حرب الرعاة في افريقيا: عنف جارف يفجر كارثة إنسانية

عبد الامير رويح

2019-06-26 04:30

تعيش أفريقيا ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، حيث تبلغ مساحتها 30.2 مليون كيلومتر مربع (11.7 مليون ميل مربع)، وسكانها حوالي 1.2 مليار نسمة وفقاً لتقديرات سابقة، حرباً مختلفة شهدتها القارة منذ سنوات طويلة تتمثل بالنزعات والحروب القبلية ولاسباب مختلفة منها ما هو سياسي او اقتصادي، حيث تسعى بعض الجماعات الى الحصول على الاراضي والثروة الحيوانية، وشهدت السنوات الاخيرة وبحسب بعض المراقبين، ازدياد عمليات العنف وانتشار بعض العصابات التي تسعى الى السرقة بهدف تمويل بعض الجماعات المسلحة.

وتعد أفريقيا من أفقر قارات العالم المأهولة بالسكان من حيث نصيب الفرد من إجمالي إنتاج البلاد من السلع والخدمات. وتمتلك إفريقيا نحو 12% من احتياطيات النفط في العالم، و40% من الذهب العالمي، وحوالي 90% من خامي البلاتين، والكروم، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، هذه الثروات الاقتصادية المهمة جعلت من هذه القارة هدف اساسي للقوى الدولية التي تسعى تامين مصالحها الخاصة، من خلال اثارة مثل هكذا ازمات تمكنها من التدخل وفرض سيطرتها على تلك الثروات.

تلك التدخلات اسهمت وبحسب بعض المصادر بتساع رقعة الخلافات وال الحروب الأهلية التي انتشرت بشكل واسع في اغلب دول أفريقيا، ويرجع انتشار هذه الحروب إلى مزيج معقد من الدوافع والمتغيرات، ويتمثل أبرزها فى ضعف الاندماج الوطنى فى أغلب الدول الأفريقية ، وذلك بفعل التخطيط العشوائى للحدود إبان الحقبة الاستعمارية، مما أدى إلى عدم تطابق الحدود السياسية مع الحدود السكانية فى معظم دول القارة وهو وضع فشلت معظم النظم الحاكمة الأفريقية فى التعامل معه بحكمة وفاعلية، بل أدت سياساتها إلى تفاقم المشكلة.

واضطر العديد من الجماعات التى شعرت بانها محرومة إلى اللجوء إلى العنف المسلح، أما لتحسين وضعها فى عمليتى التوزيع للثروة والمشاركة السياسية فى الدولة أو للإنفصال عنها. وفى الوقت نفسه، فقد وقف المجتمع الدولي فى الكثير من الحالات متفرجاً وعازفاً عن التدخل فى الحروب الأهلية الأفريقية، أما بسبب ارتفاع التكلفة المادية والسياسية للتدخل فى مثل هذه الصراعات أو بسبب ضعف الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية خاصة فى فترة ما بعد الحروب الباردة أو بسبب قصور نظام الأمن الدولى ذاته لذلك كله، اتسع نطاق الحروب الأهلية فى أفريقيا، كما تعددت أشكالها ، فبعض هذه الحروب يرمى إلى الأنفصال عن الدولة، وبعضها الثانى له دور حول الصراع على السلطة.

مالي

وفي هذا الشأن زار رئيس وزراء مالي بوبو سيسيه منطقة شانغا وبالتحديد قرية سوبامي با التي شهدت مجزرة ذهب ضحيتها مدنيون وبلغت حصيلتها، حسب مصدر رسمي، نحو مئة قتيل، وجاء إثر المجزرة التي وقعت في 23 آذار/مارس في أوغوساغو حيث قضى نحو 160 من أفراد قبيلة الفولاني، في هجوم نسب إلى صيادين من الدوغون في هذه المنطقة التي أصبحت الأكثر دموية في وسط مالي، قرب الحدود مع بوركينا فاسو.

ونقل حاكم منطقة موبتي الجنرال سيدي الحسن توري في تصريح للتلفزيون عن شهادات أدلى بها قرويون أن المهاجمين اقتحموا القرية وهم "يصرخون: الله أكبر، الله أكبر". ومنذ ظهور جماعة الداعية أمادو كوفا الجهادية في المنطقة في عام 2015، والتي تجند بشكل رئيسي بين أبناء الفولاني وهم من الرعاة التقليديين، ازدادت الاشتباكات بين أبناء هذا المجتمع الرعوي وأبناء جماعات بامبارا والدوغون وهم بغالبيتهم مزارعون قاموا بتشكيل مجموعات "الدفاع عن النفس" الخاصة بهم.

وغادر سيسيه باماكو جوا باتجاه القرية المنكوبة في منطقة باندياغارا، إلى الشرق من موبتي مركز الولاية، برفقة وزيري الدفاع والإدارة الإقليمية. وقال مكتبه لوكالة الأنباء الفرنسية إنه "سيواسي الأمة ويتحقق من تعزيز الإجراءات الأمنية". أما الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا الذي اختصر زيارته إلى سويسرا ليعود إلى باماكو، فقال في جنيف "ينبغي ألا يسير البلد باتجاه حلقة من الانتقام والثأر"، داعيا على العكس من ذلك إلى "لم شمل" الماليين الذي قال إنه "وحده كفيل بأن يجعلنا ننهض ويسمح لأمتنا بالبقاء، لأننا نواجه مسألة البقاء". وكان سلف سيسيه، سميلو بوبايي ماغا، قد قدم استقالته في 18 نيسان/أبريل استقالة حكومته بعد سلسلة من التظاهرات ضد إدارة الدولة. واتهم المشاركون في هذه المسيرات الحكومة بالفشل في حماية الناس وعناصر جيشها أنفسهم.

وقال رئيس وزراء مالي إنه كان هناك 24 طفلا على الأقل لقوا مصرعهم خلال المذبحة وإن كثيرين منهم أصيبوا بأعيرة نارية في الظهر. وقال رئيس الوزراء بوبو سيسيه ”كل ضحايا الرعب والوحشية هؤلاء يذكروننا بمسؤوليتنا كزعماء للعمل على تعزيز الأمن والتعجيل بتحقيقه“. وأضاف ”سلام على أرواح ضحايا الشقاق والكراهية الأبرياء هؤلاء“. بحسب رويترز.

وقُتل المئات منذ يناير كانون الثاني في أعمال عنف بين صيادين من عرقية دوجون ورعاة من عرقية فولاني، منها هجوم وقع في مارس آذار وقتل فيه مسلحون ما يزيد على 150 شخصا من الفولاني في واحد من أسوأ أحداث العنف في تاريخ مالي الحديث مما أجبر رئيس الوزراء والحكومة حينذاك على الاستقالة. وتشير أرقام من مشروع بيانات موقع وحوادث النزاعات المسلحة إلى أن العنف العرقي تقدم على هجمات الإسلاميين المتشددين كسبب رئيسي للوفيات الناجمة عن العنف في مالي.

جنوب السودان

على صعيد متصل يتكرر المشهد منذ قرون لدى مربي المواشي في جنوب السودان حيث تغطي أشعة الشمس الأولى الدخان المتصاعد من روث الأبقار الذي يتبخر ببطء ويبقي الذباب بعيدا عن المواشي. وبصورة آلية يغطي الأولاد جلدهم بالرماد لإبعاد الناموس. وتستعد النساء لحلب الأبقار والرجال يأخذون قطعانهم إلى المراعي في أسوا فترة من موسم الجفاف. وتربية الماشية تؤثر في كل جوانب الحياة لدى مربيها في جنوب السودان، وأحيانا تدفع حتى إلى العنف.

وسرقة المواشي عادة موجودة في جنوب السودان منذ زمن بعيد، لكنها شهدت في السنوات الأخيرة تغييرات جذرية. فقد أدت الحرب لاستقلال السودان ثم الحرب الأهلية منذ 2013 إلى إدخال أسلحة أوتوماتيكية ألى البلاد وأضرت بالآلية التقليدية لتسوية النزاعات. واستبدلت رماح الرعاة برشاشات الكلاشنيكوف في حين رفع تدفق أموال النفط والجهات المانحة بعد استقلال العام 2011 أسعار الزوجات وتستخدم الأبقار في مهرن. وتترجم سرقة المواشي بهجمات دامية بأسلحة أوتوماتيكية ما ينمي رغبة في ثأر لا تنتهي.

وبحسب بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان قتل 218 مربيا في شهر كانون الثاني/يناير وحده في هجمات من هذا النوع. وقال بوك دووت وهو مرب في ال25 قرب أودييه (شمال شرق) "من المستحسن اقتناء سلاح لأنه يساعد في حماية المواشي". وفي ثقافة قبائل النوير والدينكا، أهم مجموعتين لمربي المواشي في البلاد، يتم إطلاق أسماء على الأبناء الذكور تصف ميزات الثيران المفضلة لدى الأسرة وكتابة أغان تمجد هذه المواشي التي لها قرون طويلة مميزة.

وقال بينو شوير زعيم دينكا من مخيم أمادينغ خارج مدينة رومبيك (وسط) إحدى المناطق الأكثر تأثرا من أعمال العنف المرتبطة بسرقة المواشي "إذا كنت مريضا يمكنك بيع بقرة وتستخدم الأموال للعلاج". وأضاف "إذا توفيت امرأة وتركت رضيعا سيعيش لأن حليب البقرة سيستخدم في تغذيته". وسمعة رجل وثروته مرتبطة بحجم ماشيته وهي بمثابة حساب مصرفي. ويبلغ ثمن كل بقرة حوالى 500 دولار (440 يورو). وفي 1940 المتخصص البريطاني في الأنتروبولوجيا إدوارد إفنز-بريتشارد كان يؤكد على هيمنة المواشي في أذهان الشبان، وهذا ما كان أحيانا يحبط الباحث.

وكتب في أحد أبحاثه بعنوان "النوير" انه "كنت أحيانا أشعر باليأس لعدم التمكن من التحدث مع الشباب سوى عن المواشي والفتيات. وحتى موضوع الفتيات كان يفضي إلى التطرق للماشية". وقال زعيم النوير "بالنسبة لنا البقرة مصدر المال". وأضاف شوير في أوساط مربي الماشية النساء الممشوقات هن الأكثر شعبية. وأكد أنه حصل على مهر من 250 رأس ماشية لأطول بناته.

ويوضح ماجوك مون من منظمة "سيفر وورلد" غير الحكومية ان "ثمن زوجة" زاد إلى حد كبير منذ استقلال البلاد في 2011. واستفادت الشخصيات السياسية والضباط والوجهاء من مناصبهم "للحصول على أموال كبرى" وساهموا في رفع السعر المتوسط للمهر من عشرين إلى مئة رأس ماشية. وبين ليلة وضحاها أصبح العديد من الرجال عاجزين عن الزواج لعدم توفر المال. كما تدفقت كميات كبيرة من الأسلحة النارية إلى البلاد بين حرب الاستقلال ضد السودان والنزاع الداخلي الذي اندلع في كانون الأول/ديسمبر 2013 على خلفية منافسة بين الرئيس سالفا كير وهو من الدينكا ونائبه السابق رياك مشار وهو من النوير.

وبحسب بيتر مشار من منظمة "سايف وورلد" عمد الجانبان إلى تعبئة المربين وتسليحهم. وبسبب حيازتهم أسلحة، نسي المربون الأساليب التقليدية لتسوية الخلافات بفضل وساطة الزعماء القبليين، وباتوا يفضلون اللجوء إلى العنف. وبحسب شوير، ساهمت الأسلحة في إعطاء بعد جديد لسرقة المواشي. ويرى تقرير حول عسكرة سرقة المواشي في جنوب السودان نشر في 2018 في "جورنال أوف انترناشونال هيومانيتاريان أكشن" أن كير ومشار "فقدا السيطرة على لصوص المواشي" الذين ساهما في مدهم بالسلاح. بحسب فرانس برس.

ورغم الهدوء النسبي في جنوب السودان منذ توقيع اتفاق سلام جديد في أيلول/سبتمبر 2018 لا تزال الخلافات قائمة بين مربي المواشي. وهجماتهم الدامية تتسبب في سقوط عدد أكبر من الضحايا بين النساء والأطفال التي لم تعد لها علاقة مع الحرب الأهلية. وقال ديفيد شيرر الرجل الأول في الأمم المتحدة في البلاد "أصبحنا بعيدين عما كان يحصل في جوبا لدى النخبة" الذين اتفقوا على تقاسم السلطة. ويعتبر العامل الإنساني ماجوك مون أن المشهد الحالي لا يوحي بسلام دائم : "ولد هذا الجيل ونشأ مع الحرب (...) يشكلون غالبية وهم من يقاتل. فكيف يمكننا تغيير ذلك؟".

نيجيريا

في السياق ذاته أدت اشتباكات وقعت في نيجيريا بين مزارعين ورعاة ماشية إلى سقوط أكثر من 3600 قتيل منذ 2016 معظمهم هذا العام وذلك حسبما قالت منظمة العفو الدولية في تقرير يوثق تصاعدا في أعمال العنف يمكن أن يؤثر على نتائج الانتخابات التي تجري في فبراير شباط 2019 . ويسعى الرئيس محمد بخاري إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية في هذه الانتخابات ولكن حملته تأثرت سلبا نتيجة اتهامات بالتساهل في تطبيق العدالة على أحد الجانبين المسؤول عن هذه الاشتباكات،وهو الرعاة، والذين ينتمي كثيرون منهم إلى قبيلة الفولاني التي ينتمي إليها بخاري. ونفت الرئاسة مرارا مثل هذه الاتهامات.

وغالبا ما يتم وصف أعمال العنف تلك على أنها عرقية-دينية بين رعاة الماشية الذي أغلبهم من المسلمين من الفولاني والمزارعين الذين معظمهم من المسيحيين . ولكن خبراء وساسة كثيرين يقولون إن المناخ تغير وأدى التوسع في الزراعة إلى خلق صراع على الأرض يدفع المزارعين والرعاة إلى الصدام بصرف النظر عن الدين أو الأصول العرقية. وقالت منظمة العفو في بيان إن ”تقاعس السلطات النيجيرية عن التحقيق في الاشتباكات الطائفية ومحاكمة الجناة أدى إلى تصعيد دام في الصراع بين المزارعين ورعاة الماشية عبر البلاد مما أسفر عن سقوط ما لا يقل عن 3641 قتيلا خلال السنوات الثلاثة الماضية وتشريد آلاف آخرين“. ولم يرد الجيش والشرطة في نيجيريا على طلب للتعليق.

وقالت المنظمة إن من بين 310 هجمات سجلت فيما بين يناير كانون الثاني 2016 وأكتوبر تشرين الأول 2018 وقع 57 في المئة منها في 2018. وقالت مجموعة الأزمات الدولية في يوليو تموز إن الصراع بين المزارعين والرعاة أدى إلى سقوط عدد من القتلى أكثر ست مرات عن قتلى الحرب مع جماعة بوكو حرام في النصف الأول من عام 2018. بحسب رويترز.

وقالت أوساي أوجيجو مديرة منظمة العفو الدولية بنيجيريا ” بسبب تقاعس قوات الأمن في بعض المناطق تستخدم المنافسة على الموارد ذريعة للقتل والتشويه على أساس عرقي أو ديني“. وأضافت أن ”هذا الصراع يتم تسيسه بشكل خطير أيضا من قبل بعض مسؤولي حكومات الولايات الذين يؤججون التوترات من خلال عملية الانحاء باللوم على طرف ما على أساس حزبي“.

من جانب اخر أعلنت الشرطة النيجيرية الجمعة أنّها قتلت أكثر من 100 من "قطّاع الطرق" في حملة أمنية استهدفت مكافحة الجريمة في ولاية زامفارا في شمال غرب البلاد التي شهدت في الآونة الأخيرة تزايداً في عمليات الخطف وسرقة الماشية. وقال متحدّث باسم الشرطة الوطنية جيمو موشود في بيان إنّ وحداتها "صدّت هجمات لقطاع طرق" في ماهانغا فوريست في عملية أمنية "قتلت خلالها 104 مجرمين".

وتواجه نيجيريا تهديدات من عصابات إجرامية وجماعات جهادية عدة أبرزها جماعة بوكو حرام، التي يثير فصيلها المبايع لتنظيم داعش قلقا متزايدا بعد سلسلة اعتداءات استهدفت الجيش.

الجنوب المغربي

الى جانب ذلك شهدت منطقة سوس في جنوب المغرب في الأشهر الأخيرة توترات بين رعاة رحل يسعون وراء الكلأ والماء ومزارعين يشكون "تعديا" على حقول وغابات يعتبرونها ملكا لهم، بينما تسعى السلطات لتنظيم الترحال الرعوي بقانون يرفضه كلا الطرفين. ويستقر مولود (40 عاما) في مدينة تيزنيت في جنوب المغرب منذ سنوات من دون أن يتخلى عن الترحال الرعوي، "فهو جزء أصيل من الهوية المغربية، ولا يمكن وضعنا في قفص"، كما يقول مفترشا زربية زرقاء تحت خيمة يتخذها الرعاة عادة مأوى لهم أثناء ترحال قطعانهم بين المروج والقرى.

ونصبت الخيمة في سهل خارج المدينة في قرية أربعاء الساحل غير بعيد عن الهضاب التي يتخذها هؤلاء مراعي لقطعان أغنام وماعز. وتكسو شجرة الأركان ونبات الصبار هذه الهضاب وتنتشر وسطها حقول قمح وذرة. ويشير حماد (35 سنة) منفعلا إلى حقل "أتت عليه أغنام الرحل". ويضيف المزارع المقيم هنا مع عائلته "كل هذه الأراضي ملك للسكان الأصليين أبا عن جد وليست منطقة رعوية. إذا أرادت الدولة توفير مراعي للرحل فليكن ذلك في مناطقهم".

وتعد هذه الهضاب الواقعة على مقربة من الساحل الأطلسي من الوجهات التي يقصدها الرعاة الرحل منذ عقود، لكن السنتين الأخيرتين شهدتا "توافد أعداد هائلة من القطعان تزاحمت في هذا الفضاء بسبب الجفاف ما أدى إلى نشوب احتكاكات مؤسفة مع بعض السكان"، بحسب مولود. ونشرت "تنسيقية أكال (الأرض بالأمازيغية) للدفاع عن حق الساكنة في الأرض والثروة" على صفحتها على "فيسبوك" صورا ومقاطع فيديو تظهر أشخاصا ملثمين يحملون عصيا وسيوفا، قالت إنهم رعاة رحل "اعتدوا" على أشخاص في قرى عدة بسوس.

وسجلت التنسيقية التي تتكون من جمعيات أمازيغية وإنمائية، "18 حالة اعتداء في منطقة أربعاء الساحل وحدها منذ كانون الأول/ديسمبر"، بحسب حسن العضو فيها. ويظهر أحد الفيديوهات قطعان إبل "تبيد" أشجار الأركان واللوز، بحسب تعبير الصفحة. وتؤكد السلطات تسجيل 15 حالة احتكاك فقط منذ بداية السنة في منطقة سوس برمتها، معتبرة أنه "جرى تهويل" هذه الحوادث.

وبحسب شهادات عدة، يعمد بعض السكان إلى تسميم المياه والأعشاب التي تقتات منها الماشية. ولتفادي تسمم الماشية، يحفظ الرعاة المياه في حاويات بلاستيكية تنقل على سيارات "لاندروفر" ملازمة لأغلب الرحل. ولا تقتصر النزاعات على الحقول الزراعية وإنما على مجمل الأراضي الحرجية التي يعتبرها السكان "ملكا" لهم يديرونها وفق "أعراف" متوارثة. وتمتد الغابات على أكثر من 1,2 مليون هكتار في منطقة سوس.

ويتحدر معظم الرعاة الرحل من المناطق الصحراوية، بما فيها تلك الواقعة في الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. ويشير الرعاة المتحلقون تحت الخيمة حول صينية شاي إلى أن مروج أربعاء الساحل استقبلت لأول مرة هذه السنة رعاة قطعوا أكثر من 1000 كيلومتر، بسبب حدة الجفاف الذي يضرب المغرب دوريا. وتشكل الصدامات الأخيرة محور أحاديث هؤلاء الذين يلحون على "فخرهم" بثقافة الترحال ونمط العيش المرتبط به، متخوفين من تضرر سمعة الرحل جراء تلك الحوادث.

وفي خيمة مجاورة، تحضر نساء مرق لحم دسم وكبدا مشويا. ويلفت أبو بكر باسما "هذا لحم صحي، مواشينا تقتات على أعلاف طبيعية". ويمتد الترحال الرعوي في المواسم الجافة معظم السنة، ويقتصر على فصل الصيف إذا كان الموسم ماطرا. ويصل حتى منطقة دكالة الخصبة وسط غرب البلاد. ويوضح أستاذ الدراسات الصحراوية بجامعة محمد الخامس بالرباط مصطفى ناعمي أن الترحال ظاهرة قديمة جدا في المغرب، لكنها تقلصت في العقود الأخيرة بتطور العمران وضرورات الحياة العصرية و"تطورت من ترحال نواته الأسرة إلى ترحال أصبح الراعي وحدته الأساسية".

وتراجع عدد الأسر التي تعيش على الترحال ب63 بالمئة في ظرف عشر سنوات، ليبلغ 25274 شخصا، بحسب إحصاء السكان لسنة 2014. ويشير أبو بكر إلى أن ارتياد الأبناء للمدرسة فرض على معظم الرعاة استقرار أسرهم، ويروي أنه اضطر هو الى الانقطاع عن الدراسة ليمارس الترحال الرعوي مبكرا. وتقول وزارة الزراعة المغربية أن تراجع الترحال التقليدي مقابل نمو الترحال الرعوي "يساهم في تدهور الغطاء النباتي ونشوب نزاعات من خلال التوافد في وقت وجيز لأعداد كبيرة من القطعان بمختلف أصنافها" الى مناطق معينة.

وتقدر الوزارة عدد الرعاة الرحل حاليا بـ40104، يرعون نحو ثلاثة ملايين و150 ألف رأس من الماشية موزعة بين أغنام وماعز وإبل تنقل في شاحنات. بالنسبة لحسن، لم يعد الأمر يتعلق برعاة "تقليديين" يأخذون الإذن من السكان بموجب أعراف متوارثة، وإنما "مستثمرين لا تستوعبهم المنطقة". لكن التنسيقية التي ينتمي إليها ترفض القانون الذي تطمح من خلاله الحكومة إلى "استغلال عقلاني للغطاء النباتي" وتفادي الصدامات. وهو القانون الذي يرفضه أيضا "معظم الرعاة"، بحسب مولود.

وينص القانون الجديد على تحديد مسارات الترحال والمناطق الرعوية ضمن مجال شاسع يشمل تسعة ملايين هكتار من الغابات التي تضم أكثر من أربعة آلاف نوع من النباتات، بحسب معطيات رسمية. ولا يسمح للرحل بالتنقل والرعي سوى في المسارات المحددة بعد الحصول على تراخيص، تحت طائلة إجراءات عقابية قد تصل الى حدّ حجز قطعان الماشية. بحسب فرانس برس.

ويوضح مولود "لسنا ضد التقنين، لكننا لن نبقى رحالة إذا فرض علينا قانون يقيد حركتنا". أما تنسيقية "أكال" فترفض مبدأ تحديد مناطق رعوية أو محميات في أراض تعتبرها ملكا للسكان ينتفعون بها وفق الأعراف المتوارثة. ويقول حماد "السكان الأصليون اعتنوا بالغابة وحموها منذ قرون قبل مجيء الإدارة".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي