انقسام أمريكا: النتيجة الوشيكة لتصاعد العنف

عبد الامير رويح

2017-04-25 05:00

تشهد الولايات المتحدة الامريكية ازدياد كبير في معدلات اعمال العنف والجرائم، ولأسباب مختلفة (اقتصادية واجتماعية وسياسية)، منها انتشار بيع وتجارة الاسلحة في هذا البلد، وضعف القوانين والرقابة وارتفاع معدلات الفقر و البطالة بين الشباب، يضاف الى ذلك العنصرية التي اصبحت سمة من سمات المجتمع الامريكي وانتشار العصابات و المخدرات وغيرها. ففي عام 2016 وكما نقلت بعض المصادر، ازداد عدد حالات اطلاق النار في انحاء امريكا قياسا مع عام 2015 حيث قتل وجرح 45000 ألف شخص جرائها.

واعلن مركز احصائيات حوادث اطلاق النار في امريكا في تقرير له ان عدد حوادث اطلاق النار منذ بداية عام 2016 وحتى تاريخ 29 ديسمبر بلغ 57371 حالة، خلفت 14859 قتيلا و30315 جريحا، وكان 662 من القتلى هم اطفال دون الـ 11 سنة و3069 منهم ناشئين بين 12 عاما و17 عاما و381 حالة من حالات اطلاق النار كان قتلا جماعيا. وحسب هذه الإحصائية فإن 2460 حالة من حالات اطلاق النار كانت اثناء حوادث السطو على المنازل وان حالات الدفاع عن النفس كانت فقط 1843 حالة وان 2140 حالة فقط كانت عن طريق الصدفة.

وكان جهاز الـ اف بي اي قد اطلق تحذيرا في وقت سابق حول ازدياد العنف والجرائم في مختلف الولايات الامريكية، وقد قال هذا الجهاز انه في عام 2015 كانت معدلات الجريمة في امريكا هي 383 جريمة لكل مئة الف مواطن وشملت هذه الجرائم حالات سلب واعتداء وقتل واغتصاب وسرقة وهجمات مسلحة. ويبدو ان سهولة اقتناء السلاح والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية تزيد معدلات العنف، وبحسب دراسة جديدة فان واحد من كل خمسة ممن يملكون أسلحة نارية في الولايات المتحدة قال إنه اشترى سلاحا خلال العامين السابقين دون أن تتم مراجعة سجله. وقال الدكتور ماثيو ميلر كبير معدي الدراسة وهو من جامعة نورث إيسترن في بوسطن إن هذه النتيجة المستقاة من استطلاع جرى في 2015 تمثل تحسنا.

وكانت دراسة مماثلة أجريت في 1994 قد أشارت إلى أن اثنين من كل خمسة ممن يملكون أسلحة اشتروا هذه الأسلحة دون فحص خلفياتهم. ولكن دراسة 1994 لم تسأل بشكل مباشر عما إذا كان قد تم فحص سجل مشتري السلاح. ولم يذكر من شملتهم الدراسة سوى ما إذا كانوا قد اشتروا أسلحتهم النارية من تاجر حاصل على ترخيص اتحادي. وتشترط الولايات المتحدة التأكد من خلفيات مشتري الأسلحة النارية في المتاجر ولكن المبيعات الخاصة بين الأفراد لا تخضع لقواعد واسعة.

ويقول الناشط الحقوقي الامريكي رندي شورت ان الفساد وثقافة العنصرية والعنف لدى الشرطة الامريكية مستمدة من الفساد المستشري في النظام الامريكي الحاكم فالمال له نفوذ كبير في نظام الحكم وهذا يصدق على الشرطة ايضا فشركات الاسلحة تبذل كل ما بوسعها لجر المجتمع نحو العنف وبيع المزيد من السلاح لتحقيق ارباح. ان المجتمع الامريكي بات اليوم يسير في دوامة مغلقة من العنف حيث يزيد عنف المجرمين من عنف الشرطة وفي المقابل يتجه المجرمون نحو اساليب أعنف في اجرامهم، وتؤدي موجة العنف هذه الى مصادرة حق الحياة من المواطنين ويعرضهم للأخطار.

من جهتها قالت صحيفة واشنطن بوست ان افراد الشرطة قد قتلوا 957 شخصا في عام 2016 وهذا العدد لم يختلف كثيرا عن اعداد عام 2015 وتشير التحقيقات ان اكثر من قتلوا على يد الشرطة هم من السود، كما ان ربع المقتولين على يد الشرطة هم من المرضى النفسيين والعقليين، ورغم وعود الشرطة بالإصلاحات لكن يبدو ان العنصرية والعنف لدى الشرطة اصبحت ثقافة لايمكن اصلاحها على المدى المنظور.

الشرطة وقتل السود

وفي هذا الشأن أفادت دراسة مسحية بأن ثلاثة أرباع رجال الشرطة الأمريكيين قالوا إن تعاملهم مع ذوي الأصول الأفريقية بات مشوبا بمزيد من التوتر بعد مقتل عدد منهم وهم عزل على أيدي رجال شرطة وموجات الاحتجاج التي تلت تلك الحوادث. ووجدت الدراسة التي أعدها مركز بيو للأبحاث شعورا منتشرا على نطاق واسع بين رجال الشرطة بأن الجمهور يسيء فهمهم وأن الغضب الشعبي بسبب حوادث القتل على مدى الأعوام الماضية مدفوع بانحياز ضد الشرطة لا رغبة في محاسبة رجالها.

وأثار قتل رجال الشرطة لعدد من ذوي الأصول الأفريقية العزل خلال عام 2014 احتجاجات في أنحاء الولايات المتحدة ونموا للحركة الشعبية المعروفة باسم (بلاك لايفز ماتر) أو (حياة السود تهم). وقال مؤيدون للحركة ومنهم بعض الديمقراطيين إنها تلقي الضوء على مشكلة تم التغاضي عنها في الماضي وهي لجوء الشرطة للقوة المفرطة في تعاملها مع السود. وقال منتقدون للحركة ومنهم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إنها تضر بالشرطة التي تقوم بمهام خطرة بصورة جائرة.

وكتب باحثون في تقرير مصاحب لنتائج الدراسة أن "بين إدارات الشرطة تكشف الدراسة أن تداعيات تلك المواجهات الدامية كانت أقل وضوحا من الاحتجاجات الشعبية لكنها لم تكن أقل عمقا." وقال 75 في المئة من رجال الشرطة لمركز بيو للأبحاث إن مواجهاتهم مع السود صارت أكثر توترا في أعقاب حوادث القتل البارزة وما أعقبها من احتجاجات. ورأى ثلثا رجال الشرطة أن الاحتجاجات كانت مدفوعة "بدرجة كبيرة" بانحياز عام ضد الشرطة. ورأى ثلثا رجال الشرطة أيضا أن قتل السود العزل جاء في إطار حوادث فردية ولا يعتبر علامة على وجود مشكلة أوسع نطاقا. وأتى ذلك على النقيض من رأي الجمهور الذي رأى 60 في المئة منه في دراسة منفصلة للمركز أن حوادث القتل تشير إلى مشكلة منهجية أعمق.

وعبر أكثر من 90 في المئة من رجال الشرطة عن قلقهم بشأن سلامتهم بسبب تلك الاحتجاجات. وقال نحو ثلاثة أرباعهم إنهم -أو إن زملاءهم- صاروا أقل استعدادا لاستيقاف وسؤال من يثيرون الريبة أو اللجوء إلى القوى حتى حين يكون ذلك ملائما. وأيد 66 في المئة من رجال الشرطة و93 في المئة من الجمهور التوسع في تعليق كاميرات على ملابس رجال الشرطة لتسجيل تفاعلاتهم مع الجماهير. بحسب رويترز.

واعتمدت نتائج دراسة مركز بيو للأبحاث على استطلاعات عبر الإنترنت شملت 7917 رجل شرطة في 54 من إدارات الشرطة في الفترة بين 19 مايو أيار و14 أغسطس آب من العام الماضي. وقال المركز إنه لا يوجد هامش للخطأ في تلك النتائج لأن النظام الذي وصل به المركز إلى هذه المجموعة من رجال الشرطة لاستطلاع آرائهم معقد ومتعدد المراحل.

عنف مستمر

الى جانب ذلك قالت وسائل إعلام محلية في مدينة أتلانتا إن شخصا قتل وأصيب ثلاثة آخرون بالرصاص في محطة للقطارات بالمدينة وإنه تم إلقاء القبض على مشتبه به. وقالت هيئة النقل في المدينة في بيان إن الحادث وقع في محطة وست ليك. ونقلت قناة دبليو.إس.بي التلفزيونية عن مسؤولين قولهم إن جميع الضحايا في العقد الرابع من العمر. ونسبت قناة التلفزيون المحلية دبليو.جي.سي.إل لشهود عيان القول إن المهاجم، وهو رجل في الثلاثينيات من عمره، فتح النار عشوائيا على الركاب. ولم ترد هيئة النقل السريع في أتلانتا بشكل فوري على طلب للتعقيب ولكنها قالت في بيان إن المشتبه به اعتقل ويجرى التحقيق في الواقعة.

من جانب اخر أفادت وسائل إعلام محلية في شيكاجو الأمريكية بأن فتاة عمرها 12 عاما كانت من بين ستة أشخاص أصيبوا بإطلاق الرصاص داخل أحد مطاعم المدينة حيث كانوا يحضرون تأبين أحد قتلى حوادث إطلاق النار هناك. وقع الحادث مساء الأربعاء بعد يوم واحد من تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدخل اتحادي لمواجهة حوادث إطلاق النار في المدينة.

وذكرت صحيفة شيكاجو تريبيون أن إطلاق النار وقع في مطعم بحي جريتر جراند كروسنج حيث كان الناس يجتمعون لتأبين جامايا فيلدز (20 عاما) التي قتلت بالرصاص. وقال الناشط جيديدايا براون للصحيفة إن عصابة عرفت بأمر حفل التأبين واستهدفت شخصا كان يحضره.

وقال متحدث باسم شرطة المدينة إن المصابين الستة يتلقون العلاج بأحد المستشفيات المحلية. ومن بين المصابين فتى عمره 16 عاما أصيب بطلقة في رقبته ويرقد في حالة خطرة. والخمسة الباقون حالتهم مستقرة بما في ذلك الفتاة البالغة من العمر 12 عاما وهي مصابة بجرح بسيط في رأسها. بحسب رويترز.

وقال المتحدث إنه لم يتم بعد إلقاء القبض على أي مشتبه به على صلة بالحادث. ووفقا لبيانات مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) وشرطة شيكاجو وقع في المدينة التي يعيش فيها 2.7 مليون شخص أكبر عدد من حوادث إطلاق النار والقتل مقارنة بباقي المدن الأمريكية العام الماضي في حين جاءت المدينة في أواخر قائمة المدن التي يتم حل وإغلاق قضايا القتل فيها. وقال ترامب إنه "سيرسل‭‭‭‬‬‬ (رجال شرطة) اتحاديين" للحد من "مذبحة" العنف المسلح في شيكاجو إذا لم ينجح مسؤولوها المحليون في تقليل معدل جرائم القتل.

مطار فلوريدا

على صعيد متصل قال مسؤولون وشهود إن مسلحا فتح النار في منطقة استلام الحقائب في مطار فورت لودرديل-هوليوود الدولي في فلوريدا مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل قبل أن تحتجزه الشرطة. وقال مكتب قائد الشرطة إن خمسة أشخاص قتلوا وأصيب ثمانية آخرون في الحادث. ونقلت محطة (إم.إس.إن.بي.سي) عن شهود قولهم إن مطلق النار الذي لم يقل شيئا بدا رجلا في العشرينيات من عمره ويرتدي قميصا يحمل شعار سلسلة أفلام (ستار ورز) وإن الشرطة أطلقت النار عليه لدى محاولته إعادة تلقيم سلاحه.

ووصف جون شليتشر -الذي قال لمحطة (إم.إس.إن.بي.سي) إنه شاهد الهجوم- المسلح بأنه "رجل نحيف" وكان "يطلق النار علينا مباشرة" فيما انتظر الركاب لتسلم حقائبهم. وأضاف "خفضت رأسي وبدأت أتلو صلوات" وأشار إلى أن زوجته قدمت إسعافات أولية لشخص أصيب بطلق ناري في الرأس. وقال إن والدة زوجته استخدمت معطفها للاعتناء بمصاب آخر لكن تبين أنه فارق الحياة بالفعل. وأضاف أن المسلح أعاد تلقيم سلاحه ليطلق النار مرة ثانية لكنه لم يتمكن من تحديد عدد الطلقات التي أطلقها المهاجم.

وقال المطار في حسابه على تويتر "ثمة حادث يجري حاليا في صالة الركاب الثانية عند منطقة استلام الحقائب." ولم يتسن الوصول إلى متحدث باسم المطار على الفور للتعليق. وأظهرت لقطات بثتها محطات إخبارية أن مسؤولين أمنيين جمعوا الركاب في عدد من المناطق ومنعوهم من الخروج بما في ذلك في منطقة واحدة مفتوحة على الأقل. وقال آري فليشر وهو سكرتير إعلامي سابق للرئيس جورج دبليو بوش على حسابه على تويتر إنه حدث إطلاق نار و"الجميع يركضون". وأضاف "يبدو أن الجميع هادئون الآن لكن الشرطة لا تسمح لأي شخص بمغادرة المطار- على الأقل من المنطقة التي أنا فيها." بحسب رويترز.

واعتنت امرأة برجل جالس وهو ينزف خارج أحد مباني المطار وفقا لصورة نشرتها شركة لتكنولوجيا المعلومات في ميشيجان على تويتر. ونقلت صحيفة (يو.إس.إيه توداي) نقلا عن بث للشرطة في الموقع قولها إن الحادث لم يشارك فيه إلا مسلح واحد على ما يبدو وهو حاليا رهن الاحتجاز. وقال مكتب مدير شرطة مقاطعة بروارد على تويتر إنه تلقى اتصالا بشأن إطلاق نار في أحد صالات المطار. وقال حساب المطار على تويتر إن جميع الخدمات توقفت مؤقتا.

احكام وتحقيقات

من جهة اخرى حكمت هيئة محلفين اميركية بالاعدام على الشاب الاميركي الابيض ديلان روف إثر إدانته بقتل تسعة مصلين سود في هجوم مسلح نفذه في 2015 على كنيسة للسود في تشارلستون في كارولاينا الجنوبية في مجزرة صدمت العالم اجمع. ولدى النطق بالحكم لم يحرك روف (22 عاما) ساكنا، علما بأنه وخلال محاكمته التي تولى فيها الدفاع عن نفسه بنفسه لم يبد اي ندم على فعلته ولا قدم اعتذارا عما اقترفت يداه.

واتفقت هيئة المحلفين المكونة من 12 شخصا بالاجماع على ان جريمة روف تنطوي على كل الظروف المشددة ولا يمكن لمرتكبها ان يستفيد من اي عذر مخفف. وروف الذي يعتنق افكارا عنصرية تقول بتفوق العرق الابيض لم يسع خلال محاكمته الى التخفيف من وقع جريمته لا بل انه على العكس من ذلك سعى الى اثارة الاستفزاز إذ وصل به الامر خلال الجلسات الاخيرة لمحاكمته ان انتعل حذاء عليه شارات عنصرية. بحسب فرانس برس.

ودين روف بقتل تسعة أشخاص كانوا يصلون في كنيسة عمانوئيل التاريخية في تشارلستون في جنوب شرق الولايات المتحدة في 17 حزيران/يونيو 2015، في أسوأ جريمة عنصرية في التاريخ الحديث للولايات المتحدة. وانتهى القسم الاول من محاكمة روف في منتصف كانون الاول/ديسمبر باعتباره مذنبا بالتهم الموجهة اليه، ولكن المحكمة لم تقرر يومها العقوبة التي ستنزلها به بل عقدت لهذه الغاية منذ مطلع كانون الثاني/يناير الجاري جلسات استماع انتهت بجلسة النطق بالحكم. وفي مرافعته الاخيرة كرر المدان قناعته بما ارتكبت يداه، وقال "لقد اعتبرت انه يجب علي ان افعل ذلك وما زلت اعتبر انه كان علي ان افعله".

في السياق ذاته أعلنت السلطات في ولاية فلوريدا الأمريكية العثور على امرأة كانت خطفت وهي طفلة من مستشفى في جاكسونفيل في عام 1998 . ووفقا لمكتب رئيس شرطة جاكسونفيل فإن كاميا موبلي التي تبلغ من العمر الآن 18 عاما عثر عليها في منطقة وولتربورو بعد أن تم التحقق من هويتها من خلال اختبار الحمض النووي. وأبلغ مايك وليامز رئيس شرطة جاكسونفيل مؤتمرا صحفيا أنها تبدو في صحة جيدة و"امرأة طبيعية في الثامنة عشر من العمر".

وألقت السلطات القبض على جلوريا وليامز (51 عاما) في ساوث كارولاينا بتهم من بينها الخطف. وقال وليامز إن موبلي كانت تعتقد أن المرأة هي أمها. وأضاف أن القضية أثارت اهتماما واسعا وأدت إلى أكثر من 2500 بلاغ مشيرا إلى أن التحقيق الذي تجريه السلطات لا يزال في مراحله المبكرة. ووفقا لصحيفة محلية فإن حادث الخطف وقع عندما تظاهرت امرأة بأنها ممرضة وخطفت المولودة الجديدة من غرفة أمها في المستشفى.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي