مستقبل ليبيا.. التقسيم أم داعش؟

عبد الامير رويح

2015-12-19 10:47

التدهور الأمني وحالة الفوضى التي تعيشها ليبيا بسب الصراع الداخلي على السلطة سمحت وكما يرى بعض الخبراء، لجماعات متطرفة بينها تنظيم داعش بان يكون لها موطئ قدم في هذا البلد الغني بالنفط، حيث عمد هذا التنظيم الارهابي الى الاستفادة من مجريات الاحداث والعمل على بسط نفوذه وتحقيق أهدافه في هذا البلد المهم، هذا التوسع الميداني للتنظيم اثار مخاوف المجتمع الدولي ودول المنطقة التي تخشى ان يقوم تنظيم داعش باستنساخ تجربته في سورية والعراق، الامر الذي دفع بعض الجهات الى التحرك من اجل ايجاد حلول سريعة لإخراج ليبيا من هذه الازمة، والعمل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين وحيث يتطلع المجتمع الدولي إلى إنهاء الصراع المتواصل على الحكم منذ عام ونصف العام، عبر توحيد السلطتين، السلطة المعترف بها دوليا في الشرق، والسلطة الموازية لها في العاصمة والمناطق الغربية، عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية تلقى مساندة دولية في مكافحة التنظيمات المتطرفة والهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.

ويرى بعض الخبراء ان مثكل هكذا اتفاق مهم سيسهم بأفشال خطة تمدد تنظيم داعش في ليبيا، الذي رسخ وجوده في مدينة سرت المحورية على الساحل الليبي، وباتت مركزاً لانطلاق داعش للسيطرة على مزيد من الأراضي الليبية وخصوصا المناطق الغنية التي قد توفر موارد مالية كبيرة، من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان هذا الاتفاق وعلى الرغم من أهميته الكبيرة ربما لن يستمر طويلا ولأسباب متعددة، اهمها غياب الحس الوطني لدى بعض الجماعات والقوى يضاف الى ذلك تدخلات القوى والاطراف الخارجية التي وظفت ومولت قوى الإرهاب والتطرف من اجل تحقيق مكتسبات خاصة.

اتفاق ومعارضة

وفي هذا الشأن وقع أطراف الأزمة الليبية برعاية أممية وكما تنقل بعض المصادر، اتفاقا لتشكيل حكومة وفاق وطني في الصخيرات المغربية. وينص الاتفاق المزمع توقيعه على تشكيل حكومة وحدة وطنية سبق وأن اقترحت بعثة الأمم المتحدة تشكيلتها، لتقود مرحلة انتقالية من عامين تنتهي بانتخابات تشريعية. وقد وصف المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، توقيع الاتفاق السياسى بين الأطراف المتنازعة في ليبيا بـ"التاريخى". وكان أكثر من 80 عضوا بمجلس النواب قد وصل لمدينة الصخيرات المغربية من أجل المشاركة في مراسم التوقيع النهائي على الاتفاق السياسي، كما وصل العشرات من المؤتمر الوطني للصخيرات .

ويأتي الاتفاق ثمرة لعام من المفاوضات، في وقت تشهد فيه ليبيا تمددا للجماعات المتطرفة على أراضيها، وعلى رأسها تنظيم داعش الذي يسيطر على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) ويسعى للتمدد في المنطقة المحيطة بها التي تضم حقول نفط رئيسية. من جانبه اعتبر رئيس المؤتمر الوطني العام، نوري أبو سهمين، أن توقيع الاتفاق السياسي بالصخيرات، الذي ترعاه الأمم المتحدة "باطل وخارج إطار الشرعية".

وأوضح أبوسهمين "إن من لم يفوض، ولم يمنح أي تفويض من المؤتمر بالتوقيع، سواء بالأحرف الأولى، أو بالتوقيع النهائي، أو بعقد اتفاقات، فإن الأمر يبقى دائمًا خارج إطار الشرعية". وكان أبوسهمين وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب، أكدا في مؤتمر صحفي عقب لقائهما في مالطا، أن الذين سيوقعون على اتفاق الأمم المتحدة لا يمثلون مجلس النواب، ولا المؤتمر، وأنهم يوقعون عليه بصفتهم الشخصية.

دعم عالمي

على صعيد متصل أعلنت القوى العالمية تأييدها لتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا وتعهدت بدعم اقتصادي وأمني للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد التي تعمها الفوضى والتي أصبح لتنظيم داعش موطيء قدم فيها. وأبدى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الايطالي باولو جنتيلوني ومعهما مبعوث الأمم المتحدة مارتن كوبلر تفاؤلهم حيال توقيع أغلبية ممثلي الحكومتين المتنازعتين في ليبيا على اتفاق وحدة.

ووقع ممثلو 17 دولة بينها مصر وألمانيا وروسيا وتركيا والصين بيانا مشتركا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار والتعهد بقطع أي إتصالات مع الفصائل التي لا توقع على الاتفاق. وحضر 15 ليبيا يمثلون فصائل مختلفة الاجتماع. وانقضت مواعيد محددة سابقة دون الوفاء بها وسط خلافات داخلية في الدولة مترامية الأطراف المنتجة للنفط والتي تعج بفصائل مسلحة. وجاء في البيان "نحن مستعدون لدعم تنفيذ الاتفاق السياسي وتأكيد التزامنا الثابت بتقديم الدعم السياسي الكامل لحكومة الوحدة الوطنية وكذك المساعدة التقنية والاقتصادية والأمنية وفي مجال مكافحة الإرهاب كما هو مطلوب."

وبدا كيري وجنتيلوني اللذان ترأسا الاجتماع على ثقة بأن الاتفاقية باتت قريبة وشددا على الحاجة إلى حكومة الوحدة لمكافحة التهديد المتنامي لتنظيم داعش. وقال جنتيلوني "رسالة اجتماع اليوم واضحة مضيفا "ما يهم هو استقرار ليبيا لأن هذا سيساهم بدوره في الحرب على الإرهاب." وانزلقت ليبيا بشكل أكبر في الفوضى منذ الإطاحة بمعمر القذافي قبل أربعة أعوام.

وبنحو ثلاثة آلاف مقاتل عزز تنظيم داعش تواجده في ليبيا بالسيطرة على مدينة سرت بوسط ليبيا. وهاجم التنظيم فندقا وسجنا في طرابلس وحقول نفط وحواجز أمنية عسكرية وبث تسجيلا مصورا لمقاتليه وهم يذبحون 21 مصريا مسيحيا على أحد شواطيء ليبيا. ويسمح الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة لحكومة ليبية جديدة أن تطلب مساعدة عسكرية دولية لمحاربة التواجد المتزايد للتنظيم. وتعمل الحكومة المعترف بها ومجلس النواب المنتخب من شرق ليبيا منذ العام الماضي عندما استولى فصيل آخر على العاصمة طرابلس وشكل حكومة منافسة. ويدعم كل طرف تحالفات متنافسة تتألف من المعارضين السابقين لحكم القذافي.

وينقسم كل من البرلمانين المتنافسين في ليبيا بين مؤيدين ومعارضين لاتفاق الأمم المتحدة. ويؤيد المعتدلون في المعسكرين الاتفاق ولكن مسؤولين غربيين ينحون باللائمة على رئيسي البرلمانين في عرقلة إجراء تصويت. وقال بعض ممثلي المؤتمر الوطني العام الذي يتخذ من طرابلس مقرا له إن مندوبي المؤتمر الذين حضروا محادثات روما لا يمثلون حكومة طرابلس.

وقال عبد القادر حويلي عضو المؤتمر الوطني العام إنه يرى أن الاتفاق السياسي الذي توسطت فيه الأمم المتحدة سيفشل تماما مثلما سيحدث لمؤتمر روما بعد اليوم. ويدعو اقتراح الأمم المتحدة إلى تشكيل مجلس رئاسي على أن يكون مجلس النواب هو المجلس التشريعي إلى جانب مجلس استشاري هو مجلس الدولة. وللمجلس الرئاسي أن يشكل حكومة في غضون 30 يوما من توقيع الاتفاق على أن يصدق عليها البرلمان ويدعمها قرار يصدر من مجلس الأمن التابع للامم المتحدة. وقال كيري "نحن مستعدون للاجتماع (مع حكومة الوحدة الوطنية) بسرعة لتسريع قدرتها على استلام زمام الحكم." بحسب رويترز.

وستواجه أي حكومة تحديات هائلة بسبب ما لحق بصناعة النفط من جراء الهجمات والاحتجاجات. وقد انخفض الانتاج لأقل من نصف مستواه قبل عام 2011 والذي كان يبلغ 1.6 مليون برميل في اليوم. ولا يستبعد المسؤولون الغربيون توجيه ضربات جوية من جانب واحد ضد المتشددين. وشنت الولايات المتحدة غارات جوية كما قامت فرنسا بتسيير طلعات استطلاعية. ولكن مع اعتراض معظم الغرب على نشر قوات على الأرض من المرجح أن تركز الجهود المبدئية على تدريب ومساعدة القوات المحلية.

