الأنظار تتّجه إلى ادلب: فهل من معركة حاسمة؟
عبد الامير رويح
2018-08-26 06:51
يستعد الجيش السوري الذي استطاع في الفترة الاخيرة تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة، لمعركة جديدة ومهمة جدا بحسب بعض المراقبين، وهي معركة تحرير مدينة ادلب السورية والتي يقدر أن فيها اكثر من ـ200 الف مسلح تابعين لـهيئة تحرير الشام وداعش وفصائل الجيش الحر والجلس الإسلامي السوري، وأعلن الرئيس السوري بشار الأسد في وقت سابق أن تحرير محافظة إدلب سيمثل أولوية بالنسبة للجيش السوري في عملياته المقبلة، مؤكداً أن القوات السورية على وشك الانتهاء من تحرير جنوب البلاد من المسلحين. وتابع الأسد "هدف الجيش السوري حاليا محافظة إدلب".
هذه المعركة وكما يرى الخبراء ربما ستكون مختلفة عن المعارك السابقة، خصوصا وان هذه المناطق فيها العديد من الجماعات الإرهابية المسلحة حيث ينتشر في محافظة إدلب تنظيم "هيئة تحرير الشام" الواجهة الحالية لـ"جبهة النصرة" والذي يحوي في صفوفه عددا كبيرا من المسلحين الأجانب "أوزبك، شيشان، ايغور وعرب" ويقدر عددهم بحسب تقارير إعلامية بأكثر من 35 ألف إرهابي، إضافة إلى تنظيمات أخرى مبايعة لـ"النصرة" ومجاميع مسلحة أخرى المدعومة من دول وحكومات خارجية. تسعى اليوم الى عرقلة اي تقدم عسكري، وشكلت إدلب المحاذية لتركيا خلال السنوات الأخيرة وجهة لعشرات الآلاف من المسلحين والمدنيين الذين تم إجلاؤهم من مناطق عدة كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة أبرزها مدينة حلب والغوطة الشرقية لدمشق.
و اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أي هجوم من قِبل الجيش السوري على محافظة إدلب لن يكون مقبولاً لتركيا، مُذكِّراً بوجود نقاط مراقبة لقوات بلاده هناك، كما أبلغ نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" بذلك. وقال "أردوغان" "لقد طلبتُ منه (بوتين) أن يتخذ الإجراءات الضرورية لمواجهة الهجمات المحتملة للنظام على إدلب، والتي لن تكون مقبولة بالنسبة لنا". وأضاف: "كما تعلمون أسَّسنا 12 نقطة مراقبة عسكرية حول إدلب" مشيراً إلى أن "أي عملية عسكرية هناك على غرار تلك التي جرت في حلب ستمثل مشاكل جوهرية للجميع".
العودة لحكم الدولة
وفي هذا الشأن ألقى الجيش السوري منشورات على محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة تحث السكان على العودة لحكم الدولة وتقول إن الحرب تقترب من نهايتها. ومنطقة شمال غرب سوريا حيث تقع إدلب هي آخر منطقة كبيرة ما زالت خاضعة لسيطرة مسلحين يسعون للإطاحة بحكم الرئيس السوري بشار الأسد بعد أن استعادت الحكومة المناطق المحيطة بدمشق وجنوب غرب البلاد في وقت سابق هذا العام.
ونزح مئات الألوف من معارضي الأسد إلى شمال غرب البلاد في إطار اتفاقات تم التوصل إليها مع تقدم القوات الحكومية في مناطق أخرى من البلاد بدعم من روسيا وإيران. ولمح الأسد إلى إن إدلب قد تكون هدفه التالي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات حكومية إضافية تصل تمهيدا لهجوم محتمل في منطقة تقع جنوب غربي مدينة إدلب وتتداخل مع محافظتي اللاذقية وحماة.
وتخشى الأمم المتحدة أن يدفع شن هجوم في المنطقة نحو 2.5 مليون شخص باتجاه الحدود مع تركيا. وحذرت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي من أي هجوم في إدلب وتضغط على روسيا لضمان عدم حدوث ذلك. وأقامت تركيا 12 موقعا للمراقبة العسكرية في شمال غرب سوريا بموجب اتفاق مع روسيا وإيران. وقال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا يان إيجلاند إن روسيا وتركيا وإيران اتفقت على بذل أقصى جهد لتفادي معركة في إدلب.
وأضاف ”هذه الحرب يجب أن تنتهي ليس بإراقة الدماء ولكن بالاتفاقات“. لكنه أضاف أن الأمم المتحدة تجري تحضيرات للمعركة المحتملة وستطلب من تركيا إبقاء حدودها مفتوحة للسماح للمدنيين بالفرار إذا تطلب الأمر. وتابع ”هناك نشاط دبلوماسي مكثف مع روسيا وتركيا وإيران والحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة لتجنب التصعيد في مناطق خفض التصعيد لكن بالطبع هناك صراع كل يوم هناك“.
وجاء في المنشورات التي أسقطت في مناطق ريفية قرب مدينة إدلب ”تعاونكم مع الجيش العربي السوري يخلصكم من تحكم المسلحين الإرهابيين بكم ويحافظ على حياتكم وحياة أسركم“. وأضاف المنشور الذي يحمل اسم القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة ”ندعوكم للانضمام إلى (اتفاقات) المصالحة المحلية كما فعل الكثيرون من أهلنا في سوريا“. وكانت هذه الاتفاقيات التي يتم إبرامها على المستوى المحلي أداة لمساعدة الحكومة السورية على إعادة بسط سيطرتها على عدد كبير من المناطق وعادة ما يتم التوصل إليها عندما يكون مقاتلو المعارضة على شفا الهزيمة العسكرية. بحسب رويترز.
وتقول الحكومة إن الاتفاقات تمنح المعارضين الراغبين في العيش في ظل حكم الدولة العفو ما لم تُرفع قضايا ضدهم. وتشمل الشروط كذلك تخليهم عن سلاحهم. لكن العديد من المعارضين سواء كانوا مسلحين أو مدنيين اختاروا العبور الآمن إلى مناطق تسيطر علها المعارضة المسلحة في شمال غرب البلاد في منطقة على الحدود مع تركيا تمتد من إدلب حتى مدينة جرابلس على نهر الفرات. وتسيطر مجموعة من جماعات المعارضة المسلحة على إدلب ويُعتقد ان الإسلاميين المتشددين يشكلون القوة المهيمنة هناك.
الجولاني يحذر
الى جانب ذلك حذر القائد العام لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني الفصائل المقاتلة في محافظة إدلب من التفاوض مع النظام السوري والدخول في اتفاقات تسوية كما حصل في مناطق أخرى. وتأتي كلمة الجولاني في وقت تتجه فيه الأنظار الى إدلب (شمال غرب) في ظل استعدادات عسكرية تقوم بها قوات النظام لشن هجوم ضد آخر أبرز معاقل الفصائل وهيئة تحرير الشام.
وقال الجولاني في تسجيل مصور نشرته الهيئة على أحد حساباتها على تطبيق تلغرام "إن المرحلة التي يمر بها جهاد الشام اليوم تحتاج منا كفصائل مجاهدة التعاهد امام الله ثم أمام شعبنا الصابر أن سلاح الثورة والجهاد (...) هو خط أحمر لا يقبل المساومة أبداً ولن يوضع يوماً ما على طاولة المفاوضات". وأضاف "في اللحظة الأولى التي يفكر فيها أحدنا أن يفاوض على سلاحه يكون قد خسره بالفعل، وإن مجرد التفكير في الاستسلام للعدو وتسليم السلاح له لهو خيانة".
وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، بينما تتواجد فصائل إسلامية ينضوي معظمها في إطار "الجبهة الوطنية للتحرير" وبينها حركة أحرار الشام، في بقية المناطق. وتنتشر قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي. وشدد الجولاني على أن اتفاقات التسوية، التي حصلت في مناطق عدة في سوريا كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة وآخرها في درعا والقنيطرة جنوباً، لن تتكرر في إدلب. وقال إن "ما جرى في الجنوب، لن يسمح أبناء الشمال الشرفاء أن يمرر في الشمال".
ونفذت الهيئة وفصائل أخرى خلال الأيام الماضية مداهمات في إدلب اعتقلت خلالها عشرات الأشخاص بتهمة التواصل مع النظام من أجل التوصل الى اتفاقات تسوية، عادة ما تنص على دخول قوات النظام وتسليم الفصائل لسلاحها. وقال الجولاني "حاول النظام وحلفاؤه اتباع نفس اسلوب ما يسمى بالمصالحات الذي أسقط به مناطق الجنوب، إلا أن إخوانكم في الشمال من كافة الفصائل المجاهدة كانوا مدركين لمخططات العدو فقمنا بمواجهتها واعتقنا رؤوسهم وأفشلنا خطة النظام". بحسب فرانس برس.
ويرجح محللون أن تقتصر العملية العسكرية لدمشق في مرحلة أولى على مناطق في أطراف إدلب، آخذين بالاعتبار أن مصير المنطقة مرتبط بتوافق بين روسيا حليفة دمشق وتركيا الداعمة للمعارضة. وتعد إدلب منطقة نفوذ تركي، وتنتشر فيها نقاط مراقبة تركية. وقال الجولاني في هذا الصدد "على أهلنا أن يدركوا أن نقاط المراقبة التركية في الشمال لا يمكن الاعتماد عليها في مواجهة العدو، ولا يغركن وعود هنا او تصريحات اعلامية هناك، فالمواقف السياسية قد تتغير بين التو واللحظة". وتطلب روسيا من أنقرة إيجاد حل لإنهاء وجود هيئة تحرير الشام المصنفة "إرهابية" لتفادي عملية واسعة في إدلب. ويرى محللون أن تركيا تعمل على توحيد صفوف الفصائل لأي مواجهة محتملة مع الهيئة.
أسلحة كيميائية
في السياق ذاته هددت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بالرد في حال استخدم الرئيس السوري بشار الأسد الأسلحة الكيمائية في أي عملية يشنها لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب. وفي بيان مشترك، أعربت هذه القوى عن "قلقها الكبير" تجاه هجوم عسكري في إدلب والأزمة الإنسانية التي ستنتج عنه. وقالت الدول الثلاث في البيان "إننا نؤكد أيضا على قلقنا من احتمال استخدام آخر وغير قانوني للأسلحة الكيمائية". وتابعت "نبقى مصممين على التحرك في حال استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيمائية مرة أخرى".
وأصدرت القوى الكبرى الثلاث في مجلس الأمن الدولي هذا البيان بمناسبة مرور خمس سنوات على هجوم بغاز السارين في الغوطة الشرقية قرب دمشق أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص. وأدى ذلك الهجوم الذي حمل الغرب قوات الأسد مسؤوليته إلى اتفاق أمريكي روسي تتخلص سوريا بموجبه من مخزونها من الأسلحة الكيميائية ووسائل إنتاج هذه المواد القاتلة. وأوضحت الدول الثلاث في البيان "موقفنا من استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيمائية لم يتغير". وأضافت "كما عرضنا سابقا، فإننا سنرد بالشكل المناسب على أي استخدام آخر للأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري، والذي كانت له عواقب إنسانية مدمرة على السوريين". بحسب فرانس برس.
وشنت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في نيسان/أبريل الماضي غارات جوية على أهداف في سوريا ردا على هجوم بالأسلحة الكيميائية في بلدة دوما أسفر عن عدد كبير من الضحايا. واستهدفت الهجمات التي استغرقت ليلة واحدة ثلاثة مواقع في سوريا، وسط تحذيرات روسية بأن أي تدخل عسكري قد يؤدي إلى حرب واسعة النطاق. وبعد سبع سنوات من الحرب، وضع الأسد نصب عينيه استعادة السيطرة على إدلب التي تقع على الحدود مع تركيا، وهي أكبر منطقة لا تزال في أيدي المعارضة المسلحة. وتسيطر القوات الحكومية السورية على الطرف الجنوبي الشرقي من المحافظة التي يسكنها نحو 2,5 مليون شخص، أكثر من نصفهم من النازحين أو تم نقلهم بالحافلات إلى هناك بموجب اتفاقات الاستسلام.
تحذيرات ومخاوف
من جانب اخر أفاد تقرير شهري صادر عن مجموعة من وكالات الإغاثة التي تقودها الأمم المتحدة بأن هجوما مرتقبا للحكومة السورية على مقاتلي المعارضة في محافظة إدلب قد يشرد ما يربو على 700 ألف شخص أي أكثر بكثير من المشردين بسبب المعركة التي دارت في جنوب غرب سوريا في الآونة الأخيرة. وانتهت معارك كثيرة في سوريا باتفاقات تقضي برحيل مقاتلي المعارضة وأسرهم إلى محافظة إدلب حيث تسبب تدفق النازحين إلى زيادة تعداد المحافظة إلى قرابة المثلين أي أنه وصل إلى نحو 2.5 مليون نسمة.
وقالت الأمم المتحدة إن إدلب أصبحت أرضا لتكديس النازحين. وجاء في نشرة (هيلث كلستر) الشهرية التي تنشرها مجموعة من وكالات الإغاثة المعنية بالصحة وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية أن عمال الإغاثة يتأهبون لمعركة إدلب. وأضاف التقرير ”من المتوقع أن يسفر تصاعد الأعمال العدائية في الشمال الغربي خلال الفترة المقبلة عن تشريد بين 250 ألفا و700 ألف شخص في إدلب والمناطق المحيطة“. وتابع ”سينتج عن ذلك حاجة متزايدة للمساعدات الإنسانية للمعرضين للخطر الجدد وللمجتمعات المضيفة، خاصة خدمات الطوارئ الصحية“.
وأفاد بأن 184 ألف شخص نزحوا بسبب معركة في الجنوب واتفاقات لاحقة على إنهاء القتال هناك في الفترة من منتصف يونيو حزيران إلى نهاية يوليو تموز. وأضاف أن ما يربو على عشرة آلاف من بين النازحين ذهبوا إلى إدلب ومحافظة حلب الشمالية. وحذرت الأمم المتحدة مرارا من مخاطر شن هجوم على إدلب. وقال الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع وسائل إعلام روسية الشهر الماضي إن محافظة إدلب ستحظى بأولوية قواته. بحسب رويترز.
وقال بانوس مومسيس منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في يونيو حزيران إن سكان المحافظة بأكملهم وعددهم 2.5 مليون نسمة يمكن ان ينزحوا باتجاه الحدود التركية إذا وقع هجوم كبير. وأضاف أن مثل هذه المعركة ستكون أكثر تعقيدا ووحشية بالمقارنة بأي شيء حدث من قبل حتى الآن في الحرب المستمرة منذ سبع سنوات. واشتمل تقرير هيلث كلاستر على خريطة تظهر توزيعات السكان في المناطق الجنوبية والشرقية من المحافظة فيما يشير إلى أن النزوح استند إلى احتمال شن القوات الحكومية لهجوم من جهتي الجنوب والشرق. وأظهرت الخريطة تقديرات السكان في أربع مناطق من الخط الأمامي وحتى الطريق السريع بين اللاذقية وحلب والطريق السريع بين حماة وحلب وبلغ إجمالي عدد السكان في هذه المناطق 993 ألفا.