القاعدة بعد بن لادن.. هل تغيرت القيادة أم العقيدة؟

عبد الامير رويح

2016-03-07 11:28

تنظيم القاعدة وعلى الرغم الخسائر والانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها في السنوات الاخيرة، بسبب فقدان بعض اهم قادته ومنهم أسامة بن لادن زعيم التنظيم، لا يزال وبحسب بعض الخبراء يمثل تمثل أكبر تهديد أمني في العالم، حيث اكدت بعض التقارير ان تنظيم القاعدة يسعى وبشكل دائم الى اعتماد اساليب وخطط مختلفة تساعده على البقاء والنمو، هذا بالاضافة الى تطوير تكتيكاتة القتالية التي تختلف بختلاف فروعه التي انتشرت في اليمن والمغرب العربي والصومال والصحراء الأفريقية وغيرها من المناطق الاخرى، وخصوصا تلك التي تشهد حالة من عدم الاستقرار الامني.

فصراعات والحروب المتواصلة مكنت هذا التنظيم ايضا من اكتساب خبرات اضافية ومتعددة سواء في المجال العسكري او الاستخباري، الذي جعل القاعدة اليوم وكما تنقل بعض المصادر، أكثر قوة وخطراً وأوسع انتشاراً مما كانت عليه في الأعوام الماضية.

حيث يرى الباحث الأردني في شؤون الحركات الإسلامية حسن أبو هنية أن تنظيم القاعدة المركزي في باكستان وأفغانستان قد عانى كثيراً خلال السنوات الأخيرة كي يبقى منظمة فاعلة ومتماسكة، لكنه استغل مقتل بن لادن ومن ثم تعثّر ثورات الربيع العربي لجعل أيديولوجيته أكثر جاذبية وإحداث ولادة ثالثة للتنظيم أكثر قوة وأوسع انتشاراً. ويوضح أبو هنية أن الولادة الأولى تميّزت بقتال العدو القريب المحلي، فيما تميّزت الثانية بقتال العدو البعيد العالمي، بينما تميّزت الولادة الثالثة باندماج البعدين المحلي والعالمي. ويذهب أبو هنية إلى أن ولاء الفروع المنتشرة للقاعدة في العالم أصبح ولاءً للعقيدة بدون الارتباط التنظيمي، وذلك على غرار ارتباط الأحزاب الشيوعية بالأيديولوجيا الماركسية – اللينينية.

اما الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان فيرى في كتابه ما بعد بن لادن: القاعدة، الجيل التالي، أن التنظيم قد طوّر نفسه إلى عقيدة أيديولوجية – سياسية لم تعد معتمدة على قيادة مركزية، ما سمح له بإنتاج نظام من الأمراء الإقليميين والوكلاء المحليين، فأصبح استهدافه والقضاء عليه أصعب كثيراً من قبل. وينقل عطوان عن مصدر قريب من أمير القاعدة أيمن الظواهري أن الأخير لطالما شجّع كل بلد مسلم على امتلاك نسخته الخاصة من القاعدة، مشيراً إلى أن التنظيم بات يفضّل البنى القيادية الأفقية بسبب فقدان القادة دوماً عبر الاغتيالات. فلم تعد القاعدة تشبه المجموعة الأصلية التي تأسست في التسعينيات، إذ تضاءلت أهمية المقر وأصبحت قيادة الظواهري بمثابة هيئة توجيهية واستشارية لا قيادة تنظيمية عسكرية. اما عن الصراعات بين فروع القاعدة، فقد اكد البعض ان ما يحدث هو التباين في بعض الآراء ولا يشكل خلافاً وتضاداً، حيث ان الجميع متفق على هدف واحد وما يحدث هو مجرد حوادث فردية بسبب عدم التنسيق المسبق.

انضمام جديد

وفي هذا الشأن اعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بقيادة الجزائري عبد المالك دروكدال ان جماعة "المرابطون" المتطرفة التي يقودها الجزائري مختار بلمختار انضمت الى صفوفه وانهما شاركا في تنفيذ الهجوم الذي اودى ب19 شخصا في فندق راديسون في باماكو. وقال دروكدال الملقب بابي مصعب عبد الودود في تسجيل صوتي تم بثه على المواقع الجهادية "نبشر امة الاسلام بانضمام اسود الاسلام وابطال النزال في كتيبة المرابطين الى تنظيم قاعدة الجهاد في المغرب الاسلامي".

واضاف ان الجهاديين "سطروا وحدتهم بمداد الدم وكتبوا حروفها الاولى بدم شهيدين في مكان غير عادي اسمه فندق راديسون بقلب عاصمة العدو باماكو"، داعيا الى وحدة سائر "المجاهدين". وكانت جماعة "المرابطون" اشارت في تبنيها الاول لهجوم فندق راديسون الى هذا العمل المشترك عندما قالت ان العملية نفذت "بالتنسيق مع امارة الصحراء في تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي". وسبق لمختار بلمختار، احد القادة الجهاديين في منطقة الساحل، ان جدد مبايعته في ايار/مايو الماضي لتنظيم القاعدة نافيا ولاءه لتنظيم داعش. بحسب فرانس برس.

واوضح زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ان التنظيمين الجهاديين "سيكونان سيفا واحدا لنحر عدوهم الأول فرنسا الصليبية وعملائها في المنطقة". ووجه دروكدال رسالة تهديد الى الشعب الفرنسي مشيرا الى هجمات باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر. وقال "ان ما تدفعونه من ثمن في ارواحكم في فرنسا وخارجها هو رد على جرائم حكوماتكم وجزء يسير من القصاص العادل ضد جرائم جيوشكم". وينتشر اكثر من الف جندي فرنسي في مالي التي تعد مركزا لعملية برخان التي تشمل خمس دول في منطقة الساحل الافريقية المضطربة.

تهديدات مستمرة

الى جانب ذلك دعا زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في تسجيل جديد، إلى شن هجمات جديدة ضد الدول الغربية، وأشاد بالهجمات التي ينفذها فلسطينيون في إسرائيل. وأشار المركز الأمريكي لمراقبة المواقع الإسلامية "سايت" إلى أن الظواهري تحدث في تسجيل فيديو تم بثه على موقع تويتر وليس على مواقع جهادية كما جرت العادة. وكرر الظواهري دعوته التي أطلقها منتصف أيلول/سبتمبر إلى وحدة الجهاديين من تركيا إلى المغرب قائلا "إخواني المجاهدين في كل مكان... إننا نواجه اليوم عدوانا أمريكيا أوروبيا روسيا رافضيا نصيريا.. فعلينا أن نقف صفا واحدا ... في وجه الحلف الشيطاني المعتدي على الإسلام وأمته ودياره"،وفق موقع سايت.

وأكد الظواهري على ضرورة أن "يدفع داعمو إسرائيل من دمهم واقتصادهم"، مضيفا أن "تحرير فلسطين لا بد له من أمرين، الأول هو ضرب الغرب وخاصة أمريكا في عقر دارها، والآخر هو إقامة دولة إسلامية في مصر والشام، لحشد الأمة لتحرير فلسطين". وأشاد الظواهري بالهجمات التي يشنها فلسطينيون خصوصا بالسكين في القدس وإسرائيل والضفة الغربية المحتلة واصفا إياها بـ"الأيادي المجاهدة المستشهدة".

إلى ذلك، دعا الظواهري إلى "تكثيف" الهجمات التي يشنها "ذئاب منفردون" على غرار محمد مراح الذي قال إنه ينتمي إلى القاعدة وقتل ثلاثة أطفال ومدرس يهود في تولوز الفرنسية سنة 2012. كما أشار الظواهري إلى الأخوين تسارناييف اللذين فجرا في الولايات المتحدة عام 2013 عبوات يدوية الصنع بالقرب من خط الوصول لماراتون بوسطن مما أوقع ثلاثة قتلى وأدى إلى إصابة 264 آخرين بجروح.

في السياق ذاته حذر فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية السعودية من اعدام عدد من المحكومين بتهم الارهاب والانتماء اليه، وذلك وسط تقارير عن عزم المملكة تنفيذ سلسلة من هذه الاحكام قريبا. وجاء في البيان الذي تداولته حسابات مؤيدة للجهاديين على مواقع التواصل "تبادر الى مسامعنا في تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب نبأ الاعدامات التي تنوي حكومة آل سعود تنفيذها في أسرانا المجاهدين من اهل السنة في سجونها". واضاف "انّا نعاهد الله ان دماءنا دون دماء اسرانا، وان دماءهم الطاهرة لن تجف قبل ان تسفك دماء عسكر آل سعود، ونعاهد الله ان العيش لن يطيب دون النيل من رقاب حكم آل سعود". وتعهد البيان "اننا لن نخذلكم يا اسرانا حتى يتم فكاكم".

وكانت منظمة العفو الدولية اشارت في بيان الى ان "شبح الاعدام يخيم على خمسين شخصا على الاقل" في المملكة، ناقلة عن وسائل اعلام سعودية ان بينهم ناشطين شيعة من المنطقة الشرقية وعددا من "ارهابيي القاعدة". وافادت المنظمة ان الاحكام قد تنفذ خلال "ايام قليلة مقبلة". وتشكل تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" في العام 2009 عبر دمج الفرعين السعودي واليمني للتنظيم وفرار العديد من افراده من المملكة نحو اليمن بعد شن السلطات السعودية حملات اعتقال وتعقب صارمة بحقهم. بحسب فرانس برس.

ويعد التنظيم المنتشر في اليمن انشط فروع الشبكة المتطرفة في العالم. ونفذ تنظيم القاعدة سلسلة من عمليات اطلاق النار والتفجيرات التي استهدفت الاجانب في السعودية ما بين العامين 2003 و2006. واعلنت منظمة العفو ان بياناتها تفيد عن تنفيذ 151 حكما في 2015، مقابل تسعين حكما العام 2014. واشارت الى ان هذا الرقم هو الاعلى منذ العام 1995، حينما اعدم 192 شخصا، بحسب المنظمة نفسها التي اوضحت ان عدد احكام الاعدام المنفذة سنويا منذ ذلك الحين نادرا ما تخطى التسعين اعداما. وتعاقب السعودية بالاعدام جرائم الاغتصاب والقتل والردة والسطو المسلح وتجارة المخدرات وممارسة السحر.

جبهة النصرة

الى جانب ذلك بثت جبهة النصرة في سوريا رسالة صوتية تنعي فيها نائب زعيم تنظيم القاعدة مما يؤكد على العلاقة الوثيقة بين التنظيم والجبهة ويفند على ما يبدو تقارير أفادت بأن الجبهة قد تنشق عن التنظيم العالمي. والنصرة هي جناح القاعدة في سوريا لكن مصادر مقربة من الجبهة وفي داخلها قالت إنها تبحث النأي بنفسها عن التنظيم حتى يمكنها الحصول على تمويل من عدد أكبر من المانحين.

وفي الرسالة الصوتية التي نشرت على موقع يوتيوب نعى أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة ناصر الوحيشي الذي قتل في قصف أمريكي باليمن وحث أتباعه على التحلي بالأمل ونصح خليفة الوحيشي على توخي الحذر. وجبهة النصرة من أقوى الجماعات التي تقاتل الرئيس السوري بشار الأسد. ويتابع دبلوماسيون غربيون عن كثب تصرفات الجبهة وولاءاتها الدولية فيما تحاول إظهار نفسها أمام العرب على أنها حركة وطنية سورية. بحسب رويترز.

وأصبح الوحيشي الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عام 2013 وكان زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وقال الجولاني في الرسالة الصوتية "استعمل النشاط في أمرك ولا تأمن لعدوك واستعمل الحذر فإن القائد لا يكون إلا على حذر." وكان الوحيشي مقربا من أسامة بن لادن الزعيم الراحل للقاعدة في السنوات التي سبقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001 في الولايات المتحدة.

ويشكل مقتل الوحيشي ضربة للشبكة المتطرفة العالمية سيما انه كان الرجل الثاني فيها، ما يصب في مصلحة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش". الا ان هذا الحدث وبالرغم من اهميته لا يخفف من الخطر العالمي الذي يمثله التيار الجهادي بحسب الخبراء. ووصف البيت الابيض مقتل الوحيشي بانه "ضربة قوية لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، اخطر فروع القاعدة، ولتنظيم القاعدة بشكل اوسع".

ويجمع خبراء كثر على ذلك، خصوصا ان رجلين اساسيين آخرين في التنظيم المتحصن في اليمن قتلا بضربات نفذتها طائرات اميركية وهما منظر التنظيم ابراهيم الربيش ونصر الانسي الذي تبنى باسم التنظيم الهجوم على صحيفة شارلي ايبدو الباريسية الساخرة. كما يشكل مقتل الوحيشي بحسب المحللين ضربة للقاعدة على المستوى العالمي اذ شغل منذ 2013 منصب نائب زعيم القاعدة ايمن الظواهري الذي خلف اسامة بن لادن.

وكان الوحيشي يقوم بحسب الخبراء بالتنسيق بين الفروع المختلفة للقاعدة في ما يتعلق بالتوجيهات "العملانية". وعلى مستوى المنطقة، صب اضعاف القاعدة خلال السنوات الاخيرة في مصلحة تنظيم داعش لاسيما في العراق وسوريا. وحتى في اليمن، تبنى تنظيم داعش عمليات في هذا البلد، وهو يسعى لاستقطاب مزيد من المقاتلين. وقال استاذ الشؤون الاسلامية في جامعة تولوز الفرنسية ماتيو غيدير "كلما اضعفت القاعدة، ازداد التحاق المقاتلين المتطرفين بداعش وفي المقابل، كلما استهدف تنظيم داعش سيكون هناك عودة للمقاتلين الى القاعدة". وبالتالي، رأى غيدير ان مستقبل القاعدة "متعلق بمصير تنظيم داعش".

وفي هذا الاطار، يشكك خبراء في تاكيدات الادارة الاميركية بان مقتل الوحيشي "يزيل من ساحة المعركة قائدا ارهابيا محنكا، ويقربنا من اضعاف وهزيمة هذه الجماعات". وقالت مجموعة صوفان التي تقدم تحليلات استراتيجية حول الشؤون الامنية ان مقتل الوحيشي "سيزيد من مشاكل القيادة" في القاعدة، وهي مشاكل "تصبح اكثر وضوحا كلما ازداد صعود داعش في الاعلام وعلى ارض المعركة".

واعتبرت المجموعة ان "القاعدة مهددة بان تصبح تجمعا مبهما لمجموعات محلية" ما يشكل "تحديا للبنلادنية" بعد مقتل اسامة بن لادن في عملية اميركية في باكستان. الا ان الفرع اليمني للقاعدة لن يكون امام مشاكل كبيرة في الوقت الراهن ولو ان مقتل القياديين الواحد بعد الآخر يطرح تساؤلات حول مدى انتشار الاعضاء العملاء للمخابرات الاميركية. وقال المحلل اوليفييه غيتا المتخصص في الشؤون الجيوسياسية ان القاعدة في اليمن متجذرة بقوة "مقارنة مع الفروع الاخرى للقاعدة"، و"يمكن للتنظيم ان ينتعش مجددا ولو ان مقتل الوحيشي يشكل ضربة".

واستفادت القاعدة من ضعف السلطة المركزية وانعدام الاستقرار وعززت حضورها بشكل خاص في جنوب اليمن وشرقه. وتستفيد القاعدة في اليمن ايضا من العلاقات مع قبائل سنية ومن الطبيعة القبلية للمجتمع عموما. وقد حسم التنظيم بسرعة مسالة خلافة الوحيشي مع تعيين قاسم الريمي زعيما جديدا لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب. وقال ماتيو غيدير ان القاعدة في اليمن "باتت قوة من بين عدة قوى في المعسكر السني" وباتت ايضا تعتبر "معتدلة، وبالتالي يمكن التعامل معها، مقارنة ببربرية تنظيم داعش".

من جهة اخرى قال سكان إن مقاتلي تنظيم القاعدة في اليمن أعدموا سعوديين اتهما بالتجسس لصالح الولايات المتحدة بعد اتهامهما بزرع رقائق تتبع مكنت من قتل زعيم التنظيم في هجوم يشتبه أن طائرة أمريكية بدون طيار. وقال سكان إن تنظيم القاعدة اتهم الرجلين بزرع رقائق تتبع حددت بدقة موقع العديد من قادة القاعدة الذين قتلوا في الشهور الاخيرة ومن بينهم زعيم التنظيم ناصر الوحيشي. وأظهرت لقطات وضعها على مواقع التواصل الاجتماعي مؤيدو تنظيم القاعدة متشددين مسلحين على شاطئ وهم يحملون رايات ويحيطون برجلين معصوبي العينين على الرمال.

وقال ساكن كان موجودا على الشاطئ "أعدموا سعوديين يدعيان المطيري والخالدي. أوقفا الرجلين عند كورنيش مدينة المكلا.. وفتحوا النار عليهما أمام حشد كبير من السكان." وطلب عدم نشر اسمه لأمنه الشخصي. وفي وقت لاحق صورت جثة رجل مربوط بلوح من الخشب ومعلق من جسر أسفل لافتة كتب عليها بيت سعود يوجه الطائرات الامريكية لقصف المجاهدين. وفي وقت لاحق أبلغ سكان عن ان طائرة بدون طيار يشتبه انها أمريكية قصفت فندقا في المكلا يستخدمه متشددو القاعدة مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص. بحسب رويترز.

وتستخدم السعودية شبكة من العلاقات القبلية والاسرية لاختراق تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في اليمن وساعدت معلومة من الرياض في احباط هجوم انتحاري مزمع على طائرة فوق ديترويت في عام 2009 . وتعمل القاعدة في جزيرة العرب علانية في المكلا عاصمة محافظة حضرموت في جنوب شرق اليمن منذ سيطرتها على المدينة قبل بضع اسابيع مستفيدة من الفوضى السياسية والعنف المستمرين منذ شهور.

وثائق لابن لادن

على صعيد متصل أظهرت وثائق صودرت في غارة عام 2011 على مكان اختباء أسامة بن لادن في باكستان أن زعماء تنظيم القاعدة كانوا يشعرون بقلق متزايد من وجود جواسيس بينهم وطائرات تجسس بدون طيار وأجهزة تتبع سرية تنقل تحركاتهم مع استمرار الحرب التي تقودها الولايات المتحدة عليهم. وقال مسؤولون بالمخابرات إن أغلب الوثائق وعددها 113 وثيقة التي عثرت عليها أجهزة المخابرات وترجمتها وأتاحتها يرجع تاريخها للفترة من 2009 إلى 2011.

وتظهر الوثائق -وهي الدفعة الثانية التي يفرج عنها من الوثائق التي صودرت في الغارة منذ مايو أيار 2015- أن تنظيم القاعدة كان يبدو مصمما على مواصلة الجهاد العالمي لكن الدوائر الداخلية لقيادته في باكستان وأفغانستان كانت تتعرض لضغوط على عدة جبهات. وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن غارات بطائرات بدون طيار وعمليات مكافحة إرهاب أخرى استنزفت القيادة الأصلية للقاعدة وتوجت بقتل بن لادن في غارة نفذتها قوات أمريكية يوم الثاني من مايو أيار عام 2011. وفي السنوات التالية بدا التنظيم صامدا من أفغانستان إلى شمال أفريقيا ونما منافسه تنظيم داعش وانتشر.

وفي إحدى الوثائق أصدر بن لادن توجيهات لأعضاء في التنظيم يحتجزون رهينة أفغانيا بالتحسب لاحتمال وجود جهاز تتبع مرفق مع مبلغ الفدية. وقال بن لادن في خطاب لأحد مساعديه عرف باسم الشيخ محمود "من المهم أن تتخلص من الحقيبة التي تتسلم فيها الأموال لاحتمال أن تكون تحمل شريحة تعقب." وفي إشارة فيما يبدو لطائرات أمريكية مسلحة بدون طيار تحلق في السماء قال بن لادن إنه يتعين على مفاوضيه عدم مغادرة منزلهم المستأجر في مدينة بيشاور الباكستانية "إلا في يوم غائم".

ولا تحمل هذه الوثيقة تاريخا لكن الرهينة الدبلوماسي الأفغاني عبد الخالق فراحي كان محتجزا من سبتمبر أيلول 2008 إلى أواخر 2010. ويقول مسؤولون بالمخابرات الأمريكية صرح لهم بمناقشة المواد قبل نشرها إن وثيقة أخرى تظهر أن تنظيم القاعدة أعدم أربعة من المتطوعين المحتملين للاشتباه في أنهم يتجسسون عليه لكنهم اكتشفوا أنهم أبرياء على الأرجح. وورد في الرسالة غير المؤرخة وغير الموقعة "لم أقل ذلك لتبرير ما حدث... نحن في معركة مخابرات والبشر بشر ولا أحد معصوم من الخطأ."

وفي 11 مايو أيار عام 2010 حث بن لادن في خطاب للرجل الثاني في التنظيم في ذلك الوقت عطية عبد الرحمن على توخي الحذر في ترتيب لقاء مع أحمد زيدان الصحفي بقناة الجزيرة الإخبارية مؤكدا على أن الولايات المتحدة ربما تتعقب تحركاته من خلال أجهزة مزروعة في معداته أو عن طريق الأقمار الصناعية. وكتب يقول "يجب أن تأخذ في الاعتبار احتمال -أيا كانت ضآلته- أن الصحفيين يمكن أن يكونوا تحت مراقبة لا يمكننا ولا يمكنهم إدراكها سواء على الأرض أو عبر الأقمار الصناعية."

وأظهرت الوثائق أنه حتى بعد تعرض تنظيم القاعدة لضغوط متزايدة كان بن لادن ومساعدوه يخططون لحملة إعلامية في الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 على نيويورك وواشنطن . فوضعوا استراتيجية دبلوماسية وأدلوا بآراء عن التغير المناخي والانهيار المالي في الولايات المتحدة. وفي خطاب غير مؤرخ موجه "للشعب الأمريكي" وبخ زعيم التنظيم أوباما لفشله في إنهاء الحرب في أفغانستان وتنبأ بدقة بفشل خطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي يوم 28 ابريل نيسان عام 2011 قبل أربعة أيام من مقتله كان بن لادن يحرر رسالة كتبها عن ثورات الربيع العربي. وحث قادة التنظيم كذلك على شن المزيد من الهجمات على الولايات المتحدة. وجاء في رسالة كتبها بن لادن فيما يبدو لناصر الوحيشي زعيم فرع التنظيم في اليمن "نحتاج لتوسيع نطاق عملياتنا وتطويرها في أمريكا وألا نقصرها على تفجير الطائرات." وقال أحد المسؤولين البارزين بالمخابرات طلب عدم نشر اسمه إن بن لادن "كان مازال يفكر في خطط كبيرة نوعا ما ومازال... يحاول استعادة انتصاره في 11-9." وأضاف "لكنه كان غير مدرك للقدرات الفعلية لتنظيمه."

وكشفت الوثائق الضغوط المتعلقة بإدارة الشبكات الخارجية للتنظيم ومنها تحديد القيادات القادرة وإيجاد موارد لتمويل العمليات في الخارج. وأقر أحد مساعديه الذي وقع مذكرة مؤرخة في عام 2009 بعبارة "حبيبك عطية" بمشكلات تتعلق باستبدال قائد لعمليات خارجية قائلا إن بعض أفضل المرشحين ماتوا. وكتب يقول "هناك أخوة ربما يكون أحدهم مناسبا في المستقبل ولكن ليس الآن."

وعادت المخاوف من أجهزة تعقب تطفو على السطح مرارا في كتابات التنظيم. وربما كان لهذه المخاوف أساس لأن الولايات المتحدة تجري مراقبات إلكترونية مكثفة على تنظيم القاعدة وجماعات إسلامية أخرى. وكتب أبو عبد الله الحلبي -الذي عرفته الخزانة الأمريكية بأنه اسم يستخدمه محمد عبد الله حسن أبو الخير زوج ابنه بن لادن- في خطاب إلى "أخي المحترم خالد" عن اعتراض رسائل "جواسيس" في باكستان قال إنهم سيسهلون شن غارات جوية على عناصر للقاعدة عن طريق وضع شرائط أشعة تحت الحمراء على السيارات يمكن رؤيتها بمعدات الرؤية الليلية.

وفي خطاب آخر كتب بن لادن موقعا بكنيته أبو عبد الله معبرا عن قلقه من زيارة زوجته لطبيب أسنان أثناء تواجدها في إيران خوفا من أن يكون قد زرع شريحة تعقب في حشو أحد ضروسها. وكتب يقول "حجم الرقيقة بطول حبة قمح وبعرض قطعة رقيقة من الشعرية." وأنهى الخطاب بهذا التوجيه "برجاء تدمير هذا الخطاب بعد قراءته."

كما كشفت خطابات خاصة بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل ووثائق أخرى عن خططه لتقسيم 29 مليون دولار على الأقل من أمواله وممتلكاته بعد وفاته وأنه طلب أن تستخدم أغلب هذه الأموال في مواصلة الجهاد العالمي. ووصف مسؤولو مخابرات أمريكيون أحد هذه الخطابات بأنه ربما يكون الوصية الأخيرة لبن لادن. وفي وثيقة كتبت بخط اليد ويعتقد مسؤولو مخابرات أمريكيون أن بن لادن كتبها في أواخر التسعينيات شرح المتشدد السعودي رغبته في كيفية توزيع نحو 29 مليون دولار كانت لديه في السودان.

وأوصى بن لادن بتخصيص واحد بالمئة من المبلغ لمحفوظ ولد الوليد وهو مسؤول كبير في تنظيم القاعدة كان يلقب باسم أبو حفص الموريتاني. وقال بن لادن في خطابه إن ولد الوليد حصل بالفعل على ما يتراوح بين 20 و30 ألف دولار من هذا المبلغ وإنه وعده بمكافأته إذا حصل على المبلغ من الحكومة السودانية. وعاش بن لادن في السودان كضيف رسمي لمدة خمس سنوات حتى طلب منه مغادرة البلاد في مايو أيار 1996 تحت ضغوط من الولايات المتحدة. وتحتوي الوثيقة على وصية أخرى بتخصيص واحد بالمئة من المبلغ لمساعد آخر وهو المهندس أبو إبراهيم العراقي لما قدمه من مساعدة لتأسيس أول شركة لبن لادن في السودان والتي تعرف باسم شركة وادي العقيق. بحسب رويترز.

وحث بن لادن أقاربه المقربين على استخدم ما تبقى من أموال له في السودان في دعم الجهاد. وحدد حصصا بالريال السعودي والذهب لتوزيعها على أمه وأحد أبنائه وإحدى بناته وأحد أعمامه وأبناء عمه وخالاته. وفي خطاب بتاريخ 15 أغسطس آب 2008 طلب بن لادن من أبيه أن يعتني بزوجته وأطفاله في حال وفاته أولا. كما طلب من أبيه أن يسامحه إذا كان قد اقترف ما لا يرضيه.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي