معركة الموصل: بين اقتراب النصر وهواجس الخلايا النائمة

عبد الامير رويح

2017-02-25 06:00

تواصل القوات العراقية المشتركة انتصاراتها وتقدمها السريع صوب تحرير ما تبقى من مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، الذي تكبد خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، ويرى بعض المراقبين ان الايام القادمة ربما ستكون أصعب في الأيام القادمة، خصوصا وان القوات المشتركة ستخوض معارك في مناطق ذات كثافة سكانية وهو ما قد يعيق تقدمها، خصوصا وان التنظيم الارهابي سيسعى الى استخدام السكان كدروع بشرية، الامر الذي سيزيد المخاطر التي تحدق بنحو 750 ألف مدني هناك.

وتقول الأمم المتحدة بحسب بعض المصادر، إن ما يصل إلى 400 ألف مدني قد يضطرون للنزوح تحت وطأة الهجوم في حين يعاني سكان غرب الموصل من نقص الغذاء والوقود والأسواق مغلقة. ويضم غرب الموصل مركز المدينة القديمة بأسواقها العتيقة إضافة إلى المباني الحكومية الإدارية والجامع الذي أعلن منه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي قيام دولة الخلافة على مناطق من سوريا والعراق بعد الهجوم الخاطف الذي نفذه التنظيم في 2014. ومقاتلو داعش محاصرون فعليا في غرب الموصل بعد طردهم من شرق المدينة في المرحلة الأولى من الهجوم التي اختتمت الشهر الماضي بعد اكثر من 100 يوم من القتال. ويقول مسؤولون بالأمم المتحدة إن نحو 160 ألف مدني نزحوا من منطقة الموصل منذ بدء الهجوم في أكتوبر تشرين الأول. واختار كثيرون آخرون البقاء في منازلهم رغم الحرب.

وفيما يخص بعض تطورات ملف تحرير مدينة الموصل، فقد أعلن قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت، عن تحرير قوات الشرطة الاتحادية قرية اليرموك في الموصل. وقال ان "قطعات الشرطة الاتحادية تمكنت من تحرير قرية اليرموك في الموصل، بعد قتل عدد من الإرهابيين خلال تقدمها".

وأضاف جودت، ان "قطعات الشرطة الاتحادية وبعد تحريرها قرية اليرموك تمكنت من الاقتراب 500 متر من مطار الموصل"، لافتا الى "انهيار تنظيم داعش امام تقدم قوات الاتحادية نحو المطار". يذكر أن الشرطة الاتحادية والقوات الأمنية من جهاز مكافحة الإرهاب والجيش يواصلون تقدمهم تحرير الموصل من مسلحي تنظيم داعش.

مطار الموصل

من جانب اخر أصبحت القوات العراقية جاهزة لاقتحام مطار الموصل بعد مهاجمتها مواقع الجهاديين في العملية العسكرية الجديدة التي تهدف الى استعادة المعقل الرمزي الرئيسي لتنظيم داعش في البلاد. وعززت قوات النخبة مواقعها التي تسلمتها حديثا بعد التقدم جنوب الموصل فيما فر مئات المدنيين من القرى التي استعيدت مؤخرا. واعلنت الشرطة الاتحادية في بيان انه "تم اجلاء 480 مواطنا نزحوا من قريه اليرموك ونقلهم الى القرى الجنوبية المحررة".

واستعادت القوات العراقية حاجز التفتيش الرئيسي جنوب الموصل وقرية البوسيف المطلة على مطار الموصل ومعسكر الغزلاني اكبر القواعد العسكرية جنوب الموصل. ولم تباشر القوات العسكرية بعمل عسكري كبير ا فيما يتوقع ان يقوم وزيرا الداخلية والدفاع بزيارة للخطوط الامامية في الجبهة.

وقال ضابط في قوات الرد السريع وهي قوات النخبة التابعة للشرطة الاتحادية، ان التحرك باتجاه المطار سيجري خلال الايام القليلة القادمة، وهو هدف رئيسي قبل مطاردة الجهاديين في الشوارع الضيقة. وكان مسؤول اميركي في الاستخبارات قال انه "لم يبق سوى الفي جهادي" في القسم الغربي من المدينة. وكان عددهم يقدر ما بين خمسة الى سبعة الاف قبل بدء الهجوم الواسع النطاق في 17 تشرين الاول/اكتوبر .

ويقدر عدد المدنيين العالقين في الجانب الغربي لمدينة الموصل ب 750 الفا نصفهم من الاطفال وهم يعانون من نقص كبير في الأغذية والأدوية، بحسب منظمات الاغاثة الدولية. وقال موظف في مستشفى الجمهوري الواقع في الجانب الغربي لمدينة الموصل، ان "داعش اغلق كل المستشفيات، وهم فقط من يتلقى العلاج الان". وتدهورت صحة الكثير من السكان ويعاني الناس من سوء التغذية ونقص الادوية، في ظل حكم التنظيم. وتابع الموظف "حتى قبل غلق المستشفيات، كان على الناس دفع مبالغ لداعش (مقابل العلاج)، وهم لا يملكون اي مال".

واشار الى ان العلاج كان مجانيا في المستشفيات قبل ان يسيطر تنظيم داعش على ثاني مدن العراق في حزيران/يونيو 2014. وتحدث اطباء وسكان عن تدهور الوضع الصحي في الجانب الغربي المحاصر وحدوث وفيات بين الاطفال بسبب نقص الغذاء والدواء. الى ذلك حذرت منظمات اغاثية من خطورة الوضع على السكان خلال المعارك فيما اذا قرروا الفرار او البقاء على حد سواء. واعلنت القوات العراقية تحرير الجانب الشرقي بالكامل قبل شهر لكن الوضع الامني لايزال غير مستقر، خصوصا بعد مغادرة قوات مكافحة الارهاب لاستعادة الجانب الغربي.

ومع استمرار وجود نصف مليون شخص يعيش في هذا الجانب، تحتاج القوات الامنية اجراءات امنية طويلة للكشف عن عناصر التنظيم الذين اختبأوا بين السكان وهي مسألة في غاية الصعوبة. ونفذ التنظيم سلسلة من الهجمات في الاحياء "المحررة" كما عثر سكان الجانب الشرقي من الموصل على منشورات امام منازلهم تطالبهم بترك منازلهم ومغادرة المناطق. بحسب فرانس برس.

وجاء في احد المنشورات "الى جميع السكان والمتواجدين في الجانب الشرقي، عليكم الخروج ومغادرة المدينة باسرع وقت ، فبقاؤكم يعرضكم للهلاك وستكونون هدفا مشروعا للمجاهدين". وفي الوقت الذي عاد فيه نحو خمسون الف نازح من بين 200 الف نازح فروا من مناطقهم منذ الشهر الاول من الهجوم، مازال كثيرين يفرون من مناطقهم رغم استعادة السيطرة عليها خوفا من الوقوع وسط الاشتباكات.

هجوم تلعفر

الى جانب ذلك أعلنت قوات الحشد الشعبي قطع الطريق الرئيسي الرابط بين مدينتي الموصل وقضاء تلعفر غرب المدينة، فضلا عن استعادتها السيطرة على قرى جنوب غرب القضاء ضمن عملية عسكرية بدأتها. وقال المتحدث باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي وكما نقلت بعض المصادر، إن "قطعات الحشد تتقدم صوب جنوب غرب تلعفر للقضاء على جيوب تنظيم داعش في تلعفر، التي تقع على بعد 60 كيلومترا إلى الغرب قرب الحدود السورية.

وأضاف الأسدي "لا نتوقع أن تكون المعركة سهلة أو قصيرة"، مؤكدا "قطع الطريق الرئيسي الرابط بين تلعفر ومدينة الموصل، ووصول لواء 26 إلى قرية السحاجي وسيطرته على ذلك الشارع الرئيسي". وتحدث الأسدي عن إكمال الصفحة الأولى من المرحلة السادسة لعمليات تحرير الجانب الغربي من محافظة نينوى، مشيرا الى أن القطعات العسكرية التابعة للحشد أضحت قريبة من الجانب الجنوب الغربي لقضاء تلعفر، قائلا: "قطعات الحشد بدأت، بعملياتها ضمن المرحلة السادسة نحو عدد من القرى لتحريرها جميعها"، مضيفا أن "تلك القرى كان العدو يتحرك منها بقوة خلال الأيام الماضية" باتجاه قطعات الحشد.

من جهته أكد القيادي في الحشد أبو مهدي المهندس، أن هذ التحركات "مقدمة لتحرير كامل (منطقة) غرب الموصل وتلعفر والسيطرة عليها"، مضيفا أن "العملية ستكون طويلة وتحتاج لجهد طويل من قبل (قوات) الجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، ولكننا عازمون على تحرير كامل هذه المنطقة خلال فترة معقولة". وفي بيان رسمي أعلن الحشد الشعبي مقتل عمار مصطفى يوسف المدعو بـ "والي تلعفر" باستهدافه من قبل طيران الجيش العراقي، وفق معلومات استخبارية ، إلى جانب العشرات من عناصر التنظيم، بالإضافة إلى تدمير 13 سيارة مفخخة. وكانت قوات الحشد الشعبي قطعت الطريق المتجه غربا، الذي يربط مدينة تلعفر بسوريا في نوفمبر/تشرين الثاني، لكن التنظيم استمر بالسيطرة على طريق يربط الموصل بتلعفر.

الخلايا النائمة

على صعيد متصل فبالنسبة لغيره كان مجرد جامع قمامة وظفه تنظيم داعش لتنظيف شوارع مدينة الموصل العراقية لكن الحقيقة هي أنه كان يرشد عن المتشددين. وعلى مدى أكثر من عامين خاطر الشاب البالغ من العمر 24 عاما بحياته لتقديم المعلومات عن مواقع المتشددين للقوات العراقية التي نجحت أخيرا في إخراجهم من الشطر الشرقي للمدينة في يناير كانون الثاني. ويقول الشاب الذي يساعد قوات الأمن الآن في رصد الخلايا النائمة "لم يكن هناك من يعرفني. أنا أعرفهم (المتشددين) كلهم شخصيا."

وقتل كثير من المتشددين أو اعتقلوا أو هربوا خلال المعارك التي استمرت ثلاثة أشهر لكن بعضهم حلقوا لحاهم وعادوا للاندماج وسط المدنيين على أمل تفادي رصدهم. وفي الوقت الذي تهاجم فيه القوات العراقية مقاتلي داعش في غرب المدينة تشن أجهزة الأمن عملية مختلفة في الشرق ستحدد إن كانت الموصل ستنعم بالاستقرار في المستقبل أم أن أجواءها مهيأة لحملة جديدة للمتشددين.

وسيتوقف النجاح كثيرا على التعاون بين قوات الأمن والسكان وهم الأقدر على رصد المتشددين الذين يختبئون بينهم. وقبل أن يجتاح التنظيم الموصل في صيف 2014 كان العديد من السكان يشعرون بالغضب تجاه أجهزة الأمن التي اعتبروها فاسدة وتفتقر للكفاءة. وقال اللواء المسؤول عن عملية الرصد والذي طلب عدم نشر اسمه "لا نريد تكرار أخطاء الماضي. كانت هناك أخطاء من الجانبين. لم يكن الناس يتعاونون مع أجهزة الأمن."

ويقوم جهاز الأمن الوطني العراقي الآن بالتنقل من حي لآخر وتفتيش المنازل والتحقق من أن أسماء السكان ليست واردة في قاعدة بيانات تضم أسماء آلاف المطلوبين في جميع أنحاء العراق. وقال أحد ضباط الأمن الوطني إنه منذ بدء العملية في فبراير شباط جرى فحص أكثر من نصف الشطر الشرقي والقبض على أكثر من 240 مشتبها به. لكن السكان يشكون من أن العملية عشوائية وفجر انتحاريان نفسيهما في شرق الموصل فيما شنت القوات العراقية هجوما على الشطر الغربي الذي لا يزال تحت سيطرة التنظيم المتشدد.

وأغلق الجيش حي الكرامة واقتاد كل الرجال في سن التجنيد إلى مدرسة ابتدائية حيث جرى فحصهم بعد تفتيشهم فردا فردا للتأكد من أنهم لا يخبئون أسلحة أو متفجرات تحت ملابسهم. لكن المرشد هو من دل ضباط المخابرات على معظم المشتبه بهم. بحلول الظهيرة كان قد تم التوصل إلى ثلاثة مشتبه بهم أحدهم من أفراد عائلته. وذكر أن السكان يحجمون عن تسليم المتشددين المختبئين. وقال "بعضهم يشعر بالخوف."

وتم جمع المشتبه بهم الذين أبلغ عنهم في المدرسة حيث تعود جداول الحصص المعلقة على الجدران إلى 2014 وكأن الزمن توقف عندما اجتاحت داعش المدينة. ولا تزال آثار وجود المتشددين ظاهرة في اللوحات الملونة على الجدران. طُمست وجوه الكائنات الحية مثل وجه فراشة أو شخصية سبونج بوب سكوير بانتس الكارتونية بطلاء باللون الأسود تنفيذا لحظر تصوير الكائنات الحية. بحسب رويترز.

وقاد ضابط مخابرات أحد المشتبه بهم في ممر ومنه إلى حجرة دراسية وأجلسه على مقعد بعد أن أفرغ جيوبه التي كان بها مصحف. ونفى الشاب مبايعته لتنظيم داعش وقال إن المتشددين اعتقلوه للاشتباه في أنه يعمل مخبرا للقوات العراقية. وقال الشاب "سأخبرك بكل ما تريد معرفته" وذكر أسماء أشخاص قال إنهم انضموا للتنظيم. وأضاف "لو كنت ارتكبت خطأ هل كنت سآتي إلى هنا؟" لكن الضابط لم يقتنع وعلل ذلك بإفادات من شهود رأوا الشاب وهو يرتدي زي التنظيم.

وأقر الشاب أخيرا أن شقيقه عضو في داعش لكنه أصر على براءته وطلب من الضابط أن يقتله في التو واللحظة إذا ثبت أنه مذنب. وقال الضابط "لدينا مصادر ولديهم مصادر.. إنهم (المشتبه بهم الثلاثة) خلايا نائمة".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي