هجوم الواحات: لمن تشير أصابع الاتهام؟

عبد الامير رويح

2017-10-22 05:40

تزايدت بشكل كبير في الاخيرة العمليات الارهابية ضد القوات المسلحة والشرطة المصرية، في سيناء وغيرها من المناطق الاخرى ايضا شملت استهداف المدنيين والمنشآت العامة والخاصة، وتمر مصر بموجه عنيفة من العمليات الإرهابية، خلال السنوات الماضية التي اعقبت الإطاحة بحكم جماعة الأخوان، حيث تخوض الدولة المصرية حربًا شرسة مع العديد من الجهات والتنظيمات الارهابية المتطرفة، التي تحاول أن توجد لنفسها بيئة حاضنة كما انها تسعى الى تعويض خسائرها من خلال زعزة الامن والاستقرار في هذا البلد المهم. وقد أرجع اللواء طلعت موسى، الخبير الأمني، أسباب العمليات الإرهابية التي تتم في هذه الفترة إلى قرب انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة، والتقليل من حجم الإنجازات التي حققتها القيادة السياسية في مختلف المجالات.

وأضاف موسى "السبب أيضًا وراء العمليات الإرهابية يرجع إلى المصالحة الفلسطينية التي تمت برعاية مصرية واستعادة السيطرة على الحدود المصرية في قطاع غزة، وتنفيذ عملية حق الشهيد 4 التي قيدت حركة الإرهابيين". ولفت إلى أن الدولة المصرية في حالة طوارئ ويجب على الجيش والشرطة استخدام حقهم الذي فرضه القانون والدستور عليهم، واتخاذ الإجراءات المشروعة للقضاء على الإرهاب.

من جانب خر قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن فرع تنظيم داعش في شبه جزيرة سيناء نفذ هجمات قوية في الأيام الأخيرة، وكأنه يرسل رسالة للعالم يؤكد فيها قدرته على استهداف مناطق أخرى، رغم ما يتعرض له من هزائم في سوريا والعراق. وأشارت الصحيفة إن فرع التنظيم المعروف باسم "ولاية سيناء" دبر الهجمات بعد أيام من اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية (حركتي فتح وحماس) والذي ترعاه الحكومة المصرية. وخسرت داعش مدينة الرقة السورية، والتي أعلنتها عاصمة لخلافتها عام 2014، وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية تحرر المدينة من التنظيم منذ أيام، وهذا ما اعتبره محللون وسياسيون ضربة قوية تلقاها التنظيم، الذي روج لنفسه بأنه لا يُقهر.

استهداف قوات الأمن

وفي هذا الشأن قالت السلطات المصرية إن 53 شخصا من قوات الأمن قتلوا في اشتباكات مع مسلحين في منطقة الصحراء الغربية. وأطلق المسلحون النار على القوات - التي تضم أفرادا من الجيش والشرطة، أثناء مداهمة مخبأهم بالقرب من الواحات البحرية، إلى الجنوب الغربي من العاصمة القاهرة، حسبما أوضح بيان وزارة الداخلية. وتتواصل المداهمات وعمليات التمشيط للمناطق الصحراوية بالقرب من مسرح الهجوم بالتعاون بين قوات من الجيش مدعومة بالطيران الحربي وقوات العمليات الخاصة التابعة للشرطة في العملية قرب الكيلو ١٣٥ بطريق الواحات بالجيزة. وقالت الداخلية في بيان عن الحادث إن "معلومات وردت لقطاع الأمن الوطنى تفيد باتخاذ بعض العناصر التي وصفتها بالإرهابية للمنطقة المتاخمة للكيلو 135 بطريق الواحات بعمق الصحراء مكاناً لاختبائها".

وأضاف البيان أنه حال اقتراب القوات واستشعار تلك العناصر بها قامت بإطلاق الأعيرة النارية تجاهها حيث قامت القوات بمبادلتها إطلاق النيران. وأوضح مصدر بوزارة الداخلية أن القتلى هم 35 مجندا، و18 ضابطا (10 ضباط عمليات خاصة، و7 ضباط بالأمن الوطني، وضابط بالمباحث). كما قتل في الاشتباكات 15 مسلحا، لم يعرف بعد الجهة التي ينتمون إليها، ولكن في الآونة شنت جماعة تطلق على نفسها اسم "حسم" عددا من الهجمات ضد قوات الأمن.

وتصف السلطات المصرية "حسم" بأنها جناح مسلح لجماعة الإخوان المسلمين، وهو اتهام تنفيه الجماعة. وثمة اعتقاد بأن قوات الأمن تحركت في الصحراء الغربية بعدما وردت معلومات بشأن وجود مخبأ محتمل للمسلحين هناك. لكن بحسب مصدر أمني، تعرض رتل القوات لهجوم شنه المسلحون باستخدام قذائف صاروخية وعبوات ناسفة.

وما زاد الوضع سوءا أن المسلحين كانوا على دراية جيدة بالمنطقة، بينما لم يتمكن قائد القوات من طلب تعزيزات برية أو جوية بسبب رداءة الاتصالات في الصحراء، بحسب المصدر. وقُتل المئات من أفراد الجيش والشرطة في هجمات خلال السنوات الأخيرة، أعلن مسلحون تابعون لتنظيم داعش مسؤوليتهم عن كثير منها. وأعلنت السلطات في مصر حالة الطوارئ مجددا بعد انقضاء حالة الطوارئ التي فرضت منذ العاشر من أبريل/ نيسان الماضي واستمرت 6 أشهر.

وتشن قوات الأمن والجيش حملة عسكرية موسعة في شمال سيناء منذ سنوات، تستهدف القضاء على الجماعات المسلحة في شبه الجزيرة الواقعة بشمال غربي مصر. وشهدت سيناء نشاطا مكثفا لمسلحين إسلاميين منذ أن عزل الرئيس السابق محمد مرسي بعد مظاهرات حاشدة ضد سياسة إدارته للبلاد في يوليو/ تموز 2013.

من وراء الهجوم

شن مسلحون هجوما على جنود وضباط مصريين في منطقة الواحات غرب البلاد مما خلف عشرات القتلى والجرحى، دون أن تعلن أي جماعة أو تنظيم مسلح حتى الآن المسؤولية، الأمر الذي أثار التكهنات حول فاعل هذه المجزرة. العملية التي راح ضحيتها 53 شرطياً بينهم 18 ضابطاً أغلبهم من عناصر الأمن الوطني المصري والباقي مجندون، مازالت خيوطها غامضة، في حين لم تكشف الجهات الأمنية المصرية عن التفاصيل الكاملة للواقعة، لكن وسائل الإعلام كشفت أغلبها، ومازال السؤال الغامض حتى الآن من وراء هذا الهجوم.

ومنذ الانقلاب العسكري على الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، عام 2013 وعدد من الكيانات الجهادية بدأ في تنفيذ عمليات في محافظات مصرية مختلفة، ولكن هناك 4 فصائل أحدها في أغلب الأحوال وراء هذه الواقعة. منها تنظيم داعش. الذي يعد الأكثر خطورة في مصر نظراً لعدد العمليات التي قام بها ضد قوات الأمن المصرية سواءً من الجيش أو الشرطة في سيناء أو حتى بعض محافظات الدلتا والقاهرة، والتي في أغلبها تخلف عدداً كبيراً من الضحايا، نظراً لقدرتهم على نصب الكمائن، والتخفي وراءها أو عن طريق التفجيرات الانتحارية، كما حدث في تفجير عدد من الكنائس في القاهرة والإسكندرية والغربية.

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إن هذا الهجوم يقف وراءه تنظيم داعش، الذي ترك سوريا بعد الحرب المحكمة ضده في الرقة ودير الزور وأيضاً ما يلاقيه التنظيم في العراق. الصحيفة الأميركية اعتبرت أن ما حدث للتنظيم في سوريا دفع أعضاءه للهرب إلى دول مجاورة من أجل تنفيذ عمليات ضد عناصر الشرطة والجيش المصري الذين يعتبرهم التنظيم "كفاراً". كذلك صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أشارت إلى أن تنظيم داعش هو الذي قام بهذا الهجوم، على اعتبار أنه نقل مسرح عملياته من سيناء إلى مناطق صحراوية في مصر، نظراً لحالة التضييق التي يعاني منها بعد التنسيق الأمني بين مصر وقطاع غزة مؤخراً.

اما الجهة الاخرى فهي حركة حسم وتعتبر السلطات المصرية أن حركة حسم هي الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين بعد 2013، ولكن الجماعة تنفي دوماً هذه الادعاءات، مؤكدة على منهج سلمي لإنهاء الانقلاب العسكري في مصر، بحسب تصريحات قيادات في الإخوان. وحسم قامت بعدد من العمليات ضد الشرطة المصرية في القاهرة ومحيطها، وكان آخرها قبل عدة أسابيع عندما قتل عناصر الحركة 3 جنود من الشرطة في محافظة الجيزة، والواقعة التي تبناها التنظيم.

وأيضاً في مطلع الشهر الجاري تبنى التنظيم تفجير عبوة ناسفة بسفارة ميانمار في القاهرة، رداً كما قالت الحركة على ما تتعرض له أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار. ودائماً ما تتبنى حركة حسم العمليات التي تقوم بها كما تنشر بعض الصور والمقاطع المصورة لما تفعله، لكن في هذه الواقعة لم يصدر عنها أي شيء. ورغم عدم توجيه السلطات المصرية التهمة إلى حركة حسم، نشر عدد من وسائل الإعلام المقربة من السلطات المصرية أن جماعة "حسم" المتطرفة أعلنت مسؤوليتها عن الاعتداء، ليتبيّن أن هذا التبني كاذب لأنّ حساب تويتر التابع للجماعة وتنشر عليه عادةً عمليات التبنّي، لم يتم استخدامه منذ 2 تشرين الأول/أكتوبر.

جماعة المرابطين ومؤسس هذه الجماعة هو ضابط صاعقة مصري سابق يُدعى هشام علي عشماوي، انشق عن الجيش وأسس هذه الجماعة التي تعد قريبة في أفكارها من تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن. وكان عشماوي هو أحد القيادات الميدانية لتنظيم أنصار بيت المقدس الذي تحول اسمه إلى "ولاية سيناء" بعد مبايعته لتنظيم داعش، مما دفعه لترك داعش وتأسيس جماعة المرابطين، بسبب خلافه الفكري مع داعش. ورجَّحت مصادر أمنية بوزارة الداخلية المصرية، تورط عشماوي، في الهجوم لكون جماعته تتمركز في هذه المناطق، بحسب صحف مصرية.

واتهمت جماعة عشماوي في تنفيذ هجوم مماثل في منطقة الفرافرة غرب القاهرة ايضاً وخلف عدداً كبيراً من القتلى في صفوف الشرطة المصرية، عام 2014 وحكم عليه بالإعدام في هذه الواقعة. كما اتهم أيضاً بتنفيذ واقعة الاعتداء على حافلة كانت تقل أقباطاً أثناء زيارتهم إلى أحد الأديرة غرب محافظة المنيا في الصحراء أيضاً، والتي قتل فيها 29 شخصاً وأصيب عدد آخر.

ادانة واستنكار

في السياق ذاته عبرت مؤسسات عدة في الدولة مختلفة عن إدانتها لما حصل. فنعى الأزهر عناصر الشرطة الذين قتلوا، مؤكدا في بيان "ضرورة ملاحقة العناصر الإرهابية والتصدي بقوة وحسم لهذه الفئة المارقة التي لا تريد الخير للبلاد والعباد". وأدانت كل من السعودية والإمارات في بيانين اعتداء الواحات، مؤكدين تضامنهما مع مصر ضد الإرهاب والتطرف. من جهته استنكر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في بيان "الاعتداءات الإرهابية الغاشمة التي تعرضت لها قوات الأمن المصرية".

يذكر أنه منذ الإطاحة بالرئيس الإسلامي المنتمي إلى جماعة الإخوان محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 ، تدور مواجهات ضارية بين قوات الأمن وبعض المجموعات الإسلامية المتطرفة في أنحاء البلاد وغالبيتها في محافظة شمال سيناء. ومذاك، قتل في هذه المواجهات مئات من الجنود والشرطيين. كما قتل ستة جنود مصريين في هجوم شنته "عناصر إرهابية" على مواقع للجيش في شمال سيناء، وفي اليوم نفسه، تبنى الفرع المصري لتنظيم "داعش الذي يطلق على نفسه تسمية "ولاية سيناء" هجومين على "مواقع الجيش المصري في جنوب العريش" و"الكتيبة 101 في شرق العريش". وفي 11 أيلول/سبتمبر الماضي، قتل 18 شرطيا إثر مهاجمة التنظيم الجهادي المتطرف الشرطة في شمال سيناء. وطوال الأشهر الماضية أعلنت جماعة "حسم" مسؤوليتها عن اغتيال كثير من عناصر الشرطة. وأكدت الشرطة في الآونة الأخيرة مقتل عدد من قادة الجماعة وعناصرها خلال عمليات دهم في مختلف أنحاء مصر.

كما أدان السفير البريطاني بالقاهرة جون كاسن الحادث، قائلا: في بيان "بريطانيا ومصر تواجهان هذا الشر، ونقف إلى جانب مصر في حربها على الإرهاب ونثق تماما أن العالم قادر على دحره". وأعلنت سفارة ألمانيا لدى القاهرة، في بيان إدانتها للحادث، قائلة: "لا يوجد ما يمكن أن يبرر أعمال عنف مثل هذه". وشاطرت السفارة ذوى الضحايا وأصدقائهم الأحزان، متمنية للمصابين سرعة الشفاء، وأعلنت أن برلين تقف بجانب الشعب المصري .."قلوبنا معكم".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي