داعش تضرب إيران: نهاية اللعبة في الشرق الأوسط

عبد الامير رويح

2017-06-11 06:22

الهجوم الارهابي الاخير الذي استهدف مجمع مجلس الشورى الايراني في طهران ومرقد السيد الخميني، وأوقعت 17 قتيلًا و44 جريحًا التي إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عنها، اثارت الكثير من الاسئلة والتحليلات في وسائل الاعلام المختلفة، خصوصا وان هذه الهجمات تزامنت مع ازمة سياسية وامنية كبيرة تعيشها المنطقة، الامر الذي قد يسهم في تفاقم الخلافات بين ايران ودول الخليج ومنها السعودية.

ففي اول رد فعل ايراني على هذه الهجمات تحدث الحرس الثوري الإيراني عن دور السعودية والولايات المتحدة في هجوم طهران، وتعهد الحرس الثوري الايراني بالرد على اعتداءات طهران، وجاء في بيان للحرس الثوري كما نقلت بعض المصادر، ان وقوع هذا الإعتداء الإرهابي بعد زيارة الرئيس الأميركي الى الرياض له معان كبيرة، مضيفا ان تبني داعش مسؤولية هذا الإعتداء يوضح دور هؤلاء في هذا العمل الشنيع. وتعهد بالانتقام.

ويرى بعض المراقبين ان توقيت هذه التفجيرات والتي حدثت بعد ازمة خليجية بين قطر وسعودية، ربما تكون رسالة جديدة لايران وباقي الدول اخرى التي تحركت لدعم قطر، وهذا تطور خطير سيكون له تأثيرات اقليمية سلبية خصوصا بعد ان سعت دول المنطقة لبنأ تحالفات عسكرية جديدة وقد تكون سببا في اعاقة التحركات التي تهدف لانهاء الارهاب. تجدر الإشارة إلى أن الهجمات من هذا النوع نادرة في ايران ويعود آخرها الى السنوات التي تلت انتصار الثورة الاسلامية في 1979 ونفذت معظمها حركة مجاهدي خلق.

لكن ايران ايضا التي تعيش في محيط ملتهب، لا تخلوا من وجود جماعة سنية متشددة تعرف باسم جيش العدل وجماعة أخرى تسمى جند الله تشنان تمردا عنيفا منذ قرابة عشر سنوات في مناطق معظمها نائية. وتعيش أقلية من البلوخ في إقليم سستان وبلوخستان بجنوب شرق إيران على الحدود مع باكستان وأفغانستان والمنطقة مرتع منذ وقت طويل لمتمردين سنة يقاتلون الجمهورية الإسلامية. وقالت السلطات الإيرانية العام الماضي إنها أحبطت مخططا لمتشددين سنة لتفجير أهداف في طهران ومدن أخرى خلال شهر رمضان.

من جانب اخر يرى بعض الخبراء بحسب ما اورد موقع راهك الإيراني، ان هناك ادلة كبيرة تشير الى تورط بعض الجهات الكردية في كردستان إيران، التي تعتبر ملاذاً آمناً ذو قابلية لنمو الجماعات الإرهابية. حيث تنشط داخل هذه المنطقة الميول الطالبانية الكردية ذات الصبغة السلفية المتشددة والتكفيرية. كما حذر خبراء وزارة الداخلية الإيرانية، في تقرير مجلة “الاستراتيجية” الإيرانية، من تبليغ وانتشار الفكر السلفي “عبر العشرات من رجال الدين والطلبة” في مناطق كردستان إيران. وتطرق التقرير إلى نمو جيل جديد من رجال الدين يفتقر إلى التسامح بعكس رجال الدين التقليدين، ويصرفون اهتمامهم بالكامل إلى نشر الفكر السلفي بين الناس، وقد نجحت جهودهم إلى حد ما خاصة في مناطق سرپل ذهاب وأرومیه و جوانرود.

عناصر من داعش

وفي هذا الشأن قالت إيران إن المسلحين والمفجرين الذين هاجموا طهران إيرانيون ينتمون لتنظيم داعش وحاربوا في معاقل المتشددين في سوريا والعراق مما يعمق التداعيات الإقليمية للهجومين. وهاجم المسلحون برلمان إيران وضريح الخميني في ضربة نادرة بقلب الجمهورية الإسلامية. وقالت السلطات إن عدد القتلى ارتفع إلى 17 شخصا فضلا عن إصابة العشرات. وقال الحرس الثوري الإيراني إن السعودية خصم طهران اللدود بالمنطقة ضالعة في الهجوم مما يزيد التوتر بين البلدين اللذين يتنافسان على النفوذ في منطقة الخليج. ونفت السعودية الاتهام.

وقالت وزارة الاستخبارات الإيرانية إن خمسة من المهاجمين الذين لاقوا حتفهم في الهجوم إيرانيون انضموا لتنظيم داعش في معاقله الرئيسية بالعراق وسوريا. وقالت الوزارة "إنهم غادروا إيران في وقت سابق وشاركوا في جرائم الجماعة الإرهابية في الرقة والموصل". وأضافت الوزارة في بيان نشرته وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "العام الماضي عادوا إلى إيران... لتنفيذ هجمات إرهابية في مدن إيران المقدسة".

والهجمات هي الأولى التي يعلن التنظيم المسؤولية عنها داخل إيران التي تفرض إجراءات أمنية صارمة وهي من القوى التي تتزعم الحرب ضد المتشددين في العراق وسوريا. وتشن جماعتان سنيتان أخريان هما جيش العدل وجند الله تمردا في إيران وتنشطان في مناطق نائية من البلاد منذ نحو عشر سنوات. وكانت وزارة الاستخبارات قالت إنها ألقت القبض على المزيد من المشتبه بهم المرتبطين بالهجمات فضلا عن ضبط ستة إيرانيين بينهم امرأة واحدة يوم الهجوم.

وقالت وكالة تسنيم شبه الرسمية إن أحد الجرحى توفي بالمستشفى ليرتفع عدد القتلى إلى 17 قتيلا. وأضافت الوكالة نقلا عن بيانات رسمية أن هناك امرأتين بين الضحايا. وأظهرت لقطات صورتها كاميرات الأمن وعرضها التلفزيون الحكومي أشخاصا يركضون بحثا عن مخبأ مع اجتياح المهاجمين قاعات البرلمان وهم يطلقون نيران أسلحتهم ويصيبون شخصا واحدا على الأقل. بحسب رويترز.

وقال إيرانيون إن هناك تواجدا أمنيا كبيرا خاصة عند الميادين الرئيسية في طهران. وقال محمد علي راستوجو وهو صاحب متجر في ميدان تجريش بطهران "نشعر بالأمان عندما نرى الشرطة في كل مكان. هناك أيضا ضباط بملابس مدنية في مراكز التسوق". وعرض التلفزيون الحكومي كذلك صورا لذخيرة وأسلحة ونظارات مكبرة وضعت بجوار علم لتنظيم داعش قال إن المهاجمين تركوها.

ردود افعال

الى جانب ذلك قال التلفزيون الرسمي إن الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وصف التفجير والهجمات المسلحة التي وقعت في طهران بأنها مجرد "ألعاب نارية" لن تنال من عزيمة البلاد في حربها ضد الإرهاب. وأضاف "هذه الألعاب النارية ليس لها أي تأثير على إيران. ستتلاشى قريبا...إنها أصغر من أن تؤثر على إرادة الأمة الإيرانية ومسؤوليها". وقال خامنئي إن إيران التي تساعد الرئيس السوري بشار الأسد في قتال مسلحين من بينهم مقاتلو تنظيم داعش حالت دون وقوع هجمات أكبر من خلال سياستها الخارجية. وتابع "إذا لم تواجه إيران الإرهابيين حيث يوجد جوهر هذه الفتنة لكانت قد تعرضت لمزيد من الهجمات في إيران".

من جهة اخرى اتهم الحرس الثوري الإيراني الرياض وواشنطن بالوقوف وراء الهجمات التي تعرض لها البرلمان الإيراني وضريح قائد الثورة الإسلامية في قلب العاصمة طهران. ونفى وزير الخارجية السعودي هذه الاتهامات مؤكدا أن لا دليل على تورط سعوديين في الاعتداءات. ودعا الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى "الوحدة والتعاون الإقليمي والدولي" لمكافحة الإرهاب.

وأشار الحرس الثوري إلى أن الاعتداءات تمت إثر لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "مع أحد رؤساء الحكومات الرجعية في المنطقة المعروفة بدعمها للإرهاب". وكان ترامب قد زار الرياض حيث التقى الملك سلمان ودعا إلى "عزل ايران". ورفض وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الاتهامات، وقال في كلمة ببرلين إنه يدين الهجمات الإرهابية أينما كانت، لكنه أضاف أنه لا يوجد دليل على أن سعوديين مسؤولون عن الهجومين اللذين وقعا في العاصمة الإيرانية مضيفا أنه لا يعلم من المسؤول.

وبحسب الحرس الثوري فان "تبني داعش يظهر" أن واشنطن والرياض "متورطتان" متوعدا بأنه لن يترك "دم الأبرياء الذي أزهق يمر بلا انتقام". وقال نائب وزير الداخلية الإيراني حسين ذوالفقار إن المسلحين الذين هاجموا البرلمان تنكروا في أزياء نسائية.

وتشير الكثير من التقارير ان جماعات متشددة سنية في إيران تنفذ منذ وقت طويل هجمات من حين لآخر على أهداف عسكرية ومدنية بهدف تسليط الضوء على ما تقول إنه تمييز ضد الأقلية العربية في إيران والجماعات العرقية السنية. وكثفت إيران حملتها على أعضاء من هذه الشبكات في السنوات الأخيرة وشمل ذلك اعتقالات جماعية وأحكاما بالإعدام.

وتقول الأقليات العربية التي تعيش في الأساس في إقليم خوزستان الجنوبي الغني بالنفط والبلوخ السنة في إقليم سيستان بلوخستان الفقير بجنوب شرق البلاد إنهم محرومون من مستويات معيشية كريمة ومن بعض الحقوق المدنية. وتعتبر الجماعات الانفصالية السنية الرئيسية في إيران نفسها جزءا من صراع أكبر بين إيران الشيعية والدول العربية التي يحكمها السنة في الخليج. وتدعم إيران وهذه الدول أطرافا مختلفة في الصراع السوري وفي العراق واليمن. وتدعي طهران أن السعودية تمول معظم هذه الجماعات وهو اتهام تنفيه الرياض.

وفيما يلي قائمة بالجماعات المتشددة السنية الرئيسية في إيران: جيش العدل هو جماعة سنية متشددة نفذت عدة هجمات على قوات الأمن الإيرانية تركزت في إقليم سيستان بلوخستان. وأعلنت جماعة جيش العدل المسؤولية في أبريل نيسان عن هجمات أدت إلى مقتل عشرة من قوات حرس الحدود الإيراني قرب باكستان. وتقول إيران إن الجماعة تحظى بملاذات آمنة في باكستان وهددت بأنها ستقصف قواعدها هناك إذا لم تتصدى إسلام أباد لها.

جند الله هي جماعة سنية انفصالية أعلنت المسؤولية عن تفجيرات في العشر سنوات الماضية راح ضحيتها عشرات الإيرانيين بينهم قادة من الحرس الثوري. ويعتقد أن الجماعة التي لها أيضا قواعد في باكستان اعتراها الضعف بشكل كبير بعد أن اعتقلت السلطات الإيرانية قائدها عبد المالك ريجي وأعدمته في 2010. وتستهدف جماعة جند الله أيضا الأقلية الشيعية في باكستان وبايعت تنظيم الدولة الإسلامية في 2014.

أنصار الفرقان هي جماعة سنية مقرها بلوخستان وهددت بتنفيذ هجمات انتحارية على المراكز الاقتصادية والعسكرية الإيرانية انتقاما من الحكومة لإعدامها سجناء سنة. وتشكلت الجماعة عندما ظهرت جماعة حركة أنصار إيران المسلحة السنية ،النشطة في إقليم سيستان بلوخستان منذ 2012، مع جماعة سنية محلية أخرى هي حزب الفرقان في 2013. وتهدف الحركة إلى تكثيف حربها ضد السلطات الإيرانية. بحسب رويترز.

حركة النضال العربي لتحرير الأحواز أعلنت كتائب الشهيد محي الدين آل ناصر الجناح المسلح لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز المسؤولية عن عدة هجمات في إيران. وقتلت الجماعة عضوين من الحرس الثوري في يناير كانون الثاني في إقليم خوزستان. كما أعلنت الجماعة المسؤولية عن تفجير عدة أنابيب نفط في خوستان في السنوات الأخيرة. ويمثل الأحواز العرب أقلية في إيران الفارسية ويعتبر البعض أنفسهم خاضعين لاحتلال فارسي ويرغبون في الاستقلال أو نيل حكم ذاتي.

ادانات ومواقف

في السياق ذاته حذر الرئيس الاميركي دونالد ترامب طهران بعد الاعتداءات الدامية التي استهدفتها وتبناها تنظيم داعش الجهادي من ان من يدعمون الارهاب يعرضون انفسهم ليكونوا من "ضحاياه". وقال ترامب في بيان "نشير الى ان الدول التي تدعم الارهاب يمكن ان تصبح من ضحايا الشر الذي تدعمه". من جهة اخرى اكد ترامب في البيان ذاته انه يصلي من اجل "الشعب الايراني" و"الضحايا الابرياء" لاعتداءات طهران.

في المقابل اتهم الحرس الثوري الايراني واشنطن والرياض ب"التورط" في الاعتداءات. ولا تقيم واشنطن وطهران علاقات دبلوماسية وكبح ترامب بعض التحسن الذي سجل في علاقات البلدين في عهد سلفه باراك اوباما الذي شهد توقيع اتفاق حول البرنامج النووي الايراني. ووعد ترامب اثناء حملته الانتخابية بـ"تمزيق" الاتفاق ووجه في الاسابيع الاخيرة بوضوح سياسته الخارجية باتجاه السعودية المنافس الكبير لايران اقليميا. بحسب فرانس برس.

وفي زيارته مؤخرا الى الرياض اتهم ترامب طهران بـ"تمويل وتسليح وتدريب ارهابيين (..) يشيعون الخراب والفوضى عبر المنطقة " ودعا الى "عزل" ايران. من جهته صوّت مجلس الشيوخ الاميركي بأغلبية 92 صوتا مقابل 7 على قانون يفرض عقوبات جديدة على ايران، ولا سيما بسبب "دعمها لانشطة ارهاب دولي". وسيتم التصويت مجددا على النص في وقت لاحق لاقراره بشكل نهائي.

الى جانب ذلك رفض وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف تعازي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هجومين داميين بطهران ووصف تصريحات ترامب بأنها بغيضة. وكتب ظريف على حسابه على تويتر "تصريح بغيض للبيت الأبيض... الأمة الإيرانية ترفض مزاعم الصداقة الأمريكية هذه".

واثارت تعليقات ترامب انتقادات من قبل الايرانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين ذكروا باعلان حكومتهم دعمها وامسيات الشموع التي احيوها في ايران بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. وكتب المحلل الايراني لقطاع الاعمال علي قزلباش في تغريدة ان "الايرانيين اشعلوا شموعا من اجلكم في 11 ايلول/سبتمبر. انتم تتخلون عنهم في هذا الوضع. هذا ينم عن رقي".

من جانب اخر قدمت الإمارات ومصر تعازيهما لإيران بعد مقتل 13 شخصا على الأقل في هجومين بطهران. وأرسل رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان تعازيه لنظيره الإيراني في الهجومين اللذين وقعا في البرلمان وعند ضريح آية الله الخميني. وذكرت وكالة أنباء الإمارات أن الشيخ خليفة أدان "الجريمة المروعة". وأضافت الوكالة نقلا عن البرقية التي بعثها رئيس البلاد لنظيره الإيراني حسن روحاني "عبر سموه عن خالص تعازيه للشعب الإيراني وأسر الضحايا.. متمنيا الشفاء العاجل للجرحى". وفي القاهرة أدان بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية الهجومين وقال "أعربت مصر عن خالص التعازي لأسر الضحايا... كما طالبت المجتمع الدولي بتكثيف جهوده لمحاربة ظاهرة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي