الكونغو: عنف جارف وطوفان من الصراعات
عبد الامير رويح
2017-09-21 05:25
اعمال العنف التي زادت بشكل كبير في أرجاء الكونغو لأسباب مختلفة، بينها رفض الرئيس جوزيف كابيلا التنحي عن السلطة مع انتهاء فترة رئاسته في ديسمبر كانون الأول الماضي، اثارت قلق ومخاوف العديد من الجهات والمنظمات الدولية، فقد أعربت الأمم المتحدة في وقت سابقعن قلقها، من استمرار أعمال العنف الدامية في جمهورية الكونغو الديموقراطية، وتسببت أعمال العنف في مقتل المئات من المواطنين هذا بالاضافة الى نزوح الالاف منهم، وقالت لجنة تابعة للأمم المتحدة إن هناك أسسا معقولة للاعتقاد بأن السلطات الوطنية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية. طالبت مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان مجلس حقوق الإنسان في وقت سابق ايضا، بإجراء تحقيق دولي في انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي وقعت في مقاطعتي كاساي الوسطى وكاساي الشرقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية بما في ذلك وجود ما لايقل عن 42 مقبرة جماعية.
وقالت المتحدثة باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة رافينا شامداساني، في بيان ، إن حوالي 1.3 مليون شخص نزحوا من منطقة كاساي منذ أغسطس 2016 بسبب العنف في الوقت الذي فر حوالي 30 الف شخص إلى انجولا. ولفت البيان إلى أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وثق 42 مقبرة جماعية، وأن العدد الفعلي قد يكون أعلى من ذلك. وأشار إلى أنه وفقًا لمعلومات جمعتها فرق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فإن جنودًا من القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية قاموا بحفر العديد من المقابر بعد الاشتباك مع عناصر من ميليشيا كاموينا نسابو على مدى الأشهر الماضية، كما تم توثيق تقارير تتعلق بعمليات إعدام بإجراءات موجزة وعمليات قتل أخرى بما في ذلك لأطفال إضافة إلى ادعاءات حول العنف الجنسي منذ اغسطس 2016. وذكر البيان أن مكتب الأمم المتحدة لا يزال يتلقى ادعاءات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، في حين أن الظروف الأمنية تعيق إجراء المزيد من التحقيقات.
صراع على السلطة
وفي هذا الشأن قال تقرير جديد إن قادة الجيش الكونجولي دبروا موجة من المجازر سقط فيها مئات القتلى بين عامي 2014 و2016 وسط صراع على النفوذ مع المتمردين في شمال شرق جمهورية الكونجو الديمقراطية. ويعد التقرير الصادر عن فريق بحث في شؤون الكونجو في جامعة نيويورك الأكثر شمولية حتى الآن فيما يتعلق بمقتل أكثر من 800 شخص والأول الذي يقدم نظرية واضحة لدوافع المنفذين.
ويرتكز التقرير على 249 مقابلة مع جناة وشهود عيان وضحايا فضلا عن تقارير داخلية للأمم المتحدة وسجلات اعتقال توثق المشاركة في أعمال القتل هذه. وقتل الملايين في شرق الكونجو بين 1996 و2003 في صراعات محلية. وما زالت عشرات الفصائل المسلحة تعمل في تلك المنطقة. لكن المجازر حول بلدة بيني كانت الأكثر غموضا وترويعا في ذاكرة الكونجو الحديثة. ونقل التقرير عن عدد من الشهود قولهم إن قادة الجيش ومنهم الجنرال المسؤول عن المنطقة دعموا أعمال القتل ونظموها في بعض الأحيان.
وقالت المصادر لفريق البحث إنه خلال بعض المجازر طوق الجنود محيط المكان حتى لا يتمكن الضحايا من الفرار. وقال المتحدث باسم الحكومة الكونجولية لامبرت ميندي إن عددا من الضباط من ذوي الرتب العالية أدينوا لدورهم في المجازر منتقدا فريق البحث ”لمحاولة إحياء مسألة عفا عليها الزمن“. ونفى الجنرال المذكور في التقرير موهيندو أكيلي موندوس مرارا أي مسؤولية له في الأحداث.
ويوصي التقرير بإجراء تحقيق برلماني وبفرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على الأفراد المتورطين في ملف المجازر حول بيني. وأدانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي عددا من كبار قادة الميليشيات الكونجولية، أحدهم نائب الرئيس الذي شارك في حكومة وفاق وطني، لتورطهم في الجرائم التي ارتكبت خلال الحروب في الكونجو وفي جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة.
وأشار التقرير إلى أن المجازر الأولى وقعت عام 2013 ونسقها القادة السابقون للجيش الشعبي الكونجولي، وهو جناح مسلح لتمرد خرج من رحم الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1998 و2003. وكان هؤلاء القادة يحاولون الإعداد لتمرد جديد وتقويض الثقة في الحكومة المركزية. وكثيرا ما عمل المتمردون مع ميليشيا تحالف القوى الديمقراطية وهي جماعة إسلامية أوغندية نشطة في المنطقة. وأنحت حكومة الكونجو وبعثات حفظ السلام بالأمم المتحدة باللائمة في معظم حالات القتل على تحالف القوى الديمقراطية.
