هجوم السوسة.. من مكافحة الارهاب الى انتكاس حقوق الإنسان
عبد الامير رويح
2015-07-12 10:58
الهجوم الارهابي الكبير الذي تبناه تنظيم داعش ضد السياح الاجانب في مدينة سوسة التونسية، لايزال محط اهتمام الكثير من الخبراء والمراقبين خصوصا وان عملية سوسة الإرهابية، قد فتحت الباب للعديد من الأسئلة والتكهنات والتحليلات حول مستقبل تونس الغامض والتحديات الخطيرة القادمة، التي تهدد امن واستقرار هذا البلد، الذي يشهد تصاعد ملحوظ في الانشطة الارهابية، بسبب ازدياد اعداد الشباب المنتمي الى الجماعات المتطرفة وعدم الاستقرار الذي تشهده المنطقة التي تعيش حالة من الحرب والانفلات الامني، وخصوصا الازمة الليبية التي اثرت بشكل سلبي على دول الجوار حتى باتت تهدد بانهيار تونس.
وهو ما دفع السلطات التونسية وكما تنقل بعض المصادر، الى اعتماد خطط ومشاريع جديدة بهدف تعزيز حدودها، والتصدي للتهديدات الإرهابية والمخاطر الأمنية المتزايدة على ضوء تمدد تنظيم داعش في ليبيا، التي تعد مصدرا اساسيا للأخطار الإرهابية التي تهدد تونس.
من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان الحكومة التونسية وبسبب اعتمادها خطط واجراءات جديدة بهدف مكافحة الارهاب، ومنها اعلان حالة الطوارئ حيث تواجه اليوم تحديات اضافية بسبب القلق المتنامي والرفض المستمر من قبل بعض الاطراف والمؤسسات الإنسانية التي تخشى من تطبيق مثل هكذا اجراءات، يضاف الى ذلك المشكلات الاقتصادية والخسائر الكبيرة بسبب استهداف القطاع السياحي.
وفيما يخص تلك التحديات فقد قال رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، في حوار مع تلفزيون "بي بي سي"، إن الشرطة "أصيبت بالجمود" عند تعرض فندق سوسة لاعتداء إرهابي، مقرا بذلك بتباطؤ قوى الأمن في التدخل ضد منفذ الاعتداء، وهي المرة الأولى التي يقر فيها مسؤول تونسي بهذا الأمر. وأفاد الصيد "الوقت الذي استغرقه رد الفعل هو المشكلة"، قائلا إن الشرطة "أصيبت بجمود في كل مكان" ذلك اليوم. وأضاف "نحن حقا آسفون جدا لما حدث"، قائلا إن السياح الضحايا "كانوا ضيوفنا. جاؤوا لقضاء عطلتهم معنا لكن الذي حصل رعب غير مقبول". وأعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لإذاعة "أوروبا 1" الفرنسية أنه "سيتم اتخاذ عقوبات على الفور" في حال ثبوت وجود "ثغرات" أمنية وراء الهجوم.
تحديد هوية القتلى
من جانب ذلك قالت وزارة الصحة التونسية إنها استكملت تحديد هوية كل قتلى هجوم فندق بسوسة وعددهم 38 من بينهم 30 بريطانيا وثمانية أجانب آخرين. والهجوم على فندق إمبريال مرحبا بمنتجع سوسة السياحي هو أسوأ هجوم دموي في تاريخ تونس الحديث. وتبنى تنظيم داعش الهجوم وهو الثاني من نوعه في تونس خلال أشهر بعد هجوم على متحف باردو قتل خلاله 21 سائحا. وتواجه تونس خطرا متزايدا من المتشددين الإسلاميين الذين حذرت الحكومة البريطانية من أنهم قد ينفذون مزيدا من الهجمات.
وذكر بيان وزارة الصحة أن عدد القتلى 38 بينهم 30 بريطانيا وثلاثة أيرلنديين وألمانيان وبلجيكي وبرتغالي وروسي. وأعيدت جثث بعض القتلى البريطانيين إلى الوطن من تونس على متن طائرة للقوات الجوية الملكية. وزار وزراء من بريطانيا وألمانيا وفرنسا فندق إمبريال مرحبا الذي كان مسرح هجوم تعبيرا عن التضامن ولعرض المساندة لتونس في دعم أمن الحدود والمطارات وتبادل معلومات الاستخبارات.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للبرلمان "ما زال يتعين عمل الكثير لتحديد كل ملابسات هذا الهجوم المروع والدعم الذي لقيه المسلح." وأضاف قوله "إننا في حاجة إلى التعاون فيما بيننا بشأن أفضل السبل لمساندة ذلك البلد في طريقه إلى الديمقراطية." وغادر آلاف السياح بالفعل شواطئ تونس وقالت الحكومة إن خسائرها قد تبلغ إجمالا 500 مليون دولار مع إلغاء شركات السياحة رحلات السياحة المحجوزة. بحسب رويترز.
ونشرت تونس ألفا آخرين من شرطة السياحة المسلحين وتعتزم استدعات جنود الاحتياطي في الجيش للمساعدة بعد أن أقرت بأنها فوجئت بالهجوم على الرغم من أنه سبقه هجوم متحف باردو. وانتشر رجال شرطة السياحة الذين يحملون البنادق بين السائحين المتفرقين على شاطئ سوسة. وكان آخرون يركبون عربات البوجيه أو على ظهور الجياد يتنقلون بين الفنادق.
سيطرة المخدرات واختفاء الشباب
على صعيد متصل كشفت مواقع صحافية بريطانية على غرار "دايلي مايل" و"ميرور" أن المسلح الذي ارتكب هجوم سوسة الإرهابي كان تحت سيطرة جرعات عالية من مادة مخدرة. وأظهرت الصور، بعد أن قضى رجال الأمن على سيف الدين الرزقي البالغ من العمر 23 سنة، قنبلة يدوية قرب الجثة إلى جانب "كلاشنيكوف". وأشارت "دايلي مايل" إلى وجود ترجيحات كبيرة حول تناول منفذ الهجوم كميات كبيرة من المخدرات حالت دون تفجير القنبلة اليدوية المتبقية والتي كانت قد تسبب المزيد من الأضرار.
ونقلت الصحيفة الإلكترونية عن مصدر مطلع أن "تشريح الجثة أثبت أن الإرهابي تناول مخدرات قبل تنفيذ الهجوم – نفس المادة التي يقدمها تنظيم "داعش" لمنفذي الاعتداءات الإرهابية – حتى لا يدرك ما يقوم به". وأشارت "ميرور" من جهتها أن نتائج التشريح تؤكد "أن كميات كبيرة من منشط يرجح أنه الكوكايين كانت في جسد" الرزقي. ويعرف أن عناصر تنظيم "داعش" يتناولون الكوكايين الذي يجعلهم يشعرون بأنهم لا يهزمون في ساحة القتال.
وذكرت مصادر تونسية وأجنبية، ترتكز أساسا على شهادات الناجين من المجزرة التي تبناها التنظيم ، أن الرزقي كان يبتسم أثناء قتله وجرحه للعشرات. وأكد بول شورت الذي كان شاهدا على العملية، أن برودة دم الإرهابي بلغت "درجة قصوى، حيث انشغل بالتقاط صور الجثث وهو يضحك والسلاح على يده". وقال عامل في نزل "إمبريال مرحبا" الذي وقع فيه الاعتداء، ويدعى حسام لـ "دايلي مايل" إن الرزقي "كان يضحك وهو يطلق النار. وبعد أن انتهى وقتل الكل، بدا وكأنه لا يبالي بشيء فلم يحاول أن يهرب. كان يبتسم وبدا سعيدا". ويمكن أن يفسر تعاطي المخدرات البرود الذي ميز الإرهابي أثناء تنفيذ الاعتداء، وفشله في تفجير القنبلة اليدوية المتبقية.
في السياق ذاته قالت وزارة الداخلية التونسية انها تلقت بلاغات عن إختفاء 33 شابا أغلبهم من المتشددين دينيا في مدينة رمادة في اقصى جنوب تونس وهو ما يثير مخاوف من انضمامهم الي جماعات متشددة. واضافت الوزارة في بيان "على إثر تقدم 12 عائلة برمادة من ولاية تطاوين ببلاغات اختفاء بشأن أبنائها وانطلاق الأبحاث تبين أن المجموعة المختفية يبلغ عددها 33 نفرا وتتراوح أعمارهم بين 16 و35 سنة بينهم امرأة وأغلبهم من العناصر المتشددة دينيا."
وقال البيان أن الاجهزة الامنية تجري تحقيقات لمعرفة الجهة التي ذهبوا اليها وملابسات اختفائهم. ويقول مسؤولون حكوميون إن أكثر من ثلاثة آلاف تونسي يقاتلون الآن في سوريا والعراق كما أن عدد المقاتلين من تونس مع المجموعات الإسلامية المتشددة في ليبيا في ازدياد. ويثير انضمام التونسيين الي الجماعات المتشددة مخاوف من عودتهم الى البلاد وشن هجمات بعدما اعلن تنظيم داعش المسؤولية عن هجوم منتجع سوسة. بحسب رويترز.
وفي 26 يونيو حزيران الماضي فتح شاب النار في فندق بمدينة سوسة ليقتل 38 سائحا أغلبهم من بريطانيا بينما كانت البلاد تكافح لتتجاوز ضربة مماثلة قبل ثلاثة اشهر عندما فتح شابان النار على سائحين في متحف باردو. ويقول مسؤولون تونسيون ومصادر أجنبية إن المهاجمين في باردو وسوسة تدربوا في نفس الوقت في "معسكر جهادي" بليبيا قرب صبراتة وهي بلدة على مسافة غير بعيدة عن الحدود مع تونس.
التونسيون يتدربون في ليبيا
الى جانب ذلك وفي أواخر 2013 عاد شابان تونسيان من معسكر للجهاديين في ليبيا وخططا لتفجير نفسيهما وسط سائحين أجانب. حاولا فكان مصيرهما الفشل الذريع اذ لم تنفجر قنبلة بسبب عطل بينما لم تقتل الأخرى سوى المهاجم على رمال منتجع سوسة التونسي. وبعد ذلك بعامين نجح ثلاثة آخرون من المتشددين التونسيين الذين تلقوا تدريبا في ليبيا في إراقة الدماء مرتين فصلت بينهما بضعة أشهر في سوسة والعاصمة تونس فقتلوا 60 شخصا جلهم من السائحين في هجومين هما الأكثر دموية في تاريخ البلاد.
وبعد أن حظيت تونس بالإشادة باعتبارها صاحبة التجربة الوحيدة الناجحة بين الدول التي شهدت موجة انتفاضات "الربيع العربي" تجد الآن نفسها وديمقراطيتها الوليدة تحت حصار توسع الجهاديين في شمال أفريقيا حيث يعيد متشددون اتجهوا للتطرف داخل تونس وتدربوا في ليبيا تصدير فكرهم العنيف إلى الوطن. ولم تبد على سيف الرزقي المسلح الذي قتل 38 شخصا في هجوم بفندق في سوسة ولا على الاثنين اللذين نفذا الهجوم على متحف باردو في تونس فقتلا 22 شخصا في مارس آذار الماضي أي أمارات على اتجاههم للتشدد. ولم تكن لدى السلطات معرفة بصلاتهم بجهاديين الى أن نفذوا هجوميهم.
ومازال الغموض يحيط بإعلان المسؤولية عن الهجومين خاصة بعدما قتلت الشرطة المسلحين الثلاثة. ولم تتأكد قط تقارير أشارت لفرار مسلح آخر من مسرح عملية متحف باردو. لكن الواضح هو التهديد الذي يحدق بتونس من ملاذ الجهاديين على الجانب الآخر من الحدود في ليبيا المضطربة والخلايا النائمة ومسؤولي تجنيد المتطرفين بالداخل. يقول كمال الجندوبي المسؤول في خلية الأزمة والاتصال في هجوم سوسة "انها حرب ضد تونس.. ليست حربا ضد السياحة او الاقتصاد فقط بل هي حرب ضد الديمقراطية في تونس."
وقال الرئيس الباجي قائد السبسي إن قوات الأمن فوجئت وفرضت حالة الطوارئ. ويعد شركاء أوروبيون تونس بمساعدتها في التدريب وتأمين الحدود وتبادل المعلومات مع القوات المسلحة التونسية. لكن تحقيق توازن بين الإجراءات الأمنية المشددة والحريات التي حصل عليها أبناء تونس حديثا قد يكون له ثمن وينتاب القلق دعاة حقوق الإنسان من أن تكون الحملات الأمنية مقدمة لقمع ربما يؤدي لانضمام المزيد من العناصر الى صفوف المتشددين في بلد يشعر قطاع كبير من شبابه بالغربة. ووجه قتل السائحين ضربة متعمدة لقلب الاقتصاد التونسي في توقيت حرج.
