دور الحشد الشعبي في إفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد
د. علي هادي حميدي الشكراوي
2017-11-23 05:42
لاشك في أن احد متضمنات مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أُريد له التنفيذ في بداية الألفية الثالثة، هو تقسيم دول هذه المنطقة ومنها العراق، لكي تكون ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها حيال التحديات العالمية والإقليمية والمحلية، وخاصة التحدي الإسرائيلي الذي سوف يتمتع بتفوق سوقي عليها[1].
وكان ظهور تنظيم (داعش) الإرهابي، ودعم قدراته الاستراتيجية من قبل بعض دول العالم، ما هو إلاّ صفحة من صفحات إعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد، فيما لو قُدّرَ له النجاح في تحقيق ذلك. وأن هذا التنظيم يعد أحد فروع تنظيم (القاعدة) الإرهابي، الذي يعمل في الكثير من دول العالم، ومنها العراق وسوريا ومصر وليبيا وأفغانستان وباكستان وأوزبكستان ونيجيريا والفلبين على سبيل المثال لا الحصر.
وكرد فعل على سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي على ثلث مساحة العراق، تم تشكيل الحشد الشعبي على إثر فتوى المرجعية الدينية الرشيدة، وتنظيمه قانونياً بوصفه قوات تابعة للمؤسسة الأمنية العراقية، بهدف تحرير الأراضي العراقية من سيطرة الإرهابين الغاشمة.
وعلى أساس ذلك، نحاول أن نجيب في هذه الورقة عن الأسئلة الآتية:
- ماهو دور تنظيم (داعش) الإرهابي في تغيير خارطة الشرق الأوسط؟
- ماهو دور الحشد الشعبي في إفشال إقامة شرق أوسط جديد؟
أولاً- دور تنظيم (داعش) الإرهابي في تغيير خارطة الشرق الأوسط:
لقد تم إعلان (دولة العراق الإسلامية) من قبل (مجلس شورى المجاهدين)، برئاسة أبو عمر البغدادي (حامد داود الراوي)، بتاريخ 15 تشرين الأول 2006، بانضمام عدد كبير من الفصائل المسلحة في العراق[2]، وتضم هذه الدولة نظرياً كل من الأنبار وكركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين وبابل وواسط، وتسير هذه الدولة على وفق منهج تنظيم (القاعدة) الإرهابي في أفغانستان[3].
وكانت أهداف تلك الدولة تتجسد فيما يأتي[4]:
1- احياء روح الجهاد، وتوحيد الأمة الإسلامية، وإقامة خلاقة إسلامية.
2- مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق ومسانديه.
3- استهداف المصالح الأمريكية في كافة أنحاء العالم.
4- محاربة الحكومة العراقية المدعومة من قبل الولايات المتحدة وعدها (حكومة ردة وكفر).
وسيطرت (دولة العراق الإسلامية) على أجزاء كبيرة من المدن العراقية تصل إلى 80% في صلاح الدين وديالى ونينوى والأنبار، ونشطت عملياتها والكثير من أتباعها في العاصمة بغداد، وكركوك ومدن أخرى، مما جعلها تسيطر على ثُلث مساحة العراق. ووصلت هذه الدولة من القوة إلى المستوى الذي اضطر الولايات المتحدة إلى استخدام طائرة (B1) ضد المناطق التي يتواجد فيها اتباعها [5].
وتعد (الدولة الإسلامية في العراق والشام) امتداداً الى (دولة العراق الإسلامية)، إذ أنه بعد قتل أبو عمر البغدادي ووزير الحرب أبو حمزة المهاجر في عملية وثبة الأسد بتاريخ 19 نيسان 2010، تمت مبايعة أبي بكر البغدادي (إبراهيم عواد البدري السامرائي) أميراً للتنظيم في العراق، والذي قرر دخول سوريا، لذا بدأت عناصره القتال ضد الجيش السوري، وكانت حادثة جسور الشغور أول شرارة في تحول الثورة السورية من سلمية إلى مسلحة. واختار تنظيم (داعش) الإرهابي منطقة شرق سوريا المحصنة والمشابهة جغرافياً للموصل والأنبار في العراق مما ساعدهم على الصمود ومسك الأرض، واستنزاف الجيش السوري[6].
وقد استغل أبو بكر البغدادي كثرة الانشقاقات في فصائل المعارضة السورية الإسلامية والليبرالية، بإعلانه تحالف (الدولة الإسلامية في العراق والشامISIS) في 8 نيسان 2013، وبعدها فتح فروعاً كثيرة لها، وسيطر على آبار الرقة والزملة والطبقة والثورة والجبسة والجفرة وكونيكو[7].
وصار تنظيم (داعش) الإرهابي من أغنى التنظيمات الإرهابية التكفيرية في العالم، وبسبب الأموال الكثيرة راد عدد مقاتليه، وتقدمت عملياته في العراق والشام منذ عام 2014[8].
وكانت سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي على الحدود العراقية السورية، قد فتح له الطريق لنقل المقاتلين والسلاح والدعم اللوجستي، ومنحه قدرة أكبر على المناورة، والتمركز في الجزيرة وعلى طول الحدود[9].
وبعد 10 حزيران 2014 مرّت استراتيجية (الدولة الإسلامية في العراق والشام) في ثلاث مراحل، وهي[10]:
1- المرحلة الأولى (10-29 حزيران): السيطرة على نينوى والمناطق العربية والاندفاع باتجاه جنوباً إلى بغداد، وشرقاً باتجاه القرى العربية في كركوك.
2- المرحلة الثانية (1-29 تموز): تم التركيز على تصفية الأقليات غير السُنّية بالقتل والتهجير والسبي واخذ الجزية، وفتح جبهات في شرق ديالى، والسيطرة على مصفى بيجي، والسيطرة على 75% من الأنبار، وفتح جبهة جنوب بغداد في جرف الصخر واليوسفية، والمناطق المحاذية لنهر الفرات من جهة الأنبار وإنشاء ولاية الفرات.
3- المرحلة الثالثة (2-30 آب): الانتقال إلى مرحلة التوسع باتجاه إقليم كردستان، والسيطرة على جميع المناطق المتنازع عليها، وخاصة سد الموصل وسنجار وزمار وتلكيف ومخمور. وقد انهارت قوات البيشمركة مما دفعها إلى الاستعانة بالقوة الجوية الأمريكية الذي أعاد التوازن بينها وبين تنظيم (داعش) الإرهابي الذي انسحب نحو المناطق العربية.
وتعززت في هذه المراحل لدى (الدولة الإسلامية في العراق والشام) الجوانب الآتية [11]:
1- تحديث القدرات العسكرية، وامتلاك ترسانة في العراق ضمت حوالي أربعة فرق عسكرية بأعتدة وذخيرة تُقدِّر بأكثر من ملياري دولار أمريكي$، وفي سوريا امتلاك قدرة عسكرية تُقَدَّر بتسليح فرقتين و بأعتدة وذخيرة تُقدِّر بأكثر من مليار دولار أمريكي$.
2- تحقيق التمويل الذاتي ويشمل سيطرتها على معظم الحقول النفطية في شمال وشرق سوريا، وشمال وغرب العراق، إذ يُقَدَّر وارداتها اليومية بحوالي (5.3-5.4) مليون دولار أمريكي$.
وهذه الأمور ساعدت تنظيم (داعش) الإرهابي على تحقيق امتلاكه الحرية في اتخاذ قرارته، ورفع قدرته على المناورة والابتزاز السياسي للدول الخليجية والأوربية، ومهاجمة التعزيزات العراقية والسورية، فضلاً عن تزايد خبراته العسكرية، وصار يمتلك جيشاً يُقَدَّر بحوالي (22) ألف مقاتل، إضافة إلى (80) ألف مقاتل مبايع وجاهز[12].
