العراق بعد داعش ومرحلة اختبار النفوذ الأمريكي
عبد الامير رويح
2018-02-20 05:00
بعد الهزائم الكبيرة التي تكبدها تنظيم الهزيمة داعش في العرق، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية وبحسب بعض المراقبين، تحديات جديدة قد تضر بمصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية في المنطقة، خصوصا مع وجود أطراف وجهات عراقية وإقليمية ترفض بقائها في العراق، وهو ما قد يسهم بخلق أزمات وصراعات جديدة، وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بعد تولي دونالد ترامب الذي اتبع سياسات خاصة ومختلفة، إنها ستخفض أعداد قواتها المتواجدة في العراق بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، وتؤكد التصريحات المستمرة نية الإدارة الأمريكية الإبقاء على القواعد العسكرية و تفعيل الاتفاقية الأمنية والإستراتيجية مع الحكومة الجديدة بعد إجراء الانتخابات.
كما ان الإدارة الأمريكية تسعى أيضا ومن خلال ممارسة بعض الضغوط، الى إشراك باقي الحلفاء في عملياتها الطويلة الأمد في المنطقة في سبيل تقليل خسائرها المترتبة جراء عملياتها العسكرية والحصول على ضمان حقيقي للبقاء في هذا البلد. واكد رئيس لجنة الامن والدفاع النيابية حاكم الزاملي، ان الولايات المتحدة تؤسس لاقامة قواعد ثابتة في العراق، مشيرا الى ان عدد جنودها في العراق وصل الى 8000 جندي. وقال الزاملي ان "أمريكا احتلت العراق عام 2003 وخرجت منه نهاية عام 2011 تحت ضربات المقاومة المسلحة ملحقة بها خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات"، مبيناً انها "اليوم تؤسس لمرحلة جديدة عبر إقامة قواعد ثابتة منها عين الاسد والكيارة وبلد والتاجي وفي شمال العراق".
واضاف ان "الاحتلال الامريكي يعمل على إنشاء قاعدة جديدة قرب منفذ الوليد على الحدود السورية في المنطقة الصحراوية الواسعة لتكون قريبة من سوريا لإحداث توازن في الصراع الدائر هناك مع روسيا وايران".
من جانبه اعلن السفير الامريكي دوغلاس سيليمان، موقفا جديدا بشأن خروج القوات الاميركية من العراق، فيما اشار الى انه سيكون هناك انخفاض تدريجي لتلك القوات. واضاف سيليمان ان "مساعدة واشنطن تتركز حاليا على تدريب القوات العراقية لمسك الاراضي في المناطق التي تحررت، اضافة الى تقديم مساعدات انسانية للنازحين لحين عودتهم"، مشيرا الى ان "الولايات المتحدة انفقت 112 مليون دولار على تامين المناطق المحررة من رفع الالغام والعبوات، اضافة الى اموال اخرى ساهمت بها ضمن برنامج الامم المتحدة الانمائي مخصصة لدعم العراق". يذكر أن وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، كشفت في 28 تشرين الثاني 2017، عن اعداد العسكريين الامريكيين في العراق، مبينة أن عدد القوات الأمريكية، بحسب معطيات الأخيرة، بلغ 8892.
سحب القوات الأمريكية
وفي هذا الشأن تطالب جماعتان شيعيتان عراقيتان بانسحاب كامل للقوات الأمريكية من العراق وتعارضان خطط بغداد وواشنطن للإبقاء على جزء من القوات لأغراض التدريب وتقديم المشورة. لكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال للصحفيين إن وجود القوات الأمريكية ضروري للانتهاء تماما من مهمة تدمير تنظيم داعش في العراق وسوريا. وقال متحدث باسم الحكومة العراقية إن القوات الأمريكية التي يتجاوز عددها خمسة آلاف جندي بدأت خفض أعدادها لكن جزءا منها سيبقى.
وقالت منظمة بدر إن أي قوات أمريكية ستبقى في البلاد ستكون مصدرا للاضطرابات. وقال كريم النوري المتحدث باسم بدر ”يجب أن يكون التنسيق بين الحكومتين من أجل الانسحاب الكامل لا من أجل البقاء. لأن البقاء من شأنه أن يعرض البلاد للانقسام الداخلي وأن يشكل نقطة جذب للإرهاب“.
وكررت كتائب حزب الله، تهديدها بمهاجمة القوات الأمريكية. وقال جعفر الحسيني المتحدث باسم المنظمة لتلفزيون الميادين”نحن جادون في عملية إخراج الأمريكان بقوة السلاح لأن الأمريكان لا يفهمون إلا هذه اللغة“. وكانت هددت بمهاجمة القوات الأمريكية عدة مرات من قبل ووصفت وجودها في العراق بأنه احتلال. وقال مسؤول أمريكي في بغداد “نأخذ أي شيء يبدو كتهديد من أي شخص ضد الأمريكيين على محمل الجد. ”لا يوجد الكثيرون منا هنا ونحن نعمل جميعا داخل القواعد العسكرية العراقية. في حقيقة الأمر كثير من هذا لا يعدو عن كونه استعراضا سياسيا ومحاولة لاستغلال القصص التي تنشرها الصحف لتحقيق مكاسب سياسية أكبر“.
وساعد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة القوات العراقية على استعادة أراض سيطر عليها تنظيم داعش في عامي 2014 و2015 بتقديم دعم جوي ومدفعي في معركة استعادة الموصل وتدريب عشرات الآلاف من جنود القوات الخاصة العراقية. وقال العبادي إن هناك خطة لخفض عدد قوات التحالف تدريجيا لكنه أضاف أن الخطر ما زال موجودا في سوريا وإن العراق بحاجة لتغطية منطقة كبيرة من الجو لمراقبة الحدود. ولم يرد العبادي على سؤال بشأن تهديدات محددة. بحسب رويترز.
وقال البريجادير جنرال جوناثان براجا قائد عمليات التحالف في بيان”التحالف سيعيد تشكيل قواتنا خلال مشاورات مع شركائنا العراقيين من أجل ضمان الهزيمة الدائمة لداعش“. وأضاف براجا أنه حتى إذا تغير تشكيل القوات فإن التحالف ستكون لديه القدرة والوجود اللازمين للاستمرار في تدريب القوات العراقية وتقديم المشورة لها وتزويدها بالسلاح لضمان ألا يعاود تنظيم داعش الظهور. ويقول مسؤولون أمريكيون إن التنظيم فقد أغلب الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا لكن ما زالت هناك مخاوف من عودة الناجين من مقاتليه إلى أساليب تنفيذ الهجمات.
ضغوط امريكية
الى جانب ذلك قال دبلوماسيون إن الولايات المتحدة تجدد ضغوطها على شركائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي لبدء مهمة طويلة الأجل في العراق للتدريب وتقديم المشورة لتفتح من جديد قضية خلافية في التحالف المتوجس بعد أن مضت عشر سنوات على مهمة في أفغانستان. وقال خمسة دبلوماسيين كبار في حلف شمال الأطلسي إن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس بعث برسالة إلى مقر الحلف في يناير كانون الثاني تدعو إلى تشكيل بعثة رسمية للحلف في العراق بقيادة دائمة أو شبه دائمة لتدريب القوات العراقية.
وبعد حرب استمرت نحو ثلاث سنوات مع تنظيم داعش تريد واشنطن ضمان عدم عودة المتشددين للظهور مرة أخرى. ورغم أن للحلف مدربين في العراق بالفعل فإن عددهم أقل من 20 فردا. وقال الدبلوماسيون إن ماتيس ترك في رسالته الكثير من التفاصيل مفتوحة لكنه أشار إلى تطوير الأكاديميات العسكرية وعقيدة عسكرية لوزارة الدفاع العراقية. ومن الأفكار الأخرى التي استند إليها الدبلوماسيون إدراج التدريب على التخلص من القنابل وصيانة المركبات التي ترجع إلى العهد السوفيتي وكذلك التدريب الطبي.
وقال دبلوماسي كبير في الحلف مشترطا إخفاء هويته ”الولايات المتحدة تضغط بشدة من أجل دور لحلف شمال الأطلسي في العراق، ليس دورا قتاليا بل مهمة طويلة الأجل“. وأضاف الدبلوماسي ”هذا الأمر يبدو مثيرا للريبة مثل أفغانستان“ مشيرا إلى الحرب الدائرة منذ فترة طويلة والتي يمول فيها الحلف القوات الأفغانية ويدربها. وقال ”قلة قليلة من الحلفاء تريد ذلك“. وامتنع جوني مايكل المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية عن مناقشة ما إذا كان ماتيس قد أرسل رسالة للحلف أم لا لكنه قال ”الإدارة مستمرة في البحث عن سبل يمكن من خلالها أن يبذل الحلفاء المزيد للتصدي للتنظيمات الإرهابية“.
وقال مسؤول في الحلف إن التحالف ”يدرس السبل التي يمكن لنا بها أن نعزز جهودنا في التدريب“. وقال الدبلوماسيون إن رؤساء الأركان في دول الحلف سيقدمون للوزراء عددا من الخيارات لتأسيس مهمة في العراق في حين أن ينس شتولتنبرج الأمين العام للحلف بحث هذه المسألة مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يؤيد الفكرة. ويمثل الضغط الأمريكي جزءا من مطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتجاوز التحالف الغربي مهمته الأساسية المتمثلة في الدفاع عن أراضي دوله ويساعد في وقف التشدد الإسلامي.
وكان ترامب وجه تعنيفا للحلفاء في مايو أيار الماضي في قمة عقدت في بروكسل حذر فيها من وقوع مزيد من الهجمات في أوروبا إذا لم يبذل حلف الأطلسي المزيد لوقف المتشددين. كما أن الرئيس السابق باراك أوباما كان يسعى لدور أكبر للحلف في الشرق الأوسط. وأثار المسؤولون الأمريكيون حينذاك إمكانية أن يتولى الحلف إدارة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش مثلما فعل الحلف في المهمة التي قادتها واشنطن في أفغانستان عام 2003.
وترى الولايات المتحدة أن خبرة الحلف الطويلة في أفغانستان تجعله في وضع مثالي لتأهيل القوات العراقية بعد استعادة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم. وللولايات المتحدة أكثر من 5000 جندي في العراق. غير أن الحلفاء الأوروبيين يخشون الانجراف إلى مهمة خارجية أخرى مفتوحة باهظة الكلفة لا تحظى بتأييد شعبي في الداخل وتنطوي على مخاطر. وفي لفتة موجهة إلى ترامب وافق الحلف المؤلف من 29 دولة العام الماضي على الانضمام للتحالف. ومع ذلك فقد أصرت فرنسا وألمانيا على أن القرار رمزي في الأساس.
ولم تتطرق المناقشات إلى حجم أي مهمة يحتمل أن يقرها الحلف غير أن الدبلوماسيين قالوا إن من الضروري أن تكون هذه القوة أكبر كثيرا من الفريق الحالي لتهدئة ترامب. وربما تشمل المهمة مراكز تدريب إقليمية خارج بغداد. وقال دبلوماسي ثان ”هذا مجال يمكننا أن نبرهن على أهميته“ مشيرا إلى أن الحلفاء يدركون جيدا الانتقادات التي أثارها ترامب خلال حملته الانتخابية عام 2016 أن الحلف ”عتيق“ لأنه لا يبذل جهدا أكبر للتصدي للمتشددين. ومن شأن تنفيذ مهمة رسمية للحلف زيادة التمويل وتجميع القوات وترتيب وضع يسمح ببقائها في الميدان لفترة أطول. بحسب رويترز.
ومن المشاكل الصعبة ما إذا كان المدربون العسكريون سيحتاجون حماية ومن سيوفرها لهم. كما قال الدبلوماسيون إن العراق سيحتاج إلى تقديم طلب رسمي لاستقدام مهمة الحلف. وسيتوقف هذا الأمر على الأرجح على فوز العبادي بفترة جديدة في الانتخابات التي تجري في مايو أيار إذ أن مرشحين منافسين تدعمهم إيران يعادون فكرة بقاء القوات الأمريكية في البلاد. غير أن الدبلوماسيين قالوا إن الضغوط أكبر لأن حلف شمال الأطلسي لم يتمكن حتى الآن من متابعة طلب مماثل للتدريب وتقديم المشورة من الحكومة الليبية التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس لأن فصائل متنافسة ما زالت تسيطر على ليبيا.
مساعدة العراق
على صعيد متصل قال مسؤول كبير بوكالة المساعدات الحكومية الرئيسية في الولايات المتحدة إن واشنطن ملتزمة بمساعدة العراق على التعافي من آثار ثلاث سنوات من الحرب ضد تنظيم داعش رغم خفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لميزانية المساعدات الأجنبية. وأضاف توماس ستال مستشار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن الوكالة ستواصل تقديم الخدمات الإنسانية الأساسية ودعما إضافيا للأقليات مثل تقديم الدعم النفسي الاجتماعي لأولئك الذين عانوا من الإبادة الجماعية والاستعباد والعنف.
وقال ستال ”الميزانية التي قدمها الرئيس تضمنت خفضا نسبته 30 بالمئة، لكن بالنسبة للعراق فإننا ندرس في الحقيقة تمويلا إضافيا. وأفصح ترامب عن موقفه بخصوص المساعدات الخارجية خلال حملته الانتخابية، واصفا إياها بأنها إهدار لإيرادات الضرائب الأمريكية. واقترح البيت الأبيض خفض ميزانية المساعدات الأجنبية بمقدار الثلث. وخلفت الحرب تأثيرا مروعا على المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها. وتقول الأمم المتحدة إن نحو 3.2 مليون شخص لا يزالون مشردين بسبب الصراع.
وقال ستال إن الحكومة الأمريكية قدمت مساعدات إنسانية للعراق بقيمة نحو 1.7 مليار دولار منذ أن سيطر تنظيم داعش على الشمال في 2014. ويشمل ذلك مجموعة من المنح بلغ إجماليها 265 مليون دولار لصندوق تمويل الاستقرار في العراق التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 2016 و2017. وقال ستال، إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية طلبت من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التركيز على مناطق الأقليات. وقال ستال إن العراق مستثنى من سياسة ترامب الخاصة بخفض المساعدات بسبب ”المحنة الفظيعة“ التي عاشها ضحايا تنظيم داعش على نحو خاص، مشيرا إلى أن هذه السياسة تطبق على المدى القصير. وتابع ”الحل في الأجل الطويل هو أن تقدم الحكومة العراقية الخدمات للمواطنين بطريقة أكثر فاعلية وكفاءة“.بحسب رويترز.
وأشار إلى أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعمل بشكل مباشر مع وزارات عراقية لتدريب العمالة وتحسين الكفاءة، مضيفا أن إصلاح نظام المشتريات يأتي بين الموضوعات التي تتصدر جدول الأعمال. ويستشري الفساد في جميع أروقة الحكومة بالعراق الذي جرى تصنيفه في 2016 في المركز 166 بين 176 دولة على مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية. وقال العبادي مرارا إنه فور هزيمة التنظيم سيبدأ في التركيز على مكافحة الفساد.