فرنسا وإيران: ما دلالات التوتر المعلن على مستقبل العلاقات بينهما؟

عبد الامير رويح

2018-10-15 04:35

يبدو أن العلاقات الفرنسية - الإيرانية في طريقها إلى الانهيار، بسبب التصعيد الكلامي والاتهامات المتبادلة والاجراءات الجديدة التي اتخذتها فرنسا ضد ايران، المتهمة بمحاولة تنفيذ اعتداء إرهابي تم إحباطه في 30 يونيو الماضي بمنطقة فيلبنت الفرنسية". حيث قالت فرنسا وكما نقلت بعض المصادر، إنه لا يساورها أي شك في أن وزارة المخابرات الإيرانية تقف وراء مؤامرة في يونيو حزيران لمهاجمة مؤتمر لجماعة معارضة في المنفى خارج باريس وأنها صادرت أصولا تخص أجهزة المخابرات الإيرانية وأخرى لاثنين من المواطنين الإيرانيين. وقد يكون لتدهور العلاقات مع فرنسا تداعيات أكبر على إيران إذ يأتي في وقت تتطلع فيه حكومة الرئيس روحاني إلى العواصم الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي، الذي أبرم عام 2015 بين إيران وقوى عالمية، بعد انسحاب الولايات المتحدة منه ومعاودة فرضها عقوبات مشددة على الجمهورية الإسلامية.

وحذرت فرنسا طهران من أنها ينبغي أن تتوقع ردا قويا على إحباط محاولة الهجوم، الأمر الذي فاقم توتر العلاقات الدبلوماسية. كما أجلت باريس ترشيح سفير جديد إلى إيران ولم ترد على ترشيحات طهران لمناصب دبلوماسية في فرنسا. وقالت إدارة الرئيس ترامب إنها تتوقع أن تلحق إعادة فرض العقوبات أضرارا شديدة بالاقتصاد الإيراني. ويرى البعض ان اجراءات السلطات الفرنسية الجديدة ضد طهران التي تنفي مثل هكذا اتهامات، ربما ستسهم بتعقيد الامور وتقتل فرص التقارب والتباحث بين الطرفين فيما يخص بعض القضايا الخلافية. من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان الاجراءات الفرنسية هي خطوة جديدة للوقوف مع الولايات المتحدة من اجل الضغط على ايران والحد من طموحاتها التوسعية في المنطقة. وتدعو باريس ايضا لفتح نقاش حوله وفق الصيغة التي اعتمدت في الملف النووي؛ بالاتفاق مع مجموعة «5+1»، (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا). وتذهب باريس إلى حد اقتراح فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على طهران في حال رفضها التجاوب.

وأعلن وزير الخارجية جان إيف لو دريان في وقت سابق عقب زيارة قام بها إلى واشنطن حيث التقى نظيره ريكس تيلرسون ومستشار الرئيس ترمب للأمن القومي الجنرال ماك ماستر، إن هناك تفاهما بين باريس وواشنطن على «ممارسة ضغوط قوية على طهران» للحد من نشاطاتها الصاروخية الباليستية حيث نجحت في «تحقيق قدرات أكبر فأكبر». وأردف لو دريان أن بلاده يمكن أن تقترح «فرض عقوبات» على طهران لدفعها للتجاوب. ووفق مصادر رسمية فرنسية فإن العقوبات هي «الحل الأنجع» وإن إيران «ما كانت لتوقع على الاتفاق النووي من غير العقوبات».

اتهامات وعقوبات

وفي هذا الشأن اتهمت السلطات الفرنسية وزارة الاستخبارات الايرانية بالتخطيط لاعتداء قرب باريس تم إحباطه، كان يستهدف في حزيران/يونيو الماضي تجمعا لمعارضين ايرانيين، وقررت فرض عقوبات على مصالح ايرانية في فرنسا. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي طالبا عدم الكشف عن اسمه "إن تحقيقا طويلا ودقيقا ومفصلا لأجهزتنا أتاح التوصل بوضوح وبدون أي لبس، الى تحميل وزارة الاستخبارات الايرانية مسؤولية التخطيط لمشروع الاعتداء" ضد تجمع لحركة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة في فيلبنت قرب باريس.

وقبل ساعات من صدور هذا الموقف كانت الحكومة الفرنسية أعلنت تجميد أصول ادارة الأمن الداخلي في وزارة الاستخبارات الإيرانية في فرنسا، إضافة الى أصول ايرانيين اثنين. وكان تم اعتقال ثلاثة اشخاص الصيف الماضي، بينهم دبلوماسي إيراني، في إطار التحقيق بشأن هذا الاعتداء الذي تم إحباطه. والشخصان اللذان جمدت أصولهما هما أسد الله أسدي الدبلوماسي الذي اعتقل، وسعيد هاشمي مقدم، الذي قال المصدر الدبلوماسي عنه أنه نائب وزير مكلف العمليات داخل وزارة الاستخبارات.

وكان أسدي دبلوماسيا في فيينا لدى اعتقاله في المانيا. وسمحت برلين بتسليمه الى القضاء البلجيكي الذي كشف مخطط الاعتداء في الثاني من تموز/يوليو الماضي. وأكد المصدر الدبلوماسي الفرنسي أنه "تم التأكد بأن أسدي من الاستخبارات". الا أن المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي قال "مرة أخرى ننفي بقوة هذه الاتهامات وندين اعتقال هذا الدبلوماسي وندعو الى إطلاق سراحه على الفور".

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أن "الاعتداء الذي تم كشفه في فيلبنت يؤكد ضرورة التعاطي بكشل متشدد في علاقاتنا مع ايران". وتابع المصدر الدبلوماسي الفرنسي قائلا أن فرنسا ترغب في مواصلة حوار مع طهران "يستند الى الضغوط والتفاوض" في الوقت نفسه، لاستكمال الاتفاق النووي الايراني باتفاقات حول النشاط الصاروخي البالستي لطهران وسياستها الاقليمية. أما قاسمي فقال أيضا "ندعو السلطات الفرنسية الى التحلي بالواقعية مع ايران، ونحذر مرة جديدة من الاعداء الذين يسعون الى تخريب العلاقات القديمة القائمة بين ايران وفرنسا ودول اوروبية أخرى كبيرة".

مداهمة مركز شيعي

الى جانب ذلك داهمت الشرطة الفرنسية مركزا إسلاميا شيعيا وألقت القبض على ثلاثة من زعمائه بتهمة حيازة أسلحة غير مرخصة وقال مسؤولون حكوميون إنها بدافع الاشتباه في وجود صلة بتنظيمات إرهابية. وتعيش في فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا، ولا تزال البلاد في حالة تأهب قصوى بعد هجمات أسفرت عن مقتل ما يقرب من 250 شخصا في السنوات القليلة الماضية ونفذها إسلاميون متشددون ومهاجمون يستلهمون فكر جماعات متشددة مثل تنظيم داعش.

وشارك نحو 200 من أفراد الشرطة ومنهم ضباط قوات خاصة من باريس في المداهمات التي استهدفت مركز الزهراء في فرنسا ومنازل 12 من أعضائه في منطقة جراند سانت القريبة من بلدة دونكيرك الساحلية في شمال البلاد. وجاء في بيان أصدره مكتب حاكم المنطقة ”هذه عملية لمكافحة الإرهاب“. وأضاف ”نتابع أنشطة مركز الزهراء في فرنسا عن كثب نظرا لتأييد زعمائه الواضح لتنظيمات إرهابية عديدة وحركات تتبنى أفكارا تتعارض مع قيم الجمهورية“.

وقال وزير الداخلية جيرار كولوم إن السلطات ألقت القبض على ثلاثة أشخاص بعد العثور على أسلحة غير مرخصة مضيفا أنها أغلقت مصلى أيضا. وتتزامن المداهمات مع إعلان فرنسا مصادرة أصول تابعة للمخابرات الإيرانية وإيرانيين اثنين على خلفية مخطط لتنفيذ هجوم على مؤتمر لجماعة إيرانية معارضة خارج باريس في يونيو حزيران. وقال مصدران إنه لا توجد صلة مباشرة بين المداهمات وتجميد الأصول الإيرانية.

بيد أن مصدرا دبلوماسيا فرنسيا قال إنه برغم عدم وجود صلة بين الواقعتين، فإن مداهمة مركز الزهراء تستهدف إظهار أن باريس لا تتسامح أيضا مع الجماعات الشيعية المتشددة. وأضاف ”لا يوجد رابط... لكننا لن نقبل أي شكل من أشكال الإرهاب أو التحريض عليه على أرضنا“. وتابع ”مركز الزهراء ليس كيانا إيرانيا رسميا وإنما مركز نفوذ يروج لرسائل متشددة منها التقارب مع حركات نعتبرها غير مقبولة... إنه مركز للتدخل الشيعي“. بحسب رويترز.

وذكر بيان نشرته الجريدة الرسمية للحكومة أنه تم أيضا تجميد أصول مركز الزهراء في فرنسا إلى جانب أصول مالية أخرى يملكها تحت أسماء مختلفة بموجب تعليمات من وزارتي الداخلية والمالية الفرنسيتين. ويقول الموقع الإلكتروني للمركز إن لديه ثمانية آلاف من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي وإن هدفه هو نشر رسالة الإسلام عبر السينما والإذاعة والكتابة والمؤتمرات. ويمثل كذلك نقطة اتصال بشأن القضايا الاجتماعية والأسرية والدينية.

بين الحوار والتصعيد

على صعيد متصل دعت طهران الى إجراء محادثات مع باريس لتوضيح "سوء الفهم" بشأن اعتداء تم إحباطه كان يستهدف جماعة معارضة في المنفى قرب العاصمة الفرنسية في حزيران/يونيو الماضي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية بهرام قاسمي "إذا كان هناك سوء فهم ... حول شيء غير موجود، سواء كان ذلك مؤامرة من قبل آخرين او خطأ، يمكننا الجلوس والتحدث عن ذلك".