فمنذ انتفاضة 2011 التي جعلت زين العابدين بن علي أول زعيم عربي يطاح به من الحكم في موجة الانتفاضات بالمنطقة في ذلك العام تفادت تونس سفك الدماء والحرب الأهلية التي طالت غيرها من الدول العربية. لكنها شهدت اضطرابا سياسيا تخللته توترات من حين لآخر بين أحزاب علمانية وأخرى إسلامية وبدأت لتوها في تعزيز مكاسبها الديمقراطية ونموها الاقتصادي. وبفضل الحريات التي حصل عليها التونسيون بعد سقوط بن علي أصبح للسلفيين والإسلاميين المتطرفين صوت في أكثر دول العالم العربي تمسكا بالعلمانية. تحول البعض الى العنف واتجهوا للعمل السري.
وظهرت علامات واضحة على صعود التشدد منذ فترة. ويقول مسؤولون حكوميون إن أكثر من ثلاثة آلاف تونسي يقاتلون الآن في سوريا والعراق كما أن عدد المقاتلين من تونس في ليبيا مع المجموعات الإسلامية المتشددة في ازدياد. وتوعد بعض المقاتلين بالعودة الى بلادهم وشن هجمات. وقال السبسي في كلمة بثها التلفزيون لإعلان حالة الطواريء "الإرهابيون نزلوا لأول مرة للمدن في هجوم باردو.. كنا نعتقد أنها المرة الأولى والاخيرة ولكن هجوم سوسة كان كارثة كبرى." وأضاف "لو تحصل هجمات مثلما حصل في تونس فإني أقولها بوضوح إن الدولة ستنهار."
ويقول مسؤولون تونسيون ومصادر أجنبية إن المهاجمين في باردو وسوسة تدربوا في نفس الوقت في معسكر جهادي بليبيا قريب من صبراتة وهي بلدة على مسافة غير بعيدة عن الحدود مع تونس في منطقة تشيع فيها ممارسات التهريب. ويحاصر ليبيا صراع بين فصائل متناحرة وحكومتين متنافستين مما يدفعها نحو مزيد من الفوضى. وفي ظل الفراغ الأمني يتمدد مؤيدو داعش ومجموعات إسلامية متشددة أخرى.
وقال مصدر أمني تونسي "ليبيا هي مشكلتنا.. اذا استقرت الاوضاع الامنية في ليبيا وتوصلوا الى حل سياسي وحكومة واحدة وجيش واحد قوي فتونس ستكون آمنة.. كل الهجمات الان يتم الاعداد لها في ليبيا." وحتى قبل مهاجمة متحف باردو تردد أن العديد من كبار القادة الجهاديين بشمال أفريقيا موجودون في ليبيا وبينهم الجزائري مختار بلمختار العضو القديم في تنظيم القاعدة الذي خطط لاحتجاز رهائن في حقل عين أميناس للغاز في الجزائر وهي العملية التي قتل فيها 67 شخصا على الأقل.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن بلمختار ومؤسس وزعيم جماعة أنصار الشريعة في تونس أبو عياض ربما قتلا في غارة جوية في يونيو حزيران على اجتماع للجهاديين قرب بنغازي. وتنفي جماعات متشددة ذلك ولم يتأكد مقتل أي منهما. ويقول مسؤولون تونسيون إن أعضاء بارزين في مجموعة أبو عياض انتقلوا من تونس للعيش في ليبيا وبالأخص في صبراتة.
وتحمل السلطات التونسية مجموعة أبو عياض المسؤولية عن هجوم سوسة وتتهم جماعة محلية أخرى لها صلات بالخارج بالمسؤولية عن هجوم متحف باردو. هذه الجماعة هي كتيبة عقبة بن نافع المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي خاضت معارك محدودة ضد قوات الأمن التونسية على الحدود الجزائرية. ومع صعود تنظيم داعش الذي أعلن قيام خلافة في سوريا والعراق العام الماضي أصبح تعقب ولاءات الجماعات المتشددة أكثر صعوبة.
وتبنت داعش كلا من هجومي باردو وسوسة وإن كان مصدر أمريكي مطلع على التحقيقات يقول إنه لم تظهر أي أدلة تثبت أن المهاجمين تحركوا بناء على توجيه من القيادة المركزية للتنظيم. وقال جيف بورتر الخبير بشؤون شمال أفريقيا بمركز وست بوينت لمكافحة الإرهاب "المشهد الجهادي في ليبيا وتونس مائع للغاية. "ما يحدد انضمام شخص لهذه المجموعة أو تلك ليس موالاته لقيادة داعش أو القاعدة بل احتمالات أن يتمكن من التدريب من أجل الجهاد وتنفيذ هجمات."
وانشق أحد أهم المسؤولين عن تجنيد الأفراد لجماعة أنصار الشريعة وهو أحمد الرويسي ليبايع داعش في مطلع هذا العام. وتقول مصادر تونسية إنه أشرف على التدريب والتجنيد في ليبيا وقتل قبل أيام قليلة من عملية باردو في مدينة سرت التي أصبحت الآن معقلا للتنظيم. ويقاتل متشددون تونسيون تحت راية داعش في بنغازي وسرت. ويقول سكان محليون إن أحد هؤلاء التونسيين كان قائدا بارزا بالتنظيم المتشدد في درنة التي كانت معقلا لتنظيم داعش بليبيا قبل أن يجبره مقاتلون إسلاميون منافسون على الانسحاب منها.
لكن على الرغم من أن المسؤولين التونسيين يشيرون باصبع الاتهام الى الجانب الآخر من الحدود فإن تجنيد العناصر الجديدة للجماعات الإسلامية المتشددة يبدأ في الداخل حيث وجد الأئمة المتشددون والقائمون على عمليات التجنيد عبر الانترنت أرضا خصبة لهم. فقد كان الرزقي - الذي نفذ هجوم سوسة - على اتصال بجهاديين عبر الانترنت لكنه كان يتردد أيضا على مسجد غير مرخص له في مدينة القيروان التي كان يدرس بها وفق ما ذكرته مصادر أمنية تونسية. وتشبع المسلحان اللذان نفذا هجوم باردو بالفكر المتطرف أيضا في مساجد محلية.
وخلال الاضطرابات التي سادت في الأيام الأولى للثورة هيمن أئمة متشددون على المساجد والمدارس الدينية لينشروا رسائلهم المتشددة. وفي الآونة الأخيرة فقط استعادت الحكومة السيطرة وحظرت عمل مثل هؤلاء الوعاظ. وعقب هجومي باردو وسوسة أعلنت السلطات أنها ستغلق 80 مسجدا. كما منعت السلطات أيضا واعظا سلفيا شهيرا من الخطابة ومنعت زعيما لحزب سياسي سلفي من الوعظ.
وقالت نجاة الهمامي المكلفة بالاعلام في وزارة الشؤون الدينية " هذه المساجد ليست قانونية وليس مرخصة.. اغلبها فتخ اثناء الفوضى الامنية خلال الثورة.. هذه المساجد يؤمها ائمة متشددون." لكن عقب هجوم باردو جرت عمليات اعتقال واسعة وصدر قانون جديد لمكافحة الإرهاب كما حدثت مضايقات من الشرطة لإسلاميين محافظين وهو ما تسبب في إطلاق تحذيرات من محامين مدافعين عن حقوق الإنسان وأثار مخاوف من ردود فعل عنيفة بين الشبان المتدينين الذين يشعرون بأنهم مستهدفون بشكل جائر.
وتخشى جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان أن تسيء السلطات التي تواجه ضغطا لتحقيق نتائج استغلال القيود على الحريات والتي فرضت بموجب إعلان حالة الطوارئ مؤخرا لمدة 30 يوما وتشمل قيودا محتملة على الصحافة والتجمع فضلا عن تيسير عمليات الاحتجاز. وتظاهر المئات بالشوارع احتجاجا على سعي الشرطة لاعتقال واعظ متشدد وذلك في مسقط رأسه بلدة مساكن القريبة من سوسة. بحسب رويترز.
وفي بلدة القلعة الكبرى القريبة أيضا أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع خلال اشتباكات لتفريق شبان يعارضون الإغلاق القسري لمسجد محلي. وقال شاب إسلامي من سكان المنطقة يدعى نصر الدين "هذه القرارات لن تدفع الا لخلق التوترات.. الحكومة تعلن الحرب على المساجد حتى المعتدلة منها.. انها تخلق التطرف وليس العكس."
من جهة اخرى قال رئيس الوزراء التونسي إن بلاده بدأت في بناء جدار وخندق على طول الحدود مع ليبيا ضمن خطط لوقف تسلل الجهاديين من ليبيا الغارقة في الفوضى. وقال رئيس الوزراء في مقابلة مع التلفزيون الحكومي "بدأنا في بناء جدار رملي وحفر خندق على الحدود مع ليبيا ..الجدار سيكون على طول 168 كيلومترا وسيكون جاهزا في نهاية 2015." وأضاف أن اقامة جدار على الحدود مع ليبيا يهدف لوقف تسلل الجهاديين من ليبيا مضيفا قوله "ليبيا أصبحت معضلة كبرى". وكشف الصيد أن بلاده تدرس أيضا إقامة حواجز الكترونية على الحدود مع ليبيا رغم تكلفتها الباهضة مضيفا أن تونس تدرس مع شركائها تمويل تلك الحواجز.
الحريات في تونس
على صعيد متصل قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن فرض حالة الطوارئ في تونس "يجب ألا يقوض حقوق الإنسان" و"ألا يعطي السلطات التونسية الحق في هضم الحقوق والحريات الأساسية". من جهة أخرى انتقدت تسع منظمات بينها هيومن رايتس ووتش مشروع قانون مكافحة الإرهاب. ففي 4 تموز/ يوليو، أعلن الرئيس الباجي قائد السبسي فرض حالة الطوارئ لمدة شهر، وذلك بعد أسبوع من مقتل 38 سائحا أجنبيا في هجوم دموي على فندق في ولاية سوسة (وسط غرب) تبناه تنظيم "داعش" المتطرف.
واتخذ قائد السبسي هذا الإجراء بموجب "مرسوم" (قرار) رئاسي يعود إلى سنة 1978، ويجيز لرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ لمدة تصل إلى 30 يوما، قابلة للتجديد، في حال وقوع اضطرابات خطيرة تمس النظام العام. وأوضحت هيومن رايتس ووتش في بيان أن مرسوم 1978 "يمنح السلطات صلاحيات واسعة النطاق لتقليص حرية التعبير والحقوق النقابية وحرية التجمع وتكوين الجمعيات، وفرض الاحتجاز التعسفي بدون رقابة قضائية" و"مراقبة الصحافة وكل أنواع المنشورات، وكذلك البث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية".
ولاحظت أن المرسوم يجيز أيضا للسلطة التنفيذية "حظر أي إضراب أو تظاهرة" ترى فيها السلطات "تهديدا للنظام العام"، وفرض الإقامة الجبرية على أي شخص "يعتبر نشاطه خطيراً على الأمن والنظام العامين" وحظر التجمعات التي "من شأنها الإخلال بالأمن". ودعت المنظمة السلطات التونسية إلى "الامتناع عن استخدام هذه الصلاحيات الطارئة على النحو الذي يتجاوز ما يسمح به". وتابعت "بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن بعض حقوق الإنسان الأساسية لا تقبل التقييد حتى في زمن الطوارئ".
وأشارت إلى أن هذه الحقوق هي "الحق في الحياة، والحظر المفروض على التعذيب وإساءة المعاملة، وحظر التمييز، وحرية المعتقد، علاوة على الحق في المحاكمة العادلة وفي عدم التعرض للاحتجاز التعسفي، وبوجه خاص حق كل محتجز في مراجعة احتجازه من قبل محكمة مستقلة". وخضعت تونس لحالة الطوارئ منذ 14 كانون الثاني/ يناير 2011، في أعقاب الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وحتى آذار/ مارس 2014. وقالت المنظمة "إن التحديات الأمنية التي تواجهها تونس قد تتطلب ردودا قوية، ولكن هذا لا يجب أن يؤدي إلى التضحية بالحقوق التي ناضل التونسيون بعد الثورة لضمانها في دستورهم ".
وفي سياق آخر، انتقدت تسع منظمات بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية ومراسلون بلا حدود مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب. وقالت المنظمات في رسالة مشتركة وجهتها إلى البرلمان "بينما لا يزال مشروع -القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإرهاب وبمنع غسل الأموال-، قيد النظر في مجلس نواب الشعب (البرلمان)، نود أن نلفت انتباهكم إلى بعض مواده التي تتعارض مع المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان". ولفتت إلى أن مشروع القانون تضمن "تعريفات فضفاضة وغير دقيقة للإرهاب أو لبعض التهم مثل -تمجيد الإرهاب-" محذرة من أن ذلك قد يؤدي إلى "ملاحقات لا تندرج ضمن نطاق مكافحة الإرهاب، والتضييق على بعض الحقوق أو الحريات الأساسية مثل حرية التعبير أو الحق في التظاهر". بحسب فرانس برس.
وأضافت "يجرم الفصلان 35 و36 (من مشروع القانون) حجب المعلومات المتعلقة بارتكاب جريمة إرهابية، حيث تنطبق تلك الأحكام على بعض الفئات المهنية بشكل خاص، مثل الصحافيين والمحامين والعاملين في المجال الصحي. وقد يشكل ذلك على وجه الخصوص عائقا أمام ممارسة حرية الإعلام من خلال تجاهل متطلبات حرية الصحافة، ولا سيما حق الصحافيين في الحفاظ على سرية مصادرهم"".
إعادة فتح المساجد
من جانب اخر طالبت نقابة تونسية محسوبة على الإسلاميين الحكومة بإعادة فتح مساجد خارجة عن سيطرة الدولة متهمة بـ"التحريض على الإرهاب" وبإرجاع أئمة معزولين كانوا يعتلون منابرها دون تراخيص. وقال لسعد عبيد، أمين عام "المنظمة التونسية للشغل" المحسوبة على حركة النهضة الإسلامية "الأئمة المستهدفون منضوون تحت المنظمة التونسية للشغل ومن واجبنا الدفاع عن منظورينا (..) نطالب الحكومة بإرجاعهم إلى أماكنهم، والمساجد التي أغلقت نطالب بإعادة فتحها". وتابع أن نقابته دعت إلى "وقفة حاشدة ومليونية" أمام مقر وزارة الشؤون الدينية للاحتجاج على قرار الحكومة غلق مساجد وعزل أئمة، لكنها "أجلتها" بعدما أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي فرض حالة الطوارئ في البلاد مدة شهر كامل. واعتبر أن "قرار الطوارئ اتخذ خصيصا لإلغاء هذه الوقفة الاحتجاجية المليونية".
من جهته أوضح نور الدين الخادمي إمام جامع الفتح بالعاصمة تونس أن "القول بأن الإرهاب لصيق المساجد (..) فيه مبالغة عظيمة". وشغل الخادمي منصب وزير الشؤون الدينية في الحكومة السابقة التي قادتها حركة النهضة الإسلامية وسيرت شؤون البلاد من نهاية 2011 وحتى مطلع 2014. واعتبر الخادمي الذي واجه في السابق اتهامات بتحريض شبان تونسيين على "الجهاد" في سوريا، أن القول بأن مساجد تقع "خارج سيطرة" الدولة "ليس تعبيرا دقيقا ويتعارض مع هيبة الدولة". وأضاف "أغلب المساجد إشكالياتها عقارية وإدارية" في إشارة إلى أنه تم بناؤها دون تراخيص من وزارة الشؤون الدينية، معتبرا أنه "كان الأجدر تسوية الوضعية العقارية" لهذه المساجد. بحسب فرانس برس.
من ناحيته حذر رضا الجوادي إمام جامع "سيدي اللخمي" في صفاقس (وسط شرق) من "ضرب الأئمة المعتدلين" لأنه "سيفقد المتهورين من شبابنا الثقة في الدستور (..) وسيؤدي إلى تأجيج الوضع" و"تغذية الإرهاب". وأضاف "إذا تبينا أن حالة الطوارئ ستمارس على الأئمة فقط (..) وقتها سيكون لشعبنا كلام آخر بقيادة أئمته، في إطار السلمية طبعا". إلى ذلك قال بشير بن حسن الذي عزلته مؤخرا وزارة الشؤون الدينية من إمامة جامع "مساكن" من ولاية سوسة (وسط شرق) لعدم حمله ترخيصا قانونيا من الوزارة "هذه الإقالة هي نوع من الاتهام بالإرهاب". وأوضح "التزمنا بقانون الطوارئ تفاديا للاصطدامات وللاشتباكات" و"ليعلم الجميع أن الاحتقان موجود في الشارع التونسي".