امريكا في اليمن: تقويض لإيران أم تنبيه للسعودية؟
عبد الامير رويح
2017-03-08 09:48
في عهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وسعت الولايات المتحدة الامريكية، حربها ضد تنظيم القاعدة في اليمن، فبعد أسابيع من عملية إنزال جوي في محافظة البيضاء وسط البلاد أسفرت عن مقتل العشرات بينهم مدنيون وكما نقلت بعض المصادر، كان التنظيم عُرضة لسلسلة هجمات جوية في ثلاث محافظات يمنية متفرقة، ويرى بعض المراقبين ان ما يحدث اليوم في اليمن هو بداية لحرب واسعة ضد تنظيم القاعدة المصنف بأنه الأخطر في شبه جزيرة العرب. واستهدفت الغارات الأمريكية الأخيرة مواقع وشخصيات مهمة، منها مركز تدريب لمقاتلي القاعدة ، ومنزل القيادي البارز في القاعدة، عبد الإله الذهب، هذه الغارات المكثفة، سبقها عمليات استخبارية طويلة، فقد نفذت طائرات بدون طيار حملات تحليق مستمرة في سماء محافظتي البيضاء وأبين.
ويرى بعض الخبراء ان التصعيد الأمريكي في اليمن، ربما سيسهم بتقليص قدرة التنظيم وتحد من قدرته على استخدام الأراضي التي سيطر عليها. لكنها قد تدفع التنظيم الى اعتماد خطط جديدة وتجبره على القيام بهجمات إرهابية في دول اخرى، يضاف الى ذلك أن الإدارة الأمريكية ربما ستواجه انتقادات من قبل بعض الجهات، بسبب سقوط عدد من المدنيين بينهم أطفال ونساء في هذه الضربات.
وتتزامن الحرب على القاعدة، مع حرب موازية تعيشها اليمن، أسفرت عن تدهور الأوضاع الإنسانية إلى مستويات قياسية، ودخول أكثر من 18 مليون يمني تحت خط الفقر، ونزوح نحو 3 ملايين نسمة، وفقا للأمم المتحدة، ويرى البعض أن تصعيد الحرب على القاعدة وتنفيذ معارك برية للقوات الأمريكية، سيزيد من قوة القاعدة، بدليل التجربة الأمريكية في افغانستان والعراق، وسيدفع بمزيد من التعاطف في بيئة قابلة للاشتعال والتطرف.
أمريكا تستهدف القاعدة
وفي هذا الشأن قال سكان ومسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة نفذت موجة جديدة من الضربات ضد فرع تنظيم القاعدة في اليمن في أحدث مؤشر على تزايد تركيز الجيش الأمريكي على جماعة تنامت قوتها أثناء الحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد. وبعد يوم من قيام قوات أمريكية بشن أكثر من 20 ضربة جوية في اليمن أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تنفيذ بضع ضربات أخرى في محافظات شبوة وأبين والبيضاء. ويرفع ذلك إجمالي عدد الضربات الجوية في يومين إلى أكثر من 30 ضربة.
ولم يستبعد الكابتن جيف ديفيز المتحدث باسم البنتاجون المزيد من الضربات. وقال "لا أريد أن أكشف عن مستقبل العمليات لكن هذا جزء من خطة لملاحقة هذا التهديد الحقيقي جدا وضمان هزيمتهم وحرمانهم الفرصة لتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية من أماكن لا تسيطر عليها الحكومة في اليمن." وأبلغ سكان عن عملية عسكرية أمريكية في قرية وادي يشبم في محافظة شبوة بجنوب اليمن وقالوا إن بعض الضربات أصابت منازل مدنية وأصيب فيها عدد غير معروف من المدنيين.
وبعد ساعات أفاد سكان في منطقة جبل موجان بمحافظة أبين المجاورة أيضا بوقوع ضربات جوية. وتحدث سكان أيضا عن اشتباكات برية بين جنود أمريكيين ومسلحي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لكن البنتاجون نفى رسميا أي غارات أمريكية أو قتال على الأرض. وقال ديفيز "أعرف أن هناك تقارير عن اشتباكات وغارات. لم تكن هناك أي قوات أمريكية مشاركة... ليس منذ الغارة التي علمتم بها." وشنت الولايات المتحدة غارة في أواخر يناير كانون الثاني ضد تنظيم القاعدة في اليمن نفذتها قوات أمريكية خاصة وأسفرت عن مقتل 14 من مسلحي التنظيم وجندي أمريكي من القوات الخاصة التابعة للبحرية بالإضافة إلى مدنيين. بحسب رويترز.
وقال البيض الأبيض ومسؤولون أمريكيون كبار إن تلك العملية نتج عنها معلومات مخابرات قيَمة لكن منتقدين شككوا في قيمتها وفعاليتها. وأشار ديفيز إلى أن أيدي القاعدة ملطخة بالدم الأمريكي أكثر من تنظيم داعش. وفي عام 2000 قاد مفجرون من القاعدة زورقا مملوءا بالمتفجرات ليرتطم بالمدمرة الأمريكية يو إس إس كول أثناء إعادة تزويدها بالوقود في ميناء عدن اليمني مما أسفر عن مقتل 17 من جنود البحرية الأمريكية وإصابة أكثر من 30 آخرين.
الغارة كانت ناجحة
من جانب اخر أصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن غارة وقعت باليمن في يناير كانون الثاني كانت ناجحة وجمعت معلومات حيوية ضد فرع تنظيم القاعدة هناك برغم الشكوك حول فاعلية المهمة. وفي أول خطاب تلفزيوني له أمام الكونجرس منذ توليه السلطة في 20 يناير كانون الثاني تعرف ترامب بين الحضور على أرملة جندي القوات الخاصة بالبحرية الأمريكية وليام "ريان" أوينز الذي قتل في العملية. وسال الدمع على وجهها عند وقوفها وصفق المشرعون لها وقوفا.
ورد البيت الأبيض على الانتقادات للغارة وهي الأولى من نوعها التي يجيزها ترامب باعتباره قائدا أعلى للقوات المسلحة. ودعا والد أوينز في مقابلة صحفية إلى فتح تحقيق. وقتل أوينز (36 عاما) في الغارة التي استهدفت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في محافظة البيضاء في 29 يناير كانون الثاني. وقال ترامب في الجلسة المشتركة للكونجرس إنه تحدث منذ قليل مع وزير الدفاع جيمس ماتيس "الذي جدد التأكيد على أن.. وأنقل عنه قوله.. ‘ريان كان ضمن غارة حققت نجاحا كبيرا وجمعت قدرا كبيرا من المعلومات الحيوية ستقود إلى كثير من الانتصارات في المستقبل على أعدائنا‘." وبرغم أن ترامب لم يذكر تفاصيل فقد قال مسؤول أمريكي كبير في وقت سابق إن المعلومات تشمل عمليات تصنيع المتفجرات وأنشطة الاستهداف والتدريب والتجنيد للتنظيم. بحسب رويترز.
وقال المسؤول مشترطا عدم الكشف عن اسمه إن تلك المعلومات ذات أهمية كبيرة في ضوء التهديد الذي يشكله هذا التنظيم منذ فترة طويلة. ويضم التنظيم واحدا من أكثر صناع القنابل إثارة للخوف في العالم وهو إبراهيم حسن العسيري. ويشكل التنظيم مصدر قلق دائم للحكومة الأمريكية منذ محاولة في 2009 لتفجير طائرة ركاب متجهة إلى ديترويت يوم عيد الميلاد.
مكافحة الإرهاب
في السياق ذاته قال اليمن إنه لم يعلق عمليات مكافحة الإرهاب مع الحكومة الأمريكية رغم الجدال حول غارة للقوات الخاصة الأمريكية استهدفت متشددين للقاعدة وأسفرت عن مقتل عدة مدنيين. وأدت الغارة في محافظة البيضاء بجنوب اليمن والتي أقرها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى نشوب معركة بالبنادق قتل فيها أحد أفراد قوات العمليات الخاصة بالبحرية الأمريكية وأحرقت طائرة أمريكية. وقال مسعفون محليون إن عدة نساء وأطفال قتلوا.
وقال مسؤولون يمنيون إن صنعاء لم تسحب تصريحها للولايات المتحدة بتنفيذ عمليات برية خاصة لكنها أوضحت "تحفظاتها" بشأن العملية السابقة. وقالت السفارة اليمنية في واشنطن في بيان إن الحكومة تؤكد أنها لم تعلق أي برامج تتعلق بعمليات مكافحة الإرهاب في اليمن مع حكومة الولايات المتحدة.
وأضاف البيان أن الحكومة اليمنية تؤكد مجددا موقفها الثابت بأن أي عمليات تنفذ في اليمن يجب أن تتم بالتشاور مع السلطات اليمنية مع اتخاذ إجراءات احتياطية لمنع وقوع خسائر في صفوف المدنيين. وقال مسؤول يمني كبير إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اجتمع مع السفير الأمريكي لدى اليمن و"أبدى تحفظاته بشأن المشكلات التي واجهت العملية الأخيرة." وذكر مسؤولون عسكريون أمريكيون أنهم يحققون في تقارير عن مقتل مدنيين في الغارة. وانتقد السناتور الأمريكي جون مكين العملية وقال لمحطة (إن.بي.سي) الإخبارية "عندما نفقد طائرة قيمتها 75 مليون دولار والأهم فقدان حياة أمريكي ... فلا أعتقد أنه يمكن وصف ذلك بالنجاح."
لكن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر دافع عن العملية ووصفها بأنا كانت "ناجحة تماما". وقال سبايسر "أعتقد أن أي شخص يقلل من نجاح تلك الغارة فهو مدين بالاعتذار ويسيء لحياة أوينز" في إشارة إلى الجندي الأمريكي القتيل. وتؤيد الحكومة اليمنية حملة أمريكية ضد فرع تنظيم القاعدة القوي في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
وقتلت عشرات من الضربات بطائرات بدون طيار في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قادة بارزين لكنها كثيرا ما قتلت مدنيين كذلك. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع هادي "وممثليه لضمان أن تظل هذه العلاقة المهمة قوية من أجل القضاء في نهاية المطاف" على القاعدة وداعش في اليمن. لكن غارة القوات الخاصة كانت ثاني هجوم بري يعلن عنه تنفذه القوات الأمريكية في اليمن بعد أن شن أوباما محاولة فاشلة عام 2014 لإنقاذ رهينتين يحتجزهما تنظيم القاعدة انتهت بقتلهما.
وتعقد الوضع بسبب انخراط اليمن في حرب أهلية بين الحكومة المدعومة من السعودية وحركة الحوثيين المسلحة المدعومة من إيران. والحكومة اليمنية معترف بها دوليا لكن الحوثيين يسيطرون على أغلب أراضي البلاد بما فيها العاصمة صنعاء. وقد تكون الغارة أزعجت الحكومة كذلك ليس فقط لقتلها مدنيين أبرياء ولكن أيضا لقتلها عبد الرؤوف الذهب أحد القادة المحليين للقاعدة الذي كان حليفا لقبائل موالية للحكومة تحارب الحوثيين. بحسب رويترز.
ومن شأن ذلك أن يبعد هذه القبائل التي تقاتل في صف الحكومة وتساعد القاعدة على تجنيد مقاتلين. وقال زعيم قبلي يمني من البيضاء إنه كان من الخطأ قتله وقتل الأطفال فقد كان يقاتل الحوثيين ولا يفكر على الإطلاق في شن هجمات بالخارج. وأضاف إنه إذا كانت الحكومة قد سمحت بذلك فهو خطأ. ولم يتضح ما إذا كانت الحكومة وافقت على الغارة أو ما إذا كانت تصرح بكل طلعة للطائرات الأمريكية بدون طيار لكن مسؤولا أمنيا يمنيا قال إن الهجمات ستستمر في كل الأحوال. وقال المسؤول "للأمريكيين مصادرهم الخاصة للحصول على معلومات المخابرات بين مرشدين محليين ومسؤولين صغار لذلك فهم لن يحتاجوا بالضرورة لمساعدة الحكومة في هجماتهم."
لصالح التنظيم
على صعيد متصل قالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير إن غارة للقوات الخاصة صدق عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ربما منحت تنظيم القاعدة دفعة دعائية. وقال مسعفون محليون إن 30 شخصا من بينهم عشر من النساء والأطفال قتلوا في هجوم نفذته طائرة هليكوبتر بمشاركة قوات برية على مجموعة منازل في محافظة البيضاء بجنوب اليمن. وقالت القاعدة في بيان إن زعيما لها وعددا لم تحدده من مقاتليها لقوا حتفهم فيها.
كما قتل جندي أمريكي في الهجوم وقال متحدث باسم البنتاجون إن بعض السيدات كن يطلقن النار على القوات الأمريكية. وكتبت أبريل آلي كبيرة محللي شؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية تقول إن "الغارة... مثال جيد على ما لا ينبغي فعله." وأضافت أن "استخدام القوات الأمريكية والعدد الكبير من الضحايا المدنيين... يلهب المشاعر ويولد استياء من الولايات المتحدة في أنحاء الساحة السياسية اليمنية وهو ما يصب في مصلحة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب."
وساهمت الحرب الأهلية المستمرة منذ ما يقرب من عامين في اليمن في توسع فرعين محليين لتنظيمي القاعدة وداعش وتنفيذهما هجمات جديدة داخل اليمن. وتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب أحد أفرع الجماعة الأكثر نشاطا على مستوى العالم وكان مسؤولا عن محاولة تفجير طائرة متجهة للولايات المتحدة كما أعلن مسؤوليته عن تنفيذ هجوم على مقر مجلة شارلي إبدو الساخرة في باريس عام 2015. بحسب رويترز.
وقالت المجموعة الدولية للأزمات إن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أعلن مرارا عن قتل زعماء للتنظيم في هجمات لطائرات بدون طيار لكن هذه الاستراتيجية قد لا تنجح في النهاية في القضاء عليه. وأضافت "من السابق لأوانه تحديد الاستراتيجية الأوسع التي ستتبعها إدارة ترامب في اليمن إن كانت هناك استراتيجية أوسع... (لكن ضربات الطائرات بدون طيار) لم تنجح في وقف نموه السريع" مشيرا إلى تنظيم القاعدة.