وقال المسؤول الايراني "أنفي بشدة الاتهامات". وتابع "عندما يكون أساس المنطق خاطىء، ولا يوجد شيء غير الادعاءات، سيكون من غير المفيد على الاطلاق بناء فرضيات". وخلص الى القول "بالتأكيد بإمكان ايران التعاون لازالة أي سوء فهم مع فرنسا، أو مع أي بلد آخر في المنطقة أو في أوروبا" مضيفا "والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي سلوك طريق الدبلوماسية، ولا نعرف طريقا آخر".

من جانب اخر قالت إيران إن نشطاء أكراد هاجموا سفارتها في باريس وهشموا نوافذ، واتهمت الشرطة الفرنسية بالتأخر في الوصول إلى المكان. وأكدت شرطة العاصمة الفرنسية أن ضباطها استجابوا لبلاغ عن واقعة في السفارة لكنها أحجمت عن التعليق على سرعة الاستجابة. وذكرت وكالة فارس للأنباء أن نحو 15 نشطا كرديا أحرقوا العلم الإيراني أمام السفارة خلال الواقعة التي حدثت الجمعة وهشموا بعض النوافذ بالحجارة.

كما أفادت الوكالة بأنهم قذفوا اسطوانات إطفاء للحرائق وأجهزة كمبيوتر على البوابة لكن لم يتمكنوا من دخول أرض السفارة. ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن بهرام قاسمي المتحدث باسم الخارجية قوله ”يجب أن تتخذ الحكومة الفرنسية كل الإجراءات اللازمة لحماية البعثات الدبلوماسية الإيرانية في هذا البلد“. وأضاف ”لسوء الحظ لم تصل الشرطة الفرنسية إلى المكان كما كان متوقعا في الوقت المناسب رغم أن المهاجمين أعضاء في منظمة إرهابية“. وتابع أن الشرطة اعتقلت بعض المهاجمين.

وقالت شرطة باريس إن الضباط اعتقلوا نحو 12 فردا خارج السفارة لكنها أفرجت عنهم بعد ذلك عندما قالت السفارة إنها لن تتقدم بشكاوى ضدهم. وأضافت الشرطة ”تم نشر فريق أمني بموافقة تامة من السفارة“. لكن قاسمي قال إن إيران طلبت من فرنسا محاكمة المهاجمين وإبلاغ الحكومة الإيرانية بالأحكام التي ستصدر بحقهم. وكانت إيران قد اتهمت فرنسا بدعم جماعات معارضة تسعى لإسقاط الجمهورية الإسلامية وتصنفها طهران على أنها منظمات إرهابية. وترفض باريس اتهامات طهران.

وقال مسؤولون فرنسيون إن فرنسا لن تعين سفيرا جديدا في طهران إلا إذا حصلت على معلومات من إيران عن مؤامرة فاشلة لتفجير مؤتمر للمعارضة الإيرانية في باريس في يونيو حزيران الماضي. وغادر السفير الفرنسي في إيران طهران هذا الصيف ويتعين على إيران أيضا تعيين سفير جديد في باريس بدلا من السفير الذي غادر العاصمة الفرنسية. وقال مصدر رئاسي فرنسي ”لدينا قائم بالأعمال اليوم في طهران وهناك حوار رفيع المستوى بين السلطات الفرنسية والإيرانية“. وأضاف ”نعمل معا لكشف ما حدث بالنسبة لهذا الاجتماع... لن أقول إن هناك صلة مباشرة (بعدم تعيين سفير) لكن إيران وعدت بإعطائنا حقائق موضوعية في الأسابيع القادمة ستسمح لنا بمواصلة علاقاتنا الدبلوماسية كما هي اليوم“. وقال مصدر دبلوماسي إن فرنسا علقت بالفعل تعيين سفير جديد لها بسبب المؤامرة.

في السياق ذاته أشادت الولايات المتّحدة بردّ الفعل "القوي" الذي أقدمت عليه باريس بفرضها عقوبات على مصالح ايرانية في فرنسا واتّهامها علانية وزارة الاستخبارات الايرانية بالتخطيط لشنّ اعتداء ضد تجمّع لمعارضين إيرانيين قرب باريس في حزيران/يونيو الماضي. وقال مجلس الأمن القومي الأميركي في تغريدة على تويتر إنّ "فرنسا تتّخذ قرارات قوية ردّاً على الهجوم الإرهابي الإيراني الفاشل في باريس". وأضاف "يجب على طهران أن تعرف أنّ هذا السلوك الفاضح لن يتم التساهل معه". من جهتها قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت للصحافيين إنّ المخطّط الذي كشفت باريس تفاصيله يثبت أن إيران هي "الراعي الأول للإرهاب في العالم".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي