الرقة بعد داعش: رحلة المصالح والنفوذ
عبد الامير رويح
2017-06-03 06:20
استطاعت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الامريكية، والتي تشكل وحدات حماية الشعب الجزء الأكبر منها عسكرياً، السيطرة على العديد من القرى والمناطق التابعة لمدينة الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم داعش الارهابي في سوريا، وفي ظل وصول معركة الموصل الى نهايتها بحسب عسكريين عراقيين وأمريكيين، فقد اكد بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس الأمريكي، في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، إن عملية استرداد الرقة من التنظيم، ستنطلق قريبا. وجدد ماكغورك عزمهم العمل مع قوات سوريا الديمقراطية.
وقال نعمل هنا مع قوات سوريا الديمقراطية، ونحن على بعد كيلومترين اثنين عن الرقة، والعملية ستبدأ قريبًا، فلا استطيع التصريح بأي شيء عن تاريخ انطلاقها ولكن قريبة جدًا". وتتزامن تصريحات ماكغورك مع إعلان مسؤول أمريكي أن الولايات المتحدة بدأت إرسال أسلحة للمقاتلين الأكراد لمساعدتهم في استعادة مدينة الرقة. وقال المسؤول إن إرسال الأسلحة بدأ بناء على تفويض من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذه التطورات العسكرية الكبيرة مع الدعم الامريكي المستمر، اجبرت تنظيم داعش الارهابي على تشديد اجراءاته الدفاعية بغية منع من تبقى من أهالي المدينة من الخروج نحو المناطق الأخرى، حيث كثف التنظيم من تواجد حواجزه، على أطراف المدينة والطرقات العامة والتي عمدت إلى عرقلة تحرك المدنيين وإلقاء القبض على كل من يحاول الفرار.
وزاد التنظيم من الإجراءات والعقوبات المتعلقة بمن يتم إلقاء عليه وهو يحاول الفرار، فعقوبة من يساعد المدنيين على الخروج بسيارته هي القتل، أما المدنيين فالعقوبات تنحسر في مصادرة السيارة والأوراق الثبوتية وعمليات الجلد والسجن والغرامة. ومؤخراً اعتقل التنظيم مئات المدنيين وهم يحاولون الفرار من الجهة الشمالية الشرقية للمدينة “منطقة سهلة البنات”، واطلق الرصاص على العربات واقتاد جموع المدنيين نحو مركز الرقة في شارع الوادي وشارع تل أبيض معتدياً عليهم كنوع من نشر الخوف والردع لمن يفكر بالفرار من الرقة وجحيم المعركة التي تدق طبولها من كل الجهات.
ويرى بعض المراقبين ان عملية تحرير الرقة قد تواجه صعوبات ومشكلات كبيرة ايضا، بسبب تعدد اطراف الصراع وتضارب المصالح بين الدول الداعمة، حيث تخشى تركيا من تسليح الاكراد وتعمل على عرقلة اي اتفاق قد يزيد قوتهم، كما ان التحركات الحالية قد تغضب ايضا دول اخرى تدعم مجاميع اخرى يضاف الى ذلك روسيا والحكومة السورية، التي تحاول هي الاخرى فرض سيطرتها على اكبر مساحة من الارض خصوصا بعد الاتفاقات والتحركات الاخيرة التي تتيح اقامة مناطق امنه مسيطر عليها.
أسلحة امريكية
وفي هذا الشأن قالت الولايات المتحدة إنها بدأت في توزيع أسلحة على فصيل كردي سوري يقاتل للمساعدة في استرداد مدينة الرقة من تنظيم داعش. وبذلك تمضي واشنطن في خطتها الحربية التي أثارت غضب تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية أدريان رانكين-جالواي إن الجيش الأمريكي قدم للمقاتلين الأكراد أسلحة خفيفة ومركبات.
وقال مسؤول أمريكي آخر طلب عدم نشر اسمه إن توزيع الأسلحة بدأ بناء على تفويض من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولم يرد أي رد فعل من تركيا التي حذرت الولايات المتحدة من أن قرار تسليح القوات الكردية التي تقاتل داعش في سوريا قد ينتهي بإيذاء واشنطن. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن تمردا في جنوب شرق تركيا منذ عام 1984 وتعتبره واشنطن والاتحاد الأوروبي وأنقرة تنظيما إرهابيا. لكن الولايات المتحدة تعتبر الوحدات الكردية شريكا مهما في الحرب ضد الدولة الإسلامية في شمال سوريا. بحسب رويترز.
وتقول واشنطن إن تسليح القوات الكردية ضروري لاستعادة الرقة معقل التنظيم في سوريا. وأبلغ مسؤلوون أمريكيون أن الولايات المتحدة تتطلع أيضا لتعزيز التعاون المخابراتي مع تركيا لدعم حربها ضد حزب العمال الكردستاني. ولم يتضح إن كان ذلك كافيا لتهدئة تركيا. وتشعر أنقرة بقلق من أن التقدم الذي تحرزه وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا قد يؤجج نشاط حزب العمال في تركيا. وأعربت تركيا أيضا عن قلقها من أن الأسلحة التي ستقدم للوحدات قد ينتهي بها الأمر في أيدي حزب العمال.
دعوة قبل الهجوم
الى جانب ذلك تعهدت قوات سوريا الديمقراطية بألا يلحق أي ضرر بمقاتلي تنظيم داعش في الرقة إذا ما استسلموا ودعتهم إلى إلقاء أسلحتهم قبل الهجوم المتوقع على المدينة. وقوات سوريا الديمقراطية تحالف مدعوم من الولايات المتحدة يضم مقاتلين عربا وأكرادا. وأصبحت على بعد كيلومترات قليلة من مدينة الرقة عند أقرب نقطة في هجوم يجري منذ نوفمبر تشرين الثاني لتطويق المدينة والسيطرة عليها.
وذكرت قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم وحدات حماية الشعب الكردية السورية القوية، أنه من المتوقع أن تطلق المرحلة الأخيرة من الهجوم على الرقة في بداية فصل الصيف. وكان مسؤولون من وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية توقعوا أن يبدأ الهجوم في مطلع أبريل نيسان. ولم يعلن التحالف ضد التنظيم الذي تقوده الولايات المتحدة أي إطار زمني للهجوم النهائي على مدينة الرقة وهي معقل التنظيم المتشدد في سوريا منذ أن أعلن الخلافة في أجزاء من سوريا والعراق عام 2014.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية في بيان "نظرا للنتائج الايجابية للبيان الذي أصدرناه بتاريخ 15-05-2017 والذي أعلنا من خلاله حماية حياة من يسلم نفسه وسلاحه من المنتمين إلى المجموعات المسلحة بمن فيهم داعش مهما كانت صفتهم ومهمتهم لقواتنا تمهيدا لتسوية أوضاعهم و حماية لعائلاتهم وذويهم وأهلهم... نعلن تمديد هذه الفترة لغاية نهاية هذا الشهر 31-05-2017". بحسب رويترز.
وذكرت جيهان شيخ أحمد المتحدثة باسم قوات سوريا الديمقراطية في البيان أن هذا جاء "بناء على مطالبات أهل الرقة الشرفاء... لتمكين أكبر عدد ممكن ممن غرر بهم أو أجبروا على الانضمام للاستفادة من هذه الفرصة". ويقول التحالف بقيادة واشنطن إنه يعتقد أن ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف مقاتل من داعش محاصرون في مدينة الرقة حيث يواصلون نشر دفاعاتهم تحسبا للهجوم المنتظر.
اقرب الى الرقة
في السياق ذاته تمكن مقاتلون عرب تدعمهم واشنطن من الاقتراب من جهة الشرق من مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم داعش، بعد غارات كثيفة للتحالف الدولي على مواقع الجهاديين، وفق ما اكد متحدث باسمهم والمرصد السوري لحقوق الانسان. وينضوي المقاتلون المتحدرون بشكل رئيسي من محافظتي الرقة (شمال) ودير الزور (شرق) في اطار "قوات النخبة السورية" التابعة لتيار الغد السوري الذي يرئسه الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية احمد الجربا.
وتقاتل هذه المجموعة بالتنسيق مع قوات سوريا الديموقراطية، ائتلاف فصائل عربية كردية، على جبهات عدة في محافظة الرقة. لكنها لا تشكل جزءا من هذه القوات. وقال المتحدث الرسمي باسم "قوات النخبة" محمد خالد شاكر "قواتنا باتت على بعد 400 متر من حي المشلب، اول احياء مدينة الرقة من الجهة الشرقية". واكد مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن تقدم هذه القوات التي يبلغ "عديد مقاتليها المئات"، موضحاً ان اقترابها من مدينة الرقة من جهة الشرق "جاء بعد ضربات كثيفة للتحالف الدولي ادت الى تراجع مقاتلي داعش".
ويتحدر معظم مقاتلي هذا الفصيل، وفق المرصد من ابناء العشائر العربية من محافظتي الرقة ودير الزور. وبدأت قوات سوريا الديموقراطية منذ تشرين الثاني/نوفمبر هجوماً واسعاً بدعم من التحالف الدولي لطرد الجهاديين من معقلهم في الرقة وتمكنت من التقدم على جبهات عدة وقطع طرق امداد رئيسية للتنظيم. ويتواجد مقاتلو "قوات النخبة" التي تأسست مطلع العام 2016 ويدعمها التحالف الدولي بقيادة اميركية بالسلاح والغارات، وفق المرصد، على جبهات عدة في محيط مدينة الرقة. بحسب فرانس برس.
وتعمل قوات النخبة، وفق المتحدث باسمها، "بالتعاون والتنسيق مع قوات سوريا الديموقراطية في إطار عملية غضب الفرات بقيادة التحالف الدولي ضد داعش". وكانت قوات سوريا الديموقراطية اعلنت في كانون الاول/ديسمبر انضمام فصائل عدة الى صفوف حملة "غضب الفرات" بينها قوات النخبة. ولا تزال القوات العربية والكردية بعيدة عن حصار المدينة بالكامل، اذ تتواجد قوات سوريا الديموقراطية على بعد ثلاثة كيلومترات عن مدينة الرقة من جهة الشمال، لكنها لا تزال على مسافة تتراوح بين 7 و25 كيلومتراً من جهة الغرب. ويسيطر الجهاديون على كامل المنطقة الواقعة جنوب الرقة.
معاناة السكان
على صعيد متصل تركض دلال احمد مسرعة بعدما سمعت ان قوات سوريا الديموقراطية توزع مساعدات غذائية، على أمل الحصول على البعض منها في مدينة الطبقة حيث لا يزال يطغى على السكان شعور بالخوف من عودة الجهاديين. وبعد معارك عنيفة استمرت قرابة شهر ونصف وانقطاع طرق الامداد اليها اثر تطويقها، يعاني سكان الطبقة الواقعة في محافظة الرقة من نقص في المواد الغذائية. وسيطرت قوات سوريا الديموقراطية (تحالف فصائل عربية وكردية) بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن على المدينة التي كان استولى عليها التنظيم في 2014.
واخبر أحد الجيران دلال احمد، في الخمسينات من العمر، ان هناك من يوزع المساعدات في سوق الطبقة المركزي، وحين وصلت الى المكان تبين لها ان الامر عبارة فقط عن بعض الوجبات التي تشاركها مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية مع بعض الاطفال والرجال في المكان. وخاب أمل دلال، وتقول "كرهنا انفسنا، ليس هناك مياه للاستحمام او التنظيف، كل شيئ انقطع عنا، مياه وكهرباء وطعام"، مضيفة "نريد ان ترى المنظمات الانسانية حالنا قبل ان نموت من الجوع والمرض".
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن "الوضع في المدينة صعب حتى الآن، خاصة جراء النقص الكبير في المواد الغذائية الناتج عن المعارك وانقطاع طرق الامداد اليها بعد تطويقها خلال الهجوم من قوات سوريا الديموقراطية". وليست دلال وحدها من يبحث عن طعام، ففي سوق الطبقة المركزي تبحث امرأة في بقايا وجبات تركها مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية خلفهم. تجمع ما تبقى من شطائر في علبة وتغادر المكان.
وفي شارع آخر، ينتظر آخرون تعبئة قواريرهم الفارغة من أحد خزانات المياه نتيجة النقص الحاد في المياه الذي تسببت فيه المعارك في سد الطبقة (الفرات) المحاذي للمدينة.. وفي سوق الطبقة المركزي، يعمل البعض على تنظيف الشارع امام محلاتهم. ويتجمع عدد من الرجال يناقشون ما آلت اليه الامور، وبين هؤلاء عبد الرحمن شكروشي (40 عاما). ويقول شكروشي "الامراض كثيرة بسبب الجثث المنتشرة والتي بدأت تفوح رائحتها"، مضيفا "الذباب والاوساخ في كل مكان. هذا كله ينعكس على صحتنا".
ويؤكد مدير المرصد السوري "هناك مئات المفقودين في الطبقة، الكثير منهم لا يزالون تحت انقاض المباني التي دمرتها طائرات التحالف الدولي". وتندرج السيطرة على الطبقة في إطار حملة "غضب الفرات" التي بدأتها قوات سوريا الديموقراطية، بدعم من التحالف الدولي لطرد الجهاديين من الرقة، ابرز معقلهم في سوريا والواقعة على بعد 55 كيلومترا شرق الطبقة. واجبرت المعارك والقصف العنيف على الطبقة آلاف المدنيين على الفرار من منازلهم، منهم من تمكن من مغادرة المدينة الى مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، وآخرون نزحوا الى احياء اخرى مثل مهند حاج عمر (20 عاما).
ويتذكر مهند عمر ما مرّ عليه وعلى عائلته من مخاطر اثناء الفرار بعيدا عن القصف. ويقول "كان الطيران يضرب (...) وهم (الجهاديون) يفرون مجرد سماعهم لصوت الطائرة"، مضيفا "نحن كنا نخرج من مكان الى مكان، من بيت الى بيت، لم نعد نعرف اين نحن". ويسير خطوات قليلة ويشير بيده الى مكان قريب، ويقول "خلف هذه النقطة أعدم داعش شبان عدة باطلاق النار في رؤوسهم والناس تشاهدهم".
وطوال سيطرة تنظيم داعش على مدينة الطبقة، عاش سكانها في خوف دائم من احكام الجهاديين المتشددة. ويغذي التنظيم المتطرف الشعور بالرعب في مناطق سيطرته من خلال الاعدامات الوحشية والعقوبات التي يطبقها على كل من يخالف احكامه او يعارضه. وتضع دلال النقاب على وجهها وترفض ان تزيله خشية من عودة الجهاديين الى المدينة. وتقول "ما زلنا نخاف مجئ (تنظيم داعش) وهجومه على المدينة ونخاف على أطفالنا، لا اريد ان اقلع النقاب، حتى وان لم اكن ارتديه قبل مجيء داعش". بحسب فرانس برس.
وفي وسط السوق المركزي، وضع قضيبان من حديد بشكل أفقي على اشارة سير كان التنظيم يربط عليها من يخالف احكامه. ويشرح أحد السكان لمقاتل في قوات سوريا الديموقراطية بحركة مسرحية كيف كان الجهاديون يربطون الشبان ويتركوهم تحت الشمس الحارقة. ويمر رجل عجوز في المكان، يرفض ان يتصور امام الكاميرا خوفا من انتقام الجهاديين في حال عودتهم لكنه يروي قصته مع "اشارة السير" هذه. واعتقل الجهاديون ابنه الذي كان يعمل صيدليا بتهمة "التعامل مع الكفار"، ويقول الرجل "تركوه معلقا ثلاثة ايام بعد قتله. وكنت أتي كل يوم لحراسة الجثة، لكي لا تنهشها الكلاب". ويختصر الشاب مهند عمر وصف ما كان الحال عليه تحت حكم الجهاديين بالقول باللغة العامية "كرهونا العيشة والحياة، دمروا حياتنا".