فرنسا و ليبيا

الى جانب ذلك اكد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس وجوب "محاربة وسحق" تنظيم داعش"في سوريا والعراق وغدا على الارجح في ليبيا" حيث قام الطيران الفرنسي بطلعات استكشافية. وقال فالس لاذاعة "فرانس انتر" اليوم "نحن في حرب ولدينا عدو هو داعش علينا محاربته (...) لان لدينا مئات بل آلاف من الشباب الذين سقطوا في هذا التطرف". واشار الى ان "التهديد الارهابي" ما زال قائما بعد اعتداءات 13 تشرين الثاني/نوفمبر التي اسفرت عن مقتل 130 شخصا وجرح مئات آخرين.

وقال فالس "هناك اليوم بلا شك مقاتلون موجودون في سوريا والعراق يذهبون الى ليبيا. اذن، ليبيا هي بلا جدال الملف الابرز للاشهر المقبلة". وكان الجيش الفرنسي قام بطلعات استطلاع فوق ليبيا وخصوصا فوق معقل التنظيم في سرت ويعتزم تنفيذ طلعات اخرى بحسب معلومات نشرتها الرئاسة الفرنسية. وانطلقت الطائرات من الحاملة شارل ديغول التي ابحرت من تولون (جنوب فرنسا) ونفذت اول مهمة استطلاعية واستخبارية لها في المنطقة في 20 و21 تشرين الثاني/نوفمبر. ويتخوف الغربيون من تصاعد نفوذ تنظيم داعش في ليبيا، ما يهدد اوروبا وافريقيا بشكل مباشر لكنهم يستبعدون حاليا اي تدخل في هذا البلد. وللجيش الفرنسي قاعدة متقدمة قرب ليبيا في اقصى شرق النيجر يراقب منها تحركات الجهاديين بين ليبيا وجنوب منطقة الساحل.

في السياق ذاته حذر وزير الدفاع الفرنسي جان-ايف لودريان من خطر تدفق مقاتلي تنظيم داعش الى ليبيا، لكنه استبعد في الوقت نفسه التدخل عسكريا في هذا البلد. وقال لودريان في مقابلة مع اسبوعية "جون افريك" "نرى جهاديين اجانب يصلون الى منطقة سرت (شمال ليبيا) وهم، اذا نجحت عملياتنا في سوريا والعراق في تقليص مساحة الاراضي الخاضعة لسيطرة داعش، يمكن ان يصبحوا غدا اكثر بكثير". واضاف "هذا خطر هائل، ولهذا السبب يجب قطعا على الليبيين ان يتفقوا في ما بينهم" لوضع حد للحرب الاهلية الدائرة في هذا البلد. بحسب فرانس برس.

واذ لفت الوزير الفرنسي الى تمدد التنظيم الجهادي نحو جنوب ليبيا، اعرب لودريان عن قلقه ايضا من خطر اتصال هؤلاء الجهاديين بجهاديي جماعة بوكو حرام النيجيرية. واوضح انه في سبيل منع حصول هذا الاتصال يتعين على برلماني طرابلس وطبرق (شرق) اللذين يتنازعان السلطة في ليبيا التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة واحدة يعترف بها الجميع. واضاف "اذا جمعنا قوات طرابلس الى ميليشيات طبرق فان داعش لا يعود ذا وزن"، مطالبا ايضا الجزائر ومصر، القوتين الاقليميتين الوازنتين، بضرورة "التوافق" للضغط على طرفي النزاع.

قاعدة خلفية

من جهة اخرى وفي ظل انشغال العالم بمكافحة تنظيم داعش في سوريا والعراق، حول التنظيم الجهادي "إمارته" في منطقة سرت الليبية الى "قاعدة خلفية" يجند فيها مئات المقاتلين الاجانب ويدربهم على تنفيذ هجمات في الخارج، بحسب مسؤولين وخبراء. ويقول الخبير في الشؤون الليبية في معهد المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية ماتييا توالدو ان "القيادة المركزية" لهذا التنظيم "استثمرت في ليبيا منذ وقت طويل (...) والان بات المقاتلون الاجانب يتدفقون على سرت بدل التوجه الى سوريا". ويضيف ان معقل التنظيم في ليبيا "يتحول الى مركز الاستقطاب الرئيسي للمتشددين في المنطقة".

