نساء في زمن داعش

مروة حسن الجبوري

2015-08-15 06:28

جاء الشتاء على غير عادته، حاملا معه الهموم والاحزان، شتاء هذه السنة مختلف عن باقي السنين من حيث البرودة وفقدان الدفء، البعض يشكو من البرد والبعض الاخر يشكو من فقدان من كانوا معه، وبين الحالتين هنالك من يشكو من التهجير والموت وفقدان الاب والاخ والزوج، مع كل هذه الازمات وشدة البرد وقلة الدفء تعيش اغلب العوائل العراقية تحت أيدي العصابات الإجرامية، وما تفعله بهم من قتل وتهجير وذبح الابناء، فما مصيرهم وهم يعانون كل هذه الظروف والازمات التي بات الحديث عنها لا يقدم ولا يؤخر؟

قصتي عن أم افيان امرأة عراقية مهجّرة لها اربع اولاد من الاقلية اليزيدية، هي حالة من الآلاف من الحالات التي تعيش في مخيمات اللاجئين وهم في بلادهم، ام افيان تروي لكم قصتها وهي على وشك الانهيار وفقدان الوعي، تعيش في منطقة جنوبية بعدما كانت تسكن احدى المحافظات الساخنة تقص عليكم قصتها: انا عراقية الاصل ولي حق في هذا الوطن كباقي العراقيين من الجنوب الى الشمال، أنتمي الى الطائفة اليزيدية، متزوجة ولي اربعة اولاد، كنا نعيش في امان تحت خيمة الوطن، تجمعنا الاخوة في منطقة صغيرة لكنها كبيرة في احضانها. حيث الاهل والجيران نتبادل الاعياد ونحتفل بهم ويحتفلون بنا، نتفقد المرضى ولا نسأل عن دياناتهم ولا يسألوننا عن ديننا، سرعان ما اختفى كل شيء ومات من لا يستحق الموت وعاش من لا يستحق الحياة، صحوت على اصوات القتال والرصاص! لم اكن اتوقع لماذا كل هذه الاصوات؟؟ ماذا هناك؟؟ الاطفال يصرخون والرجال يهرولون، اطفالي كانوا يبكون خائفين من الصوت... اصوات الرصاص تعلو وتعلو.. على اصوات اطفالي، زوجي لم يعد يتحمل فالموقف صعب، وعليه ان يحمي البيت وان يحمي اطفالي خرج ليرى ماذا يحصل.

ساعة واحدة دخلوا وهم يحملون رأس زوجي ويرمونه على سطح الدار، اخذت ارتجف واصرخ واطفالي يتمسكون بي اصواتهم خائفة كانوا يقولون لهم. اخرجوا ايها الكفار، اخرجوا ايها الكفار، دخلوا داري وهم يرتدون ملابس سوداء تشبه وجوههم، يحملون السيوف. ربطوا يديّ بالحبال واطفالي يتمسكون بي اكثر فاكثر، عندي طفل رضيع عمرة سبعة شهور، آه يا طفلي، تركوه وحده في الدار عندما اسرونا انا واطفالي الثلاث، اخذونا الى مكان بعيد نسير على الاقدام والضرب والشتم يرافقنا، كنت اسمعه عند الطريق ساعة اسمع طفلي ( اليان ) يبكي من شدة التعب والجوع، فهو صغير يبلغ ثلاث سنوات، والمسافة طويلة وأقدامه جديدة على المشي، ولم يلبس حذاءه في قدمه، كنت اقول له اصبر يا (اليان) المسافة قربت لا تخف سأعطيك حلوى هيا اسرع.

ما أن يسكت الطفل الاول حتى يسقط الثاني من الضرب، كانت رحلة عذاب صعبة ولا تتوقعون شدة عذابها وحرقتها في قلبي، طفلي الآخر كان مصابا في يده وطول الطريق كان ينزف ولا أحد يضمد جرحه او حتى يشد عليه.

اما (افيان) ابنتي هنا تأخذ الحسرات والدموع تجري وتقول اسمها (افيان) تبلغ من العمر 13 سنه شقراء، بيضاء في لونها، جميلة، الكل في المنطقة هكذا يصفها. منذ اخرجونا من البيت لم ارَ ابنتي، سألت عنها احد المجرمين من الذين كانوا يمشون معنا، ارجوك اقسم عليك بدينك اين ابنتي؟؟.

اجابني بعصا على ظهري. وقال لي ان ابنتك سيأخذها الامير هدية له وبعدها يتبرع بها (جهاد النكاح ) الى الجنود !!!

رده كان صفعة على خدي؟؟ ماذا تقول اين ابنتي؟ أليس لديك أخوات؟ عرض؟ ابنتي؟؟.... بعد ما صرخت وبكيت أغمي عليَّ لساعات طويلة وفقدت الذاكرة، فصوت ابنتي.. لا يزال في ذهني.

صحونا، وجدنا أنفسنا في منطقة صحراء، وسيوفهم مسلطة علينا، يصرخون تكبير... تكبير، حضر مجموعة من شيوخهم وسألونا بعض الاسئلة، من هو ربكم؟...ماذا تعبدون؟؟ كيف تصلون؟ من هو نبيكم؟؟؟ لم اقل لهم أي شيء.... فهم لا يقتنعون بجوابي ولا يصدقوني!

أجابت احدى النساء التي كانت معي وقالت لهم اني يزيدية وهذه ديانتي التي اعرفها، كان مصيرها الذبح ورميت جثتها في حفرة كانت مملوءة بالجثث، الامر لا يخفى عليكم، طريقة الموت بشعة جدا، واحيانا تكون كذبح الحيوانات، واحيانا بالحرق كما رأيت.

بعد ساعات من التحقيق معنا قرر مسؤول معهم ان يتركنا لساعة واحدة، وبعدها يتم تنفيذ الحكم علينا، اخذت افكر ماذا سيكون الموت؟؟؟ اولادي ماذا يفعلون بهم؟ ابنتي؟؟ هنالك اصوات في داخلي ترتفع وتضج. لكن لا حياة لمن تنادي.

فجأة سمعت صوت صراخ ومشاجرة عالية جدا، كانت واقعه بين والي وبين احد شيوخهم؟ فهم يتقاسمون الغنائم والفتيات، أيهنَّ اجمل، ولهذا السبب حصلت المشاجرة، وفي هذه الاثناء دخل مجموعة من الفتيات أسارى معنا، اخذت ادعوا لعل ابنتي معهم. رائحة ابنتي قريبة مني، اخذت أتأكد لعلي اكون مخطئة او فقدت عقلي، لا.. هي.. هذه رائحة ابنتي. افيان. افيان ابنتي؟، الشجار مازال مستمراً بينهم، حول من يحكم هذه القرية، كنا في مكان لا اعلم اين؟ تل من التراب والاوساخ ورائحة الجثث تفوح من ذاك المكان، فأنت لا تعلم ما هو مصيرك، أما الذبح او الحرق او الاغتصاب، أبشع صور الموت هو انتظاره، مرت ايام طويلة ونحن نجلس لا احد يتكلم، الكل خائفون يرتجفون، البعض يحضن أطفاله، البعض يودع الاخر، أما انا فكنت على يقين ان ابنتي معي داخل هذا المكان، إنني أشم رائحتها؟ أطفالي فاقدي الصواب، أحدهم فاقد الوعي من شدة النزف، والاخر نائم لا يصحو، لعلة يكون حلما ويفيق على فراشه ويلاعب والده!!.

الكل يحلم ولكن الحلم شيء والحقيقة شيء آخر، في هذه الاثناء وفي صباح ذاك اليوم، سمعنا اصوات الطائرات؟ لمن هذه الطائرات لا نعلم، صوتها كانت قريبا نوعا ما، نستطيع ان نسمعه.. حدثت ضجة قوية، فكل الذين كانوا موجودين هنا، أخذوا يوزعون السلاح الثقيل ويزرعون المتفجرات والكل مشغول، لا احد يعرف احد، والاتصالات كانت مستمرة، كل اليزيدين والمخطوفين فرحوا عندما سمعوا اصوات الطائرات لعلهم ينجون من الموت! اخذ واحد يبلغ الثاني لا تخف الجيش وصل سيساعدوننا، الجيش.. وصل.. حتى أفراد الحراسة الذين كانوا علينا انشغلوا في التخطيط وكيف يمنعون الجيش من التقدم لهم؟ مرة اخرى سمعنا اصوات طائرات لكن هذه المرة كانت قريبة، لا توصف فرحتي في وقتها، الهي شكرا...الكل يردد الكل يدعو.. بدأوا ينسحبون من التل، تركونا مع ثلاثة من الحراس المفخخين وانهزموا القادة الكبار حتى الشيخ الذي كان يخطب ويشجعهم انهزم. رأيتهم كالجرذان القذرة، واخذوا ينهزمون في سياراتهم التي اتوا بها من بلادهم؟ رجع اليأس يسيطر عليَّ، فالموت لا محال منه اما نقتل او يفخخونا، رجعت الى الوراء فاقدة الامل، ارتعش من الخوف، اتعثر بأحزاني وعبرتي تسندني، لا شيء سوى الموت كفى، صوتي كان مرتفعا جدا، قلت لهم اقتلوني لا اريد ان ارى جثث اطفالي مبعثرة في الهواء، لا اريد ان اراهم مقطعين لا.. صرخت كثيرا واثناء صراخي بدأ اول قصف للطائرات، فكان صوت القصف قريب جدا، الحرس تركونا واخذوا يقاومون الجيش في القتال، المعركة طويلة فهم يتقدمون خطوة، يرجع الجيش وترجع خطوة، يتقدم الجيش ويقصف، ساعات من القتل والتحرير، حتى قتل احد الحراس الموجدين في اعلى التل.

هنا بدأنا في الهروب من التل، حملت طفلي المصاب وطفلي الثاني بين يدي وانا احاول ان انزل من هذه التلال، الكل ينزل منها، كان حالنا عجيبا، احدنا يمسك بيد الثاني، وينزل من التلال، لا نعرف هل هو رجل او امرأة، المهم هو النزول، مات الحرس الثاني برصاص الجيش العراقي، جاؤوا إلينا بسيارات وصعدوا إلينا كي ينزلونا، الاطفال وكبار السن، يأخذوهم في الطائرات، والشابات والنساء ينزلون بحماية الجيش، رأيتهم يحملون النساء ويحملون الاطفال، حاصروا المنطقة بالكامل، طائرات وجيش ومدرعات عسكرية، وجمع من الحشد الشعبي، حملوا اطفالي في طائرة وقالوا لي انزلي مع فلان اطفالك في امان، عندما كان ينزلني رأيت على يده راية خضراء، ويقول ياعلي ياعلي.. هذه الكلمات كان يرددها، وهو يحاول مساعدتي، وانا منهكة من التعب والضرب، قلت معه، ياعلي.

وصلت الى الاسفل، الحمد الله اخي شكرا لك، انني لا اعرف كيف اشكركم، بين الموت وبيننا دقائق، حفظك الله. سألته: من هو علي الذي كنت تردد اسمه؟ وانت تساعدني. فأجابني وهو يشير الى الراية الخضراء: ان علي يحضر في وقت الشدة والساعة الصعبة، فقط قولي ياعلي. سألته: اين اطفالي؟. قال لي: أولئك هم يجلسون في تلك السيارة، تستطيعين ان تذهبي لهم. ركضت الى اطفالي وسقطتُ من التعب والجوع.

يا الله كم انت رحيما رحمت بنا، رأيت اطفالي يجلسون ويأكلون الخبز، وطفلي المصاب قد ضمدوا له الجرح، لكن المفاجأة كانت إمرأة تغطي رأسها بشعرها وتجلس جلسة الايتام، فاردة الشعر، هزيلة الجسم، سألت احد الجنود الابطال، هذه من اهلها؟ ألم ينزلوا بعد؟. نظر لي وقال هذه كانت مع الشابات المخطوفات بعد إلقاء القبض على الحارس الثالث، وهو يرتدي الحزام الناسف! اين الباقي الفتيات لدي ابنة معهم هل رأيتها، اين هنَّ الان؟ وانا استرسل بالاسئلة للجندي. رفعت ابنتي رأسها وقالت انا هنا !!!!.

امي انا افيان.. امي.. الكل يبكي....

بعد كل ما جرى التقت افيان بوالدتها بين الاحضان ودموع الفرح، هنالك دمعة تخفي كل الاوجاع باقية في العين تعيد ما جرى وتحتضن ما بقى. احتضنتُ ابنتي كانت علامات الضرب واضحة عليها. قلت سيدي. ياعلي لا اعرف عنك اي شيء فقط ما قاله ذاك الجندي. عنك.. انت ساعدتني وجمعت اسرتي.. لكن عندي طفل رضيع.. لم اكمل كلامي.

صرخ احد الجنود قائلا عندما دخلنا مدينتكم وجدنا في احد البيوت طفلا رضيعا بعد يوم كامل من تهجيركم منها، دخل احد الابطال وحمل هذا الطفل واعتنى به من يعرف هذا الطفل؟ هل يعقل ان يكون طفلي. هل يجمعنا القدر مره اخرى.!

انتم تعلمون جيدا هذا وليام طفلي....... طفلي... صدري يدر الحليب طفلي جائع... يا قمري. كم انا مشتاقة لك...لا اعلم ماذا اقول.

شاء الله ان يرجع عائلتي.. احتضن اطفالي والبكاء يعلو.. الجيش يوزع الحلوى والطعام علينا.. قلت لهم انتم وفيتم بعهدكم ورجعتم اطفالي، ماذا افعل لكم، كيف لي اشكركم...جزيتم خيرا.. الشهامة تقف عندكم عاجزة، الرجولة تنحني امام اقدامكم،.. كفيتم ووفيتم.. جزاؤكم عند ربكم ستنالون افضل الجزاء.. ادامكم الله يا فخرنا.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا