معركة الموصل: هذا ما تبقى لداعش في العراق

عبد الامير رويح

2017-05-11 06:00

تواصل القوات العراقية المشتركة، التي تخوض معارك عنيفة ضد عصابات تنظيم داعش الارهابي في مناطق مختلفة في مدينة الموصل، تقدمها وانتصاراتها المستمرة حيث شرعت قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقية بفتح جبهتين في الجانب الأيمن من الموصل والتقدم لاستعادة مناطق جديدة من سيطرة تنظيم داعش، الذي انهار بشكل كبير في الفترة الأخيرة بعد ان مني بخسائر فادحة في مختلف الجبهات، هذه الهزائم دفعت عناصر التنظيم الإجرامي الى استخدام اساليب وخطط جديدة من اجل إعاقة تقدم القوات العراقية، ومنها استخدام سكان المناطق كدروع بشرية اضافة الى تفخيخ المنازل والطرقات، إضافة الى تعمد إحراق المنازل والممتلكات الأخرى.

ولم يتبقى سوى عدد قليل من أحياء غربي الموصل تحت سيطرة داعش الذي يحاصر نحو 250 ألف مدني يعيشون في ظروف قاسية جدا، وفقا لناشطين ومنظمات حقوقية.

وفيما يخص اخر تورات هذه المعركة فقد حققت القوات العراقية وكما نقلت بعض المصادر انتصارات كبيرة، في الساحل الأيمن للموصل، شمالي بغداد، خلال 80 يوماً، على تنظيم "داعش" الإرهابي. وتمكنت من استعادة السيطرة على أحياء (مشيرفة الأولى، ومشيرفة الثانية، ومشيرفة الثالثة، والكنيسة ودير ميخائيل، وحي 30 تموز)، وأكملت القوات واجبها في هذه الأحياء الخمسة بتكبد تنظيم "داعش" خسائر وهزيمة. حيث قتلت القوات العراقية التي قتلت اكثر من(1321) إرهابيا، بينهم العديد من القادة، واعتقال ما يسمى "مسؤول شرطة التنظيم" في المدينة. كما تم تدمير وتفجير (139) سيارة مفخخة، و15 سيارة مختلفة الأنواع تحمل أسلحة وعناصر مسلحين من التنظيم. وفجرت القوات 190 عبوة ناسفة زرعها تنظيم "داعش" لعرقلة تقدم القوات ولقتل المدنيين عند هربهم من سطوته. ودمرت القوات أيضا (191) دراجة نارية مختلفة للتنظيم، و45 مفرزة هاون، وأسقطت 11 طائرة مسيرة، وفككت وفجرت 54 حزاماً ناسفاً، وقتلت 15 عنصراً يطلق عليهم "الانغماسيون" يحملون أحزمة ناسفة. هذا بالاضافة الى ردم 45 نفقا لتنظيم "داعش"، وعثور القوات على 10 معامل لتفخيخ السيارات.

كما أنقذت وأخلت القوات العراقية حتى الآن منذ بدء عمليات تحرير الساحل الأيمن، (111750) مدنياً وتم نقلهم إلى مراكز إيواء النازحين، ومن بينهم تمت معالجة (12835) حالة مرضية أو إصابة ناجمة عن اعتداء العناصر الإرهابية. وحررت القوات 5 عوائل كانت محاصرة من قبل تنظيم "داعش"، وقتلت العناصر الإرهابية، وأنقذت عددا من المواطنين من تحت الدور المدمرة التي فجرها التنظيم الإرهابي عند تقدم القوات.

دروع بشرية

على صعيد متصل أدخل مقاتلو تنظيم داعش مجموعة من المدنيين إلى منزل بمدينة الموصل وحبسوهم في الداخل مع تقدم القوات العراقية. وبعد ذلك بلحظات دخل المتشددون عبر نافذة ورقدوا على الأرض لدقائق ثم أطلقوا نيران أسلحتهم. وكانت الخطة بسيطة. يجذب المتشددون الانتباه للمنزل بإطلاق النار من النوافذ ثم ينتقلون إلى مبنى مجاور عبر فتحة في الحائط أملا في دفع طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة إلى قصف المنزل.

وما لم يدركه المتشددون هو أن مستشارين أمريكيين يتعاونون مع القوات العراقية كانوا يتابعون كل ما حدث بفضل معلومات تنقلها طائرة بدون طيار. ولم تصدر أوامر بتنفيذ ضربة ولم يستفد التنظيم المتشدد من الدعاية التي كان يريد جني ثمارها جراء مقتل أبرياء. وقال ضابط بالجيش الأمريكي برتبة لفتنانت كولونيل يدعى جيمس براونينج "علمنا فورا ما يحاولون فعله. كانوا يحاولون استدراجنا لتدمير هذا المبنى. هذه هي اللعبة التي نلعبها وهذا هو التحدي الذي نواجهه كل يوم".

ويكبر التحدي مع تضييق القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة الخناق على المتشددين في منطقة آخذة في الانكماش بالموصل إذ أصبحوا الآن محاصرين مع مئات آلاف من المدنيين. وقال براونينج "لا مكان للفرار... أرض المعركة أكثر تعقيدا بكثير في ظل عدد المدنيين الذين يتحركون". والمخاطر كثيرة ففي ضربة واحدة نفذها التحالف بقيادة الولايات المتحدة في مارس آذار لقي أكثر من 100 مدني حتفهم بطريق الخطأ.

وبعد فتح جبهة جديدة في شمال غرب الموصل بهدف إنهاك دفاعات المتشددين تقول القوات العراقية إن معركة الموصل في مرحلتها الأخيرة. ويشاهد عسكريون أمريكيون قرب الخطوط الأمامية يسدون النصائح للعراقيين مع تقدمهم صوب حفنة المناطق الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرة داعش في مواجهة غطاء من السيارات الملغومة ونيران القناصة. وبراونينج قائد إحدى كتائب الفرقة الثانية والثمانين المحمولة جوا وهو من بين أكثر من خمسة آلاف عسكري أمريكي يخدمون حاليا في العراق "لنصح ومساعدة" قوات الأمن التي انهارت عندما اجتاح التنظيم المتشدد الموصل قبل نحو ثلاثة أعوام.

لكن الانتشار الأمريكي هذه المرة أقل بكثير مما كان عليه في أوج الاحتلال الذي استمر تسع سنوات بعد الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003 إذ أرسلت واشنطن حينئذ 170 ألف جندي للعراق وقتل خلال هذه الفترة أكثر من أربعة آلاف جندي أمريكي. ويبغض البيت الأبيض الدخول مجددا في صراع مكلف لن يحظى بشعبية بين الأمريكيين بعد أن سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011.

لكن بالنسبة لبراونينج الذي أُرسل للعراق عام 2008 فإن طبيعة الدور الأمريكي مختلفة بوضوح. وقال "كان الوضع في السابق أنني أقود القتال وأطلب من شركائي العراقيين المجيء معي لكنهم الآن يقودون القتال وأنا أتبعهم". ومنذ بدء عملية الموصل في أكتوبر تشرين الأول تحول الدور الأمريكي فأصبحت الشراكة بين القوات الأمريكية والقوات العراقية عند مستوى أقل مما يعني تقليل الوقت الذي تستغرقه للرد على داعش.

ويعني هذا أن القادة تحت إمرة براونينج شركاء أيضا لقادة الألوية تحت إمرة نظيره العراقي الفريق قاسم المالكي. ويجري القادة مناقشات يومية حول العمليات ويبحثون ما يمكن للقوات الأمريكية فعله للمساعدة مما قد يشمل تقديم صور أو معلومات مخابرات أو شن ضربات جوية أو إطلاق نيران أرضية. بحسب رويترز.

ويقدم العراقيون أيضا معلومات مخابرات من مصادر بشرية تعمل القوات الأمريكية على تأكيدها في سبيل تحديد الأهداف وأفضل السبل لمهاجمتها. ويعيش براونينج في نفس القاعدة مع المالكي قائد الفرقة التاسعة العراقية مما يجعل من الأسهل تعديل خطط القتال. وقال "كل ما أحاول فعله هو تهيئة أرض معركة له".

على خط الجبهة

في السياق ذاته وعلى خط الجبهة في شمال غرب الموصل، يغطي دخان أسود السماء مصدره الاحياء التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش، وناتج بحسب ما يقول ضابط في الشرطة الاتحادية عن حرائق يضرمها الجهاديون في إطارات سيارات وبراميل نفط. ويستخدم عناصر التنظيم في آخر معاقلهم في الموصل الحرائق والسيارات المفخخة والانتحاريين والألغام وقذائف الهاون، للحد من تقدم القوات العراقية التي تمكنت خلال الاشهر الماضية من السيطرة على الجزء الشرقي من مدينة الموصل، وتتابع تقدمها في الجزء الغربي.

ويقول الضابط الذي يرفض الكشف عن اسمه "حين يكون الطقس صافيا، يمكن لطائرات القوات العراقية وطائرات التحالف أن ترى بوضوح تحركات الارهابيين وتمركزاتهم وان تستهدفها بدقة، الامر الذي يحاول داعش التصدي له بإحراق إطارات السيارات وبراميل النفط التي يحد دخانها الاسود من قدرة هذه الطائرات على الرؤية".

وتتقاسم القتال على هذه الجبهة عند تخوم حي الهرمات الخمسة قوات الشرطة الاتحادية والرد السريع في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية. ولا تقتصر أسباب انبعاث الدخان الاسود على إحراق الاطارات والمحروقات... فالهجمات التي ينفذها انتحاريو التنظيم المتطرف بواسطة المتفجرات والسيارات المفخخة تخلف وراءها ايضا دخانا أسود.

وفي نقطة تجمع قوات الرد السريع في أسفل تلة، كرة لهيب حمراء تنبعث فجأة من خلف التلة، ويليها انفجار ضخم. ويشرح معاون آمر لواء الرد السريع الاول العقيد الركن عارف الدليمي الذي كان يرافق الصحافيين، "انها سيارة مفخخة حاول الانتحاري الذي يقودها الوصول بها الى نقطة تجمع لقوات الرد السريع، لكن مروحية تابعة للقوات العراقية كانت تترصدها واستهدفتها بصاروخ قبل وصوله الى هدفه بمسافة كيلومتر واحد تقريبا".

ويقول الدليمي ان قواته كانت رصدت هذه السيارة قبل ساعات، "لكن سائقها دخل بها باحة منزل فيه نساء وأطفال، واحتمى بهم دروعا بشرية، فلم نتمكن من قصفها لان ذلك كان سيؤدي الى مقتل أبرياء، لكننا أبقيناها تحت المراقبة". ويضيف ان "داعش ينفذ يوميا بين خمس وست هجمات بواسطة انتحاريين يقودون سيارات مفخخة". وتتجمع آليات بعضها من طراز "هامفي" في أسفل التلة. ويقول الضابط محمد دياب "كما في السابق، يستخدمون العوائل والمدنيين كدروع بشرية لوقف تقدم قطعاتنا باتجاههم".

وبدأت القوات العراقية بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن في 17 تشرين الاول/اكتوبر عملية ضخمة لاستعادة الموصل من تنظيم داعش الذي سيطر عليها في منتصف حزيران/يونيو 2014. ويقول حسين، عنصر في قوات السريع في المكان، ان الجنود العراقيين يتقدمون في منطقة الهرمات "وان شاء الله نتصدى للعدو الذي يواجهنا بالسيارات المفخخة وان شاء الله، التحرير قادم".

وعلى الارض، يغمض جندي تمدد على بطنه عينه اليسرى ويدقق بعينه اليمنى في منظار بندقيته القناصة، ثم يستدير نحو ثلاثة من رفاقه يتجمعون حول مدفع هاون ليقول "الى اليمين عشرة أمتار"، فيتولى أحدهم تعديل زاوية المدفع بينما يلقي آخر القذيفة داخل الفوهة وينحني واضعا يديه على أذنيه. ويصرخ رفيقه بعد التدقيق في منظار قناصته مجددا، بفرح، "صحيحة!". فيروح الجنود يطلقون القذيفة تلو الاخرى على الهدف. بحسب فرانس برس.

ويشرحون ان هذه الطريقة في إطلاق قذائف الهاون تسمى في القاموس العسكري "التربيع"، ويستخدمها أيضا الجهاديون الذين استهدفوا بمدافع الهاون التلة، ما يدفع القوات العراقية الى الحذر قبل الصعود اليها. ويقول عصام مجيد، عنصر آخر في قوات الرد السريع، على وقع أصوات الانفجارات وتحليق المروحيات، "النصر قريب، اسبوع ان شاء الله ويكون النصر كاملا".

حملة الموصل تتقدم

الى جانب ذلك اكتسبت العملية العسكرية العراقية لاستعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش قوة دفع جديدة مع محاولة فرقة مدرعة الزحف على المدينة من ناحية الشمال. وتحاصر القوات العراقية مسلحي تنظيم داعش في الزاوية الشمالية الغربية من الموصل التي تشمل وسط المدينة القديمة وجامع النوري الكبير بمئذنته المائلة التي ترفرف فوقها راية التنظيم المتشدد السوداء منذ يونيو حزيران 2014.

وجاء في بيان للجيش العراقي أن الفرقة المدرعة التاسعة وقوات الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية فتحت جبهة جديدة في شمال غرب المدينة. وسيساعد الهجوم جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الشرطة الاتحادية التي تتقدم من جهة الجنوب. وقال العميد يحيى رسول المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة "قواتنا تحقق تقدما سريعا في الساعات الأولى للهجوم و مقاتلو داعش منكسرون و يتقهقرون". وتقدمت قوات الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع لمسافة 1400 وما زالت تتوغل بمنطقة حليلة باتجاه الهريمات شمال غربي الموصل. وقالت الشرطة الاتحادية في بيان إن القوات تحاول الوصول إلى ضفة نهر دجلة وتطويق الجسر الخامس إلى الشمال من المدينة القديمة.

ويوفر تحالف تقوده الولايات المتحدة دعما جويا وبريا مهما للهجوم على الموصل معقل التنظيم المتشدد في العراق. وبدأت عملية الموصل في أكتوبر تشرين الأول الماضي. وقال اللواء قاسم المالكي قائد الفرقة المدرعة التاسعة من قاعدة جنوب غربي الموصل "الفرقة المدرعة إذا ترجع للحقيقة ما تدخل بالمدن نهائيا، ما تدخل شوارع وأزقة ضيقة ولكننا ندخل". وأضاف "واجبنا المستقبلي ندخل بالمدينة سواء منطقة المشرفة أو 17 تموز أو الهريمات، هذا واجبنا".

وقال اللفتنانت كولونيل جيمس براوننج من الجيش الأمريكي وهو مستشار الفرقة التاسعة المدرعة في القاعدة إن الدعم الأمريكي الوثيق سيفيد في مشاركة الفرقة المدرعة التاسعة في القتال ويقلل المخاطر على المدنيين. وقال براوننج وهو قائد الفرقة 82 المحمولة جوا "كل ما أحاول أن أفعله هو تهيئة أرض المعركة له" في إشارة إلى المالكي. وأضاف "أتطلع إلى محاولة تنفيذ ضربات تسبق وصوله فضلا عن ضربات عميقة حتى في الموصل القديمة". بحسب رويترز.

ويعد الدعم الأمريكي أساسيا للتخلص من السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون وتستهدف الجنود. وتتسبب المعارك في سقوط أعداد كبيرة من القتلى بين المدنيين المحاصرين وراء خطوط تنظيم داعش ويستخدمهم المسلحون كدروع بشرية. وقال مسؤولون محليون وشهود إن ما يصل إلى 240 شخصا ربما قتلوا في مارس آذار في منطقة الجديدة في غرب الموصل عندما تسبب انفجار في انهيار مبنى.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي