داعش وبريطانيا.. من صناعة التطرف الى مكافحة الإرهاب
عبد الامير رويح
2015-07-21 05:47
بدأت الحكومة البريطانية بعد مقتل العديد من مواطنيها في هجوم مسلح تبناه تنظيم داعش الارهابي على أحد الشواطئ في مدينة سوسة التونسية، جملة من الاجراءات الامنية والخطط الاحترازية الجديدة لمواجهة خطر هذا التنظيم الذي يمثل اليوم وبحسب بعض المراقبين اكبر تهديد دولي، إذ تعد بريطانيا المشتركة في التحالف الدولي الذي يحارب "داعش" في العراق إحدى اهم الدول المستهدفة من قبل التنظيم، وهو ما اكده الكثير من المسؤولين في هذا البلد حيث قالت تيريزا ماي وزيرة الداخلية البريطانية، إن بريطانيا تواجه أكثر من أي وقت مضى خطر التهديدات الإرهابية، وأشارت إلى أن العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش الارهابي في سورية والعراق منحت هذه المجموعة الاندفاع في تجنيد متطرفين في بريطانيا ما خلق تهديداً أكثر خطورة ، وأوضحت أن السلطات البريطانية أحبطت 40 مؤامرة إرهابية منذ تفجيرات لندن في تموز عام 2005 التي أسفرت عن مقتل 52 شخصاً.
من جانبه قال رئيس الوزراء البريطاني، أن تنظيم داعش في سوريا و العراق يقومون بالتخطيط لشن هجمات مروعة علي بريطانيا، وأنهم يشكلون تهديداً قائماً للغرب، مضيفاً أن الغرب في خطر مادام تنظيم داعش في سوريا والعراق، مشدداً أن بريطانيا ستكون مستهدفة بأي حال من الأحوال"، وأشارت الحكومة البريطانية إلي أن التهديد الذي يشكله داعش ضد الأمن القومي للبلاد أصبح متزايد.
من جانب اخر كشفت وزارة الدفاع البريطانية وكما تنقل بعض المصادر الاعلامية، الحجاب عن نسبة البريطانيين المنضمين لتنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق، مشيرة أن أعداد المسلمين البريطانيين المنضمين للتنظيم أكبر من المنضمين للجيش البريطاني. وأكدت أن عدد المسلمين البريطانيين في الجيش البريطاني حوالي 600 جندي من بين 200 ألف جندي، وأظهرت الإحصاءات الحكومية أن عدد المسلمين البريطانيين المنضمين إلى صفوف "داعش" يزيد عددهم عن 800 شخص، في حين قالت الخارجية البريطانية أنه من الصعب تقدير أعدادهم بدقة، ذلك وفقًا لصحيفة "يو إس إيه توداي" الأمريكية. وشددت الشرطة البريطانية، على خطورة المتطرفين الأجانب العائدين من سوريا والعراق لأن لديهم خبرة قتالية عالية و يسعون إلى جذب أكبر عدد من الجهاديين البريطانيين.
حملة وانتقادات
وفي هذا الشأن وبعد مرور عشر سنوات على قيام أربعة بريطانيين في لندن بأول تفجيرات انتحارية ينفذها اسلاميون متشددون في غرب اوروبا تعتزم بريطانيا سن خطط وقوانين جديدة ضد الارهاب. ويرى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إن على بريطانيا أن تخصص المزيد من ميزانيتها الدفاعية على طائرات تجسس وطائرات بدون طيار وقوات خاصة للتصدي للمتشددين وتنظيم داعش في العراق وسوريا. وقالت الحكومة إنها ستلبي تعهدها أمام حلف شمال الأطلسي بتخصيص اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للانفاق على الدفاع على مدى السنوات الخمس المقبلة الأمر الذي سيزيد الميزانيات إلى 47.7 مليار جنيه استرليني سنويا بحلول عام 2020.
ويقول كاميرون "كلفت قادة الدفاع والأمن بدراسة كيف يمكننا بذل المزيد ولا سيما في مجال التصدي للخطر الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية والتطرف الإسلامي." ويقول "قد يتضمن هذا المزيد من طائرات التجسس والطائرات بدون طيار والقوات الخاصة. وخلال السنوات الخمس الماضية رأيت مدى أهمية هذه الأشياء في حمايتنا." وسيختتم قادة الدفاع البريطانيون مراجعة أمنية في وقت لاحق هذا العام.
ومن ناحية أخرى دعا كاميرون هارييت هارمان القائمة بأعمال زعيم حزب العمال والمتحدث الدفاعي باسم الحزب فيرنون كوكر لاجتماع لمجلس الامن القومي لمناقشة الخطر الذي يمثله تنظيم داعش. وستكون هذه أول مرة يحضر فيها زعيم معارضة اجتماعا كهذا منذ 2013 ويأتي فيما تدرس الحكومة إن كان ينبغي عليها فعل المزيد للتصدي للتنظيم بما في ذلك دراسة احتمال تنفيذ ضربات جوية في سوريا.
وقال متحدث "يعتقد رئيس الوزراء أن من المهم إطلاع زعيم المعارضة بشكل كامل على الوضع الراهن." وقال وزير الدفاع مايكل فالون إن البرلمان سيحتاج لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان من "المنطقي" للولايات المتحدة وحلفاء آخرين أن يهاجموا داعش في سوريا بينما تقاتلهم بريطانيا في العراق لكنه لمح إلى ان أي تصويت محتمل سيجرى بعد عطلة الصيف. وقال لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "هذا أمر يرجع للبرلمان الجديد وفي وقته. نحن لا نخطط لتصويت مبكر."
ويرى منتقدون ان هذه الخطط والاجراءات تمثل عدوانا على الحريات وانها لن تفلح. وتسعى حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لتعزيز سلطاتها هذا العام حتى تحظر الجماعات "المتطرفة" وتغلق المساجد التي ازدهر فيها المتشددون وتوقف الاذاعات والقنوات التلفزيونية التي تروج للفكر المتطرف وتعطي الشرطة والمخابرات سلطات أوسع لمراقبة الاتصالات.
ويقول الوزراء ان هناك حاجة ملحة لهذه السلطات للتعامل مع الخطر الذي تشكله منظمات مثل تنظيم داعش ومنع هجوم آخر بحجم تفجيرات تموز 2005 حين قتل أربعة مسلمين 52 شخصا في ثلاثة قطارات وحافلة. وقال وزراء إن الهجوم الذي وقع في تونس وقتل خلاله 30 سائحا بريطانيا أكد الحاجة الى الاجراءات التي وعد كاميرون بتطبيقها عقب فوزه في الانتخابات التي جرت في مايو ايار.
لكن المقترحات تواجه معارضة كبيرة. وقال النائب ديفيد ديفيز الذي هزمه كاميرون في انتخابات حزب المحافظين عام 2005 "يمكننا أن نأمل في التعامل مع خطر التطرف من خلال التعامل فقط مع وجهات النظر المتطرفة هذه ومعارضتها والحاق الهزيمة بها من خلال الحجة." وأضاف "الدرس المستفاد من قرون من التاريخ البريطاني هو ان أفضل دفاع عن الحرية هو الحرية ذاتها وآخر شيء يجب ان نفعله ونحن نحاول الحاق الهزيمة بأعداء الحضارة الغربية هو التخلي عن أقوى أسلحتنا .. حرية التعبير."
ووضعت بريطانيا في ثاني أعلى مستوى تأهب وهو "شديد" ويعني ان خطر الهجوم يعتبر مرجحا جدا. وأعلن كاميرون انه تم احباط أربع خطط على الاقل خلال الأشهر القليلة الماضية بينما قالت الشرطة إن الاعتقالات ذات الصلة بالإرهاب زادت بمقدار الثلث. وتقول الحكومة إن تنظيم داعش الذي سيطر على مناطق كبيرة من سوريا والعراق يشكل الخطر الاكبر وان نحو 700 بريطاني سافروا للانضمام اليه مدفوعين بما وصفه كاميرون بانها عقيدة مسممة. وقال للبرلمان "علينا ان نعطي الشرطة وأجهزة الامن الادوات التي يحتاجونها لاقتلاع هذا السم." وتتضمن خطط كاميرون التعامل مع التطرف الذي قال ان بعض مسلمي بريطانيا الذين يصل عددهم الى 2.8 مليون مسلم يغضون الطرف عنه كما تتضمن توسيع نطاق المراقبة.
ويقول رؤساء الأجهزة الأمنية إن المراقبة ضرورية لكن في اعقاب ما كشفه المتعاقد الامريكي السابق ادوارد سنودن يتشكك كثيرون في الامر بل أن السلطات الرقابية قالت إن الحكومة فشلت في طرح أسباب مقنعة لقوى اضافية. وقالت البارونة سيدة وارسي الوزيرة السابقة في حكومة كاميرون وأول مسلمة تشارك في الحكومة البريطانية "سؤالي للحكومة هو كالتالي: هل ما تقدمه (الحكومة) سيساعد في محاربة التطرف ام انه سينفر المجتمعات التي نحتاجها تحديدا في الصفوف الامامية؟" ويتفق مع هذا الرأي مسلمون آخرون.
وتقول بانا جورا من مجلس المرأة المسلمة في برادفورد بشمال انجلترا التي سافرت منها أسرة تضم تسعة أطفال الى سوريا في الآونة الاخيرة "لا يمكنك ان تدمغ كل أتباع دين واحد بناء على ما قام به شخص او اثنان وهذا ما يبدو انه حادث هنا." وأضافت "أعتقد أننا كمسلمين نصل الى نقطة بلغنا فيها حد السأم. هذا التشريع الهجومي المضاد للارهاب المتوقع تمريره لن يساعد في شيء." بحسب رويترز.
ويرى منتقدون انه بدلا من فرض حظر على الارهابيين يجب مقارعتهم بالحجة لفضح زيف منطقهم. وقال ايان بلير الذي كان مسؤولا عن شرطة لندن وقت هجمات يوليو تموز عام 2005 "اذا عزلنا انفسنا وامتنعنا عن التحدث مع بعض الناس ممن لا تعجبنا اراءهم لكن يستمع اليهم ملايين الشبان فهذه ستكون مسألة صعبة جدا بالنسبة لنا." وقال رشاد علي مدير مركز استشاري لمكافحة التطرف وعضو سابق في الحزب الاسلامي العالمي حزب التحرير الذي يطالب عدد كبير من اعضاء حزب المحافظين لكاميرون بحظره ان السعي لحظر "افكار تفتقر الى الليبرالية" وفي نفس الوقت الترويج لقيم ليبرالية هو توجه مغلوط. وقال "هذه بالقطع ليست وسيلة للتحرك قدما انها خطوة تقهقرية للخلف."
غارات في سوريا
الى جانب ذلك طلب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من مشرعي بلاده بحث ما إذا كان يجب أن تنضم بريطانيا إلى الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سوريا لكن المتحدثة باسمه قالت إنه لم يقرر بعد إن كان سيسعى من أجل تصويت في البرلمان على الأمر.
وتشن بريطانيا هجمات منتظمة في العراق كما تطلق طائرات بدون طيار فوق سوريا لجمع معلومات عن التنظيم. لكن بريطانيا على خلاف بعض الشركاء الآخرين في التحالف لا تستهدف مواقع داعش في سوريا لأن كاميرون فشل في الحصول على موافقة البرلمان على ذلك في العام 2013. وتسبب مقتل 30 بريطانيا في هجوم نفذه إسلامي متشدد في تونس في تغيير الحسابات مما دفع كاميرون من خلال المتحدثة باسمه لأن يطلب من المشرعين بدء التفكير في ما إذا كانوا سيؤيدون عملا أوسع نطاقا.
وقالت المتحدثة باسم رئيس الوزراء "الأمر الذي تغير هو الأدلة المتزايدة على أن داعش تمثل تهديدا للناس هنا في بريطانيا ولأمننا القومي." وأضافت "في هذا السياق يرى رئيس الوزراء أن المشرعين يجب أن يبحثوا هذه القضايا. في رأيه أن هناك وسيظل هناك ما يبرر فعل المزيد في سوريا."
ويريد كاميرون - الذي اهتز بوضوح عندما خسر التصويت الخاص بسوريا في 2013 - أن يتأكد من أن بإمكانه كسب أي تصويت في البرلمان هذه المرة وبالتالي لا يتوقع أن يدعو إلى اقتراع إلا بعد الصيف وفي ذلك الوقت يستطيع أن يقدر الدعم الذي سيقدمه له حزب العمال المعارض الذي يمر بمرحلة انتخاب زعيم جديد. بحسب رويترز.
وقالت المتحدثة باسم كاميرون إن الأمر يحتاج إلى "تفكير ملائم وبعناية" قبل أن يقرر ما إذا كان سيدعو إلى اقتراع أم لا. وأضافت "هو يعتقد أن من الأفضل أن يكون هناك إجماع على مثل هذا العمل." وتابعت تقول إن كاميرون يرى أن هناك مبررا قانونيا لمثل هذا العمل وذكرت أن للجيش البريطاني طائرات وطائرات بدون طيار تحلق فوق سوريا لجمع المعلومات ويمكن استخدامها في تنفيذ أي ضربات في المستقبل. وقالت "لدينا طائرات تطير فوق كل من العراق وسوريا" مضيفة أن داعش فقدت 25 في المئة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها منذ بدء الضربات الجوية للتحالف في العراق.
وفي وقت سابق دعا وزير الدفاع مايكل فالون المشرعين الى إعادة النظر في مسألة شن ضربات جوية في سوريا بعد الانتخابات العامة البريطانية التي جرت في مايو ايار. وقال فالون لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "إنه برلمان جديد وأعتقد أن أعضاء البرلمان سيودون التفكير مليا في الطريقة المثلى للتعامل مع التنظيم وعدم احترامهم اللامنطقي للحدود... إنهم لا يفرقون بين سوريا والعراق ويقيمون هذه الخلافة الخبيثة في الدولتين."
هجمات مروعة
على صعيد متصل حذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من أن مقاتلي تنظيم داعش يخططون لهجمات محددة تستهدف بريطانيا وقال إنهم يشكلون خطرا وجوديا على الغرب. وقال كاميرون لإذاعة (بي.بي.سي) "انه خطر وجودي لأن ما يحدث هو تحريف لدين عظيم وخلق لجماعة الموت السام التي تغوي الكثير من العقول الشابة." وتابع "هناك أناس في العراق وسوريا يخططون لتنفيذ أعمال مروعة في بريطانيا وغيرها. ومادامت داعش موجودة في هذين البلدين فنحن في خطر."
ووضعت بريطانيا مؤشر التأهب من خطر الإرهاب الدولي في بريطانيا الآن عند مستوى "شديد" ثاني أعلى مستويات التأهب في بريطانيا والذي يعني أن احتمالات وقوع هجوم "مرجحة بشدة". وتقول الشرطة انها نفذت واحدة من أكبر عملياتها لمكافحة الإرهاب خلال عقد بعد قتل السائحين في تونس. بحسب رويترز.
وكتب كاميرون مقالا في صحيفة ديلي تلجراف قال فيه إنه يريد من السلطات تبني نهج أكثر تشددا ضد الإسلاميين المتطرفين في بريطانيا وبذل مزيد من الجهود للتصدي لما وصفه بأفكارهم غير المقبولة. وكتب كاميرون "ينبغي ألا نتسامح مع عدم التسامح.. وأن نرفض أي شخص تؤيد أفكاره الخطاب الإسلامي المتطرف."
اجراءات وانتقادات
في السياق ذاته اوقفت فتاة في ال15 من العمر يشتبه في انها "كانت تخطط لعمل ارهابي" في لندن في حين وجهت تهمة التحريض على الارهاب على تويتر، الى شابة في ال26 اعتقلت في مطار هيثرو لدى عودتها من تركيا. واوقفت الفتاة في عملية تدخل لوحدة مكافحة الارهاب في سكوتلانديارد في منزل شرق لندن ووضعت في الحبس على ذمة التحقيق في مركز للشرطة في وسط لندن كما قالت الشرطة البريطانية.
واتهمت الشابة البالغة ال26 من العمر بنشر تغريدات "تحرض" على ارتكاب اعمال ارهابية والتخطيط لها. كما وجهت اليها تهمة الانتماء الى تنظيم داعش. وبحسب تقرير لمعهد الحوار الاستراتيجي نشر مطلع العام توجهت 550 امرأة من بلدان غربية الى العراق وسوريا للانضمام الى تنظيم داعش. وكانت الشرطة لا تزال تحقق في اختفاء اسرة باكملها من 12 شخصا من ثلاثة اجيال تقيم في لوتن ويشتبه في انها انضمت الى التنظيم المتطرف في سوريا. بحسب فرانس برس.
والاسرة مكونة من زوجين في ال75 وال53 وابنتهما في ال21 وابنائهما في ال19 وال25 وال26 وال31. وهناك ايضا اطفال تتراوح اعمارهم بين العام و11 عاما وزوجتا اثنين من الابناء. وكان ابن اخر ابلغ الشرطة باختفائهم في وقت سابق. وتوجهت العائلة الى بنغلادش عبر اسطنبول في العاشر من نيسان/ابريل قبل العودة الى هذه المدينة في 11 ايار/مايو حيث كان يفترض ان يستقلوا الطائرة للعودة الى بريطانيا. وقالت بي بي سي ان مصادر اكدت لها ان الاسرة اصبحت في سوريا. وصرح متحدث باسم شرطة بيدفوردشير لوكالة ان "تحقيقا جار للتاكد من انهم في صحة جيدة وفي امان وانهم يريدون البقاء هناك".
من جهة اخرى تعرضت الشرطة البريطانية لموجة انتقادات، بعد ظهور صورة لشخص يتجول برفقة طفلته رافعين علم "داعش" أمام مقر البرلمان البريطاني وسط لندن، وفق ما ذكرته وسائل إعلام بريطانية. وأوقفت الشرطة ذلك الرجل إلا أنها لم تعتقله لأن أفعاله كانت "في إطار القانون"، بحسب متحدث باسم الشرطة، كما أنها لم تكشف عن هويته.
وقالت الصحيفة إن الرجل كان يسير واضعا علم داعش على كتفيه، حاملا طفلته الصغيرة، التي كانت تحمل بدورها نسخة أصغر للعلم. ونقلت عدة وسائل إعلام بريطانية عن متحدث باسم شرطة سكوتلاند يارد، قوله إن "الضباط تحدثوا مع الرجل، مع الأخذ في الاعتبار قانون النظام العام، والرجل كان يتصرف في إطار القانون، ولم يتم اعتقاله". وأضاف: "ارتداء أو حمل أو عرض شعار أو علم، ليس جريمة ما لم تبين الطريقة التي ارتدى فيها الشعار أو العلم، أو تم عرضها على نحو يثير شبهة بأن الشخص مؤيد أو عضو في منظمة محظورة". وأثار قرار الشرطة عدم اعتقال الرجل عاصفة من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قال كثيرون إن ما أقدم عليه يجعلهم يشعرون بعدم الأمان في شوارع بريطانيا.
تدريبات في قلب لندن
من جانب اخر وفي قلب لندن يظهر فجأة ثلاثة عناصر ملثمين يحملون بنادق هجومية في محطة للمترو ويفتحون النار على مدنيين، هكذا بدأ اهم تدريب لمكافحة الارهاب تنظمه السلطات البريطانية على الاطلاق. وهذا التدريب الذي اطلق عليه اسم "سترونغ تاور" بدأ في محطة مترو الدويش المهجورة. ويشارك فيه حوالى الف شرطي ووحدات خاصة لمكافحة الارهاب وايضا عناصر في طواقم الاسعاف والاطفاء في لندن. ولتكون ردود الفعل طبيعية، يعرف عدد محدود من المسؤولين في سكتلنديارد التطورات المتوقعة في السيناريو.
وخطط لهذا التدريب خلال الاشهر الستة الاخيرة وبالتالي ليس لديه صلة بالهجوم الدامي الذي وقع في تونس ولا بالذكرى العاشرة لاعتداءات لندن التي اوقعت 52 قتيلا. والتدريب مستلهم من اعتداءات وقعت في السنوات الاخيرة مثل الهجوم على مقر صحيفة شارلي ايبدو في باريس وعملية احتجاز الرهائن في سيدني او اعتداءات بومباي. وقال السير برنارد هوغان هاو رئيس شرطة سكتلانديارد ان الهدف "هو التحقق من اننا سنكون مستعدين للرد في حال وقوع الاسوأ. وسنكون بالفعل على اهبة الاستعداد".
وانطلق التدريب بقوة عندما دخل مسلحون الى شارع صغير في وسط العاصمة البريطانية بالقرب من مسارح عديدة ومركز سمرست هاوس للفنون والثقافة والموضة. وقالت ماكسين دو برونر المسؤولة في سكتلنديارد "نختبر هنا ما يمكننا ان نسميه هجوما ارهابيا فعليا يفتح خلاله ثلاثة ارهابيين النار في الشارع قبل الدخول الى محطة مترو ويستمرون في اطلاق النار".
ورد الشرطة يكون سريعا وتتوجه فرق الاغاثة الى المكان في محاولة لمعالجة الفوضى التي تعم المكان بعد سقوط عدد من الجرحى بعضهم في حالة حرجة في ممرات المترو او في الشارع. وتفاديا لاي ارباك حرصت السلطات على اغلاق المنافذ الى موقع الهجوم وتحذير سكان لندن برسائل نشرت في الاعلام لتجنب حالات الذعر. وكما هو معهود في هذا النوع من التدريب، يتم وضع تحت البسة الجرحى مضخات صغيرة تحتوي على طلاء احمر ينتشر على الملابس للايهام بان الشخص مصاب بنزف داخلي. بحسب فرانس برس.
ويسأل عنصر في فرقة تدخل وهو يسعف امرأة مصابة في ساقها "هل انت بخير؟ كيف تشعرين؟". ويأتي تنظيم هذا التدريب في اطار تهديدات تنظيم داعش المتطرف بشن هجمات جهادية في اوروبا. وفي اب/اغسطس 2014، وفي ظل التهديد الذي يشكله مئات البريطانيين الذين توجهوا الى العراق وسوريا للجهاد، رفعت بريطانيا مستوى الانذار الامني من "كبير" الى "خطير"، وبحسب السير هوغان هاو ارتفع عدد الاعتقالات المرتبطة بالانشطة الارهابية في الاشهر الاخيرة. وقال "سبق ان افشلنا مؤامرات عدة خطيرة للغاية". واضاف "اذا نظمنا تدريبات مثل هذا التدريب فهذا لاننا قلقون حيال تخطيط افراد للقيام باعمال ارهابية".
منهاج لمكافحة الارهاب
في السياق ذاته وضع رجل دين باكستاني مسلم منهاجا "لمكافحة الإرهاب" في لندن يهدف لتفنيد نهج الجماعات المتشددة مثل تنظيم داعش ومنع الشبان من الجنوح نحو التطرف والتوجه إلى سوريا. وقال محمد طاهر القادري وهو سياسي ومفكر وخطيب حماسي إنه يريد لمنهاجه الواقع في 900 صفحة الذي يشمل طرحا دينيا وعقائديا أن يقوض فكر ومنهاج المتشددين وأن يدرس ليس فقط في المساجد والمعاهد الإسلامية بل أيضا في المدارس في جميع أنحاء بريطانيا.
وأضاف "نريد أن نوضح أن جميع الممارسات التي يقوم بها تنظيم داعش في العراق والشام أو أي منظمة إرهابية ومتطرفة إما باسم الله أو الدين أو بغرض تأسيس أي نوع من الدولة الاسلامية من طريق العنف .. تخالف الإسلام والقرآن تماما." وأعلن القادري عن منهاجه في أعقاب دعوة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون المجتمعات المسلمة لبذل المزيد من الجهود لوقف جنوح الشباب نحو التطرف على يد جماعات مثل تنظيم داعش معتبرا أن بعض المسلمين يتغاضون بصمت عن الآراء المتطرفة.
وجاءت تصريحات كاميرون بعد أن فجر بريطاني (17 عاما) من تنظيم داعش نفسه في العراق في حين يعتقد أن ثلاث شقيقات سافرن إلى سوريا مع أبنائهن التسعة. وقال القادري "إن الأولاد الذين يتوجهون إلى تنظيم داعش ويقاتلون هناك ويتركون نعيم مجتمعهم البريطاني سيذهبون إلى الجحيم." وكان القادري قد أصدر قبل خمس سنوات فتوى بأن الإرهابيين والانتحاريين كفار. وقال "إنهم أولادنا. أبناؤنا وبناتنا. علينا أن ننقذ مستقبل البشرية."
ويعتبر الخبراء والسياسيون أن الدعاية الإعلامية الإلكترونية والمنمقة للتنظيم تغوي الشبان في غرف نومهم وتشدهم نحو التطرف. ولدى سؤاله كيف يمكن لعمله الأكاديمي أن يكافح هذه الظاهرة قال القادري رئيس مؤسسة منهاج القرآن الدينية والتعليمية إن 50 بريطانيا و50 آخرين من باقي أوروبا يتلقون حاليا تدريبا لنشر نصوص منهاجه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقال القادري "ستشن هذه الحرب من محورين ولن تشمل فقط الكتب في الحلقات الدراسية والمساجد والمدارس بل أيضا وسائل التواصل الاجتماعي." بحسب رويترز.
ويخطط القادري لحمل منهاجه إلى باكستان والهند ونشره في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. وقالت البارونة سعيدة وارثي وهي وزيرة في الحكومة السابقة لكاميرون وأول مسلمة تتولى هذا المنصب في خطاب أمام جمهور من الأئمة والشرطة والسياسيين والأكاديميين إن الحكومة يجب أن تنظر في اعتماد هذا المنهج في جميع المدارس. وقالت "المجتمع البريطاني المسلم هو جزء من الحل. والمجتمعات البريطانية المسلمة لا تتغاضى وتقف مكتوفة الأيدي حيال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بل تشجبه".