السلام في أفغانستان: واقع قريب أم ضرب من الأحلام؟
عبد الامير رويح
2019-01-15 04:10
مع استمرار المبادرات والتحركات نحو السلام في أفغانستان، تسعى حركة طالبان التي اصبحت وبحسب بعض المراقبين أكثر قوة خصوصا بعد القرارات الاخيرة، التي اعلن عنها الرئيس الامريكي دونالد ترامب ومنها انسحاب القوات الامريكية من افغانستان، وهو ما اثار مخاوف وقلق بعض الجهات، وكانت المحاولات السابقة لعقد مباحثات سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان قد باءت بالفشل لرفض الحركة بدء أي تفاوض قبل مغادرة جميع القوات الأجنبية البلاد، والتي تعتبرها طالبان "قوات احتلال".
ومنذ عام 2001، والحرب دائرة فى أفغانستان، أسفرت تلك المعارك إلى مقتل الآلاف من العسكريين والمسلحين وكذلك المدنين، بالإضافة إلى تدمير المبانى والعديد من الممتلكات العامة والخاصة. ويسعى المجتمع الدولى بالعمل على وقف إطلاق النار فى الأراضى الأفغانية. حيث تحركت الكثير من الدول من اجل ايجاد اتفاق خاص في هذا البلد. وتحاول طالبان بحسب بعض المصادر، إظهار أنها تغيرت منذ أيام الوحشية التي أظهرتها في التسعينيات عندما حظرت الموسيقى ومنعت تعليم البنات ونفذت إعدامات علنية في استاد لكرة القدم في كابول.
وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد لرويترز في مقابلة "إذا حل السلام وعادت طالبان فلن تكون بنفس الأساليب القاسية كما كانت في 1996" مشيرا إلى العام الذي سيطرت فيه الحركة على السلطة في كابول قبل الإطاحة بها بالغزو الذي قادته القوات الأمريكية في 2001. وأضاف "نريد أن نؤكد للمواطنين الأفغان أنه لن يكون هناك خطر على أحد من جانبنا". وجاءت تصريحات المتحدث باسم طالبان بينما زادت وتيرة التحركات نحو مفاوضات السلام بعد سلسلة اجتماعات بين المبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد وممثلين للحركة خلال الأشهر الماضية.
وزادت التوقعات بتحول حاسم في وضع البلاد بعد تقارير عن أن الولايات المتحدة قد تسحب أكثر من 5000 جندي منها وذلك في تغيير مفاجئ للاستراتيجية الأمريكية السابقة التي قامت على تصعيد الضغط العسكري على طالبان.
وقال مجاهد "معارضتنا هي لوجود القوات الأجنبية في أفغانستان. عندما تنسحب ويتم التوصل إلى اتفاق سلام سيتم وقتئذ إعلان عفو في جميع أنحاء البلاد". وتقارير الانسحاب أثارت القلق لدى كثير من الأفغان الذين لهم تجارب مريرة مع حكم الحركة المتشددة، كما انها دفعت بعض الدول الى اعتماد طرق جديدة للحوار مع طالبان من اجل تأمين مصالحها في هذا البلد، ومنها ايران وهو ما اثار مخاوف جهات وشخصيات كثير داخل الولايات المتحدة، كما اثار قلق بعض حلفائها ومنهم المملكة العربية السعودية اهم خصوم ايران في المنطقة. ويعتقد كثير من الأفغان أن طالبان ستعود إلى سابق عهدها إذا عادت إلى الحكم. وقالت مالينا حميدي وهي مدرسة في إقليم بلخ "أثق بنسبة مئة في المئة أنه حال عودة طالبان إلى السلطة فستكون طالبان نفسها التي حكمت أفغانستان في التسعينيات".
خلافات ومطالب
وفي هذا الشأن قالت حركة طالبان إنها ألغت محادثات سلام مقررة مع مسؤولين أمريكيين في قطر بسبب ”خلافات بشأن جدول الأعمال“، وخاصة حول مشاركة مسؤولين أفغان بالإضافة إلى وقف إطلاق النار المحتمل وتبادل الأسرى. وكان مسؤولون كبار من طالبان قالوا في وقت سابق إن من المقرر أن تبدأ المحادثات في قطر ولمدة يومين، لكن الحركة المتشددة رفضت مشاركة مسؤولين من الحكومة الأفغانية التي تصفها بأنه ”دمية“.
والتدخل العسكري الأمريكي في الحرب الأفغانية هو الأطول من نوعه خارج البلاد. وكلف هذا التدخل واشنطن ما يقرب من تريليون دولار كما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص. وقال مصدر من طالبان ”أصر المسؤولون الأمريكيون على ضرورة أن تلتقي طالبان بالسلطات الأفغانية في قطر واختلف الجانبان حول إعلان وقف لإطلاق النار في 2019“. وأضاف ”اتفق الجانبان على عدم اللقاء في قطر“.
وكان ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان قال في وقت سابق إن الجانبين ما زالا يعملان على التفاصيل الفنية مضيفا أن جدول أعمال المحادثات ليس واضحا. ولم ترد السفارة الأمريكية في كابول على الفور على طلب للتعليق على إلغاء المحادثات. وكانت ستصبح هذه المحادثات رابع جولة في سلسلة من المحادثات بين قيادات في طالبان والمبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد. وقال قيادي في طالبان إنه كان مقررا أن تشمل المحادثات قضايا مثل الانسحاب الأمريكي وتبادل الأسرى ورفع حظر على حركة زعماء طالبان.
وقالت مصادر من طالبان إن الحركة طلبت من السلطات الأمريكية إطلاق سراح 25 ألف أسير مقابل الإفراج عن ثلاثة آلاف لكن المسؤولين الأمريكيين لم يبدوا حماسة لمناقشة تبادل الأسرى في هذه المرحلة. وقال مسؤول ثان في حركة طالبان ”لم نكن لنعلن عن أي وقف لإطلاق النار إلا بعد أن نحقق مكاسب كبيرة على الأرض. لدينا شعور بأن زلماي خليل زاد ليس لديه السلطة الكافية لاتخاذ قرارات مهمة“. وقالت طالبان إن خليل زاد سيزور الإمارات وأفغانستان وباكستان والهند والصين لمواصلة المناقشات. ولم يتسن الاتصال بمكتب خليل زاد للتعقيب.
وكانت حركة طالبان قد رفضت طلبات عديدة من قوى إقليمية بالسماح لمسؤولين أفغان بالمشاركة في المحادثات قائلة إن الولايات المتحدة هي خصمها الرئيسي في الحرب الدائرة منذ 17 عاما وإن كابول ما هي إلا نظام دمية. ورفضت الحركة الاجتماع مع مسؤولين أمريكيين بالسعودية هذا الأسبوع لإصرار الرياض على حضور ممثلين للحكومة الأفغانية. وشاركت السعودية وباكستان والإمارات في جولة المحادثات السابقة في ديسمبر كانون الأول. بحسب رويترز.
وقال دبلوماسيون غربيون في كابول إن تعاون باكستان في عملية السلام سيكون مفصليا حتى تتكلل بالنجاح. وذكر محللون مستقلون في مجال الأمن ودبلوماسيون أن الجيش الباكستاني القوي حافظ على صلات وطيدة بطالبان الأفغانية. واتهم مسؤولون أمريكيون باكستان بأنها توفر ملاذا آمنا لمتشددي طالبان في مناطقها الحدودية وتستغلهم لصالح سياستها الخارجية.
نقل المحادثات
على صعيد متصل قال مسؤولون في حركة طالبان إن الحركة لن تحضر محادثات سلام مزمعة مع الولايات المتحدة في السعودية وتريد نقل مكان إجراء المباحثات إلى قطر وذلك تلافيا لسعي الرياض إشراك الحكومة الأفغانية في الحوار. وجولة المفاوضات هي الرابعة ضمن سلسلة تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 17 عاما في أفغانستان ومن المقرر إجراؤها بين زعماء طالبان والمبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد لمناقشة انسحاب القوات الأجنبية ووقف محتمل لإطلاق النار في 2019.
ورفض زعماء الحركة الإسلامية المتشددة عرضا من الحكومة الأفغانية لإجراء محادثات مباشرة رغم ضغوط دولية متزايدة في سبيل إشراك الحكومة المدعومة من الغرب في المحادثات. وقال عضو بارز في طالبان بأفغانستان مشترطا عدم ذكر اسمه ”ليس من المفترض أن نلتقي بمسؤولين أمريكيين في الرياض ونستأنف عملية السلام التي لم تكتمل في أبوظبي “. وأضاف ”المشكلة هي أن زعماء السعودية والإمارات أرادوا منا أن نلتقي بوفد الحكومة الأفغانية تحديدا وهو أمر ليس بمقدورنا في الوقت الحالي وألغينا الاجتماع في السعودية“.
وتابع أن طالبان تريد تغيير مكان إجراء المحادثات إلى قطر التي يوجد فيها المقر السياسي للحركة واستضافت محادثات سابقة. وأكد ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان أن الحركة قررت إلغاء الاجتماع في السعودية لكنه لم يقدم معلومات عن مكان جديد لها. وقال قيادي آخر كبير في طالبان إن الحركة أوضحت للسعودية أنه لا يمكنها الاجتماع بالحكومة الأفغانية في هذه المرحلة. وأضاف ”يعلم الجميع حقيقة أن الحكومة الأفغانية لا ترغب في رحيل الولايات المتحدة وحلفائها ودفعنا ثمنا باهظا لطرد كل القوات الأجنبية من بلادنا“. وتابع ”لماذا يتعين علينا الحديث مع الحكومة الأفغانية؟“. بحسب رويترز.
وتعتبر طالبان الولايات المتحدة خصمها الرئيسي في الحرب الأفغانية وتنظر إلى المحادثات المباشرة مع واشنطن على أنها مسعى مشروع في سبيل انسحاب القوات الأجنبية قبل التواصل مع الحكومة الأفغانية. وحرب أفغانستان هي أطول تدخل عسكري أمريكي خارج أراضي الولايات المتحدة وكلفت واشنطن قرابة تريليون دولار وراح ضحيتها عشرات الآلاف. وتكثفت الجهود الدبلوماسية لحل الصراع منذ أن بدأت العام الماضي لقاءات بين ممثلين لطالبان وخليل زاد الدبلوماسي الأمريكي المولود في أفغانستان. والتقى مسؤولون من الأطراف المتحاربة ثلاث مرات على الأقل لكن حدة القتال لم تتراجع.
مفاوضات في طهران
من جانب اخر قالت إيران إن ممثلين عن حركة طالبان الأفغانية أجروا مفاوضات مع مسؤولين إيرانيين في طهران فيما تسعى الجمهورية الإسلامية إلى دفع محادثات السلام في الدولة المجاورة لكبح تأثير جماعات إسلامية أخرى. وذكر بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية أن المحادثات جرت بعلم الرئيس الأفغاني أشرف غني وتهدف إلى رسم معالم مفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية. وقال قاسمي”كان هناك وفد من طالبان في طهران أجروا مفاوضات شاملة مع نائب وزير الخارجية الإيراني“.
من جانبها أعلنت حركة طالبان أفغانستان أنها بحثت في اجتماعها الأخير مع مسؤولين في إيران "مرحلة ما بعد انتهاء الاحتلال"، في وقت تبذل طهران جهودا منسّقة للدفع باتجاه السلام قبل انسحاب أميركي محتمل. ويأتي إعلان الحركة الأفغانية بعد تأكيد إيران أن وفدا من طالبان زار العاصمة الإيرانية طهران حيث عقد جولة محادثات هي الثانية في غضون أيام بهدف إنهاء نزاع مستمر منذ 17 عاما.
وأعلنت الحركة في بيان نشرته على وسائل التواصل الاجتماعي وأرسلته بالبريد الإلكتروني للصحافيين أن وفدها بحث في إيران "مرحلة ما بعد انتهاء الاحتلال، وإعادة إحلال السلام والأمن في أفغانستان والمنطقة". ومن شأن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان أن يعزز ثقة طالبان بعد ان أبلغ مسؤولون أميركيون عدة وسائل إعلامية بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر سحب نحو نصف الجنود الأميركيين المنتشرين في البلاد.
وكانت تقارير سابقة أفادت عن عقد محادثات بين إيران وطالبان، إلا أن طهران نفتها كعادتها. ويتوقع أن يثير الدفع الحالي نحو السلام القلق في أوساط صقور السياسة الأميركية الذين يخشون من أن يخلي قرار ترامب سحب قوات بلاده من سوريا وأفغانستان الساحة لإيران لتعزيز نفوذها في المنطقة. وعقد أعضاء طالبان لقاءات كذلك مع وفود من الولايات المتحدة وباكستان والسعودية في الإمارات في وقت سابق ، لكنهم رفضوا حتى الآن لقاء وفد حكومي أفغاني. بحسب فرانس برس.
ولطالما دعمت طهران أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان، التي تعرّضت للكثير من الاضطهاد والعنف إبان حكم حركة طالبان للبلاد في تسعينيات القرن الماضي. ونسّقت إيران مع الولايات المتحدة والقوى الغربية خلال حملة إطاحة حكم طالبان بعد الغزو الأميركي لأفغانستان في 2001. إلا أن تقارير غربية ومصادر أفغانية تفيد أن الحرس الثوري الإيراني أقام في السنوات الأخيرة علاقات مع طالبان بهدف إخراج القوات الأميركية من أفغانستان.
دور غير مهيمن
في السياق ذاته قال وزير الخارجية الإيراني إنه يجب أن يكون لطالبان دور في أفغانستان في المستقبل لكنه أضاف أن دور الحركة الإسلامية المتشددة يجب ألا يكون مهيمنا. تكثفت الجهود المبذولة للتفاوض على تسوية للحرب الدائرة منذ 18 عاما في أفغانستان في الأسابيع الأخيرة حتى في ظل تقارير عن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يخطط لسحب آلاف الجنود الأمريكيين مما أثار حالة من عدم التيقن في كابول.
وأجرى المبعوث الأمريكي الخاص للمصالحة في أفغانستان زلماي خليل زاد ثلاث جولات من المحادثات مع طالبان لكن الحركة ألغت جولة رابعة كان من المقرر عقدها في قطر هذا الأسبوع. وقالت حركة طالبان إنها ألغت المحادثات بسبب ”خلافات بشأن جدول الأعمال“، خاصة حول مشاركة مسؤولين من الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب بالإضافة إلى وقف محتمل لإطلاق النار.
وتشعر إيران الشيعية بقلق منذ فترة طويلة من حركة طالبان السنية. لكن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال في زيارة للهند إن إيران أجرت اتصالات على مستوى مسؤولي المخابرات مع طالبان لأنها تحتاج لتأمين المناطق الحدودية التي تسيطر عليها الحركة على الجانب الأفغاني. وأضاف ظريف الموجود في الهند لإجراء محادثات مع الزعماء الهنود في مقابلة مع شبكة تلفزيون إن.دي.تي.في ”أعتقد أن من المستحيل ألا يكون لطالبان دور في أفغانستان في المستقبل“. وأضاف ”لكننا نعتقد كذلك أنه يتعين ألا يكون لطالبان دور مهيمن في أفغانستان“. بحسب رويترز.
وتريد طالبان، التي تقاتل لإخراج القوات الأجنبية من البلاد وهزيمة الحكومة، إعادة فرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية في أفغانستان بعد أن أطاحت قوات تقودها الولايات المتحدة بحكمها في 2001. وقال ظريف إن الأمر يرجع لأفغانستان في تحديد الدور الذي ستلعبه طالبان لكن جيران أفغانستان لا يريدون أن تكون لطالبان سلطة مهيمنة. وقال ”لا أحد في المنطقة يعتقد أن هيمنة طالبان على أفغانستان ستخدم المصالح الأمنية للمنطقة. أعتقد أن هذا شبه إجماع“.
من جانب اخر نقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن علي شمخاني المساعد المقرب من الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي قوله إن مسؤولين أمريكيين تواصلوا معه خلال زيارة قام بها لأفغانستان طلبا لإجراء محادثات مع طهران. وتصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة منذ مايو أيار عندما انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع قوى عالمية عام 2015 ثم أعاد فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية التي كان قد تم رفعها من قبل تماشيا مع الاتفاق.
ونقلت الوكالة شبه الرسمية عن شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قوله ”خلال زيارتي لكابول طلب الأمريكيون إجراء محادثات“ دون أن يحدد ما كان الجانب الأمريكي يريد بحثه. وفي عام 2001 عملت إيران مع الولايات المتحدة للمساعدة في تشكيل حكومة أفغانية جديدة تحل محل حركة طالبان، التي تمت الإطاحة بها من الحكم في حملة عسكرية قادتها الولايات المتحدة في أعقاب هجمات نفذها تنظيم القاعدة على مدن أمريكية في 11 سبتمبر أيلول. وكان شمخاني في كابول لإجراء محادثات مع طالبان ”للمساعدة في كبح المشاكل الأمنية في أفغانستان“. وقال إن حكومة كابول كانت على علم بمحادثاته مع طالبان. وتتهم واشنطن إيران بمحاولة مذ نفوذها في غرب أفغانستان بتوفير تدريب عسكري وتمويل وأسلحة لطالبان وهي مزاعم تنفيها طهران.