمع البعثية، كان جبار شابا مثقفا، فإذا به يخرج من سجون البعث مجنونا.
الطفل احمد سرح شعره، مثل اللاعب كرستيانو، فهو يحب ريال مدريد، يجد في الكرة، فرحة وسط هموم الحياة، حيث أن القدر حمل احمد هما ثقيل، هم عائلة بأكملها، ثم لبس بنطاله الأزرق وقميصه الأبيض، من بقايا زي المدرسة، التي تركها ليعمل، وعند الباب توقف يكلم أمه، النائمة قرب شباك يطل على الشارع، كي تفوز ببعض النسيم، فالكهرباء قد انقطعت، مع ساعات الصباح الأولى.
- أماه سوف اذهب للسوق، سأحضر اليوم مفاجئة على الغداء، انه يوم البطيخ، فأختي الحبيبة نرجس، توسلت بي أن اشتري بطيخ، لقد شاهدت نهار الأمس، بنات الجيران يأكلون البطيخ، فأسعديها بخبر قرب وصول البطيخ.
- بارك الله بك ابني الغالي، أنت بحق رجل، تهتم لنا.
أسرع احمد باتجاه سوق عربية، فالناس تريد أن تسبق وقت الظهيرة الحار، لذا عليه أن يسرع كي يبيع بضاعته، ويشتري البطيخ والخبز لعائلته.
كان احمد يسرع هنا وهناك بين الدكاكين، ليبيع الأكياس للمتبضعين، نشيطا كعادته، فهو يفكر ان يبيع الأكياس، ويعود سريعا للبيت، مع أكياس الخضار والفواكه، وخصوصا البطيخ، كي يسعد البيت وتفرح أمه وأخته نرجس، كم صغيرة هي أحلام العراقيين، في زمن الديمقراطية البائسة، التي آتت بلصوص نهبوا البلد.
وبعد وقت من الجهد وارتفاع حرارة الشمس، قرر احمد إن يذهب لصديقه حسون بائع الفواكه، ليأخذ تفاحة يسد بها جوع بطنه، أسرع نحو بوابة السوق، فصديقه يجلس هناك مع أمه، شاهده من بعيد ولوح له بيده، وصاح صديقه حسون:
- أسرع يا احمد، لنأكل معا، فأمي سمحت بتفاحتين لي ولك.
- اني قادم.
فرح احمد بكلمات حسون، فركض مسرعا باتجاه صديقه، لكن توقف مرتعبا، حيث شاهد غول مخيف يدخل السوق، رجل غريب بشعر طويل ولحية نتنة، حال بينه وبين الوصول للتفاحة، نظر هذا الشخص الغريب إلى احمد، وابتسم ابتسامة سخرية، فاظهر حزامه الناسف، وضغط على جهاز التفجير الذي كان بيده، ليتفجر جسده القذر في السوق، مع ما يحمل من ديناميت متفجر، فتناثرت أجزاء الناس واختلطت الدماء، حل صمت قصير، ثم تبعه ارتفع الصراخ والعويل والبكاء، الدخان يعلو، واللحم والدم يغطي الأرض.
لقد أنجز الرجل السعودي مهمته بنجاح، فقد قتل الأطفال والنساء والكهول من فقراء العراق، وبهذا سيدخل جهنم من أوسع أبوابها.
سقط احمد على الأرض، والدماء تغطي جسده، فقد قطعت ساقه، جلس لجانب ساقه ينظر لها، ولا يقوى على الحراك من الألم، نظر إلى ساقه وفكر بأخته نرجس وهي تنتظر البطيخ، تأمل ساقه وفكر بكرة القدم التي يعشقها، فمن اليوم لن يلعب الكرة، نظر إلى جدار السوق، وفيه صورة نصف ممزقة لرئيس الحكومة، قد اختلط الدم واللحم بوجه الرئيس، لقد أصبح احمد معاقا، بسبب فتاوى سعودية لتدمير المجتمعات، انه دين الذبح والقتل وليس دين الإسلام، بكاء احمد بصوت عالي، يكاد يهز الكون، وهو يحتضن ساقه، في تلك اللحظات عاد صدى كلمات جبار المجنون يرن في أذن احمد ((مات العدل))، فأين العدل فيما حصل له؟! أم أن العدل مجرد أكذوبة لتخدير المظلومين.
حمله الناس الطفل احمد، مع باقي الجرحى لسيارات الإسعاف، لتنطلق به نحو مستشفى الشهيد الصدر، لتوقف نزيفه وتعطيه بعض الأمل بالعيش، لكن كمعاق.