وكان من أبرز أسباب انهيار القوات الأمنية العراقية، قد تمثلت بما يأتي[13]:
1- ضعف الروح المعنوية لدى عناصر القوات الأمنية العراقية.
2- الهروب المبكر لضباط قيادة عمليات نينوى، وإهمالهم لمسؤولياتهم العسكرية.
3- الضغوط الإعلامية المضادة.
4- الفساد المالي.
5- عدم إسناد معظم الأهالي للقوات الأمنية العراقية.
6- عدم قيام البيشمركة بواجباتها الدفاعية خارج حدود إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، بوصفها جزءاً من المنظومة الأمنية الاتحادية، وامتناع الضباط الكرد من تنفيذ الأوامر الاتحادية.
7-رؤية القوى السياسية الكردية في عدم جعل الجيش الاتحادي أقوى من البيشمركة، ومساهمتهم في عرقلة الكثير من عقود التسلح لإضعاف قدرات الجيش.
ونخلص إلى أن الانهيار السريع للقوات الأمنية العراقية في 10 حزيران 2014 أمام تنظيم (داعش) الإرهابي، قد أدى إلى النتائج السلبية الآتية:
1- تعريض وحدة العراق وسلامته الإقليمية إلى خطر داهم ومباشر، فقد برزت مؤشرات التقسيم السياسي على أسس قومية وطائفية.
2- ظهور دولة جديدة على صعيد الواقع الفعلي، من خلال السيطرة بالقوة على أراضي اقتطعت من إقليمي دولتين أساسيتين من دول الشرق الأوسط هما العراق وسوريا.
3- تزايد العنف السياسي، وتحرك الخلايا الإرهابية النائمة، وتشجيع الاقتتال الطائفي كما حصل في عامي 2006-2007.
4- جعل العراق أرض الهجرة الكبرى والمستودع الكبير (للجهاديين) الوافدين من أوربا وشرق أسيا وشمال أفريقيا والخليج العربي.
5- قيام تنظيم (داعش) الإرهابي بمليء الفراغ الأمني في المناطق السُنية بالموصل والأنبار وديالى.
لقد تمكنت الغارديان من الحصول على وثيقة خطيرة مسربة تُظهر أن داعش ISIS هي مشروع دولة حقيقية، أكثر منها مجرد تنظيم إرهابي، إذ أنها تعمل على بناء دولة متكاملة في سوريا والعراق بما في ذلك إقامة مؤسسات حكومية ومؤسسة للخزانة وبرامج اقتصادية تهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي للتنظيم[14].
ولقد جاء في تلك الوثيقة أن: (إعلان الخلافة هو نتيجة إدراك المجاهدين من عدم جدوى الأعمال القتالية ضد المشركين دون وجود قائد وخليفة يجتمع المسلمون تحت رايته ويكون عزاً لهم) [15].
وتطرقت الوثيقة إلى إقليم الدولة، إذ أكدت على انه: (لا يمكن لدولة أن تبقى دون وجود الأرض التي تسمح باستمرارها وتمددها، فمقومات الأرض هي الجبل والزرع والبحر والنهر، فهذه المقومات الطبيعية هي التي تكسب الدولة أهميتها وأهمية الموقع، وقد أسست اتفاقيات الغرب في سايكس بيكو على تجريد أهل السُنَّة من تلك المقومات فجعلت الجبال للأكراد والدروز والعلويين وجعلت البحر للرافضة والنصرانيين والنهر وما حوله لليهود والزرع تحت إدارتهم)[16].
ولقد ذهب البعض إلى أن ما حققه تنظيم (داعش) الإرهابي هو إنهاء للحدود السياسية القائمة في منطقة الشرق الأوسط، إذ أكد البعض على: (لا مناص من الاعتراف بأن استيلاء دولة "داعش" على آخر قاعدة سكانية سُنية في العراق -الرمادي على مسافة مئة ميل من العاصمة بغداد-، وعلى مدينة "تدمر الأثرية في سوريا -200 كليو متر من دمشق- هو في حقيقته نهاية دراماتيكية لمفهوم الشرق الأوسط الحديث كما تشكل في الهندسة الاستعمارية قبل قرابة قرن في اتفاقية سايس بيكو التي وقعت في 16 مايو 1916) [17].
وأكد أخر على انه: (من الواضح أن ما يفتك بمنطقة الشرق الأوسط حالياً لا يقف عند تنظيم داعش، إذ أصبح من الطبيعي... أن نلاحظ تجليات انهيار النظام الذي نشأ بعد الفترة العثمانية، حيث أن الحدود التي تم رسمها في الصحراء عام 1916 من قبل الديبلوماسي البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا بيكو (ما يعرف باتفاقية سايكس بيكو) قد انتهت لتصبح مجرد غبار متناثر[18].
ولاشك في أن: (إسرائيل هي المستفيد الأكبر من انهيار العراق والحرب في سوريا ومن تهاوي الشرق الأوسط، حيث أن أعداءها يستنزفون بعضهم البعض ولا يوجد تقريبا اهتمام بمحاربة إسرائيل) [19]. ومن ثم يكون تحقيق هدف إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل سهلا وقليل التكلفة، بالمقارنة مع ضعف دويلات الشرق الأوسط الجديد التي سوف تظهر نتيجة لتقسيم دول إقليمية في هذه المنطقة.
ان تقسيم العراق وسوريا سواء أكان من خلال استمرار (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، أو من خلال تحقيق استقلال المناطق الكردية، أو تأسيس كيانات سُنية أو شيعية، في إطار دول جديدة، سوف يؤدي إلى تغيير خارطة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الهلال الخصيب خاصة، وإنهاء تطبيق اتفاقية سايكس –بيكو التي صممت حدوده السياسية قبل حوالي مائة عام.
وهكذا كان لتنظيم (داعش) الإرهابي دوراً كبيرا في تغيير خارطة الشرق الأوسط، على حساب مصير الدولتين العراقية والسورية واستمرار وجودهما كما كانا قبل 10 حزيران 2014، إلى الدرجة التي صرح فيها الكثير من مسؤولي دول العالم، والكثير من المتخصصين في العلاقات الدولية بنهاية الحدود السياسية التي وضعت من قبل سايكس –بيكو عام 1916.
ثانياً-دور الحشد الشعبي في إفشال إقامة شرق أوسط جديد:
الحشد الشعبي هو تشكيلات المتطوعين من أبناء الشعب العراقي، التي تجمعت بعد فتوى (الجهاد الكفائي) التي أطلقتها المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف، وأعلنها ممثلها في كربلاء السيد عبد المهدي الكربلائي في يوم الجمعة المصادف 13 حزيران 2014، إثر سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي السريعة على مدن عديدة في شمال العراق وغربه، متوغلاً باتجاه مدينتي سامراء وديالى، ومن الغرب باتجاه مدينة بابل في جرف الصخر. وقد هدد هذا التنظيم الإرهابي العاصمة بغداد، وبات على مشارف محافظتي بابل وكربلاء المقدسة [20].
وبعد الفتوى تم تشكيل (مديرية الحشد الشعبي) تابعة على جهاز الأمن الوطني، تأخذ على عاتقها تنظيم شؤونه من مرحلة التطوع إلى التجهيز العسكري والإرسال إلى جبهات القتال، ثم تحولت قيادة الحشد الشعبي إلى مجلس رئاسة الوزراء وبإشراف القائد العام للقوات المسلحة[21].
وتم تنظيم فعاليات الحشد الشعبي من خلال إصدار قانون هيأة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016، الذي أكد على أن تكون هيئة الحشد الشعبي المعاد تشكيلها بموجب الأمر الديواني المرقم (91) في 24/2/2016 تشكيلا يتمتع بالشخصية المعنوية، ويعد الحشد الشعبي جزءا من القوات المسلحة العراقية, ويتألف هذا التشكيل من قيادة وهيئة أركان وصنوف وألوية مقاتلة، من كافة مكونات الشعب العراقي، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، ويخضع للقوانين العسكرية النافذة، يتم تعيين قياداته بموافقة مجلس النواب استنادا لأحكام البند (خامساً/ج) من المادة (61) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 [22].
وأصبح الحشد الشعبي القوة الضاربة في سوح القتال ضد تنظيم (داعش) الإرهابي، وغيَّر مسار العمليات الحربية وموازيين القوى، وحقق الانتصارات الباهرة وتحرير الأراضي المغتصبة ومسك الأرض في جميع الجبهات ومنها: آمرلي وجرف الصخر وتلعفر وبلد والدور والعلم والبغدادي وتكريت وبيجي والضلوعية وحزام بغداد وديالى والموصل والأنبار[23].
ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة قد حشدت (40) دولة لمكافحة تنظيم (داعش) الإرهابي، وبميزانية تُقَدَّر بحوالي (500) مليار دولار أمريكي$، ولمدة مفترضة أمدها (3) سنوات، ولم تتمكن من تحقيق هذه المهمة [24].
ولقد حقق الحشد الشعبي الكثير من الإنجازات لعل من أهمها ما يأتي[25]:
1- تعزيز الروح المعنوية، مما مهد لتحقيق الانتصارات.
2- إيقاف التمدد السريع لتنظيم (داعش) الإرهابي نحو بغداد وسامراء وكربلاء.
3- إبقاء المدن المقدسة والعاصمة بغداد خارج دائرة خطر تنظيم (داعش) الإرهابي.
4- مساعدة الدولة على استعادة زمام المبادرة على الأرض المحررة بعد تحقيق الانتصارات العسكرية.
5- تدمير قدرات تنظيم (داعش) الإرهابي العسكرية المادية والمعنوية.
6- إفشال مؤامرة الاقتتال الداخلي القومي أو الطائفي.
7- إفشال السيناريوهات المرسومة لتمزيق وتقسيم العراق والمحافظة على وحدته وسلامته الإقليمية.
وعلى أساس ما تقدم، نخلص إلى أن انتصارات الحشد الشعبي قد ساهمت في إعادة خريطة الشرق الأوسط السياسية ومن ثم المحافظة على وحدة العراق خاصة ودوله القائمة عامة، إذ أن انهيار أو تقسيم أحدها سوف يؤدي إلى تقسيم بقية دوله وذلك لتشابه خصائصها الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وهو ما ينسجم مع الفوضى الخلاقة الذي كشفت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في عام 2006، والذي يعني نشوب صراعات بين أبناء الوطن الواحد بإثارة الخلافات والاختلافات العرقية والمذهبية والطائفية القائمة، وتحويلها إلى صراعات دموية بين جميع الفرق والتنظيمات والجماعات المتصارعة على السلطة وبما يؤدي إلى إنهاك الجميع، ويقسم كل دولة عربية أو إسلامية إلى عدة دويلات ومما يستتبعه أيضا تقسيم الجيوش الوطنية وتفتيتها ويؤدي إلى إضعافها وإفقادها القدرة على مقاومة مخططات التقسيم [26].
وهكذا فإن الحشد الشعبي قد أنهى التغيير الذي حصل في خريطة الشرق الأوسط، بسبب سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي على ثلث أراضي كل من سوريا والعراق، ومن هنا قد أفشل مشاريع ومخططات إقامة شرق أوسط جديد، تكون آثاره السلبية أكبر وأخطر من تقسيمات سايكس-بيكو لأنها سوف تكون على أسس طائفية أو عرقية أو قبلية لتكون دويلات متصارعة بحروب أهلية مدمرة تضعفها جميعاً.
ومع هذا الإنجاز الكبير، يتعين الانتباه إلى أن القضاء على تنظيم (داعش) الإرهابي وإزالة دولته المزعومة من الوجود، يبقى غير مكتملا من دون إنهائه فكرياً من خلال إقامة دولة المواطنة، وإرساء قواعد الحكم الجيد والمساءلة القانونية، وتحقيق عمليات التنمية الشاملة.