تعرف على منابع تمويل داعش وسبل تجفيفها؟!
عبد الامير رويح
2015-12-13 10:35
مصادر تمويل تنظيم داعش الارهابي المختلفة، التي يتبعها لجمع الأموال وتمويل عملياته وفق استراتيجية واساليب خاصة، تمثل ببيع النفط والآثار وفرض الزكاة والضرائب التي اصبحت اهم مصدر بعد السيطرة على مساحات واسعة في العراق وسوريا، اصبحت اليوم وبحسب بعض الخبراء محط اهتمام واسع خصوصا بعد ان سعت العديد من قوات التحالف الدولي، الى اعتماد خطط جديدة في حربها ضد هذا التنظيم، الذي يعد أخطر تنظيم جهادي متطرف يهدد الامن والسلم الدولي، وذلك من خلال ضرب وتجفيف مصادر تمويل هذا التنظيم، الذي حصل من خلالها على استقلال مالي مكنه من توفير احتياجاته وكسب المزيد من المقاتلين، مع تجهيزهم بأفضل العدة والعتاد.
هذه التحركات والخطط وكما يقول بعض المراقبين، ربما ستسهم بالحاق الاذى بالتنظيم لكنها لن تقضي عليه كون ذلك امر صعب يحتاج الى وقت طويل وتعاون دولي كبير، خصوصا مع وجود اموال ودعم اضافي يقدم من بعض الدول والجهات، التي تسعى الى دعم هذا التنظيم من اجل تحقيق مكاسب خاصة و هو ما اكدته العديد من التقارير والمعلومات، فقد جاء في وثائق نشرتها ويكيليكس أن السعودية تشكل "المصدر الرئيسي لتمويل القاعدة وطالبان وجماعات إرهابية أخرى ومنا داعش". كما اتهم جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي في وقت سابق قطر والسعودية وتركيا بتمويل تنظيم داعش بهدف إسقاط النظام في سوريا.
من جانبه قال غونتر ماير، مدير معهد البحوث للعالم العربي في جامعة ماينز الألمانية بأنه "لا يوجد شك في أن مصدر التمويل الأساسي لتنظيم داعش جاء من دول الخليج وفي مقدمتها السعودية فقطر ثم الكويت فالإمارات". وتفيد الكثير من الوقائع والتحقيقات بأن رجال أعمال وشخصيات دينية وأغنياء يميلون إلى التطرف وجمعيات تتستر بالعمل الخيري تجمع شهريا في دول الخليج عشرات الملايين من الدولارات عن طريق تبرعات حملت شعارات تدعو إلى دعم "الجهاد في سبيل الله" ضد "الكفار" في أرض "الله الواسعة". وذكرت صحيفة "ديلي تلغراف" أيضا نقلا عن أحد مراكز الأبحاث الأمريكية عن "وجود ما لا يقل عن 20 شخصية قطرية تمول الجماعات الإرهابية بشكل بارز".
ويتم نقل الأموال التي يتم جمعها إلى الجماعات الإرهابية عبر العالم بطرق لا تثير الشبهات. ولعل أبرزها قيام رجال أعمال على ارتباط بالجهات المتبرعة بتأسيس شركات بحساب بنكي وعنوان بريدي. ويمكن إقامة هذه الشركات بشكل شرعي أو عبر صفقات فساد في الكثير من الدول وفي "الجنات الضريبية" بمختلف القارات بعيدا عن الشكوك وأعين المراقبة. ثم يأتي دور الجمعيات التي تدعي العمل الخيري، لكنها تنفق قسما هاما من أموالها على دعم متطرفين ينتمون للجمعيات الإرهابية أو يدعمونها.
قدرات مالية
في هذا الشأن أظهرت دراسة جديدة أجراها معهد "آي إتش إس" لمراقبة النزاعات، الذي مقره لندن، أن تنظيم "داعش" يحقق دخلا يصل إلى 80 مليون دولار (75 مليون يورو) شهريا. وقال "آي إتش إس"، الذي يعتمد على مصادر المعلومات المفتوحة مثل مواقع التواصل الاجتماعي ومصادر داخل سوريا والعراق، إن التنظيم، بعكس التنظيمات الجهادية الأخرى، لا يحتاج إلى الاعتماد على التمويل الخارجي نظرا للدخل الذي يحصل عليه من المساحات الشاسعة التي يسيطر عليها.
ويستمد التنظيم نحو نصف موارده من الضرائب وعمليات المصادرة، حيث يفرض ضريبة 20% على جميع الخدمات، بحسب المعهد. وأضاف أن نحو 43% من الموارد تأتي من بيع النفط، والباقي من تهريب المخدرات ومن بيع الكهرباء والتبرعات. وبحسب المحلل البارز كولومب ستراك في معهد "اآي إتش إس"، فإن "تنظيم داعش يفرض الضرائب على السكان ويصادر الممتلكات ويستطيع أن يحصل على الدخل من شركات يديرها ومن النفط والغاز، وهو ما لا تملكه التنظيمات الإرهابية الأخرى".
وبعد هجومه الكاسح في 2014 واستيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، لم يتمكن التنظيم من تحقيق نصر مماثل، وقال معهد "اي اتش اس" إن ثمة مؤشرات "أولية على أن التنظيم يجد صعوبة في ضبط ميزانيته، حيث ترد تقارير عن خفضه لرواتب مقاتليه، ورفعه لأسعار الكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية، وفرض ضرائب زراعية جديدة". وقال المعهد إن "الضربات الجوية أضعفت قدرات تكرير النفط لدى التنظيم بشكل كبير كما أضعفت قدرته على نقل النفط في شاحنات الصهريج". بحسب فرانس برس.
وقال كولومب ستراك إن التنظيم بدأ بإجبار السكان على دفع المال مقابل السماح لهم بمغادرة مناطقه، ومع تزايد الضغوط عليه، سيبحث عن طرق أخرى لجمع المال. وأضاف أن التنظيم "قد يحاول كذلك رفع أسعار الكهرباء والاشتراك في شبكات الهواتف النقالة والإنترنت وجميع أشكال الخدمات العامة التي يوفرها". وتابع: "لكن السكان يجدون صعوبة في دفع المال، وسيصبح العيش في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم أصعب على السكان".
الولايات المتحدة
على صعيد متصل قال مرشح الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمنصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة آموس هوكستاين إن الولايات المتحدة زادت قصفها لعمليات نفطية في أراض يسيطر عليها تنظيم داعش بينها التنقيب والنقل بالشاحنات ولم تعد تكتف بضرب المصافي المتنقلة. وقال هوكستاين أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ "ما رأيتموه خلال الأسابيع القليلة الماضية هو منهج يقوم ليس فقط على زيادة القصف بل على نوع مختلف من القصف." وقال الجنرال جو دانفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة في شهادة أمام لجنة أخرى بالكونجرس إن حوالي 43 بالمئة من إيرادات داعش من النفط تأثرت بفعل الغارات الأمريكية.
ويعكف فريق من مكتب هوكستاين بوزارة الخارجية على تحديد الأهداف بالتعاون مع وزارة الدفاع. وفي عمليات قصف سابقة ضد التنظيم ركزت الولايات المتحدة بشكل كبير على ضرب المصافي المتنقلة ونقاط تجميع النفط. وقال هوكستاين إن هذه الطريقة كانت منطقية في حينها لأن هذه المعدات تحول النفط لمنتجات بقيمة أعلى وإنها أثرت على الإيرادات. لكن التنظيم تعامل مع الموقف وأصلح عددا من منشآت البنية التحتية بطرق بدائية.
وقال إن الولايات المتحدة تبحث الآن في سلسلة أوسع نطاقا تشمل إنتاج النفط وتكريره ونقله بالشاحنات مضيفا أن القنابل دمرت شاحنات خلال الأسابيع القليلة الماضية. وقال هوكستاين أيضا إن الإيرادات التي يحققها التنظيم من النفط تأتي من المراحل الأولى في سلسلة التوريد. ويستغل التنظيم النفط ليس فقط للحصول على إيرادات بل لأنه يعني تشديد قبضته على ما بحوزته من أراض في العراق وسوريا.
من جانب اخر قال مسؤولان سابقان على دراية بأسلوب التفكير في إدارة أوباما إن مسؤولين أمريكيين يعتقدون أن تقليص التمويل يمكن أن يضعف قبضة التنظيم على المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا لأنه يحتاج لايرادات من أجل دفع المرتبات ومواصلة تشغيل خدمات البنية التحتية العامة. ويحذر الخبراء من أن التنظيم الذي يحكم منطقة تعادل مساحة النمسا له موارد مالية كبيرة بفضل تنوع مصادر الدخل التي يسيطر عليها.
وقال توماس ساندرسون خبير الارهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن داعش أنشأت ما يرقى إلى مستوى "محفظة مالية راسخة ومرنة" تمولها مبيعات النفط والابتزاز وكذلك مبيعات الآثار. وقال ساندرسون إن "الأموال يمكن ربطها على ظهور البغال. ومن السهل نقل أشياء عبر الحدود خلال وقت الحرمان والفوضى." بحسب رويترز.
ورغم بعض النجاح الأولي يقول خبراء إن قطع وسائل التمويل عن التنظيم يتطلب تعاونا أعمق من جانب حكومتي تركيا وروسيا. فقد أبدى التنظيم قدرته على الوقوف مرة أخرى على قدميه بعد ضربات أمريكية سابقة على منشآته النفطية. ويقول خبراء مكافحة الإرهاب إن داعش تعلمت فيما يبدو من النجاحات الأمريكية في تضييق الخناق على سبل تمويل تنظيم القاعدة الذي كان يعتمد اعتمادا كبيرا على دعم متبرعين أثرياء في منطقة الخليج. وقال ساندرسون "تعلم التنظيم أن ليس في مصلحته الاعتماد على مصادر خارجية كثيرة. فالمتبرعون متغيرون وعرضة للضغوط وهو (التنظيم) يريد أن تكون له السيطرة."
اعلنت وزارة الدفاع الاميركية ان مقاتلات اميركية قصفت ودمرت في شرق سوريا 283 شاحنة صهريجا يستخدمها تنظيم داعش لتمويل نفسه. واوضح جيف ديفيس متحدثا باسم وزارة الدفاع الاميركية ان هذه الضربات التي شنت سبقها القاء مناشير بهدف تحذير سائقي تلك الشاحنات كونهم لا يعتبرون جهاديين. وقال "حرصنا الى ابعد حد على التحرك في شكل انساني من دون التسبب بسقوط ضحايا مدنيين". من جهته، اعلن الجيش الروسي انه رصد "رتلين من الشاحنات التي تنقل النفط الى مصاف خاضعة لتنظيم داعش في محافظة الرقة" مضيفا ان طائرات سوخوي دمرت "80 الية" وقصفت مصفاة تقع على بعد 50 كلم جنوب الرقة. كما اكد تدمير خزان نفطي على بعد 50 كلم شمال دير الزور.
فرنسا وألمانيا
في السياق ذاته سعت فرنسا وألمانيا من أجل أن تعجل أوروبا بحملة على غسل الأموال وقالتا إنهما ستقترحان حزمة إجراءات جديدة للاتحاد الأوروبي لقطع التمويل عن المتشددين. وتعهدت ألمانيا بالتضامن مع فرنسا عقب هجمات 13 نوفمبر تشرين الثاني التي نفذها متشددون إسلاميون في باريس وقتل فيها 130 شخصا. وقال وزير المالية الفرنسي ميشيل سابان إن هجمات مثل تلك التي وقعت في باريس يمكن تمويلها بمبالغ ضئيلة قد تتراوح بين 10000 و30000 يورو وإن البطاقات المصرفية المدفوعة مقدما وسيلة سهلة للتمويل.
وأضاف للصحفيين عقب اجتماع مع نظيره الألماني فولجانج شيوبله "يجب أن نحارب كل شكل من أشكال الغموض في تدفقات التمويل" مضيفا أن هذا يتضمن التعامل مع نقل النقود والمعادن النفيسة عبر الحدود. ويريد الوزيران أيضا توسيع قواعد مكافحة غسل الأموال لتشمل تجارة القطع الفنية نظرا لأن بعض مبيعات داعش من الفنون المسروقة تجرى مع مستثمرين أوروبيين. بحسب رويترز.
وقال سابان إنه لا يزال من الضروري تدمير منشآت انتاج النفط التي يسيطر عليها التنظيم ويجني منها إيرادات. ويخطط سابان وشيوبله للضغط من أجل تنفيذ توجيه من الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة غسل الأموال في التشريعات الوطنية لجميع دول الاتحاد قبل حلول موعد نهائي في منتصف 2017. وقال سابان "ينبغي أن يمضي هذا قدما بسرعة أكبر."
ودفعت الهجمات التي شهدتها باريس كما تنقل مصادر اخرى، المجتمع الدولي إلى التفكير بخطوات جديدة في إطار معركة تجفيف مصادر تمويل تنظيم داعش، وسط دعوات لتشكيل جبهة دولية موحدة في هذا الإطار. وتقول مصادر دبلوماسية إن “المجتمع الدولي ومنذ هجمات باريس، يمضي قدماً في مهاجمة المحفظة المالية لتنظيم داعش، بضرب أنشطته النفطية، والقضاء على رجاله الماليين، ومن خلال تعبئة ثلاث جبهات دبلوماسية لخنقه مالياً، وهي: مجموعة البلدان الـ20، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
وتضيف المصادر أنه بعد يومين من هجمات باريس، التقى قادة أكبر الاقتصاديات العشرين في العالم، في تركيا. وقد منحوا تفويضاً لمجموعة العمل المالي (FATF) -التي كانت حتى تلك اللحظة متخصصة في مكافحة التهرب الضريبي- للعمل على تجفيف التدفقات المالية المتعلقة بالإرهاب. وتشير المصادر إلى أن هذه الهيئة التي تضم 34 بلداً وإقليماً، دعت لعقد اجتماع في باريس، لمعالجة مسألة تمويل الإرهاب، وإيجاد السبل للضغط على الدول التي لم تتخذ التدابير الكافية بعد.
وتقود باريس جهوداً داخل الإطار الأوروبي ، بشأن المعركة على مصادر تمويل داعش، حيث طرح وزير المالية الفرنسية، ميشيل سابين، هذه القضية أمام مجلس وزراء المالية الأوروبيين. وتطالب فرنسا بـ”انتقال أوروبا من مرحلة الانفعال إلى مرحلة العمل، داعية إلى شروط أكثر صرامة في استخدام بطاقات الائتمان المدفوعة مسبقاً في أوروبا. كما تدعو باريس الاتحاد الأوروبي إلى “التعجيل بشكل كبير في تنفيذ أحدث توجه أوروبي لمكافحة غسل الأموال.