بيد أن التقرير أفاد بأنه عندما بدأت المجازر الواسعة النطاق في أكتوبر تشرين الأول 2014، والتي قتل في إحداها حوالي 200 شخص، استمال قادة الجيش في المنطقة الكثير من شبكات الميليشيات المحلية في مسعى لإضعاف خصومهم. وأضاف ”القوات الحكومية اكتشفت خططا معدة مسبقا للقتل وردت باستمالة هذه المجموعات واستمرار المجازر“. وأضافت ”بالنسبة إلى هؤلاء الضباط فان السيطرة على المجموعات المسلحة في المنطقة كان أكثر أهمية وربما أكثر فائدة من إنهاء العنف“. بحسب رويترز.
ولم يتخذ التقرير الجديد موقفا حيال ما إذا كان القادة المحليون تلقوا أوامر لتنفيذ المجازر من الحكومة المركزية في الكونجو لكنه قال إنه ”من الصعب (الاعتقاد) بأن كينشاسا لم تكن على دراية بأفعالهم“. وانحسرت أعمال القتل واسعة النطاق حول بيني هذا العام لكن القوات الكونجولية وتلك التابعة للأمم المتحدة ما زالت تشتبك مع الجماعات المتمردة في المنطقة. وفريق التحقيق في الكونجو هو هيئة لا تبتغي الربح يرأسها جيسون سترنز وهو محقق سابق في شؤون الكونجو في الأمم المتحدة ومؤلف كتاب بشأن الحروب الأهلية في الكونجو.
مقابر وانتهاكات
على صعيد متصل قالت الأمم المتحدة إنها حددت مواقع 38 مقبرة جماعية أخرى في منطقة كاساي بوسط الكونجو الديمقراطية ليصل العدد الإجمالي إلى 80 مقبرة على الأقل منذ اندلاع تمرد في البلاد في أغسطس آب الماضي. وقتل أكثر من 3300 شخص وأجبر 1.4 مليون على الفرار من ديارهم في كاساي منذ بدء تمرد ميليشيا كاموينا نسابو التي تريد انسحاب القوات المسلحة من المنطقة.
وقال متحدث باسم قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونجو للصحفيين في العاصمة كينشاسا إن المقابر عُثر عليها في ستة أماكن مختلفة أثناء مهمة مشتركة في غرب كاساي مع محققين عسكريين من الكونجو. وألقت الحكومة باللوم على الميليشيا في المقابر الجماعية المكتشفة في إقليم كاساي-سنترال المجاور وزعمت كذلك أن بعض المقابر الجماعية المزعومة التي حددها محققو الأمم المتحدة لم يعد بها جثث.
لكن شهود في كاساي-سنترال قالوا إنهم شاهدوا شاحنات عسكرية تلقي جثثا واتهمت الأمم المتحدة قوات الكونجو مرارا باستخدام القوة المفرطة. وتنفي الحكومة استخدام قواتها العنف المفرط بشكل ممنهج رغم أن محكمة أدانت سبعة جنود الأسبوع الماضي في قتل أفراد يشتبه أنهم من أفراد ميليشيا كاموينا نسابو في مذبحة جرى تصويرها.
الأمن في الكونجو الديمقراطية خلال اشتباكات بسبب خطط لإعادة بعضهم إلى بلدهم. وقال النشطاء إن الشرطة وجنودا فتحوا النار أثناء احتجاج اللاجئين على الخطة في مخيم واقع ببلدة كامانيولا بشرق جمهورية الكونجو الديمقراطية. ونفى لامبرت ميندي المتحدث باسم حكومة الكونجو أن يكون من قتلوا من اللاجئين وقال إن اشتباكات اندلعت عندما شن مهاجمون من جماعة مسلحة مجهولة اعتداء على مكتب تابع لجهاز المخابرات الوطني. وقال ميندي إن خمسة جنود و20 مهاجما قتلوا في الاشتباكات.
وفر أكثر من 400 ألف لاجئ من بوروندي، من بينهم نحو 40 ألفا إلى الكونجو المجاورة، منذ اندلاع أعمال عنف هناك في أبريل نيسان 2015 إثر إعلان الرئيس بيير نكورونزيزا أنه سيسعى للبقاء في منصبه لولاية ثالثة وهي خطوة وصفها معارضوه بأنها غير دستورية. وقال ويندو جويل وهو ناشط من جماعة كونجولية معنية بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان إن اللاجئين استولوا على سلاح وقتلوا جنديا لدى محاولتهم تحرير عدد من رفاقهم المحتجزين. وأضاف ”فتح الجنود النار في الهواء أولا لكن كان هناك الكثير من اللاجئين... أحصيت 32 جثة. هناك أيضا نحو مئة مصاب“.بحسب رويترز.
وتظهر لقطات تلفزيونية أكثر من 30 جثة مغطاة على جانب الطريق في كامانيولا والعديد من المصابين الراقدين في الشارع. وقالت متحدثة باسم الأمم المتحدة إن بإمكانها تأكيد مقتل 18 لاجئا على الأقل لكنها ذكرت أن الرقم سيرتفع على الأرجح. وأضافت أن العديد من اللاجئين احتموا لدى بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في قاعدة قريبة. وذكر متحدث باسم وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من ألفي لاجئ من بوروندي يعيشون في كامانيولا مع عائلات مضيفة.
واتهم تجمع المعارضة الرئيسي في البلاد في بيان قوات الجيش وعناصر من تجمع للشباب تابع للحزب الحاكم بتنفيذ عمليات القتل مع جيش الكونجو. وقال وزير خارجية بوروندي آلان ايمي نياميتوي في تغريدة على تويتر ”قلبي يعتصره الألم بعدما علمت بعمليات إطلاق النار في شرق الكونجو الديمقراطية“. وأضاف ”هناك حاجة إلى إيضاحات بشأن عمليات إطلاق النار والملابسات المحيطة بها“.
عنف مستمر
في السياق ذاته قال ثلاثة من عمال الإغاثة إن أكثر من 50 قتيلا سقطوا في اشتباكات بين جماعتين عرقيتين في شرق جمهورية الكونجو الديمقراطية وأشاروا إلى أن هذا هو أكبر عدد للقتلى يسقط في القتال الدائر بينهما منذ شهور. وقال عمال الإغاثة إن مجموعة من أفراد جماعة توا بيجمي هاجمت جماعة لوبا وهي جماعة من عرق بانتو قرب كاليمي في إقليم طنجنيقة.
وأفراد جماعة توا بيجمي ممنعون من دخول أراض ويحرمون من الخدمات الأساسية. ويقاتل أفراد جماعة توا بيجمي الذين يعيشون في منطقة البحيرات العظمى في وسط أفريقيا جماعة لوبا منذ عشرات السنين بسبب ما يصفه نشطاء بعدم المساواة بين القرويين من البانتو والصيادين من التوا. وقال إلونجا موسافيري رئيس منظمة مجلس الكنائس الأهلية "وفقا للمعلومات التي جرى جمعها هناك 50 حالة وفاة في الهجوم على الجماعة". وقال ناشط محلي إن أغلب القتلى من اللوبا.
ويشعر مسؤولون بالأمم المتحدة بالقلق من انتشار العنف وخروجه عن السيطرة في الكونجو الديمقراطية بتواطؤ من كابيلا. ويقول منتقدوه إنه قد يستغل الاضطرابات كذريعة لتأجيل الانتخابات. وأظهر تقرير للأمم المتحدة أن 251 شخصا قتلوا خلال ثلاثة أشهر هذا العام في منطقة كاساي الغنية بالألماس في إطار أعمال عنف شملت أطفالا مجندين وأعمال سحر.
من جانب اخر قالت الشرطة في الكونجو الديمقراطية إن قوات الأمن قتلت 14 شخصا على الأقل من أفراد طائفة بوندو ديا كونجو الانفصالية خلال اشتباكات في العاصمة كينشاسا ومدينة ماتادي في جنوب غرب البلاد قتل فيها أيضا شرطي واحد على الأقل. وقال شهود ومصادر أمنية إن الاشتباكات جاءت بعد هجوم نفذه أعضاء من الطائفة على السجن الرئيسي في العاصمة وبعد مظاهرات مناهضة للرئيس جوزيف كابيلا في كينشاسا وماتادي ومدينة بوما جنوب غرب البلاد.
وزادت عدة وقائع هروب من سجون في أنحاء البلاد في الأشهر الماضية من تدهور الوضع الأمني. وقال شاهد من داخل السجن إن مهاجمين يرتدون رابطات رأس حمراء تميز المنتمين لطائفة بوندو ديا كونجو الانفصالية نفذوا الهجوم على سجن ماكالا الشديد التحصين لكنهم لم يتمكنوا من تخطي البوابة الرئيسية. بحسب رويترز.
وتمكن ني مواندا نسيمي، الذي يدعي النبوة ويتزعم حركة بوندو ديا كونجو، من الفرار من السجن في مايو أيار ودعا أنصاره إلى الخروج ضد كابيلا الذي يتهمه نسيمي بأنه رواندي وهي وصمة يطلقها عادة معارضو الرئيس. وتهدف الطائفة إلى إحياء مملكة الكونجو التي كانت موجودة قبل الحقبة الاستعمارية وازدهرت لقرون عند مصب نهر الكونجو. وقال المتحدث باسم الشرطة في بيان إن 12 مهاجما مسلحا من الطائفة قتلوا بسبب "رصاصات طائشة" أطلقتها قوات الأمن لتفريقهم. وقتل المهاجمون شرطيا واحدا.
وأضاف أن اثنين آخرين قتلا في بلدة ماتادي في جنوب غرب البلاد التي أصيب فيها أيضا ثلاثة من ضباط الشرطة. وقال مصدر أمني، طلب عدم نشر اسمه، إن ضابطين في الجيش قتلا في كينشاسا. وقال الجنرال سيلفانو كاسونجو مفوض الشرطة في كينشاسا إن الواقعة لم تسفر عن هروب أي من السجناء وإن قوات الأمن سيطرت على الموقف.