وتمكن التنظيم الذي يسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق من دخول مدينة سرت، مسقط راس معمر القذافي والواقعة على بعد 450 كلم شرق طرابلس في شباط/فبراير الماضي، قبل ان يفرض سيطرته التامة عليها في حزيران/يونيو اثر معارك خاضها مع قوات "فجر ليبيا" الموالية لحكومة طرابلس غير المعترف بها دوليا. واستغل الجهاديون الفوضى والاقتتال السائد في البلاد بين سلطات طرابلس التي تسيطر قوات موالية لها على معظم الغرب الليبي والقوات المستقرة في الشرق والمعترف بها دوليا، لتحويل سرت الى معقل لهم.

ويقول المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي الرائد محمد الحجازي "اصبحت سرت مقر قيادة وتحكم لاعضاء التنظيم، يجري فيها تدريب المقاتلين الجدد ونشر الفكر الداعشي". ويؤكد ضابط برتبة عقيد في القوات الحكومية رفض الكشف عن اسمه ان "مئات المقاتلين الاجانب اصبحوا في سرت والمناطق المجاورة لها، اتين من تونس والسودان واليمن خصوصا، وحتى من نيجريا، ليتدربوا، ويتجهزوا، ويستعدوا لتنفيذ هجمات في دول اخرى".

ويجد تنظيم داعش في سرت ملاذا امنا، بعيدا عن اي تهديدات جدية، الى الان، من السلطات العسكرية والامنية في البلاد التي تشهد صراعا داميا على الحكم منذ اكثر من عام. وذكرت دراسة نشرتها مؤسسة "فيريسك مايبلكروفت" التي تقدم استشارات امنية ان تنظيم داعش "يدرك ان الفوضى في ليبيا توفر له فرصة تعزيز" قدراته، معتبرة ان التنظيم "يستطيع المحافظة على وجود مهم له في ليبيا، يدعم فروعه في المنطقة كلها، طالما ان الحرب في هذا البلد قائمة".

ويقول مسؤول في المجلس المحلي لسرت يقيم في مدينة مصراته التي تبعد نحو مئتي كلم شرق طرابلس "كل شيء تغير في سرت. مسلحو داعش يتجولون فيها وكانها مدينتهم منذ وقت بعيد، الصلاة مفروضة على الجميع، الاحكام الشرعية بدات تطبق فيها، والنساء لا يخرجن الا للضرورة". ويضيف "تمر على نقطة تفتيش فيلقي عليك التحية ملثم سوداني. وعلى بعد امتار، تصادف مسلحا تونسيا، او خليجيا. كل هذا يجري والحكومة في طرابلس، وكذلك الحكومة في الشرق، تتجنبان خوض معركة تحرير هذه المدينة المنبوذة منذ نهاية الثورة"، في اشارة الى كونها مسقط راس القذافي الذي قتل في ثورة شعبية عام 2011.

ونشر التنظيم مؤخرا صورا وتسجيلات من سرت لمحلات تبيع الحلويات واللحوم، في محاولة لاظهار وتيرة حياة طبيعية في المدينة، بينما نشر ايضا اشرطة فيديو تظهر اقدام عناصره على بتر يد شخص عقابا، ساعيا من خلالها لتاكيد سطوته. ويسعى تنظيم داعش الذي يقاتل ايضا القوات الحكومية في بنغازي (الف كلم شرق طرابلس) وفي محيط درنة في اقصى الشرق الليبي، الى توسيع حدود "امارته" المتوسطية عبر التمدد نحو مدن قريبة. بحسب فرانس برس.

وبعيد سيطرته على بلدة النوفلية التي تبعد نحو 120 كلم الى الشرق من سرت، بدأ يستهدف مدينة اجدابيا على بعد 350 كلم في منتصف الطريق بين سرت وبنغازي والواقعة ضمن منطقة الهلال النفطي. وقال مسؤول عسكري كبير في القوات الحكومية في الشرق ان سلاح الجو يستهدف مواقع "للمتطرفين" في اجدابيا ضمن "خطة للحد من خطر سيطرة المتطرفين على المدينة".ورغم تمدد التنظيم في ليبيا، لا يزال المجتمع الدولي يحصر الجزء الاكبر من جهوده في مكافحة هذا التنظيم في سوريا والعراق.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا